بورصة مينا البصل.. كنز معماري يحكي التاريخ الذهبي لتجارة القطن في مصر
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
مكتب بورصة أقطان مينا البصل، الذي يتزين الخط العربي المزخرف، لا يزال يحتفظ بجماله رغم مرور السنين، في مبنى تراثي عمره عقود، وكان هذا المبنى شاهدًا على صفقات كبرى ساهمت في انتعاش الاقتصاد المصري، في فترة كانت واحدة من أفضل الفترات التي صنعت مجد تجارة القطن في مصر، وكان قلبًا نابضًا للأسواق العالمية، حيث اجتمع فيه رجال الأعمال، والسماسرة، والمصدرون الذين جعلوا من هذه البورصة نقطة محورية في عالم التجارة.
وقال محمد السيد، مسؤول الوعي الأثري بإدارة آثار الإسكندرية، حول تاريخ هذا المبنى: «إنه واحد من ثلاث بورصات في العالم كانت رائدة في تجارة الأقطان».
أقدم بورصات العالم بعد بورصة أمسترداموأضاف «السيد» في تصريحات لـ«الوطن»: «تعد بورصة مينا البصل أول بورصة لبيع الأقطان في الشرق الأوسط، والتي تأسست عام 1872، وهي من أقدم بورصات العالم بعد بورصة أمستردام (التي تأسست عام 1603) وبورصة نيويورك (التي تأسست عام 1870)، ما يجعلها أقدم بورصة في الشرق الأوسط وثالثة في العالم».
وأوضح أنه جرى تسجيل هذا المبنى في قائمة التراث المعماري برقم 535، ومن أبرز مؤسسيها مدير البنك الإنجليزي في الإسكندرية وأول رئيس مصري لها، محمد فرغلي باشا، في عام 1935.
وأشار محمد السيد إلى أن المبنى احتفظ برونقه وجماله، وكأن أصوات التجار لا تزال تتردد بين جدرانه، ويقع هذا المبنى على مساحة تزيد عن 8 آلاف متر مربع، أي ما يعادل حوالي فدانين، ويتكون المبنى من طابقين، يحتوي الطابق الأول على 125 مكتبًا للبنوك والسماسرة والمصدرين، بينما كان الطابق الثاني مخصصًا للملحقين التجاريين وفرازي القطن والقوموسيونجية.
وحول تصميم المبنى، أوضح «السيد» أن الخديوي إسماعيل أمر ببنائه، وكلف المهندس الإيطالي «بترو أفوسكاني» بتصميمه، وبدأ العمل فيه برأسمال قدره 70 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم في تلك الفترة، وجذب هذا المبنى كبار رجال المال من جميع أنحاء العالم.
ومن هنا بدأت المضاربات على أسعار القطن، وتم إبرام العقود الآجلة بأسعار مستقبلية، ما جعل الإسكندرية واحدة من أهم محاور التجارة العالمية، بحسب «السيد».
وأوضح محمد السيد أن الدولة العثمانية منحت امتيازات تملك شركات القطن للأجانب، وسمحت في عام 1883 بالتعامل بالعقود الآجلة في بورصة مينا البصل، ليُسمح لها بالدخول في السوق العالمية، بينما كان بيع الأقطان يتم سابقًا على البضائع الحاضرة.
أشهر تجار البورصةوألمح محمد السيد إلى أن البورصة شهدت فترات ازدهار ذهبية كانت المتحكمة في الاقتصاد الكلي للدولة، وضمّت كبار التجار مثل «مورينيو شيكوريل، وذرفوداكي، وقرداحي، وبناكي» وهم من أشهر رجال الأعمال في مصر.
ويذكر أيضًا أن المهندس الإيطالي «بترو أفوسكاني»، الذي صمم هذا المكان، له أعمال أخرى عديدة، منها تنفيذ ديكورات قصر رأس التين وقصر الحلمية وقصر العباسية في القاهرة، بالإضافة إلى تصميم حي الأزاريطة في الإسكندرية ليكون دار عزل للمسافرين القادمين إلى المدينة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: عمارة قصر تراث الإسكندرية تجارة القطن هذا المبنى محمد السید
إقرأ أيضاً:
عبقرية أعظم إنسان فى التاريخ...!"1"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عندما أجريت حوارًا، منذ عِدَّةِ أعوام، مع أهم رمز من رموز الثقافة العربية،وهو الأستاذ رجاء النقاش، حدثني عن ذكرى هامة لا ينساها أبدا، حيث ذهب مع الاستاذ" سعد الدين وهبه" لزياره المفكر الكبير "عباس محمود العقاد" بمنزله، ثم كتب بعد هذه الزيارة مقالًا بعنوان "نصف ساعه في بيت العقاد" ذكر فيها انطباعاته بإِبْهَار شديد ....
وقال لى فى هذا الحوار انه من المفيد أن أقول لك أن الأستاذ "العقاد" جامعة وإنه أكثر من استفاد من كتبه وفكره...وأضاف أن كتب الأستاذ" العقاد" جامعة كاملة لكل من يريد أن يقرأ فهو للحق كاتب عظيم ملم بثقافات العالم وبكل الاتجاهات المختلفة ومن ناحية أخرى لديه قدرة فائقة على الهضم والاستنتاج والعرض...
وقال لو قرأ اي انسان ما كتبه الاستاذ "العقاد" لحصل على ثقافة عالية جدًا...لأن علمه غزير وثقافته واسعة...
بعد هذا الحوار كان على ان أَعُود مُجَدَّدًا لقراءة الكثير من مؤلفات المفكر الكبير عباس محمود العقاد وخاصة ما كتبه عن العبقريات الإسلامية...
وأحب أن أبدا معك فى إلقاء الضوء على كتابه الرائع والهام وهو "عبقرية محمد" وفيه تجلى بابداع فى اظهار عظمة سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد كتب فى مسـتـهـلّه عن اليوم الذي سمع فيه أول اقتراح له بتأليفه:
قال: كنت أقيم في ضاحية العباسية البحرية على مقربة من الساحة التي كانت معدة للاحتفال بالمولد النبوي في كل عام...
ولنا مجموعة من الأصدقاء المشتغلين بالأدب يشتركون في قراءة كتبه العربية والافرنجية...
وفي يوم من أيام المولد كان الكاتب الانجليزي العظيم "توماس كارليل" هو محور الحديث كله، لأنه كما يعلم الكثيرون بين قراء العربية صاحب كتاب" الأبطال" الذي عقد فيه فصلا عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وجعله نموذج البطولة النبوية بين أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل... وإنا لنتذاكر آراءه ومواضع ثنائه على النبي، اذ بدرت من أحد الحاضرين الغرباء عن المجموعة كلمة نابية غضبنا لها واستنكرناها لما فيها من سوء الأدب وسوء الذوق وسوء الطوية وكان الفتى الذي بدرت منه الكلمة متحذلقا يتظاهر بالمعرفة ويحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الاطلاع على الفلسفة والعلوم الحديثة.. فكان مما قاله شيء عن النبي والزواج، وشيء عن البطولة، فحواه: أن بطولة محمد أنما بطولة سيف ودماء...!
قلت: «ويحك!.. ما سوغ أحد السيف كما سوغته أنت بهذه القولة النابية!».
وقال صديقنا المازني
(أى يقصد "إبراهيم عبد القادر المازني الكاتب والشاعر والناقد ) «بل السيف أكرم من هذا، وانما سوغ صاحبنا شيئا آخر يستحقه.. وأشار إلى قدمه!».
وارتفعت لهجة النقاش هنيهة، ثم هدأت بخروج الفتی صاحب الكلمة، واعتذاره قبل خروجه بتفسير كلامه على معنی مقبول، أو خيل اليه أنه مقبول...
وتساءلنا: ما بالنا نقنع بتمجيد "كارليل" للنبي، وهو كاتب غربي لا يفهمه كما نفهمه، ولا يعرف الاسلام كما نعرفه. ثم سألني بعض الاخوان:
«ما بالك أنت يا فلان لا تضع لقراء العربية كتابا عن محمد على النمط الحديث؟».
قلت: «أفعل.. وأرجو أن يتم ذلك في وقت قريب»...
ولكنه لم يتم في وقت قريب...بل تم بعد ثلاثين سنة! وشاءت المصادفة العجيبة أن تتم فصوله في مثل الأيام التي سمعت فيها الاقتراح لأول مرة...
فكتبت السطر الأخير فيه يوم مولد النبي على حسب الشهور الهجرية، واتفقت هذه المصادفة على غير تدبير مني ولا من أحد، لأني لم أدبر لنفسي أوقات الفراغ التي هيأت لي أتمام فصوله وتقسيم العمل فيه يوما بعد يوم...
وأكد المفكر العملاق عباس محمود العقاد أن «عبقرية محمد» عنوان يؤدي معناه في حدوده المقصودة ولا يتعداها، فليس الكتاب سيرة نبوية جديدة تضاف إلى السير العربية والافرنجية التي حفلت بها «المكتبة المحمدية» حتى الآن... وليس الكتاب شرحًا للاسلام أو لبعض أحكامه أو دفاعًا عنه أو مجادلة لخصومه... فهذه أغراض مستوفاة في مواطن شتى يكتب فيها من هم ذووها ولهم دراية بها وقدرة عليها... أنما الكتاب تقدير «لعبقرية محمد» بالمقدار الذي يدين به كل انسان ولا يدين به المسلم وکفی، وبالحق الذي يبث له الحب في قلب كل انسان، وليس في قلب كل مسلم وکفی...
فمحمد هنا عظیم.. لأنه قدوة المقتدين في المناقب التي يتمناها المخلصون لجميع الناس... عظيم لأنه على خلق عظيم...
كما انه أشار الى سبب كتابة مؤلفه بقوله:
وحسبنا من «عبقرية محمد» أن نقيم البرهان على أن محمدًا عظيم في كل ميزان: عظيم في ميزان الدين، وعظيم في ميزان العلم، وعظيم في ميزان الشعور، وعظيم عند من يختلفون في العقائد ولا يسعهم أن يختلفوا في الطبائع الآدمية
لقد كتب إشادة بحق فى مقدمة كتابه لسيد الخلق أجمعين بقوله:
إن عمل محمد لكاف جد الكفاية لتخويله المكان الأسنى من التعظيم والاعجاب والثناء..
انه نقل قومه من الايمان بالأصنام إلى الايمان بالله، ولم تكن أصناما كأصنام يونان يحسب للمعجب بها ذوق الجمال أن فاته أن يحسب له هدي الضمير، ولكنها أصنام شائهات كتعاويذ السحر التي تفسد الأذواق وتفسد العقول، فنقلهم محمد من عبادة هذه الدمامة إلى عبادة الحق الأعلى...
عبادة خالق الكون الذي لا خالق سواه، ونقل العالم كله من ركود إلى حركة ومن فوضى إلى نظام، ومن مهانة حيوانية إلى كرامة انسانية، ولم ينقله هذه
النقلة قبله ولا بعده أحد من أصحاب الدعوات.
إن عمله هذا لكاف لتخويله المكان الأسنی بين صفوة الأخيار الخالدين، فما من أحد يضن على صاحب هذا العمل بالتوقير ثم يجود بالتوقير على اسم انسان...
الأسبوع القادم بإذن الله نسعد بقراءة كتاب "عبقرية محمد "للمفكر العملاق عباس محمود العقاد