منال الشرقاوي تكتب: صوت الإذاعة مجد لا يخبو
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
في 13 فبراير من كل عام، يحتفل العالم بيوم الإذاعة العالمي، ذلك الاختراع العجيب الذي تسلل إلى البيوت والعقول، حاملاً معه الأخبار، الحكايات، والأغنيات، قبل أن يصبح رفيق السفر وأُنس الوحدة.
الساعة تقترب من الخامسة والنصف مساءً، اليوم هو 31 مايو 1934، والهواء يحمل شيئًا جديدًا، شيئًا سيغيّر شكل الزمن القادم.
"هنا القاهرة.. الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية". لم يكن مجرد إعلان رسمي، بل كان ميلادًا لصوت سيصبح رفيق الأيام والليالي، ينساب من أجهزة الراديو في المقاهي والبيوت، ليحمل الأخبار والأغنيات وأحلام الوطن. كان ذلك بداية عهد جديد، لكن الحكاية لم تبدأ هنا…
لنعود بالزمن أكثر، إلى الأيام التي لم يكن فيها صوتٌ يعبر الهواء، إلى اللحظة التي وُلدت فيها الفكرة قبل أن تتحول إلى واقع.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان العالم على موعد مع اختراع سيغيّر كل شيء، حتى الطريقة التي يسمع بها الناس الأخبار والقصص. عام 1895، نجح جولييلمو ماركوني في إطلاق أول إشارة بث لاسلكي، ليبدأ عصرٌ جديد حيث تنتقل الأخبار عبر الأثير، لا تحتاج إلى ورق ولا تنتظر ساعي البريد. مع دخول القرن العشرين، تحولت الإذاعة إلى أداة حاسمة، -خصوصًا- في زمن الحروب. خلال الحربين العالميتين، أصبحت سلاحًا استُخدم في الدعاية والمراسلات العسكرية، بينما كانت الجماهير مشدودة إلى أصوات المذيعين بانتظار الأخبار المصيرية.
ثم جاءت العشرينيات، وكان لابد من أن تتخذ الإذاعة مكانها الحقيقي في قلب كل متابع. تلك البوابة الواسعة على العالم، التي تحمل الأخبار، تنقل الموسيقى، وتخلق لحظات من السحر بين المستمع وصوت لا يراه، لكنه يشعر به كأنه يجلس إلى جواره تمامًا. وهكذا، ولدت الإذاعة كصوت لا يُنسى، وكتقنية ستظل تجد طريقها في كل زمن، مهما تغيرت الوسائل والأدوات.
لم يكن في مصر، آنذاك، شيء اسمه "إذاعة رسمية". كانت هناك محاولات متفرقة، محطات أهلية تبث بجهود فردية في عشرينيات القرن العشرين، لكنها لم تكن أكثر من أصوات متقطعة في الأثير، لا نظام يحكمها ولا دولة تتبناها. لكن في مساء يوم 31 مايو 1934، تغير كل شيء. انطلقت الإذاعة المصرية الرسمية بصوت المذيع أحمد سالم.
في البداية، كانت الإذاعة تحت جناح شركة "ماركوني" البريطانية، لكنها لم تكن لتبقى كذلك للأبد. انتهى العقد في 30 مايو 1944، وكان على الإذاعة أن تشق طريقها وحدها، بلا وصاية. وجاء عام 1947 ليشهد لحظة تمصيرها، فلم تعد مجرد صدى لصوت الآخرين، بل صارت صوت مصر الحقيقي، بلكنته الواضحة وموسيقاه الخاصة.
وفي الخمسينيات، مع صعود جمال عبد الناصر، لم تعد الإذاعة مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت سلاحًا. من "صوت العرب"، خرجت الكلمات التي أشعلت الحماسة في قلوب المستمعين، تخطت حدود القاهرة، وصلت إلى كل بيت عربي يحلم بالخلاص من الاستعمار، تحولت إلى منبر للثورة، إلى أداة تعبئة، إلى صوت لا يمكن كتمه.
واليوم، رغم كل ما تغير، لا يزال هناك من يفتح الراديو في الصباح، ليسمع صوتًا يعرفه جيدًا. الإذاعة ليست مجرد موجات أثيرية تتردد بين السماء والأرض، بل هي ذاكرة الزمن. منذ نشأتها، كانت صوتًا للشعوب وسلاحًا في المعارك. إنها تشبه ذلك الحكيم العجوز الجالس أمام دكان في حارة مصرية قديمة، يشرب الشاي بالنعناع ويتابع الدنيا وهي تتغير من حوله. صحيح أن الناس لم يعودوا يجتمعون حول الراديو كما كانوا يفعلون قديمًا، وصحيح أن الشاشات الملونة سرقت الأبصار، لكن هناك دائمًا من يفضل الإنصات إلى صوت مألوف دون الحاجة إلى صورة.
في عالم يركض بلا توقف، تظل الإذاعة ملاذًا لمن يريد أن يهرب من إدمان النظر إلى الشاشات، لمن يفضل أن يغلق عينيه ويترك الصوت يقوده في رحلة بلا حدود. لم تعد تخرج فقط من أجهزة الراديو العتيقة، بل تسللت إلى الهواتف، إلى الإنترنت، عادت في شكل "بودكاست" يجذب جيلًا جديدًا لم يعرف انتظار المذيع، لكنه ما زال يبحث عن الحكاية. ربما لم تعد الإذاعة هي الخيار الأول، وربما أصبح حضورها خافتًا، لكنها لم تنتهِ. فقد أثبتت أن الصوت وحده قادر على أن يسافر عبر الأزمان، أن ينساب في القلوب، أن يصنع الأنس.
وفي اليوم العالمي للإذاعة، نرفع القبعة، لهذا الصوت العابر للأجيال، لهذا الصديق
الوفي، الذي ما زال يهمس في أذاننا:
"أنا هنا.. لم أرحل بعد."
كل عام والإذاعة بخير، وكل عام ومستمعوها أوفياء لصوتها الدافئ.. ذاك الصوت الذي يأتيك حين تظن أن كل شيء قد سكن، يحكي لك، يربت على قلبك. لا يفرض نفسه، لكنه حاضر، يعرف اسمك، "عزيزي المستمع"، كما لو كان رفيقًا قديمًا لم ينشغل عنك يومًا .. رفيق لا يمل الانتظار.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: هنا القاهرة الإذاعة المصرية المزيد لم تعد
إقرأ أيضاً:
غولان: نتنياهو باع أمن إسرائيل من أجل بقائه السياسي
قال رئيس حزب "الديمقراطيون" الإسرائيلي المعارض يائير غولان، أمس الخميس، إنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، باع أمن إسرائيل من أجل بقائه السياسي، تعقيبًا على اتهامات هذا الأخير لرئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" رونين بار، بقيادة حملة ضده.
وفي منشور عبر صفحته في منصة "إكس"، قال غولان: "نتنياهو هو الذي باع أمن إسرائيل من أجل بقائه السياسي، يرى في كل من يخدم الدولة وليس مصالحه الشخصية عدوًا".
وتابع: "رئيسا الشاباك (نداف) أرغمان السابق، وبار الحالي، هما خادمين مخلصين للدولة، شجاعان ومتفانيان، كرسا حياتهما لأمن إسرائيل".
وأردف غولان: "هجوم نتنياهو عليهما ليس إلا محاولة يائسة أخرى لترهيب حراس الدولة وردع كل من يجرؤ على مواجهته".
المصدر : التلفزيون العربي اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية ضجة في إسرائيل - اتهامات متبادلة بين نتنياهو والشاباك نتنياهو : الجيش الإسرائيلي يسيطر على 5 مواقع جنوب لبنان ويتكوف يقدم مقترحا محدثا لوقف إطلاق النار في غزة الأكثر قراءة الخارجية تطالب بتدخل دولي لتمكين الفلسطينيين من حرية دخول القدس والصلاة فيها مستوطنون يرفعون أعلام الاحتلال قرب خيام المواطنين في الأغوار مستوطنون يهود عبروا الحدود اللبنانية للصلاة على تخوم حولا صحيفة تتحدث عن تفاصيل محادثات "واشنطن – حماس" بشأن غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025