مصطفى بيومي.. إحساس جديد باليتم
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ستظل بيننا "موجودًا".. وفراغ غيابك لن يملؤه غيرك سواء بعلمك أو عملك أو إنسانيتك أو وجودك الثرى بحياتنا وقلوبنا
بعض الرثاء أنانية وكل الفقد احتياج.. فنحن لا نرثى من رحل قدر رثاء حبنا لهم وحرصنا على وجودهم بجوارنا.. عندما صدمنى الخبر الصعب بغياب جسد أستاذ مصطفى عنا بكيت كثيرًا وأنا أسأل نفسى هل حقًا غاب؟ هل سأفتقده فعلًا؟ ألن يمكننى مجددًا التحدث معه لساعات متصلة أسأله واستشيره فى كل صغيرة وكبيرة فى عملى أو آخذ رأيه فى طريقة تناول ملف صحفى أو كتابى أو تليفزيونى أو حتى فى حياتى الخاصة أو العامة أو أطلب رأيه فى أسرار أو مواقف لا أحكيها لغيره وأنا على يقين أننى آمنة مهما أفصحت، وأنه يعرفنى أكثر من نفسي، وأن نصيحته لى هى الصواب، وكثيرًا كنت أمر بضيق فأذهب إليه أو أتصل حتى به أحكى وأسمع لتتبدل حالتى بمشاركته وحنان أبوته الممزوجة بحكمة ورزانة تأخذ بيدى وتطمئن نفسي.
فقدان اليوم أكبر من خسارة ثقافية وأدبية لأديب كبير وقامة ثقافية عظيمة لكنه بالفعل إحساس جديد بيتم من نوع آخر، فقد يجد البعض القسوة من أسرته الحقيقية أو قد يغيب الأهل أو يرحلون، لكن أقدارنا تهدينا وتعوضنا بمن يحبنا دون شروط، ويكون بجوارنا دون ألقاب عائلية أو التزام اجتماعي، فنصدق هذا ونتصرف على أساسه فيصبح وجود شخص واحد هو (العائلة) دون ترتيب منا أو محاسبة، طوال سنوات لا أتذكر عددها وأيام ومواقف يصعب علىَّ رصدها احتل فيها أستاذ مصطفى الصدارة عندى فكان الأب الطيب أحيانًا والصديق المخلص دائمًا والأستاذ صاحب النصيحة والنظرة الثاقبة كثيرًا، والقريب من القلب ومن الأسرة الصغيرة عندى غير أننى لم أشعر مرة بالاغتراب بين أسرته الدافئة أو حتى وجود الحدود مع أستاذ كبير جمعنى به العمل أحيانًا والمودة دائمًا.
لم أستغرب أنه اختار لحفيدته الأولى اسم ابنتى "لارا" التى سبقتها للحياة بعدة سنوات والتى اعتبرها حفيدته الأولى قبل أحفاده، واعتبرته هى جدها الطيب الذى لم يمنحها القدر رؤيته، فكان يأتيها كثيرًا بأنواع الحلوى أو الكيك المفضلة عندها، ويقول لى بحنان "اسمحى لها اليوم ببعض المخالفات طالما أنا موجود"، ورغم المرض والعزلة الطويلة وتقليل الاتصال كى لا نضيف إليك أى جهد، كان لدى اليقين أنك موجود، وأشعر بالأمان لأنك بيننا وقتما نريد رؤيتك سنجدك، ووقتما نحتاج إليك فأنت هنا، حتى لو مرضت فهى فترة ستنتهى منها بصبر جميل وإيمان راسخ كما عودتنا دومًا.
بدموع لم تنقطع وحزن كبير، أقول لك أستاذ مصطفى إنك كنت وستظل بيننا (موجود) وفراغ غيابك لن يملؤه غيرك؛ سواء بعلمك أو بعملك أو بانسانيتك أو بوجودك الثرى بحياتنا وقلوبنا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مصطفى بيومي الكاتب مصطفى بيومي
إقرأ أيضاً:
حوار أخير مع مصطفى بيومي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق قصائد «بكائيات القلب الأخضر» تكشف عن تميز وتمكن وتفرد شاعر شاب دون العشرين من عمره
"... إذن لن تجئ ؟
ولو كان مابيننا البحر جئت
ولكنه الموت
وحدى إذن"
******
مقطع من قصيدة "بكائية" من ديوان بكائيات القلب الأخضر لمصطفى بيومي.
قد لا يعرف الكثير من متابعى قلم مصطفى بيومى وإبداعه المتنوع، أنه بدأ شاعرًا واعدًا، واحتفى به والد الشعراء فؤاد حداد، ونشر له قصيدة على صفحتين فى مجلة "روزاليوسف" عام ١٩٧٦، وكان دون الثامنة عشرة من عمره، تجربة ومرحلة استمرت سبع سنوات، ضمها ديوانه الوحيد "بكائيات القلب الأخضر"، وصدر الديوان فى طبعة محدودة فى فبراير١٩٨٤.
ضم الديوان ٣٢ قصيدة، موزعة على ثلاثة أقسام، الأول: ماتيسر من سورة الضياع، الثانى: صلوات للمطر والترحال، الثالث: تهليلات الموت والقيامة.
ويحرص الشاعر مصطفى بيومى وهو يقدم ديوانه للقراء على التأكيد أن «أزمة الشعر فى مصر ليست أزمة شعرية خالصة.. إنها محصلة لأزمات الواقع الذى يتيح للطير من كل جنس أن يغنى.. ويحرم الغناء على العشاق..." ويقدم ديوانه للقارئ على أنه "محصلة سنوات سبع من الغناء فى زمن الصمت.. من أجل الأيام القادمة الخضراء».
تجربة مصطفى الشعرية إذا وضعت فى السياق العام لتجاربه الإبداعية والحياتية – مر عليها أكثر من اربعين عامًا – تكشف عن تميز وتمكن وتفرد لشاعر شاب دون العشرين من عمره، قد نرصد فيه بعضًا من ملامح عالم الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وقد كان الفتى مصطفى وقتها مفتونا به.. ويمكننا القول أن مقولة "عبد الصبور" الشهيرة "معذرة ياصحبتى.. قلبى حزين.. من أين آتى بالكلام الفرح؟" خير دليل ومعبر يدخل به القارئ للعالم الشعرى فى قصائد ديوان الفتى والشاب مصطفى بيومى.
الموت اللفظة والمعنى والقيمة.. أكثر الألفاظ والمعانى والقيم التى حضرت فى أغلب قصائد الديوان.. وهو أمر لافت يثير الدهشة.."غواية الموت" كيف ولماذا تسللت لوجدان القلب الأخضر.. قلب فتى دون العشرين؟!!.. قلب لايخاف الموت أو كما يقول: "من عرف العشق يومًا.. فليس يخاف من الموت..".
ويقرر مصطفى أن يتوقف عن كتابة الشعر، لكن هل يعنى ذلك أنه غادر عالم الشعر والشعراء؟ أقول بثقة: لا.. يكفيك أن تراه وتسمعه سابحًا فى عالم الشاعر العربى العباسى "الشريف الرضي"، أقرب الشعراء القدامى لقلب مصطفى، أو وهو يحدثك بشجن نبيل عن عالم صلاح عبد الصبور، ويعليه على رفاق مسيرته الشعرية.. أذكر كنا (عبدالرحيم وأنا) أقرب وأكثر تواصلًا مع شعر أحمد عبد المعطى حجازي، وأزيدك ليس بيتا من الشعر، بل "مئة بيت من الشعر العربى القديم" عنوان الكتاب الذى صدر لمصطفى عام ٢٠٢٠، لتكتشف "متانة" علاقته بالشعر، ولتشهد على مهارة ورقى ذائقته الشعرية المبدعة.
وهنا يبرز السؤال: لماذا كف مصطفى عن مواصلة "قرض" الشعر؟، وهو المالك بتمكن ودراية بأدوات ومهارات كتابة الشعر، قديمه وحديثه (عروضه وأوزانه وبحوره الخليلية، وصوره وموسيقاه الداخلية)؟.. مصطفى بيومى الذى كتب على غلاف ديوانه الوحيد "الشعر ضرورة.. وأعذب الشعر أصدقه.. والشاعر الحقيقى - كما أراه – لا ينبغى أن تروقه الحياة الكائنة.. بل يتطلع إلى الحياة كما يجب أن تكون..".
والرأى عندى للرد على هذا السؤال يذهب إلى أن الفتى /الشاب تكشف له أنه يعايش ويواجه "كونًا خلا من الوسامة"، فرأى أن يهيئ قلمه وكلمته لمواجهة مباشرة وحادة مع عالم "قاسٍ وموحش" ورديء فى الكثير من قيمه ومعاييره وسلوكه ومسالكه - عالم لا يصح أن نكتفى بتفسيره وهجائه.. بل علينا أن نسعى لتغييره، وعندها ربما أيقن أن حال الشاعر وحيله وأدواته، تبدو كسلاح "خفيف"، لن يسعفه فى معارك المواجهة الفكرية والإبداعية، التى عقد العزم على خوضها، لهدم جدار الخوف وأقانيم الجمود والتخلف، واقتلاع أشواك الكراهية والغطرسة وزيف الرايات المخادعة.. إنه "واقع" شديد الواقعية لن يجد معه نفعًا خطاب المجاز وتهاويم الصور.
إن الدافع الرئيس، والحافز المحرك والملهم لقدرة ورغبة مصطفى على الكتابة، والشعار الناظم لمجمل مشروع مصطفى الإبداعى والبحثى هو: "أنسنة العالم، وجعله صالحًا للحياة، أو على الأقل لائقا للموت".
وفى هذه السطور، لا أسعى لقراءة نقدية لديوان مصطفى - أعد أن أُنجزها لاحقًا- لكن سطورى الحالية مجرد إطلالة عاجلة وتعريف أولى ببكائيات القلب الأخضر.. قلب مصطفى بيومي..
تلك السطور حوار وعتاب مع الصديق ورفيق العمر
ها أنذا راحل
وهاهو درب الحياة
سيمتد.. يمتد
ألقاك فى آخر الدرب
نمضى معاُ..
وأهمس فى أذنيك
أنت أجمل من كل شئ سوى الموت
.............
أسميك باسمى
أسميك ظلى..
أسميك موتى
أسميك موتى"
******
فى اللقاء الأخير قبلت رأسك، ورجوتك أن تبقى
******
"لكنى رحلت دونما وداع
ياليتنى نتظرت
ياليتنى انتظرت»
******
ليتك أنتظرت يا صاحبى
******
"وأدركت أنى أموت
وأن الوصول لعينيك مثل الوصول إلى النهر صعب
وأنك لن تحزنى"
******
لا.. يامصطفى
لقد حزنت لموتك كل المعانى والقيم التى دافعت عنها.. كل الحروف التى كتبت.. كل الأهل والصحاب.. كل الأحلام الخضراء التى بشرت بها.
الكل حزين وموجوع لرحيلك.
******
"هل ضاع منكم؟
لقد ضاع منا
وقد كان يوما هنا.. ومات"
******
ولا أخرى.. يا مصطفى
فمثلك لا يضيع.. باقٍ فى العقول والقلوب
باقٍ فى أولادك وأحفادك وتلاميذك ومحبيك
باق عطاؤك... وباقية محبتك.