صدر حديثاً الجزء الثانى من كتاب "الأطفال يسألون الإمام" لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والذى أتيح للجمهور بجناح الأزهر بـ معرض الكتاب فى نسخته الماضية، ويتضمن أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانًا، ظنًّا منهم أنَّ تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة، ويطلبون منهم التوقف عن ذلك، جاءت فكرة هذا الكتاب الذي جمع فيه أسئلة الأطفال ليجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه ليرشدهم، ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربويَّة لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار، والإجابة عنها بعقل متفتح؛ بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور في الحياة.

وكان السؤال:
أشعر بالغيرة من صديقة لي؛ لأنها أجمل مني.. فهل هذا يعني أنني أحسدها ؟ وهل سيحاسبني الله على ذلك ؟

وجاء الرد كالتالى:
اعلمي يا ابنتي أن التفاوت بين البشر أمر طبعي، وهذا التفاوت قد يتخذ أشكالا متنوعة؛ فهناك تفاوت في الأعمار والأرزاق والفهم والثقافة، وكذلك في الأشكال والصفات، والله عز وجل له حكمة بالغة في هذا التفاوت؛ ليرى الإنسان نفسه في حالة نقص واحتياج إلى الله تعالى، وكذلك لغيره من البشر.

وعلى هذا يا ابنتي فإن رؤيتك لصديقتك أنها أجمل منك لا يعني أبدًا أنها أفضل منك، ولكن منحها الله تعالى تفضيلا في جانب ما ، وليس مجرد نظرك إليها على أنها أجمل منك يكون حسدًا ؛ لأن الحسد معناه تمني زوال النعمة عن الغير، فإذا كنت تستكثرين عليها عطاء الله وتتمنين أن يزول جمالها فهذا حسد منهي عنه، أما مجرد المقارنة فهذا ليس حسدًا ، ولن يحاسبك الله عليه طالما لم يتحول إلى سخط أو كره أو كلام يدخل في الغيبة والنميمة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن مجرد حديث النفس لا يُحاسب عليه الإنسان، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا  َوسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ به أنْفُسَها ، ما لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ .

ولا بد من التذكير بأن الله تعالى لا ينظر إلى الشكل وإنما إلى القلب والعمل، وهنا أقدم لكم أبنائي وبناتي نصيحة مهمة لكل من يشعر بمثل هذا الشعور : توقفوا عن هذه المقارنات الجوفاء، وانظروا إلى نعم الله تعالى عليكم، فربما منح الله إنسانًا شكلا حسنًا وابتلاه بشيء آخر، وآخر منحه الله شكلاً غير حسن لكن عافاه من أمور أخرى، فكل إنسان خلقه الله في أحسن تقويم ومنحه من العطايا والنعم الكثير، مهما كان شكله أو لونه أو مستواه، والتكريم حاصل لكل بني آدم فلا تنظري لنفسك على أنك أقل من أحد بل أنت مكرمة بنعم كثيرة من الواحد الأحد .

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: شيخ الأزهر طفلة صغيرة الحسد الغيرة الجمال الإمام الأكبر المزيد الله تعالى

إقرأ أيضاً:

سُنَن الفطرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

حرصَ دينُنا الحنيفُ كلَّ الحرص على قيمة إقامة الإنسان في أجمل صورةٍ وأبهي هيئة، كما خلقه الله تعالى في أحسن تقويم، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[التين: 4]. 

وقد حثَّنا نبيُّنا المصطفى –صلى الله عليه وسلم- على التجمُّل وحسن المظهر والاهتمام بالهيئة، فقال –صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) [صحيح مسلم]، ومع أنَّ أمره –صلى الله عليه وسلم- عامٌّ يقتضي العمل به والاقتداء به، إلَّا أنه–صلى الله عليه وسلم- قد خصص بعد ذلك أمورًا تأكيدًا وبيانًا منه –صلى الله عليه وسلم- لأهمية أمر التجمُّل وحُسن المظهر والهيئة وعظمة ذلك عند المولى –عز وجل.

فكان من أهمِّ هذه الأمور ما جاء في قوله الجامع –صلى الله عليه وسلم-: ((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» قال زكريا بن أبي زائدة -أحد رواة الحديث-: " قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة " [صحيح مسلم]، قال السيوطي –رحمه الله-:" والبَراجِم بفتح الباء وكسر الجيم: عقد الأصابع ومفاصلها كلها، وانتقاص الماء: يعني الاستنجاء". [الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، للسيوطي (2/ 40، ط. دار ابن عفان)]. 

وعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:((الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ)) [صحيح مسلم]، قال النووي –رحمه الله-: " والاستحداد، أي: حَلْق العانة، والمقصود بالختان في الحديث ختان الصبي الذَّكَر" [شرح النووي على صحيح مسلم].

وكذلك كانت هذه الأمور من أفعال الأنبياء –عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام- وقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء بهم، في قوله تعالى: (( فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..)) [الأنعام:90].

وقد أطلق العلماء والفقهاء على هذه الأمور لأهميتها "سنن الفطرة"، إذ يتَحقَّق بها للإنسانِ نظافةُ البدن، وحسنُ الهيئة، وجمال الصورة؛ كالختان للرجال، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وغير ذلك مما يحصل به التَّطهُّر والتَّجَمُّل. [فتح الباري، لابن حجر (10/ 336، ط. دار المعرفة)].
وقال الإمام النووي –رحمه الله-: " وأمَّا الفطرة فبكسر الفاء وأصلها الخلقة، قال الله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]،... قلت: تفسير الفطرة هنا بالسنة هو الصواب...، وأما قوله –صلى الله عليه وسلم-: «الفطرة عشرة» فمعناه: معظمها عشرة؛ كالحج عرفة، فإنها غير منحصرة في العشرة" [المجموع شرح المهذب، للنووي (1/ 284، دار الفكر)].

وقد عَدّ بعض الفقهاء هذه السنن حتى أوصلها إلى ثلاثين سُنَّةً، ولكن نُجمل أهمَّها هنا ببعض البيان، كالتالي: 
الختان: وهو قطع الجلدة التي تغطِّي الحشفة ـ رأس الذكر ـ لئلا يجتمع فيها الوسخ ولئلا تعوق الاستبراء من البول ولا تنقص لذَّة الجماع، وهو واجبٌ في حق الرجال لما صحّ عن النبي -ﷺ- قال: (( اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم، وقد قال الله تعالى: " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا")) [متفق عليه]، ومكرمةٌ للإناث إذا رأى الطبُّ ذلك، قال ابن قدامة –رحمه الله-: " إن الختان واجب على الرجال، ومَكرُمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن " [المغني، لابن قدامة].

الاستحداد: وهو مطلقُ إزالة الشعر، سواء للعانة أو الإبط، لتمام النظافة وتجنُّب الرائحة الكريهة، وسُمي بالاستحداد لاستخدام آلةٍ حديديَّة غالبًا فيه، وفي عصرنا الحديث يقوم مقامها المزيلات المُصنّعة، وينبغي للمسلم أن يتعاهد تنظيفهما بين الحين والحين، بما لا يزيد عن أربعين يومًا، لما صحّ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (وُقِّت لنا في قصِّ الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثرَ من أربعين ليلة) [صحيح مسلم].

تقليم الأظافر: وهو قصُّها؛ وعدم تركها لأنها تجمع الأوساخ تحتها، فيستحب تقليم الأظافر من الحين إلى الحين، بما لا يزيد عن الأربعين يومًا، لحديث أنس السابق. 

إحفاء الشارب وإعفاء اللحية: والمقصود بذلك جملة تهذيب الشارب واللحية، والخلاف بين الفقهاء في كون ذلك دائر بين الوجوب أو الاستحباب مشهور، قال ابن حجر –رحمه الله-: "لكن كل ذلك محتمل...، نظرًا إلى المعنى في مشروعية ذلك، وهو مخالفة المجوس،... وكل ذلك يحصل بما ذكرنا، وهو الذي يجمع مفترقَ الأخبار الواردة في ذلك) [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني]، وعليه فإنَّ الواجب جملة هو التهذيب وحسن الهيئة للشارب واللحية؛ لما صحّ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (( خالِفُوا المشركين؛ وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب ))[صحيح البخاري].

السواك: وكان النبي ﷺ يداوم عليه، ولا يتركه بحال وأمر به المسلمين وأوجبه عليهم ولو مرة في اليوم على الأقل، فقد روى أحمد والنسائي أنَّ النبي ﷺ قال: (( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ))،  وروى الجماعة أن النبي ﷺ قال:" لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواك عند كل وضوء"، وقد أكّد الفقهاء استحباب في مواطن عِدّة منها: الوضوء وقبل الصلاة وعند قراءة القرآن وعند النوم أو الاستيقاظ، وغير ذلك.

الاستنجاء: وهو غسل موضع الخارج من السبيلَين بالماء ونحوه، وهو واجبٌ لحديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- ولقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((تنزَّهوا من البول؛ فإنَّ عامة عذاب القبر من البول))، والاستنجاء مع كونه من سنن الفطرة، إلا أنّه مأمور به في آداب قضاء الحاجة أيضًا.

الاستنشاق والمضمضة: والاستنشاق هو غسلُ الأنف عن طريق إدخال الماء فيه ثم إخراجه، ومثله المضمضة فهي إدخال الماء في الفم ثم إخراجه منه، وهما من سنن الوضوء المتفق عليها، بالإضافة لكونِهما مِن سنن الفطرة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأ أحدكم، فليجعَلْ في أنفه ماءً، ثم ليستنثِرْ))، وقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأت فمَضْمِضْ)).

غسل البراجم: وهو غسل الأماكن الخفية، كالتعرُّجات والعُقَد التي في الأصابع،  أو داخل الأذنين أو تحت الركبتين، ونحو ذلك، وقد اتفق الفقهاء على استحباب غسلها وتعهُّد نظافتها لحديث أبي هريرة الجامع لسنن الفطرة، قال النووي –رحمه الله-: " وأما غسل البراجم، فمتفق على استحبابه"[المجموع: 1 /341].

التطيُّب: فقد كان النبي ﷺ يحبه ويحث عليه، روى مسلم أن النبي ﷺ قال: من عرض عليه طيب فلا يرده فإنَّه خفيف المحمل طيب الرائحة، وقال ﷺ: حُبِّب إليَّ من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة.

إكرام الشَّعر: خاصَّةً إذا كان الشعر كبيرًا، فيستحب أن يداوم على تهذيبه بالغسل والدهن والمشط، وأن يحافظ على ظهوره في أحسن صورة، فقد روي عنه -ﷺ- أنه قال: (( من كان له شعرٌ فليكرمه)).
والخلاصة أنه ينبغي على المسلم أن يلتزم بسُنَن الفطرة؛ فيتعاهد فعلها بين الحين والآخر بما لا يتجاوز عن الأربعين يومًا، لما في ذلك من تحقيق أمر الله تعالى والمحافظة على خلقته في أحسن تقويم، وما في ذلك من اتباع هدي المصطفى –صلى الله عليه وسلم- في التعوُّد على نظافة البدن وهيئة الإنسان، فدين الإسلام هو دين الجمال، والمسلم لا بُدَّ أن يكون حَسَن المنظر، جميل الشَّكْل، نظيف البدن كما خلقه الله تعالى وأمره بذلك.

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر: نصيب العبد من اسم الله "الحسيب" يكون بالبذل والعطاء ومساعدة الآخرين
  • شيخ الأزهر: الإنسان دائم الاحتياج إلى الله تعالى وهو وحده حسيبه وكافيه
  • شيخ الأزهر: نصيب العبد من اسم الله الحسيب يكون بالبذل والعطاء والمساعدة
  • أجمل ناس يرسم البسمة في بني سويف.. عمرو الليثي يكرم شيخا مُسنا بمكافأة مالية
  • رئيس جامعة الأزهر: اللغة العربية تاج البيان وأعظم وسيلة للتعبير عن الندم في القرآن
  • منال الشرقاوي تكتب : مارس يمرُّ.. والمرأة تبقى
  • شيخ الأزهر: العلماء اتفقوا على أنه لا ترادف في أسماء الله الحسنى
  • مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة
  • سُنَن الفطرة
  • قرأت عليه سورة “يس”.. شمس البارودي: أصيبت بصدمة لوفاة ابني وزوجي