لا شك أن الهلال يُعد من أقوى الفرق على الساحة المحلية والآسيوية، بما يملكه من عناصر مميزة وخبرة طويلة في تحقيق الألقاب، ومع ذلك فإن الوضع الحالي للفريق الأول لكرة القدم لا يسر عشاقه، خاصة من الناحية الفنية، حيث يعاني الفريق من مشاكل دفاعية واضحة، رغم امتلاكه خط هجوم قوي يستطيع فرض سيطرته على المباريات.
أحد أبرز الأمثلة على هذا التراجع الدفاعي، هو ما حدث في مواجهات الفريق مع العين الإماراتي، حيث استقبل الهلال تسعة أهداف في ثلاث مباريات فقط، في أقل من موسم واحد. هذه الأرقام تعكس هشاشة المنظومة الدفاعية، وعدم قدرة الفريق على امتصاص هجمات الخصوم، خاصة عبر المرتدات السريعة التي استغلها لاعب العين المغربي سفيان رحيمي، الذي نجح في تسجيل ستة أهداف لوحده. هذا الأمر كان أحد الأسباب الرئيسة في خروج الفريق من البطولة الآسيوية، التي كانت في متناول يده، لولا أسلوب اللعب المفتوح الذي كلفه غاليًا.
وإذا ألقينا نظرة على وضع الهلال في الدوري المحلي، سنجد أن المشكلة الدفاعية مستمرة. فقد استقبل الفريق (19) هدفًا في (19) مباراة، أي هدف في كل مباراة، وهو معدل مرتفع بالنسبة لفريق ينافس على اللقب، واللافت أن جميع الفرق التي تنافسه الاتحاد والنصر والقادسية والأهلي، أقل استقبالًا للأهداف، والأكيد أن الخصوم الذين واجهوا الهلال أدركوا نقطة ضعفه، فلجأت إلى التحصينات الدفاعية، ثم استغلت المساحات الشاسعة خلف خط الدفاع عبر المرتدات، وقد نجحت فرق مثل الخليج والقادسية في الخروج بنتائج إيجابية، وهو ما يعكس الحاجة إلى إعادة النظر في طريقة اللعب.
من أبرز الانتقادات الموجهة للمدرب اعتماده على أسلوب واحد في اللعب، دون تنويع أو مرونة تكتيكية. الفريق يدخل كل مباراة بنفس النهج، دون إجراء تعديلات تتناسب مع الخصم أو ظروف المباراة، كما أن تغييرات المدرب أثناء المباريات غالبًا ما تكون متأخرة أو غير فعالة، ما يجعل الفريق يواجه صعوبة في تغيير مجريات اللقاء عندما يتعثر أمام فرق تلعب بتحفظ دفاعي.
ورغم أن الهلال يمتلك هجومًا كاسحًا قادرًا على تسجيل الأهداف بغزارة، إلا أن مشجعيه يعانون من القلق حتى الدقيقة الأخيرة، بسبب التراجع الدفاعي، هذه الثغرات تجعل الفريق غير قادر على حسم المباريات بسهولة، الأمر الذي سيؤثر على حظوظه في تحقيق الألقاب الكبرى.
وإذا استمر الوضع الحالي، فمن الصعب أن يحسم الهلال لقب الدوري أو كأس السوبر، وربما يجد نفسه خارج المنافسة الآسيوية مبكرًا، خاصة أمام الفرق التي تجيد استغلال المساحات واللعب بأسلوب دفاعي منظم. أما في كأس العالم، فقد يكون الوضع مختلفًا، لكنه سيظل معرضًا لنتائج كبيرة إذا لم يتم تصحيح الأخطاء الدفاعية سريعًا.
الحل الوحيد لاستعادة قوة الفريق وتحقيق البطولات، تجسيد التوازن بين الهجوم والدفاع. فليس من المنطقي أن يسجل الفريق أهدافًا كثيرة، ثم يستقبل العدد نفسه بسبب غياب التغطية الدفاعية. المدرب جيسوس بحاجة إلى إعادة النظر في أسلوب اللعب، وإيجاد حلول فعالة لسد الفجوات الدفاعية، سواء من خلال انتداب لاعب وسط دفاعي قوي، أو تعديل التكتيك بما يتناسب مع إمكانيات الفريق ومتطلبات المنافسات المختلفة.
في النهاية، الهلال يمتلك كل المقومات ليكون فريقًا لا يُقهر، لكنه بحاجة إلى معالجة الأخطاء التي تهدد استقراره، حتى لا يجد نفسه خارج المنافسة على البطولات التي يسعى لتحقيقها.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: عبدالمحسن الجحلان
إقرأ أيضاً:
التعاون المربح للطرفين هو المسار الصحيح للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية
التعاون المربح للطرفين هو المسار الصحيح للعلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية
بقلم ليانغ سوو لي
في 9 أبريل الجاري، أصدرت الصين كتابًا أبيض بعنوان “موقف الصين بشأن بعض القضايا المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة”، كشف فيه من خلال بيانات مفصلة وتحليل منهجي عن طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين والتحديات الواقعية التي تواجهها.
وقد جاء هذا الكتاب في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة مؤخرًا عن فرض ما يُسمى بـ”الرسوم الجمركية المتبادلة” على جميع شركائها التجاريين، بما في ذلك الصين. لذا، لا يُعدّ الكتاب الأبيض ردًا صارمًا على السياسات الأحادية الأمريكية فحسب، بل يمثل أيضًا دعوة إلى إعادة توجيه النظام الاقتصادي والتجاري العالمي إلى مساره العقلاني، ويعكس التزام الصين الراسخ بمبدأ التعاون المربح للطرفين.
أكد الكتاب الأبيض أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تقوم بطبيعتها على النفع المتبادل والمصالح المشتركة. فعلى مدى 46 عامًا من إقامة العلاقات الدبلوماسية، ارتفع حجم التجارة الثنائية من أقل من 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 1979 إلى نحو 688.3 مليار دولار في عام 2024، بينما تجاوزت الاستثمارات المتبادلة بين البلدين 260 مليار دولار. لم يكن هذا النمو وليد الصدفة، بل نتج عن التكامل العميق في الهيكل الاقتصادي للبلدين، وهو تكامل لا يقتصر على تجارة السلع، بل يشمل أيضًا مجالات الخدمات والاستثمار.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحقق فائضًا كبيرًا في تجارة الخدمات مع الصين، حيث بلغ هذا الفائض في عام 2023 وحده نحو 26.57 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 9.5% من إجمالي فائضها العالمي في هذا القطاع. وهذه الأرقام تثبت بوضوح أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ليست علاقة صفرية، بل علاقة تكاملية قائمة على المصالح المتبادلة.
ومع ذلك، فإن السياسات الأحادية التي انتهجتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بدأت تقوّض هذا التوازن. فقد كشف الكتاب الأبيض أنه منذ بداية الاحتكاكات التجارية في عام 2018، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على صادرات صينية تفوق قيمتها 500 مليار دولار أمريكي، واستمرت في تنفيذ سياسات تستهدف تطويق الصين واحتوائها، بل وتزايدت حدّة هذه السياسات مؤخرًا. وهذا النهج الذي يتنافى مع قواعد اقتصاد السوق لا يمكن إلا أن يؤدي إلى نتائج عكسية.
وبحسب تقديرات “مختبر الميزانية” في جامعة ييل، فإن تطبيق الرسوم الجمركية المتبادلة، إلى جانب ردود الفعل المضادة من الدول الأخرى، قد يؤدي إلى ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة بنسبة 2.1%. وتُقدَّر الخسائر المتوسطة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمرتفع بنحو 1300 و2100 و5400 دولار أمريكي على التوالي، ما يعني أن هذه الأسر ستكون في نهاية المطاف هي من يدفع ثمن تلك الرسوم.
ولم تقتصر تداعيات القرارات الأحادية الأمريكية على العلاقات الثنائية فحسب، بل امتد تأثيرها إلى النظام التجاري العالمي برمّته، مما يهدد مسيرة التعافي الاقتصادي العالمي. فقد حذّرت نجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، من أن رفع الولايات المتحدة لرسومها الجمركية قد يؤدي إلى انخفاض حجم التجارة السلعية العالمية بنسبة تصل إلى 1% في عام 2025، أي أقل بنحو 4 نقاط مئوية من التوقعات السابقة.
في مواجهة هذا التصعيد، أظهرت الصين ضبطًا للنفس ورؤية عقلانية، ولم تتخلَّ عن موقفها الرافض للحرب التجارية. وأوضح الكتاب الأبيض أن الصين ستواصل توسيع انفتاحها بالتزامن مع اتخاذ تدابير مضادة قوية لحماية مصالحها الوطنية. ففي عام 2024، بلغ إجمالي الواردات الصينية 18.4 تريليون يوان (دولار أمريكي)، مما حافظ على مكانتها كثاني أكبر سوق استيرادية في العالم للسنة السادسة عشرة على التوالي. كما تجاوزت قيمة الصفقات الموقعة في الدورات الست لمعرض الصين الدولي للاستيراد 500 مليار دولار أمريكي. وراء هذه الأرقام، تكمن حالة اليقين التي توفرها الصين للعالم من خلال الانفتاح المؤسسي، في تناقض صارخ مع الحواجز الجمركية التي تقيمها الولايات المتحدة.
إن العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية ليست مجرد قضية ثنائية، بل عاملًا حاسمًا يؤثر في سلاسل التوريد العالمية وقواعد التجارة الدولية والاستقرار الاقتصادي العالمي. وفي مواجهة الخلافات، قدّم الكتاب الأبيض حلولًا واقعية وواضحة: إلغاء الإجراءات الأحادية، واستئناف الحوار المتكافئ، وتعزيز الإطار المتعدد الأطراف. وقد وجد هذا الموقف صدى واسعًا لدى المجتمع الدولي، حيث عبّرت العديد من الاقتصادات مثل الآسيان والاتحاد الأوروبي عن معارضتها الصريحة للممارسات الأمريكية التي تزعزع استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
إن الصين والولايات المتحدة، كأكبر دولة نامية وأكبر دولة متقدمة في العالم، تتحملان مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع الدولي. فإذا تعاونتا، سيستفيد العالم بأسره، وإذا تصادمتا، فسيكون الجميع خاسرًا. وإصدار الصين لهذا الكتاب الأبيض لا يمثّل تقييمًا عقلانيًا للعلاقات الثنائية فحسب، بل يعكس أيضًا رؤية أعمق لمستقبل الاقتصاد العالمي. فالواقع يؤكد أن أي محاولات لتشويه النظام الدولي تحت شعار “أمريكا أولًا” لن تفضي إلا إلى نتائج كارثية، بما في ذلك على من يتبنّاها. فقط من خلال التمسك بالتعددية وتعزيز التعاون الرابح للطرفين يمكن فتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة والشاملة للاقتصاد العالمي.
إن مستقبل العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية مرهون بقدرة الطرفين على اتخاذ القرار الصائب. أما الصين، فقد أعلنت موقفها بوضوح: التعاون لا يزال هو الخيار الأفضل.
إعلامية صينية
الوسومأمريكا الاقتصاد الصين العلاقات ليانغ سوو لي