شذا بنت سالم المسكرية

فقدان الأحبة من أصعب التجارب التي يمر بها الإنسان، لحظة يتوقف فيها الزمن للحظة، ثم يستمر دون أن ينتظر أحدًا. في تلك اللحظات المؤلمة، تواجه العائلات تحديات مُعقَّدة؛ حيث تتداخل مشاعر الحزن مع الأعباء الإدارية والتعقيدات التنظيمية، بين أوراق، وتصاريح، وزيارات متكررة للمؤسسات المختلفة.

وفي خضم كل ذلك؛ قد تضيع إنسانية الموقف وسط روتين الإجراءات التي لا تعطي للحزن حقه، ما يدفعنا للتأكيد على أنه لا ينبغي الاستهانة بتبعات هذه المواقف، فهي ليست مرهقةً فحسب، بل قد تؤدي إلى أخطاء أو حتى حالات تزوير!

لكن، ماذا لو تمكَّنَّا من تخفيف هذا العبء؟ ماذا لو استخدمنا التكنولوجيا لإعادة لمسة الإنسانية إلى هذه اللحظات الصعبة؟ في هذه المقالة نطرح بكل تجرُّد رؤية تهدف إلى إنشاء نظام وطني متكامل يربط بين المؤسسات المختلفة ويُسهّل إجراءات ما بعد الوفاة؛ مما يجعل الأمر أقل تعقيدًا، بل تجربة تحفظ كرامتهم، وتمنحنا المساحة للحزن والتذكر، دون أن نشعر وكأننا نسارع لطي صفحة من حياتنا بالقوة، وسط طوفان من الإجراءات التي تزيد من وطأة الفقد.

نتخيل نظامًا رقميًا موحدًا يربط بين المستشفيات، وشرطة عُمان السلطانية، والبنوك، وصناديق التقاعد، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة الإسكان والتخطيط العُمراني، عبر منصة رقمية واحدة. هذا النظام لا يقتصر على تسهيل الإجراءات وحسب، بل يضمن الشفافية والكفاءة وحفظ الحقوق.

وبتفعيل هذا النظام يتم إلغاء الوثائق الرسمية مثل بطاقة الهوية، وجواز السفر، ورخصة القيادة بمجرد تسجيل وفاة الشخص، بجانب تجميد الحسابات البنكية والأصول المالية تلقائيًا، وفق منظومة الرقم الوطني الموحَّد لكل مواطن (الرقم المدني نموذجًا)؛ لضمان حفظ الحقوق وتفادي أي استخدام غير قانوني لها. وإخطار الجهات المعنية مثل البنوك، وشركات التأمين، وصناديق التقاعد، والجهات الحكومية المختلفة للتعامل الفوري مع المستحقات. ويُنسق النظام مع البنك المركزي العُماني لضمان تنفيذ عمليات التجميد وإدارة الأصول بدقة وسرعة. وكل هذه العمليات تتم رقميًا، بما يحفظ حقوق الورثة ويجنب التعقيدات القانونية. وهذا التكامل بين المؤسسات يُسهم في تقديم تجربة أكثر إنسانية، ويُخفِّف من الأعباء الإدارية عن كاهل العائلات في هذه الظروف الصعبة.

ربط الأصول تلقائيًا: الشفافية أولًا

نقترح أن يشمل النظام حصرًا شاملًا لجميع الممتلكات من أسهم، وعقارات، وقروض، وأموال نقدية، ويتم تحديث السجلات بشكل فوري لتجنب التأخير أو التضارب، كما يضمن ربط الأصول بطريقة رقمية تمنع أي تلاعب أو تزوير.

التعامل مع الجوانب الثقافية والمناطق البعيدة

يأخذ النظام في الاعتبار الخصوصية الثقافية المحلية، من خلال فرق متخصصة وخطوط ساخنة لتقديم الدعم، كما يتيح الوصول إلى الخدمات عبر الهواتف المحمولة، حتى في المناطق ذات الاتصال المحدود، لضمان شمولية الخدمة لجميع الأسر.

ولا شك أن تبنِّي أفضل الممارسات التقنية المُطبَّقة في الدول المتقدمة يفتح آفاقًا واسعة لتحسين النظام الوطني لإدارة ما بعد الوفاة بشكل شامل وفعّال؛ مما يسهم في تحقيق كفاءة أعلى، وتقليل التعقيدات، وتقديم تجربة أكثر إنسانية للأسر في أصعب أوقات حياتهم. وفي هذا الإطار، يمكن تنفيذ عدد من الحلول التقنية المبتكرة، والتي تشمل ما يلي:

شهادات الوفاة الرقمية: إصدار شهادات الوفاة بشكل إلكتروني يتيح إبلاغ الجهات المعنية فورًا، مما يعزز الكفاءة ويسرّع في إنجاز الإجراءات المرتبطة بها. المنصات الرقمية المترابطة والإشعارات المركزية: تحديث البيانات تلقائيًا بين مختلف الجهات الحكومية؛ بمجرد تسجيل الوفاة في خطوة واحدة، مما يساعد على توفير الوقت والجهد. نقل الأصول تلقائيًا: تطوير أنظمة متكاملة تتيح نقل الأصول بشكل تلقائي عند تسجيل الوفاة، بما في ذلك الحسابات البنكية وملكية العقارات، لتسريع الإجراءات وتقليل التدخل اليدوي. تقنية سلاسل الكُتل "البلوك تشين" في الميراث: لإنشاء سجلات آمنة وغير قابلة للتلاعب في ملكية الأصول. تحديث النظام القانوني: إجراء تحديث شامل للأنظمة القانونية للاعتراف بالوصايا الرقمية، مما يتيح إمكانية إنشاء هذه الوثائق وتخزينها وتنفيذها إلكترونيًا. بطاقة رقمية: تُمنح للورثة المعتمدين؛ مما يضمن الاعتراف الرسمي بحقوقهم، مع إصدار بطاقة تفويض/ توكيل للأوصياء أو حاملي الوكالات القانونية، وذلك يُمكِّنهم من إدارة شؤون الميراث نيابة عن الورثة، ويجب أن تظل هذه البطاقة سارية المفعول حتى يتم الانتهاء من جميع الإجراءات المتعلقة بالميراث.

وتطبيق هذا النظام من شأنه أن يعزز الشفافية، ويحدّ من التعقيدات الإدارية، ويوفر آلية واضحة ومعتمدة لتنظيم أمور الورثة والممثلين القانونيين. كما أن توظيف هذه الحلول سيُحدث نقلة نوعية في إدارة ما بعد الوفاة؛ مما يضمن الكفاءة والشفافية مع تخفيف العبء الإداري عن العائلات في أصعب لحظات حياتها.

رؤية للمستقبل: نحو نظام إنساني فعّال

مقترح النظام الوطني لإدارة ما بعد الوفاة، ليس مجرد مشروع تنظيمي، بل بادرة تحمل في طيَّاتها بُعدًا إنسانيًا عميقًا. هو التزام مجتمعي بأن نقف بجانب بعضنا في أصعب الأوقات. أن نحفظ كرامة الفقد، ونمنح العائلات وقتًا للحزن بدلًا من الغرق في فوضى الإجراءات، هذا النظام يهدف إلى تبسيط الإجراءات، وضمان الحقوق، إنه وعد بأننا -كمجتمع- قادرون على تقديم العون، حيث يكون العجز والضعف في أشد حالاته.

فهل سنشهد هذا التغيير قريبًا؟ لقد حان الوقت لنرتقي بتجربتنا الإنسانية، ونقول وداعًا للتعقيدات التي تُثقل القلوب، ونُرحب بنظامٍ يحترم ضعف اللحظة ويُسهِّل رحلة الوداع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الصحة ترفع عدد لجان الكشف الطبي لتسهيل إجراءات كارت الخدمات المتكاملة

أعلنت وزارة الصحة والسكان عن فحص ومناظرة أكثر من 20,610 مواطنًا تقدموا للحصول على كارت الخدمات المتكاملة، وذلك خلال شهر يناير الماضي في جميع محافظات الجمهورية، مشيرة إلى أن هذه الجهود تأتي تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الهادفة إلى دعم وتمكين ذوي الهمم وتعزيز اندماجهم الكامل في المجتمع.

وأكد الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الوزارة رفعت عدد اللجان الطبية المخصصة للكشف على الأشخاص ذوي الإعاقة إلى 531 لجنة موزعة على مستوى الجمهورية، بما يشمل المستشفيات التابعة للوزارة، والمستشفيات الجامعية، ومستشفيات القوات المسلحة والشرطة، وذلك بهدف تسهيل الإجراءات وتوفير التغطية الطبية اللازمة في مختلف المحافظات.

وأشار عبدالغفار إلى أن الفئات المستحقة للحصول على كارت الخدمات المتكاملة تشمل حالات إعاقة متعددة، منها البتر في طرف أو أكثر، الشلل الرباعي أو الدماغي، ضمور العضلات، شلل الأطفال في أحد الأطراف، كف البصر، الإعاقات المتعددة، متلازمة داون، الإعاقات الذهنية بمعدل ذكاء لا يتجاوز 35%، طيف التوحد والتقزم.

وأضاف أن الوزارة أجرت الفحوصات الطبية اللازمة لـ22,155 مواطنًا تقدموا للاستفادة من برنامج "تكافل وكرامة"، إضافة إلى مناظرة 9,110 مواطنين من طالبي الحصول على السيارات المجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة، التي تُعفى من الضرائب والرسوم الجمركية.

من جانبه، أوضح الدكتور محمد زيدان، رئيس الإدارة المركزية للطب العلاجي ومدير عام المجالس الطبية المتخصصة، أن الحصول على كارت الخدمات المتكاملة يتطلب تسجيل البيانات عبر الموقع الرسمي للوزارة ، مشيرًا إلى أن المتقدم يتلقى رسالة نصية على هاتفه المحمول تتضمن موعد ومكان الكشف الطبي، حيث يعمل الموقع على مدار الساعة.

وأكد زيدان أن وزارة الصحة والسكان ملتزمة بحوكمة الإجراءات الطبية وتقديم الدعم اللازم لتسهيل حصول ذوي الإعاقة على كارت الخدمات المتكاملة، لافتًا إلى أن اللجان الطبية التابعة للوزارة، بالتعاون مع المستشفيات الجامعية والقوات المسلحة والشرطة، هي الجهات المنوطة بإجراء الفحوصات الطبية المطلوبة، وبعد استكمال الإجراءات، تُحال الطلبات إلى وزارة التضامن الاجتماعي التي تتولى إصدار البطاقة.

مقالات مشابهة

  • "الأرصاد" تطلق نظام جديد لمراقبة أنشطة المناخ في المملكة
  • رؤية حول نظام البكالوريا الجديد في التعليم
  • الصحة ترفع عدد لجان الكشف الطبي لتسهيل إجراءات كارت الخدمات المتكاملة
  • إليكم السبب الذي قد يؤدي إلى رفض طلبكم نحو هذه الدولة الأوروبية
  • هكذا سخّر نظام الأسد الحواجز الأمنية لإرهاب السوريين وابتزازهم
  • البكالوريا.. و"التجريب"
  • التربية تطلق إطاراً وطنيًا شامل لتقييم الطلبة
  • طلاب يبدعون في تنفيذ نظام طبى منزلي للكشف المبكر عن الأورام
  • وزارة الداخلية تسعى إلى تعميم نظام معلوماتي على المحطات الطرقية لرقمنة عمليات بيع وحجز التذاكر