« الكفن» ينهي خصومة ثأرية بين عائلتين في المنيا | صور
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
في مشهدٍ مهيبٍ ينم عن عظمة النفوس، شهد مركز سمالوط بمحافظة المنيا، حدثاً تاريخياً، حيث قدمت عائلة "عبد" رمز الكفن إلى عائلة "عبيد"، إيذاناً بإنهاء خصومة ثأرية استمرت لسنوات طويلة، وحصدت أرواحاً بريئة.
جاءت هذه الخطوة الشجاعة، برعاية ودعم من مديرية أمن المنيا، والبرلماني السابق سمير أبو طالب، الذي بذل جهوداً مضنية لإتمام الصلح بين العائلتين.
وشهدت الجلسة العرفية حضوراً رفيع المستوى، ضم اللواء وائل عصام مساعد مدير أمن المنيا، والعميد حسين سعيد مأمور مركز شرطة سمالوط شرق، والعميد حمدي رفعت رئيس مباحث المديرية، والعميد أحمد محي أبو شناف مفتش مباحث المركز، والرائد محمد أبو العزايم رئيس مباحث المركز، والشيخ الدكتور أحمد مخلوف مدير أوقاف سمالوط، والقس أمانيوس راعي كنيسة التوفيقية، وعدداً من عمد ومشايخ البلاد والقيادات الشعبية وأهالي المركز.
وأعرب الحضور عن سعادتهم بهذا الصلح المبارك، الذي يجسد قيم التسامح والعفو، ويساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المجتمع.
وأكد الدكتور سمير أبو طالب، أن إنهاء الخصومات الثأرية يمثل نقلة هامة نحو تحقيق الاستقرار الاجتماعي في المحافظة، مشيراً إلى أهمية التعاون بين الأجهزة الأمنية والقيادات الشعبية في نشر ثقافة التصالح ونبذ العنف.
وتأتي هذه الجهود، في إطار استراتيجية مديرية أمن المنيا، لتعزيز الأمن والسلم المجتمعي، ونشر قيم التسامح والمحبة بين أفراد المجتمع.
وبهذا الصلح التاريخي، تبعث عائلة "عبد" وعائلة "عبيد" رسالة سلام ومحبة إلى جميع أفراد المجتمع، تؤكد أن التسامح هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع آمن ومزدهر.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
قطيعة مع دولة الحزب والحرب
ربما لم يكن القيادي بالمؤتمر الوطني الداعي إلى التصالح مع القوى السياسية أخيراً هو الأنسب لتبني هذا النداء . فالتصالح تقليد سوداني ،رؤية إسلامية مثلما هو ركيزة بنيوية في حقوق الانسان. بهذا المنظور يشكّل التسامح دعوةً للحب وتحريضاً على نبذ الكراهية والتطرف على الصعيد الوطني .لكن القيادي المعني عُرف عنه كسب العداوات بممارسة العنف اللفظي -أبسط أشكال الغلو في الكراهية- فهو عليه مجبول . لكن ذلك لا يدحض حتمية التلاقي عبر رواق التسامح والتصالح بغية الخروج من تحت أنقاض هذه الحرب المدمرة . بل ربما هو أقصر الممرات المفضية إلى الاستنفار الجماعي بغية إعادة بناء وطن جميل معافىً حداثي عامر بالحب والخير والانتاج. عبر هذا الرواق وحده يمكننا الانتقال السريع من الاشتباك حول تفكيك دولة الحزب إلى الاصطفاف من أجل علاج جراح الحرب. هذه بلا جدال هي مهمة الساعة الوطنية. التجربة المعيشة تثبت تورّطنا في الكراهية كلما توغلنا في الدم والتدمير.كما تثبت أنه ليس بالسلاح وحده يُبلغ النصر أو السلام.
*****
لكن القوى السياسية لا تتطلع عند منعطفنا الراهن من قيادات المؤتمر إلى نداء محوره التسامح والتصالح .بل تترقب منهم قبل ذلك اعتذاراً مطوّلاً عن خطايا الحزب المتراكمة طوال ثلاثة عقود مشرّبة بالدم ،القمع والفساد. فمن شأن ذلك الاعتذار نقل القضية الوطنية بأسرها من مهمة تفكيك دولة الحزب إلى معالجة جراح الحرب. فالاعتذار - حال صدوره - ينبغي أن يفصح عن نيّة صادقة ،رغبة خالصة وإرادة جادة للتخلي عن التسلُّط والهيمنة على مصير الشعب والوطن إلى التلاقي مع كل القوى السياسية. بل هو ينطوي -وإن لم يفصح علنا - عن شعور بالندامة . على نحو متوازٍ عن ظلامات وظلمات اقترفها نظام الانقاذ إبان العقود الثلاثة الجائرة. فعندما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير (من الخطير ان تكون على ححق عندما تكون على خطأ )فإنما كان ينتقد الانفراد بالسلطة المطلقة.
*****
في المقابل لابد للقوى السياسية من تلقي ذلك الاعتذار -حال صدوره- بتسامح وإن اقتضى ذلك كتمان الغيظ بدافع الحس الوطني إن لم يأت بوازع الشعور الديني. فإذا الاعتذار يصدر من طرفٍ واحد فإن التسامح كرقصة التانغو لا يتم اداؤها على نحو منفرد. نحن أحوج ما نكون على الصعيد الوطني للتلاقي الجماعي بغية تجريف كل طبقات التناحر البغيضة المتراكمة . بل هي حتمية سياسية من أجل بناء سودانٍ ديمقراطي حداثي متحررٍ من كل رواسب الاستبداد،الجهل ، الفساد والعلائق المشوهة المتوارثة .التسامح السياسي يتجاوز فض النزاعات إلى تكريس التعايش المجتمعي بقبول الآخر على نسقه المغاير إثنياً و ثقافياً .
*****
بدون ممارسة التسامح ،بل تجذيره في تربة السودان الحديث (ليس الجديد) لن نخرج من تحت أنقاض الحرب المادية والمعنوية. ذلك السودان المرتجى يتطلب التسلح بقيم إنسانية على غرار التسامح بغية مغادرة عصبيات الثأرات القبلية والجهوية والتطهر من أحقاد الانتقام الشخصية .نعم توجد أطنان ثقيلة مما يحرّض على الثأر والانتقام على المستوى الجماعي والفردي . مع ذلك هناك يقين بعدم بلوغ الرضا للتعويض عبر الثأر والانتقام عما فقدنا في أتون ممارسات الاستبداد ،القمع ،النهب والهتك والوقاحة . كذلك حينما يرتبط الأمر بالشأن العام فإن مبدأ العين بالعين والسن بالسن لا يحفر مسارات المستقبل الوطني. فالتصالح هو السبيل الأيسر إلى شد عصب المجتمع واستنفار قواه من أجل البناء والتقدم.فكما قال الحكيم الصيني كونفوشيوس (الحب أساس بناء مجتمع متناغم )
*****
بغض النظر عن الاتفاق او التباين مع الرئيس الأميركي رونالد ترامب إلا أنه بات يجسّد رأس الرمح لعمليات التحول الأكثر حدة لجهة إحداث قطيعة مع السياسات المتداولة عقودا مديدة على صعيد المعمورة. فثمة موجات لهذه القطيعة على المحاور الاستراتيجية العتيقة على الصعيد الدولي. قيمة ترامب أنه يأخذ بحدة حد التهور مزج القطيعة مع المتوارث في ميداني السياسة والاقتصاد . تلك الموجات تبلورت ملامحها السياسية منذ قبل نحو عقدين فيما عُرف ب(الطريق الثالث) في أميركا على يدي سلفه بيل كلينتون ،وفي بريطانيا مع توني بلير و في المانيا بيدي غيرهارد شرودر ، ثم في فرنسا مع صعود الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون . واستهلها على الجبهة الاقتصادية في روسيا فلادمير بوتين وقطع الرئيس الصيني شين جين بينغ عليها مشواراً طويلا . ربما يندرج في هذا السياق محاولات الأمير محمد بن سلمان المثيرة للجدل قطيعة داخل المملكة في الحقل الاجتماعي .
*****
السودان يحتاج إلى قطيعة حادة تحدث تحولات جذرية على كل الجبهات وعلى نحو عاجل .لكن ذلك الموزاييك الاجتماعي المشرّب بتقاليد رثّة تندرج فيها خيوط التناحر والثارات المستوطنة والمصنّعة يفترض وجود قيادة مقتدرة ذات كاريزما جاذبة وايمان راسخ بانجاز مهمة تبدو مستحيلة. في غياب هذا الأنموذج القيادي يصبح العمل الجماعي الواعي المؤمن بتحمل عبء قضية وطنية ذات أولوية قصوى . الفريق نفسه مطالب بتجسيد الأداء الجماعي المموسق المتناغم المتفاني. فريق ينهض برفع الأنقاض ،ردم الشقوق ،بناء كل السقوف داخل الدولة و اطفاء الحرائق في البوادي و المدائن وفق تخطيط حداثي .كما ينهض في الوقت ذاته بعلاج الجراحات،لجم التفلتات ورتق الفتوق على المستوى الاجتماعي.قبل إنجاز هذه المهام تتعرض حتماً مهام إعادة البناء الاقتصادي والتعمير الملحة إلى عثرات تعرقل مساراتها وتقدمها.
*****
حينما ننصب آليات العدالة وموازينها داخل إطار الدولة نحمل كل متهم أو مجرم للوقوف أمام المساءلة بروح القانون ونصه. (فلا ينفع تكلمٌ بحقٍ لا نفاذ له ) كما أوصى عمر ابن الخطاب . الدولة لا تعاقب مكوناتها المجتمعية .ذلك شأن رباني له أوانه . أما الدولة فمسؤولة عن تقويم الافراد وردع الجماعات إذا اقتضى الأمر.لكن تلك مهمة يتم تنفيذها بآليات الدولة ووسائطها الفعالة في ميدان الأمن وساحات العدالة وفق الدستور و لا ينوب عنها في ذلك فرد أو فريق.
نقلا عن العربي الحديد
aloomar@gmail.com