بعد بيات شتوي امتد ليشمل فصول السنة كلها ولسنوات طويلة، خرج علينا الزعيم الموسمي حمدين صباحي، بإعادة تقديم نفسه، وبشكل مفاجئ، ولا يمكن فهم دواعي ظهوره إلا بقول عمرو موسى إن التغيير بدأ بالفعل!
ومع الزفة التي استقبلت بها مراجعات حمدين صباحي، تحت عنوان "نصيبي من الخطأ"، إلا أن الأمر مثل استهلال لحملة انتخابية، ليس بالضرورة أن تكون هذا العام، ولكنها حملة تمهيدية يكون فيها قد تخلص من أخطاء المرحلة السابقة ليبدأ مرحلة جديدة، عندما يحين الحين، فالرجل اعترف بأخطائه، ومن غيره يمكن أن يفعلها؟!
تفتش فيما اعترف به من أخطاء، فلا تعثر على شيء ذي معنى، فكلها أخطاء كان السبب فيها الإخوان، الذين تحالفوا مع الجيش، وكأن دعوته للتظاهر يوم 30 حزيران/ يونيو لإسقاط الرئيس المنتخب، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة؛ لم تمثل مظلة لانقلاب عسكري في 3 تموز/ يوليو، وإذا صح تحالف الإخوان مع المجلس العسكري، لاستمرار حكمهم، فقد انتقل بهم تجمع حمدين للاستحواذ على الحكم، ولم يكن منطقيا أن يصدق ما قاله شباب تمرد بعد الانقلاب بأنهم يرون أن حمدين هو الأجدر بالرئاسة، هل ظن حمدين أن الجيش قام بانقلابه ليسلم الحكم بيضة مقشرة له؟ أو كما قالت كريمته الفاضلة صبيحة الانقلاب: "ما أحلاكي يا مصر، وحمدين رئيس، وعبد الفتاح السيسي وزير دفاع"؟!
إن ظن هذا فهي الغفلة التي تسقط الأهلية لتصدر المشهد، أو العودة من جديد ليكون له دور في الحياة السياسية، وقد كان في استدعائه للثورة المضادة للانقلاب على ثورة يناير، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
أخطاء لا تخص حمدين:
إذا تأملنا الأخطاء التي اعترف بها حمدين صباحي، فهي جميعها لا تخصه، فقد كانت لديه رغبة في عدم صرف الناس من الميدان، لكن المشكلة في الإخوان الذين سلموا بقرار مبارك باختياره المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شؤون البلاد، مع أن حمدين لم يعلن هذا الرأي في حينه، ومع أنه وإن كان ما جرى خطأ فهو خطؤه وليس خطأ الإخوان، وحتى في رأيه بضرورة تشكيل مجلس رئاسة لإدارة شؤون البلاد، لا يذكر أنه رفض هذا على الهواء، عندما ارتفعت أصوات الثوار تطالب بإسقاط حكم العسكر، فقد كان حمدين يتقرب إليهم بالنوافل، مثل غيره، ولا يقترب من حكم المشير بشطر كلمة إلا عندما يريد التعريض بالإخوان، رأس كل خطيئة!
الخطأ الوحيد الذي اعترف به حمدين بعيدا عن المؤثرات الجانبية الإخوانية، هو خوضه للانتخابات الرئاسية في 2014، وبدون تفاصيل من شأنها تنتقل بالأمر من الخطأ إلى الخطيئة، وتجعله حيث وضع نفسه، ليس أكثر من محلل للجنرال، لتمكينه من تصوير الأمر بأنه انتخابات حقيقية والدليل أن مرشحا مدنيا سابقا يخوض الانتخابات ضده، مع أن ترشح الجنرال في حد ذاته كان يعني أن فكرة الانقلاب العسكري على ثورة يناير قد اكتملت، وأعمى من لا يرى من الغربال!
على مدى عام كامل، كنا نقول في المواجهات الإعلامية إن ما جرى في 3 تموز/ يوليو 2013 انقلاب عسكري مكتمل الأركان، وكان الذين يقفون في الاتجاه المعاكس يقولون إن الأمر الوحيد الذي يؤكد أنه انقلاب إذا ترشح السيسي وهو الأمر الذي لن يحدث، وأذكر أنه في الليلة التي أعلن ترشحه فيها، أن أحد هؤلاء كان يردد قبل قليل على شاشة الجزيرة هذه النغمة، فلما قرر الجنرال الترشح، قال صاحبنا إنه يكتفي بعدم الظهور مرة أخرى، مع أن الشجاعة الأدبية كانت تحتم عليه الظهور وإعلان موقفه بدلا من هذا الموقف السلبي!
بيد أن حمدين صباحي لم يكن غرّا تم التغرير به، ليتصور أن إعلان البيان العسكري على النحو الذي جرى، هو انحياز من الجيش لإرادة الشعب، وكان يتصور مثلا أنه يمكن له أن يفوز في هذه الانتخابات على الجنرال!
دور الكومبارس:
لقد بلغ تواطؤه الحد الأقصى بأنه مثل دور الكومبارس حتى المشهد الأخير من المسرحية، وقد أعطى الناخبون ظهورهم لهذه الانتخابات، على النحو الذي قرره إعلاميو الموالاة ومن عمرو أديب لأحمد موسى، وهذا الصراخ بأن اللجان بدون ناخبين، فكان قرار المد ليوم ثالث، مع أن الأصل بالمد هو زحام الناس وعدم تمكنهم من الإدلاء بأصواتهم خلال الفترة المقررة، وليس كمهلة لسوق الناخبين للجان!
وكان الجنين في بطن أمه يعرف أن المد بهدف التمكن من تمثيل مشهد انتخابي، وكان لافتا أن يوافق حمدين صباحي على المد، ثم يسحب مندوبيه من اللجان، للتمكين لعملية التزوير! فلماذا وافق على المد ولماذا سحب رجاله؟!
إنها خطيئة تجاوزها حمدين، لأنها تمثل ما لا يمكن الدفاع عنه، وعلى غير المستهدف من مراجعاته، التي لا تعد مراجعات ولا تمت للمراجعات بصلة، وإنما هي قفزة في الهواء لزوم الاغتسال من جريمة الماضي ليكون له نصيب في الترشح في الجولة القادمة إذا دع الداعي لذلك!
سنظل نلف في حلقة مفرغة ما دام حمدين يهرب من الحقيقة المؤلمة، وهي أنه فقد اتزانه، بمجرد أن سقط في الانتخابات الرئاسية وجاء ترتيبه الثالث، وبدلا من أن يصبر للانتخابات القادمة بعد أربع سنوات، فقد اندفع مع الذين يبغونها عوجا لإفساد المشهد، لأنه اعتاد على أن يأخذ من الإخوان ولا يعطي، ولأن حلم الرئاسة نغص عليه حياته! فكان أقرب للهلوسة أن ينزل ثلاثتهم، هو وخالد على وعبد المنعم أبو الفتوح (فك الله أسره)، في تصرف مضحك للاحتفال بسقوطهم وبحجة أن مجموع الأصوات التي حصلوا عليها تجعل منهم رقما صحيحا، وهذا أمر لا تعرفه الديمقراطيات العتيقة والناشئة على حد سواء.. فما هذا العبث؟!
ثم اندفع ليشكل مع أراذل السياسيين ما سمي بجبهة الإنقاذ، غير معني بأن يقف مع من وصف مبارك بأنه خط أحمر (سامح عاشور)، أو من كان عضوا في أمانة السياسات في الحزب الوطني (جابر نصار)، فالهدف هو الوصول لإسقاط الرئيس المنتخب ليتمكن حمدين من تحقيق طموحه وجنوحه، وطول هذه الفترة سألنا ولم نتلق إجابة: ماذا لو أجريت الانتخابات المبكرة وفاز الدكتور محمد مرسي.. هل ندعو لانتخابات رئاسية مبكرة مرة أخرى، وهكذا مرة ثانية وثالثة وعاشرة حتى يفوز حمدين؟!
أخطاء الإخوان:
ما هو وجه العجلة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وهو الأمر الذي لم يناقش؟!
لقد أخطأ الحكم الإخواني لأنه لم يفتت جبهة الإنقاذ.. وكان هذا ميسورا بقليل من الجهد!
وأخطأ لأنه ترك البلد في حالة فوضى وكان بالإمكان ضبط الإيقاع، وبإجراءات قضائية صارمة..
وأخطأ لأنه لم يشرك قوى الثورة في الحكم، ليترك حمدين بمفرده يعيش أحلامه وحده وعدم تمكينه من تدمير الثورة على النحو الذي فعل!
لكن الحكم الإخواني لم يخن الثورة بالغيب حتى يكون إسقاطه ضرورة وحتمي والآن وفورا وفي التور واللحظة، فماذا لو استمر الرئيس محمد مرسي لنهاية دورته.. ستخرب مالطة؟ على أن يشغل حمدين أوقات فراغه بما يجيد، وهو طهي الطعام وصناعة الأومليت!
ثم لماذا نلف وندور ونبتعد عن أصل الداء، وهو أنه لا أزمة لدى حمدين صباحي وتياره في الانقلابات العسكرية، وهذا من خصائص التجربة الناصرية، ولا أزمة لديه في الاستبداد وحكم الفرد، بما يمثله عبد الفتاح السيسي، وغير ذلك بما يذكرني بزميل بعد الانقلاب شكل جبهة باسم "ناصريون ضد الانقلاب العسكري"، فكيف يمكن للمرء أن يكون ناصريا وضد الانقلاب في وقت واحد، وكيف يكون ناصريا ومنحازا للديمقراطية ولإرادة الصندوق إذا جاءت بالغير؟!
حبذا لو اعترف حمدين بأخطائه ثم استأذن في الانصراف!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حمدين صباحي الانقلاب مصر السيسي الناصرية مصر السيسي انقلاب اخوان 30 يونيو مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حمدین صباحی
إقرأ أيضاً:
دفع الله الحاج.. او الرجل الذي يبحث عنه البرهان ..!!
لم تكن المذيعة المرموقة تتوقع خشونة من ضيفها الدبلوماسي السوداني والذي سالته حول التسوية مع قوات الدعم السريع ..أصر دفع الله ان تقرن المذيعة صفة قوات الدعم السريع المتمردة قبل الإجابة على اي سؤال.
اليوم تم تعيين السفير دفع الله الحاج علي قائما بأعمال رئيس الوزراء او في رواية اخرى رئيس وزراء مكلف..من هنا تبدّأ العقدة.. لكن دعونا ننظر لماذا اختيار دفع الله في هذا التوقيت.
١-ابو الدفاع كما يحلو لانداده مناداته ولج إلى السلك الدبلوماسي قبل ميلاد الإنقاذ بنحو عقد من الزمان فبالتالي ليس مشتبها في ان يكون اسلاميا بالميلاد وفي ذات الوقت خدم نحو ثلاثة عقود في عهد الإنقاذ بالتالي يحقق الوزنة التي يبحث عنها الجنرال البرهان وهى التعامل مع الإسلاميين دون تحمل التكلفة السياسية خاصة مع الأشقاء والأصدقاء غربا.
٢- السفير دفع الله نجح وساعدته الظروف في العبور بالعلاقة بين الخرطوم والرياض من التردد إلى التفهم ثم إلى تطابق وجهات النظر وقد اتضح ذلك مؤخرا في مؤتمر لندن حول الأزمة السودانية..وهذا يعني ان الحكومة السودانية لن تتجه شرقا كما توقع البعض بل ستظل في ذات المحطة تلوح بالانعطاف شمالا دون ان تغادر المسار الحالي.
٣- السفير دفع الله عرف بين اقرانه بقوة الشخصية والإبانة في المواقف السياسية وحينما تردد وزير الخارجية السابق على الصادق في تأييد إجراءات اكتوبر ٢٠٢١ ومن بينها تكليفه بمنصب وزير الخارجية كان الحاج اكثر وضوحا وهو يعمل وكيلا لوزارة الخارجية ثم مبعوثا للبرهان عقب اندلاع الحرب في منتصف أبريل ٢٠٢٣ فهذا يعني انه خيار مجرب يتمتع بقوة الشخصية في الحد المعقول والذي لا يحدث صراع بين العسكريين والقائم بأعمال رئيس الوزراء.
٤- تمثل خطوة تكليف دفع الله بالمنصب الكبير جس نبض في تمدين السلطة التنفيذية ان مضى الأمر بسلاسة ربما تصبح الخطوة القادمة في تعيين الرجل او غيره في منصب رئيس وزراء بكامل الصلاحيات وان تعثرت الخطوة يتم استخدام الكوابح والتي من بينها انه مجرد قائم بالأعمال.
٥- تعيين دفع الله يمثل القسط الأول في سياسية الحفر بالإبرة في كل الاتجاهات ..لان تعيين رئيس وزراء جديد تترك له مهمة اختيار وزرائه بالكامل غير مطروحة الان عند البرهان ورفاقه بمنطق لا صوت يعلو على صوت المعركة.
٦- اختيار السفير دفع الله هو امتداد لسياسة ( الرجل الذي نعرف خير من الذي لا نعرف)حيث من الصعب استيعاب لاعب جديد في الساحة وفي ذات الوقت يعتبر امتدادا لحكومة كبار الموظفين حيث لا يفضل البرهان الذي يتميز بالغموض التعامل مع الغرباء .
٧- وفقا للذين يعرفون السفير دفع الله فهو يتميز بالهدوء والوضوح وقوة الشخصية و فوق ذلك له خبرة أربعين سنة في الدبلوماسية..حينما تخلط كل ذلك تجد الرجل الذي يبحث عنه البرهان.
-عبدالباقي الظافر