مصطفي بيومي .. الإنسان قبل الكاتب
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى مساء الأحد، ٢ يناير، رحل عن عالمنا الكاتب الصحفى والأديب والناقد مصطفى بيومي، بعد صراع مع المرض، تاركًا وراءه إرثًا غنيًا من الكتابات التى أثرت الصحافة والأدب العربي. لم يكن مجرد كاتب يملأ الصفحات بالحروف، بل كان روحًا تحب الحياة، تتأملها، وتكتب عنها بصدق وحب وحنين.
تشرفتُ بالعمل معه لأكثر من عشر سنوات، عرفتُه فيها إنسانًا قبل أن يكون كاتبًا، كان حنونًا، حساسًا، ناصحًا، وصديقًا حقيقيًا لكل من عرفه.
كان للشتاء مكانة خاصة فى قلب مصطفى بيومي، كان يرى فيه دفئًا خاصًا رغم برودته، ربما لأنه فصل التأمل والهدوء، حيث يمكن للكاتب أن يختلى بأفكاره ويبوح بها على الورق. أما الموسيقى، فكانت السيدة أم كلثوم هى صوته المفضل، صوت يحمل عبق الماضى ورقى الفن، صوت يعبر عن مشاعره كما لو كانت كلماته.
لم يكن يمر يوم دون أن يحتسى قهوته المفضلة، كانت رفيقته الدائمة، تمامًا كما كان القلم والورق رفيقيه فى كل لحظة. لم تكن الكتابة مجرد مهنة له، بل كانت حياة، وكان يجد فى كل صفحة بيضاء عالمًا جديدًا يسكنه بإبداعه وأفكاره.
كان يعشق أدب نجيب محفوظ، كتب عنه كثيرًا، ناقش أعماله، وتعمق فى شخصياته، وكأنه كان يبحث فيها عن نفسه، عن فلسفته الخاصة، عن حبه للحياة رغم قسوتها. لم يكن مجرد ناقد لأعمال محفوظ، بل كان محبًا لها بكل تفاصيلها.
حتى فى أصعب لحظات مرضه، لم يستسلم مصطفى بيومي، ظل ممسكًا بالقلم، يكتب رغم الألم، يواجه الحياة بالكلمات، كأن الكتابة كانت علاجه، أو ربما كانت طريقته فى مقاومة النهاية.
كان إنسانًا نادرًا، صديقًا حقيقيًا لم يبخل يومًا بالنصيحة، حتى فى أدق تفاصيل حياتي. لم يكن يسأل عنى من باب المجاملة، بل كان اهتمامه صادقًا، نابعًا من قلب رقيق، كان دائم السؤال عن أحوالي، حاضرًا فى كل لحظة، يشاركنى الأفراح ويدعمنى فى الأوقات الصعبة.
كان يملك قدرة نادرة على الاستماع، وعلى أن يمنح كلماته طاقة من الأمل والتفاؤل، حتى فى أشد اللحظات قسوة. لم يكن مجرد رئيس عمل، بل كان أخًا، سندًا، شخصًا تعرف أنه مهما أبعده الزمن سيظل هناك، يسأل، يهتم، يشاركك همومك وكأنه يحمل جزءًا منها عنك.
رحيله ليس مجرد غياب، بل هو فراغ لن يُملأ، هو فقدان لصوت اعتدت سماعه، ولروح كانت دائمًا قريبة، تطمئن وتسأل وتمنح دون انتظار مقابل.
كان دائمًا أول المهنئين لى بعيد ميلادي، لم ينسَ يومًا، كان صوته يأتى محمَّلًا بالدفء، وكلماته تسبقها مشاعر صادقة لا تزيفها المجاملات. لكنه هذا العام لم يستطع، كان المرض قد أنهكه، وعندما حاولت الاتصال به لتهنئته بعيد ميلاده يوم ١١ ديسمبر، لم يكن قادرًا على الرد.
ولكن ردت عليَّ ابنته "نهى"، بصوت هادئ يحمل بين طياته الكثير، قالت لي: "بابا صوته تعبان ومش قادر يتكلم"، شعرت حينها بوجع لا يمكن وصفه، لكنه لم يكن وجع الغياب بعد، بل وجع العجز، أن أكون معتادة على سماع صوته فى هذا اليوم ولا أسمعه، أن أقول له "كل سنة وأنت طيب" ولا يرد عليَّ بنفس الحماس المعتاد.
لكننى لم أشأ أن أثقل عليه، كل ما استطعت قوله: "أنا بس بسأل عليه وعلى صحته، وبهنيه بعيد ميلاده.. ربنا يخليه لينا ويمد فى عمره وصحته." كنت أتمسك بأى أمل، بأى فرصة لأن يتجاوز المرض، لكنه كان أقوى هذه المرة، أقوى من كلماته، أقوى من صوته الذى أحببناه جميعًا.
رحل مصطفى بيومي، لكن روحه الطيبة ستظل باقية، صوته سيبقى يتردد فى ذاكرتي، وذكراه ستظل تعيش معى فى كل لحظة كنت أنتظر فيها اتصاله.
رحمك الله يا أستاذ مصطفى، لن يكون عيد ميلادى كما كان بدونك، ولن يكون يوم ١١ ديسمبر مجرد تاريخ بعد الآن، بل يومٌ سيذكرنى دومًا بصديق كان يعنى لى الكثير، وستظل كلماتك وذكرياتك ونصائحك جزءًا لا يُمحى من حياتي.. رحمك الله يا أستاذ مصطفى، كنت كاتبًا عظيمًا، لكنك كنت إنسانًا أعظم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصطفى بيومي مصطفى بیومی بل کان لم یکن
إقرأ أيضاً:
في ذكرى وفاته.. كيف كانت وظائف عباس العقاد سجنًا له؟
تحل اليوم ذكرى وفاة الأديب الكبير وعملاق الأدب العربي وأهم الأدباء في التاريخ، الراحل عباس محمود العقاد، الذي رحل في 12 مارس 1964، تاركًا لنا تراثا كبيرا من مؤلفاته وإرثًا ضخمًا من الأدب يعكس نظرته في تحليل الشخصيات.
نشأته ومولدهولد الأديب الكبير عباس العقاد في مدينة أسوان ملتقى الحضارات القديمة والحديثة، في 28 يونيو عام 1889، حيث نشأ وترعرع في أسرة تعشق المعرفة وتتسم بالتقوى، كما نشأ في بيت يملأه الهدوء والسكون والعزلة.
حب الشعر والكتب الأدبيةدرس عباس العقاد في مدرسة أسوان الأميرية وذلك أثناء تلقيه تعليمه الأساسي، ثم تخرج عام 1903، وحب العقاد المطالعة والكتابة فعند تلقيه العلم تأثر بمجلس الشيخ أحمد الجداوي، الذي أنصت إليه في المطارحات الشعرية، كما عكف على قراءة مقامات الحريري حتى أصبح محبًا للكتب العلمية والأدبية، فضلًا عن أن نشأته في مدينة أسوان أثرت خياله وفتحت مداركه منذ صغره.
الوظائف الحكومية للعقاد سجنًا لأدبه وموهبتهالتحق عباس العقاد في بداية حياته العملية بالعديد من الوظائف الحكومية حيث عمل في ديوان الأوقاف ومصلحة الإيرادات في قنا في جنوب الصعيد، إلا أنه اعتبر الوظائف الحكومية سجنًا لأدبه وموهبته، ليقرر بعدها تأسيس جمعية أدبية يمارس من خلالها عشقه وموهبته في الأدب.
العمل في الصحافةبعد تأسيس العقاد للجمعية الأدبية، قرر الانتقال إلى القاهرة وبدء العمل في مهنة الصحافة، حيث كانت بدايته في صحيفة الدستور إذ عمل في إدارة تحرير الصحيفة وذلك مع صاحب الصحيفة آنذاك محمد فريد وجدي، كما كتب في الصحف الأسبوعية والمجلات الشهرية أثناء الحرب العالمية الأولى، فضلًا عن عمله في صحيفة الأهرام وصحيفة الأهالي، واستخدم العقاد قلمه في الدفاع عن الدستور والحياة النيابية والقضايا الوطنية مهاجمًا الملكية.
تجديد الشعر العربيلمع العقاد وأبدع في كتابة الشعر والأدب والنقد والمقال، كما كتب في التاريخ والفلسفة والدين، وقدم العقاد مفاهيم جديدة في الأدب والنقد وذلك من خلال تأسيس (مدرسة الديوان) بالتعاون مع عبد الرحمن شكري والمازني، حيث كانت مدرسة الديوان خطوة كبيرة نحو تجديد الشعر العربي.
كما خاض عباس محمود العقاد العديد من المعارك الفكرية والأدبية مع كبار الأدباء في عصره مثل طه حسين وأحمد شوقي والتي أثرت الأدب العربي بإنتاج غزير من مؤلفاته وأسلوبه المنطقي الذي يعتمد على الأفكار المرتبة.