تتيح لنا بعض الفعاليات الثقافـية الاطلاع على أمكنة ما كنا سنزورها لولا تلك المناشط والمناسبات، فـيتضاعف الشغف وتتحقق الأمنيات المجدولة على قوائم الزيارات. إذ حضرتُ الأسبوع الماضي فعاليات المؤتمر الدولي «السياحة والتراث والثقافة» المنعقدة فـي جامعة نزوى، وتمكنت خلال الإقامة فـي مدينة نزوى من زيارة مدينة بهلا التاريخية، وهي الزيارة الثانية لي بعد رحلة علمية طلابية لطلبة شعبة المهارات الحياتية بكلية التربية بصلالة (سابقا).
فـي زيارتي الثانية تمكنت من زيارة القلعة التي تعج بفعاليات ثقافـية وأنشطة ترفـيهية، أسوة ببقية ولايات السلطنة التي أولت التنشيط السياحي والثقافـي أولوية كبيرة لدفع عجلة الاقتصاد، وتوفير مواطن عمل للشباب والاستفادة من المواقع الأثرية فـي حركة السياحة والترفـيه. وتستحق هذه المهرجانات والملتقيات الإشادة والثناء للقائمين على هذه البرامج التي من شأنها تعزيز السياحة الداخلية والمساهمة فـي إيجاد تنمية مستدامة فـي حواضر الولايات، ونقل التجارب الناجحة إلى بقية الحواضر والمدن والقرى للاستفادة من الأفكار وتطويرها وتقييمها.
لم أتمكن من زيارة مسجد بهلا الأثري فقد كان مغلقا فـي الفترة المسائية، ولكن اللوحات الإرشادية على مدخله تدلل على حركة سياحية نشطة وأن الزيارة متاحة فـي الأوقات المحددة، ومسجد بهلا الأثري يستحق الزيارة نظرا لأهميته التاريخية والثقافـية فعلاوة على تاريخه القديم فإن اللمسات الإبداعية للإنسان مثل الخطوط المكتشفة على جدرانه ومنحوتات محرابه تستحق التأمل والمشاهدة. بالإضافة إلى ذلك فإن وجود المسجد والقلعة والسوق يعكس مخطط العمارة العُمانية التقليدية بشكل خاص والعمارة الإسلامية بشكل عام.
يتوسط القلعة والمسجد نُزل أثري ومقهى يستحق الزيارة واحتساء القهوة على سطحه، يحمل المكان اسما مستوحى من أحد الأمكنة التراثية فـي بهلا. أُعيد إحياء المكان بجهود شبابية وبرؤية عصرية تستند على التقنيات الحديثة فـي التحديث والترميم، ليتحول الموقع إلى مزار ومكان إقامة يتوسط أهم معالم الولاية، حيث تعج الحركة السياحية والأنشطة الترفـيهية فليس سهلا أنسنة الأمكنة وإحياؤها من جديد، ولكن عزائم الشباب وطاقاتهم تستطيع التغلب على التحديات والمعوقات التي تعترض سُبل النجاح. وقد آن الأوان لتعميم فكرة النشاطات الشبابية الناجحة ونقلها إلى مختلف مناطق السلطنة الزاخرة بالأمكنة الأثرية والمواقع السياحية التي يمكن توظيفها توظيفا ناجحا فـي الصناعات السياحية القائمة على تهيئة الأمكنة المهجورة والمباني المهملة إلى فضاءات تستضيف فعاليات ترفـيهية وثقافـية مثل الأمسيات الشعرية والجلسات الفنية وبعض الأنشطة الرياضية.
إن المتابع للمشاريع الشبابية الناجحة فـي المجال السياحي يجدها مستندة على تجارب سابقة ماثلة للعيان وتحديدا فـي حارة العقر فـي مدينة نزوى، مما يعني أن نجاح الفكرة فـي بعث مشاريع سياحية لا يتوقف على المكان بل على التجربة التي تستدعي الإشادة والتطوير والتعميم على بقية المناطق للاستفادة من التجربة مع إضفاء البصمة العُمانية عليها فـي الفكرة والتنفـيذ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من زیارة
إقرأ أيضاً:
ويسألونك عن "إكسبو أوساكا"
حمود بن علي الطوقي
شهدت مدينة أوساكا اليابانية انطلاقة مُبهرة لمعرض "إكسبو 2025"، الحدث العالمي الذي يشكل منصة رائدة للتبادل الثقافي والاقتصادي بين دول العالم. وقد لفت انتباهي وأنا أتابع حفل الافتتاح الرسمي المشاركة العُمانية المتميزة، سواء من حيث الحضور الرسمي الرفيع أو من خلال الجناح العُماني الذي يعكس هوية السلطنة وتاريخها وحضارتها المُتجددة.
حفل افتتاح جناح سلطنة عُمان في المعرض أُقيم برعاية كريمة من صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب؛ حيث شكّل حضوره تأكيدًا على حرص القيادة العُمانية على التواجد الفاعل في مثل هذه التظاهرات العالمية. وقد كان لافتًا الحضور البارز لعدد من الشخصيات الرسمية من مُختلف القطاعات، وعلى رأسهم مسؤولون من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، والتراث والسياحةً إضافة إلى عدد من الرؤساء التنفيذيين في الشركات الحكومية، ومُمثلين عن القطاع الخاص، أبرزهم رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان.
في تقديري، كصحفيّ ومُراقب، أرى أن هذا الحضور المتنوع يعكس وعيًا استراتيجيًا بأهمية استثمار مثل هذه الفعاليات الكبرى كفرصة سانحة لاستكشاف آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي، ولبناء شراكات استثمارية واعدة بين السلطنة واليابان، البلد الذي يُعد من بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ مشاركة الرؤساء التنفيذيين للشركات الحكومية لا ينبغي أن تقتصر على الحضور الرمزي أو البروتوكولي، بل أتطلع- كغيري من المتابعين- إلى أن تُترجم هذه المشاركة إلى تحرّك فعلي من خلال زيارات ميدانية يقوم بها هؤلاء المسؤولون إلى الشركات اليابانية الرائدة، كل حسب اختصاصه ومجال عمله، بهدف استكشاف الفرص الاستثمارية والتكنولوجية التي يمكن أن تكون واعدة للسلطنة، وبما يُسهم في نقل الخبرات وتعزيز القيمة المضافة داخل الاقتصاد العُماني.
ولا يمكن إغفال البعد السياحي في هذه المشاركة العُمانية؛ إذ إن الجناح العُماني في "إكسبو أوساكا" يعكس بشكل جميل وذكي الملامح الطبيعية والثقافية التي تزخر بها السلطنة، وهو ما يمثل فرصة ثمينة للترويج للوجهات السياحية العُمانية، خصوصًا مع اقتراب موسم الخريف الذي يجذب آلاف الزوار سنويًا، لا سيما في صلالة والمناطق الجنوبية. لذا فإن تسويق موسم الخريف في أوساكا- وفي اليابان عمومًا- يعد خطوة بالغة الأهمية في استقطاب شريحة جديدة من السائحين الباحثين عن تجارب طبيعية وثقافية مختلفة، وهو ما يُمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجال السياحة بين البلدين.
وعلى مدى العشرين عامًا الماضية، بدأت السلطنة تتجه بخطى ثابتة نحو المشاركة في التظاهرات الدولية، لتبرز من خلالها قدراتها وإمكاناتها الحضارية والاقتصادية، ولا شك أن "إكسبو أوساكا" يأتي ليشكل محطة جديدة ومهمة في هذا المسار. فالسلطنة تمتلك من المقومات ما يؤهلها لأن تكون وجهة عالمية جاذبة، بدءًا من الموقع الجغرافي الاستراتيجي، مرورًا بالاستقرار السياسي، وصولًا إلى البنية الأساسية المتطورة وبيئة الاستثمار المشجعة.
ومن خلال هذا المعرض، الذي يتوقع أن يستقطب أكثر من 100 مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، أرى أن السلطنة أمام فرصة ذهبية ليس فقط لتعريف العالم بإرثها العريق، بل أيضًا للترويج لفرصها الاقتصادية والاستثمارية والسياحية، وعرض قصص النجاح التي تحققها في مختلف المجالات، خصوصًا تلك التي تستند إلى رؤية "عُمان 2040".
ختامًا.. كل الشكر والتقدير للجنة المنظمة لهذا الحدث العالمي، ولجميع القائمين على المشاركة العُمانية، على ما بذلوه من جهود مشهودة في تقديم السلطنة بصورة مشرّفة؛ فمثل هذه المشاركات لا تعكس فقط الحاضر الزاهر، بل ترسم أيضًا ملامح المستقبل الطموح لعُمان في محيطها الإقليمي والدولي.
رابط مختصر