الاقتراح الذي تقدم به الرئيس دونالد ترامب بأن تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على قطاع غزة، والمتضمن تهجير الفلسطينيين من بلادهم، وتحويل القطاع إلى ما يمكن تسميته بـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، اقتراحٌ مزعج للغاية. هذا الإزعاج يمس كثيرًا من المجتمعات حول العالم عمومًا، وسكان القطاع والفلسطينيين بشكل خاص.

وعددٌ من الخبراء المعنيين بالشرق الأوسط اعتبروا أن هذه التصريحات، التي جاءت على هامش بيان أعرب فيه ترامب عن رغبته في تطهير «غزة»، دعوة إلى «التطهير العرقي» لقطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، الذين يبلغ عددهم نحو 2.2 مليون فلسطيني.

ولا بد أن تُقابل هذه الرغبة من الرئيس ترامب بترجيح كفة المستوطنين المتطرفين في إسرائيل، بل ودعم آمال حكومة نتنياهو ومناصريه، الذين يرغبون في استبعاد الفلسطينيين من أراضيهم وبناء المزيد من المستوطنات التي ستُخصص لليهود فقط، إضافة إلى المستوطنات الحالية.

وقد واجه السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، تصريحات ترامب بقوله: «وطننا هو وطننا»، وتابع: «في اعتقادي أنه يجب على القادة والشعوب احترام رغبات الشعب الفلسطيني».

وبصفتي باحثة في التاريخ الفلسطيني الحديث، فأنا على اطلاع بنوايا إسرائيل وداعميها لإبعاد الشعب الفلسطيني عن غزة، وهي محاولات ليست جديدة. وما يواجه تلك النوايا هو أن الفلسطينيين مصممون على البقاء في وطنهم، وهذا الموقف منهم ليس بجديد أيضًا، فعلى مدى أكثر من 80 عامًا، واجه أهالي غزة ضغوطًا للتهجير، لكنهم قاوموا تلك المحاولات والمقترحات المؤيدة لها. ورغم أن تلك المقترحات القادمة من الدول الداعمة لإسرائيل تؤيد موقف الاحتلال، فإنها تواجه مقاومة تحدُّ من تنفيذها.

بالرجوع إلى عام 1948، نجد أن أكثر من 700 ألف فلسطيني هربوا من ديارهم، أو بعبارة أخرى، تم طردهم من منازلهم، وذلك عندما تأسست ما يُسمى بدولة إسرائيل، وحينها اندلعت الحرب بين هذه الدولة الجديدة والدول العربية المجاورة.

ومنذ ذلك الحين، أصبح هؤلاء الفلسطينيون الذين طُردوا «لاجئين»، واندرجوا تحت رحمة «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين». ثم أقامت هذه الوكالة ثمانية مخيمات للاجئين في قطاع غزة، وضمن هذه المخيمات حوالي 200 ألف فلسطيني، أُجبروا على النزوح من أكثر من 190 قرية فلسطينية.

وفي شهر ديسمبر من عام 1948، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يحمل الرقم 194، وجاء في نص القرار: «ينبغي السماح للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم بالقيام بذلك في أقرب وقت ممكن».

وعليه، أبدت إسرائيل موافقتها المبدئية على هذا القرار، فوافقت على رجوع بعض اللاجئين في البداية، لكن سرعان ما رفضت إسرائيل عودة اللاجئين بأعداد كبيرة، معللة موقفها بأن العودة قد تهدد أمن إسرائيل وتُضعف الدولة اليهودية.

ومنذ ذلك الحين، بدأت فكرة تهجير الفلسطينيين، حيث قام أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، بالبحث عن حلول تتمثل في تحرك الفلسطينيين شرقًا وتحفيزهم على هذا الأمر. والتحرك شرقًا يعني التوجه نحو الأردن، وكان مؤيدًا لفكرة أن ترحيل الفلسطينيين سيكون بلا احتمال عودتهم.

وقد واجهت الولايات المتحدة موقف إسرائيل بالرفض، ولكن مع استمرار إصرار إسرائيل، رضخت واشنطن لرغبتها، ليبدأ زعماؤها الاتجاه نحو فكرة إعادة توزيع الفلسطينيين على البلدان العربية.

وكان أمل الزعماء الأمريكيين أن تتحقق خططهم من خلال وعود بتحقيق رخاء اقتصادي، وذلك بتشجيع أعداد كبيرة من اللاجئين على الهجرة إلى البلدان العربية المجاورة والتخلي عن فكرة العودة إلى الديار. ومن أمثلة ذلك ما حدث في عام 1953، عندما وضع وزير الخارجية الأمريكي، جون فوستر دالاس، مجموعة من الخطط لتهجير اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا مقابل مشروع كبير لإدارة المياه هناك.

ومن الأمثلة الأخرى، تمويل مشروع كبير للري في الأردن مقابل تشغيل اللاجئين الفلسطينيين كمزارعين. وجاء هذا الاقتراح من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي تأسست عام 1961. وضمن هذه الخطة، كان من المفترض أن يُعرّف الفلسطينيون اللاجئون أنفسهم على أنهم أردنيون وليسوا فلسطينيين، وأن يوافقوا على الإقامة الدائمة في الأردن دون العودة إلى ديارهم.

إلا أن خطط هذه الوكالة لم تنجح، فقد أُجري استطلاع بعد خمس سنوات من تنفيذ الخطة، خلص إلى أن الفلسطينيين العاملين في الأردن لا يزالون يُعرّفون أنفسهم بأنهم لاجئون فلسطينيون وليسوا أردنيين، بل ولا يزالون يأملون بالعودة إلى ديارهم.

أدت الحرب التي اندلعت عام 1967 بين إسرائيل والدول المجاورة إلى احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية، اللتين كانتا تحت الحكم الأردني، بالإضافة إلى قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية. وقد أسهمت هذه الأحداث في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، خاصة بين الأجيال الشابة التي لجأت بشكل متزايد إلى أساليب المقاومة المسلحة للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي للاعتراف بحقهم في العودة.

وفي مواجهة ذلك، رأت إسرائيل في التهجير وسيلة لتقليل أعداد الفلسطينيين في الأراضي التي احتلتها. ففي عام 1969، وضعت الحكومة الإسرائيلية خططًا سرية لنقل ما يصل إلى 60 ألف فلسطيني من غزة إلى باراغواي بشكل دائم، غير أن هذا المخطط انهار فجأة عندما واجه فلسطينيان السفير الإسرائيلي في أسونسيون بشأن نقلهما إلى باراغواي تحت ذرائع كاذبة.

في الوقت ذاته، أنشأ مستوطنون إسرائيليون متطرفون سبع مستوطنات في غزة بين عامي 1967 و1979، بهدف إجلاء الفلسطينيين من القطاع وضم الأرض إلى رؤيتهم لما يُعرف بـ «إسرائيل الكبرى». وخلال السبعينيات والثمانينيات، قدم المسؤولون الإسرائيليون مقترحات عدة لإزالة مخيمات اللاجئين وتهجير سكانها في أماكن أخرى، بما في ذلك خطة عام 1983 لتفكيك المخيمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة ونقل قاطنيها إلى مساكن أفضل في المدن والبلدات. لكن اللاجئين الفلسطينيين رفضوا هذه العروض بحزم، حيث كانت تتطلب منهم التخلي عن وضعهم كلاجئين والتنازل عن حق العودة.

مع تلاشي آمال الحل القائم على دولتين، عادت مقترحات التهجير إلى الواجهة من جديد، فبعد الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، والذي أعقبه قصف واسع النطاق وحصار مشدد على غزة، طلبت إدارة بايدن من الكونجرس تمويل «الاحتياجات المحتملة للغزيين الذين قد يفرون إلى الدول المجاورة».

أثار هذا الخبر غضب الفلسطينيين الذين اعتبروه بمثابة منح إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ ما وصفه كثيرون بمحاولة تطهير عرقي لغزة، وفي أكتوبر 2024، تجمع مستوطنون إسرائيليون متطرفون عند حدود غزة وطالبوا بإعادة بناء المستوطنات التي تم تفكيكها عام 2005، فيما دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى «تشجيع هجرة» الفلسطينيين من غزة، قائلاً: «نحن نقدم لكم خيارًا، غادروا إلى دول أخرى، هذه الأرض لنا».

لكن الفلسطينيين ردوا بأفعالهم على الأرض. فبمجرد سريان وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، سار مئات الآلاف ممن نزحوا إلى جنوب غزة لساعات للوصول إلى منازلهم في شمال القطاع، ونشر المئات مقاطع فيديو وهم ينظفون منازلهم المتضررة استعدادًا للعودة إليها.

لا بد وأن طريق التعافي في غزة سيكون طويلاً، حيث تقدر الأمم المتحدة أن إعادة إعمار القطاع ستكلف 50 مليار دولار وتستغرق ما لا يقل عن عشر سنوات. لكن الفلسطينيين يريدون المساعدة في إعادة البناء، وليس التهجير، وقد رفض الكثيرون دعوة ترامب للمغادرة بشكل قاطع، كما قال أحد الفلسطينيين لصحيفة الجارديان: «نفضل الموت هنا على مغادرة هذه الأرض،، لا يوجد مبلغ مالي في العالم يمكن أن يعوض وطنك».

لطالما واجهت مشاريع إعادة التوطين مقاومة فلسطينية شرسة، وليس هناك سبب للاعتقاد بأن الأمر سيكون مختلفًا هذه المرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اللاجئین الفلسطینیین الفلسطینیین من العودة إلى

إقرأ أيضاً:

الرئيس الإيراني: إسرائيل تهدد أمن المنطقة.. وترامب يدعم القتلة

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن الكيان الصهيوني هو الذي يزعزع أمن المنطقة وليست إيران هي من تنشر عدم الاستقرار، معتبرًا أن اللوم كله على الاحتلال وليس بلاده، وفق ما أوردت صحف إيرانية .

اعتبر الرئيس الإيراني، أن الرئيس الأمريكي دونال ترامب يدعم الجانب الخطأ بدعمه القتلة (في كيان الاحتلال وحكومته المتطرفة الصهيونية) ويحميهم من محكمة الجنايات الدولية.

وقامت المحمكة الدولية بالأمر الطبيعي بالتحرك في دعاوى قدمت لها، لها ما يوثقها لبناء قضية قوية، لكن رغم ذلك تتحرك أمريكا على الجانب الخطأ من كل صواب

وأردف الرئيس الإيراني بأنهم في طهران "قادرون بوحدتنا على حل كل مشاكلنا والتصدي للولايات المتحدة و ترامب يخطط للمؤامرات ضد إيران ويدعي في الوقت نفسه أنه يريد الحوار مع إيران".

وأكد  أنه "لن نستسلم للقوى الأجنبية ولا نسعى إلى الحرب وإذا كانت الولايات المتحدة صادقة بشأن المفاوضات مع طهران فلماذا فرضت العقوبات وهو ما يدعونا للقول بأننا نواجه حربا اقتصادية شاملة وعلينا التصدي لها".

وأردف أن الولايات المتحدة تزعم أنها تسعى إلى السلام بينما تقف إلى جانب المجرمين في إسرائيل بكل قوة  ولن نقع في فخ المؤامرات التي يخطط لها العدو ضدنا".

مقالات مشابهة

  • أصدقاء أمريكا.. أفغان في خطر بعد قرارات ترامب بشأن اللاجئين
  • ماذا نعرف عن "أم القنابل" التي وافق ترامب على تسليمها إلى إسرائيل؟
  • ماذا نعرف عن "أم القنابل" التي وافق ترامب على تسليمها إلى إسرائيل؟.. عاجل
  • الرئيس الإيراني: إسرائيل تهدد أمن المنطقة.. وترامب يدعم القتلة
  • قمة عربية طارئة في مصر التحديات التي تواجه مستقبل الفلسطينيين في غزة بسبب خطة ترامب
  • ترامب حول إيران: إذا أبرمنا الصفقة فلن تقصفهم إسرائيل!
  • رسالة من ترامب لإيران: "إذا أبرمنا الصفقة فلن تقصفهم إسرائيل"
  • البخيتي يكشف كيف ستواجه السعودية تصريحات ترامب ونتنياهو؟
  • الولايات المتحدة تمنح إسرائيل ام القنابل