منير أديب يكتب: مصطفى بيومي.. والمصطفون الأخيار
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق كان دائمًا مصدرًا لولادة الأفكار.. وعندما يتكلم تجد سيلا جارفا من المعانى المختبئة خلف حديثه وكتاباته
من حُسن حظى أننى عملت ولفترة مع رائد من رواد المهنة العظام، مصطفى بيومي؛ فكان صحفيًا دءوبًا، وكان باحثًا مجتهدًا من الطراز الفريد، جل همه هو الحصول على المعلومة وتوظيفها، كما كان إنسانًا فى كل تفاصيله.
لديه قناعات مستنيرة دائمًا ما تدفعه للكتّابة، ولكنه فى نفس الوقت يبنى كل كتاباته على البحث والتدقيق والدراسة المعمقة، فلم ينجرف يومًا خلف هواه أو حتى قناعاته، ولكنه كان يبنيها على البحث والدراسة والتحليل، ولم يبحث يومًا عن الترند، ولكنه بنى كهفا سكنه حتى وفاته من الرصانة والتحليل.
مصطفى بيومي، خامة بحثية جيدة، ظهر ذلك فى كل كتاباته الأدبية والإنسانية، وانعكس ذلك فى تعامله مع النص الأدبي، وعن دوره كمثقف قلما تجد مثله، هذه الرصانة كنت تجدها فى شخصيته الفريدة حتى على المستوى الإنسانى فى تعاملات الحياة البسيطة.
كل إنسان له حظ من اسمه، فهو مصطفى حقيقى بين أقرانه، كان يتميز عن جيله بأنه كان دءوبًا وكان يمتلك حسًا مرهفًا، كان ينحت ألفاظه وعباراته وكلماته عندما كنت تتناقش معه.
كنت تشعر بمعاناته أثناء الكتابة والحديث، كان دائمًا مصدرًا لولادة الأفكار، يصمت كثيرًا، ولكن عندما يتحدث تقع تحت سيل جارف من الأفكار والمعانى المختبئة خلف حديثه وكتاباته أيضًا.
كان معتدلًا فى أفكاره، ويكتب من أجل الكتابة، كان يشعر بجمالها وجمال لغتها، كان يتذوق النصوص الجميلة ويُزيدها جمالًا لو وضع بصمته عليها؛ فكان يرى أنّ النص الجيد لابد أنّ يكون مكتوبًا بلغة سليمة، ولذلك كان يبحث عن الذين صحت لغتهم، اعتقادًا منه بأنّ هؤلاء هم أصحاب الأفكار أو من يمكن الاستفادة منهم.
أحب حياة الظل ولم يسع لغيرها، عاش وسط التراث، فنهل منه الكثير، وترك لنا ميراثًا وتراثًا ملأ المكتبة العربية فى صنوف كثيرة، لم يسع للكم بقدر سعيه للكيف، فهو كان مكتبة متنقلة.
عرفته قبل ١٤ عامًا، بينما كان فى مرحلة العطاء والنضج، وإنّ كانت حياته كلها عطاء وإنتاج غزير ونضج أيضًا، ولكنه كان شعلة حقيقية، كان دائم التعلم والقراءة، فرغم إنتاجه الغزيز، إلا أنه أقل بكثير مما كتبه، ولذلك كل كتاباته كانت على قدر كبير من النضج، فكلما نضجت فكرة عرف مكانها من النشر.
تُعرف كلمة بيومى فى اللغة على أنها مشتقة من اليوم الطويل الشديد، وهنا اجتمع الوصف مع الاسم مصطفى، وكأن اسمه لازمته صفته الدؤوبة على العمل الشاق، فهو من المصطفين فى الصحافة والبحث.
سلامًا إلى روحه الطاهرة، التى أعطت أكثر مما أخذت، والتى ذهبت إلى ربها ولكنها تركت لنا إرثًا من الأفكار والجماليات ما تنوء بحمله المكتبة العربية.
عزاؤنا فيك أنك فى مكان أجمل وأفضل، رسمت لنفسك حياة جديدة بين من أحببت يا مصطفى، فسلام إليك حيث كنت وحيث صعدت روحك الطاهرة بين المصطفين الأخيار.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصطفى بيومي دائم ا
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: ثمن الكلام
الكلام سعادة روحية أو شقاء روحي، فالكلمة في العلاقات العامة هي التي تدير معاني التفاعل البشري، وأصبحت الكلمة في زمن التواصل الاجتماعي ذات قدرات عالية في تمثيل القيم والمعاني البشرية، حيث اكتسبت الكلمة قوةً لم تكن لها من قبل من حيث سعة الانتشار وعبورها حدود المكان والزمان، وكل كلمة تقال في وسائل التواصل ستجد لها آذاناً سامعةً وعيوناً قارئةً في أي توقيت ظهرت، ومن أي مكان انطلقت وبسرعة هائلة وتفاعلية غير محددة، ولا أحد يسيطر عليها، وتنوعت الاستقبالات بين فهمٍ وسوء فهم وقبول وسخط، ولن يسيطر صاحب الكلمة على مصير كلمته ولا تأويلها أو فهمها. ومن ثم فكل كلمةٍ لها سعرٌ.
وحدث مرةً لإعلامية بريطانية أن سافرت من لندن إلى جنوب أفريقيا، وحين حطت رحلتها في جوهانسبرغ اكتشفت أن مؤسستها التي تعمل فيها قد فصلتها عن العمل، وأصبح وجودها في جوهانسبرغ غير رسمي ولم تغطِ مؤسستها تكاليف وجودها هناك، وكان السبب هو تغريدةٌ أطلقتها قبل أن تغلق هاتفها وهي تستقل الطائرة، وكانت التغريدة تسيء للدولة التي ذهبت إليها، ولم تتحمل جريدتها تلك التغريدة فأعلنت فصلها، وهذا يحيلنا للكلمة التي قيلت لطرفة بن العبد ويل لهذا من هذا وأشاروا إلى لسانه ورأسه وانتهى به الأمر أن قتل بسبب قصيدة له، وهنا طار رأسه بسبب لسانه كما طارت وظيفة الإعلامية البريطانية بسبب تغريدة، مما يعيد صياغة المقولة إلى (ويلٌ لرأسك من أصبعك)، وهو الإصبع الذي يسمى في العربية بالسبابة فأصبحت أيضاً القاتلة، وسنظل نعود للمتنبي الذي أسعفته كلماته مراراً ولكنها قتلته أخيراً، وهو الذي قال:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطقُ إن تسعد الحال
وقد عاش ما عاشه من عمرٍ وهو يستعين بنطقه ليبني نفسه ومجده، إلى أوقعه النطق بالمآسي فخسر صحبة سيف الدولة وفر من وجه كافور وانتهى على يد فاتك الأسدي، الذي هو لصٌّ وقاطع طريق وليس له موقعٌ في التاريخ غير أنه قاتلُ أهم شعراء العرب، وفي النهاية نشير إلى الحديث الشريف (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم) وتظل اللغة أخطر النعم، وهذا ثمن اللغة وسعرها الباهظ.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض