الأردن والفرصة الأخيرة للإصلاح
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
الفرصة الأخيرة للإصلاح الأردني
ما الضمانات المتبادلة المطلوبة بين مراكز القرار والقوى السياسية والمدنية الأخرى؟
إذا خسرت مؤسّسات الدولة امتحان المصداقية بعد ذلك كلّه، فلا مجال لاستعادته لاحقاً، وكلفة ذلك ستكون كبيرة.
كيف نجمع بين مسار الانتقال نحو الحكومة الحزبية الديمقراطية والانتقال الديمقراطي من جهة والاستقرار السياسي من جهةٍ أخرى؟
انعكاسات سلبية كبيرة على مشروع التحديث السياسي أضعفت موقف الإصلاحيين والأحزاب وعزّز مواقف التيار المشكّك والمتشكك بنياتٍ مطبخ القرار.
ما الإطار الذي يعرّف (ويحدّد) القيم والمصالح الوطنية المشتركة التي يتوافق الجميع عليها وتحدّد المسموح والممنوع والخطير في قواعد اللعبة الجديدة؟
تقتضي المصلحة الوطنية العليا حماية الفرصة الأخيرة لعملية التحديث والإصلاح لأنّها ترتبط بتشريعات وسياسات ووعود وتأكيدات فلا مجال للتلاعب بالمصداقية.
سؤال جوهري يتمثل بإعادة تعريف المصلحة الوطنية العليا في اللعبة السياسية الداخلية مع التأكيد المستمرّ من الملك على المضي في مشروع "التحديث السياسي".
* * *
شهدت الفترة الأخيرة توتّراً كبيراً في العلاقة بين مؤسّسات الحكم والمعارضة السياسية والمجتمع المدني وقوى أخرى ناشطة على خلفية التراجع في ملف الحريات السياسية، ثم قانون الجرائم الإلكترونية الذي أحدث ردود فعل كبيرة متتالية سلبية وقاسية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية وهيومن رايتس ووتش العالمية.
إلاّ أنّ التأثير الأكبر ضرراً تمثّل بالانعكاسات السلبية الكبيرة على مشروع التحديث السياسي، إذ أضعف موقف الإصلاحيين والأحزاب السياسية عموماً، وعزّز من حجج (ومواقف) التيار المشكّك والمتشكك بمدى وجود نياتٍ حقيقية لدى مطبخ القرار بالانتقال نحو حياة حزبية وحكومة حزبية ديمقراطية، وبالتالي، نسف رصيداً كبيراً من العمل المتراكم في العامين الماضيين في سبيل بناء الثقة مع جيل الشباب لهدم الجدران النفسية والثقافية بينهم وبين العمل السياسي والحزبي.
يضعنا ما حدث أمام سؤال مهم وجوهري يتمثل بإعادة تعريف المصلحة الوطنية العليا في ما يخصّ اللعبة السياسية الداخلية، في ظل التأكيد المستمرّ من الملك للمضي في مشروع "التحديث السياسي".
وتقتضي الإجابة طرح مجموعة من التساؤلات الرئيسية؛ في مقدّمتها كيف نجمع بين مسار الانتقال نحو الحكومة الحزبية الديمقراطية والانتقال الديمقراطي من جهة والاستقرار السياسي من جهةٍ أخرى؟ ما الضمانات المتبادلة المطلوبة بين مراكز القرار والقوى السياسية والمدنية الأخرى؟ ما الإطار الذي يعرّف (ويحدّد) القيم والمصالح الوطنية المشتركة التي يتوافق الجميع عليها وتحدّد المسموح والممنوع والخطير في قواعد اللعبة الجديدة؟
ثمّة مجال واسع وكبير يمكن الاتفاق عليه لترسيم معالم المرحلة المقبلة، والخروج من حالة الشك ومن المنطقة الرمادية الراهنة المسكونة بالأسئلة والتساؤلات والحيرة، ليس فقط في أوساط المعارضة، بل حتى لدى أغلب النخب السياسية في البلاد.
ولعلّ المفتاح المطلوب هو التفاهم والتوافق على أن المصلحة الوطنية العليا تتمثل اليوم وفي المستقبل بضرورة الانتقال نحو حكومات حزبية برامجية تلتزم الدستور والمصالح والقيم الوطنية المشتركة، وتقدّم برامج سياسية واقتصادية للحكم، ما يوسّع ويعزّز مساحة المشاركة السياسية والتعدّدية في أوساط اللعبة السياسية، ويردم الفجوة الواسعة من الثقة التي تكرّست في الفترة الماضية بين مؤسسات الحكم والشارع، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية.
تتمثّل المصلحة الوطنية العليا بأن تكون مؤسّسة الملك مظلة لجميع القوى السياسية وكافلة لحماية الدستور ومصالح الدولة الاستراتيجية، ما يقتضي أن تكون هنالك طبقة عازلة سميكة تحمي المؤسّسة الملكية من الدخول في تفصيلات الأزمات السياسية والاقتصادية.
لا توجد مصلحة للدولة ولا للنظام في توريط مؤسّسة الملك بالتفاصيل التنفيذية وبمشكلات الإدارة اليومية والخدماتية والاقتصادية التي هي من شأن الحكومات والبلديات، والمفترض أن تكون من شأن الأحزاب، إذ تعكس توجهات المواطنين السياسية والاقتصادية والأيديولوجية.
وفي المقابل، المطلوب أن يتسم سلوك مؤسّسات الدولة العسكرية والأمنية والسيادية بالحيدة السياسية لحماية القيم الوطنية والمصالح العليا.
ما دام هنالك اتفاق بين الجميع على المصلحة الوطنية المشتركة، كما أوضحنا سابقاً، فالمطلوب أن يُترك العمل الحزبي لينمو بصورة طبيعية، وألا تكون هنالك تدخّلات رسمية أو تفضيلات من المؤسّسات لهذا الحزب أو ذاك، فلا فرق بين زيد أو عبيد.
فالمفترض أن تكون الدولة للجميع، وأن تكون الفرص متساوية أمامهم في لعبة التنافس السياسي، كي تكتسب شرعية ومصداقية وقبولاً من الأطراف المختلفة، وأن يتوازى ذلك مع رسالة واضحة بنزاهة الانتخابات المقبلة، لأنها امتحان حقيقي للحياة الحزبية ولجدّية الدولة ومصداقية مؤسّسة الحكم أمام الشارع.
ومن المهم أن يكون هنالك حراك سياسي شعبي حقيقي يؤدّي إلى إعادة إنتاج النخبة السياسية وبناء مسارات عادلة منصفة للجميع، للوصول إلى المواقع السياسية بناءً على قدراتهم ومهاراتهم في العمل السياسي.
تقتضي المصلحة الوطنية العليا حماية الفرصة الأخيرة لعملية التحديث والإصلاح السياسي الراهنة، لأنّها تأتي مرتبطة بتشريعات وسياسات ووعود وتأكيدات، فلا مجال هنا للتلاعب بهذه المصداقية والسمعة؛ فإذا خسرت مؤسّسات الدولة امتحان المصداقية بعد ذلك كلّه، لا مجال لاستعادته لاحقاً، وكلفة ذلك ستكون كبيرة.
*د. محمد أبورمان باحث في الإصلاح السياسي، وزير أردني سابق
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن الإصلاح الشرعية المجتمع المدني العمل السياسي المعارضة السياسية قانون الجرائم الإلكترونية التحدیث السیاسی أن تکون مؤس سات من جهة
إقرأ أيضاً:
الجمارك في سوريا تلغي 10 قرارات أرهقت المواطنين خلال نظام الأسد.. تعرف عليها
قال مدير المديرية العامة للجمارك في سوريا قتيبة أحمد بدوي إن الإدارة الجديدة ألغت أكثر من 10 رسوم إضافية في تعاميم داخلية إلى المعابر والموانئ، كانت السبب الرئيسي في ارتفاع سعر السلع في الأسواق المحلية وإرهاق السوريين ماليا، وعجزهم عن شراء أدنى مقومات حياته اليومية.
ونقلت وكالة الأنباء السورية عن بدوي قوله إن الإدارة الجديدة "ألغت ما يسمى برسم الضميمة" الذي ابتدعه "النظام البائد وأزلامه" بشكل مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية المحلية والعالمية، وفق تعبير الوكالة.
وأشار بدوي إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها نظام الأسد على حركة استيراد البضائع لا تحقق أيا من الأهداف التي وضعت من أجلها، وكانت تحقق المصلحة الشخصية لبعض شخصيات النظام المتنفذة لملء خزائنهم الشخصية من أموال المواطنين بغطاء المصلحة العامة، حسب وصف الوكالة.
تحرير الاستيراد
وأضاف بدوي أن الإدارة الجديدة ستعمل على تحرير حركة استيراد السلع من جميع القيود المفروضة عليها من قبل نظام الأسد، وستسمح للتجار باستيراد جميع البضائع والمواد غير الممنوعة بحكم طبيعتها القانونية والشرعية، وستصدر قرارات متتابعة تحقق ذلك.
وأشار إلى أن المديرية العامة للجمارك تعمل على إنشاء هيكل إداري وفني جديد للمديرية والفروع التابعة لها، بما يحقق المصلحة العامة ومصلحة السوريين من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية اللازمة لإنجاز المعاملات الإدارية والجمركية.
وقال إن المديرية "تعاني من حالة إدارية وفنية سيئة لواقع الفساد والمحسوبيات والترهل الإداري المتغلغل بها، والحال السيئة للمديرية بعهد النظام البائد انعكست بشكل سلبي كضياع لحقوق الخزينة العامة وحقوق المواطنين والتجار".
وأضاف أن المديرية تسعى لإصدار حزمة قرارات إدارية فيما يخص المديرية العامة للجمارك، وذلك في الأيام القليلة القادمة.
ونوه بدوي بإلغاء كتاب التمويل الذي كان من أكثر الإجراءات المالية إضرارا بالاقتصاد المحلي، والتاجر، والمواطن على السواء، والذي انعكس بشكل سلبي مباشر على حركة الاستيراد، ونتج عنه ارتفاع سعر السلع في الأسواق المحلية بشكل كبير أرهق المواطن، وأعاقه عن تأمين أدنى احتياجاته الأساسية للعيش، بحسب وصفه.
تعريفة موحدة
وقال بدوي سيتم العمل في الأيام القليلة القادمة على إصدار تعريفة جمركية واحدة في أرجاء سوريا ستحقق المصلحة العامة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة وتحفظ حقوق التجار، والصناعيين، والمزارعين من منافسة البضائع الأجنبية، وذلك من خلال تطبيق سياسة الحماية الجمركية للصناعات والمنتجات المحلية، وستخفف هذه التعرفة العبء المالي عن المواطنين، حسب تعبيره.
وأكد أن الإدارة الجديدة ستعمل على معالجة جميع القضايا الإدارية والفنية العالقة في المديرية العامة للجمارك والمديريات الإقليمية، مع معالجة وضع البضائع، والأدوات، والآليات المحجوزة والمصادرة.
ودعا بدوي أصحاب الممتلكات المصادرة، التي نجت من أعمال التخريب والسرقة من بقايا نظام الأسد، إلى مراجعة المديرية العامة والمديريات الإقليمية مصطحبين معهم ما يثبت ملكيتهم لها، وقال "سنعمل على إعادة ما تمت مصادرته أو حجزه بشكل غير قانوني".
ودعا المواطنين، والتجار، ومخلصين جمركيين أن يكونوا "عونا لنا في محاربة الفساد بكل أشكاله وصوره، وذلك من خلال إعلامنا وبشكل مباشر أثناء إنجاز معاملاتهم الإدارية والجمركية عن كل خلل قانوني أو إداري".