موقع النيلين:
2025-02-11@00:30:00 GMT

خطاب المغازلات والمغارز البرهانية

تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT

ألقي خطاب الفريق البرهان حجرا ثقيل الوزن في بركة السياسة السودانية الفائر.
أعقب الخطاب كثير من التخمينات والتكهنات، أهمها وجود تفاهمات، برعاية وضغوط خارجية، بينه وبين شق تقدم الرافض لتشكيل حكومة موازية. وقبل أن تغادر هذا البوست لاحظ تواتر مفردات مثل إحتمال وتكهن وتخمين.

يدعم هذه التكهنات الترحيب السريع من قيادات من تقدم بخطاب البرهان، مصحوبا بالتصريح بانهم علي وشك فك الإرتباط مع الداعين لتشكيل حكومة موازية.

وقد أعتبر بعض المعلقين أن في هذا عدم وقار وخفة في التجاوب مع الغزل البرهاني. ولكن في حال وجود تفاهمات مسبقة تسقط تهمة الخفة ويكون وقار شق تقدم في مكانه.

يدعم إحتمال التفاهم المسبق ميلاد تناغم إبتعد فيه البرهان من المؤتمر الوطني. وايضا في المغازلة وجه السيد البرهان بعدم منع جوازات السفر عن خصومه من تقدم واشار إلي إمكانية العفو عنهم والقبول بهم بشرط أن يكفوا عن الحرب في صف الجنجا بالسياسة والكلمة. وفي المقابل سارع شق تقدم في تفعيل فراق نصفه الحلو الموشك علي تشكيل حكومة موازية.

ونتيجة لهذا الغزل بين البرهان وشق تقدم، يشعر المؤتمر الوطني بالقلق بعد أن أغضبه ما أعتبره تحرش غير مبرر بهم من قبل البرهان في خطاب المغازلة رغم أنهم كانوا وظلوا من أبرز مساندي الجيش في الحرب.

ولكن الفريق البرهان، كعاشق ماهر، يجيد ضبط الكنتكة، أيضا حرص علي وزن الصورة والتاكيد علي أن من حق المؤتمر الوطني المشاركة في أي إنتخابات قادمة، وهذا يختلف عن موقف تقدم الرافض لأي مشاركة للمؤتمر الوطني في أي عملية سياسية.

موقف تقدم يعني أنها جهة تملك حق أن تمنح أو تمنع حق المشاركة في السياسة، بينما يترك خطاب البرهان الامر للشعب ليقرر ماذا يفعل بالمؤتمر الوطني في إنتخابات قادمة – أما درجة مصداقية البرهان في الحديث عن إنتخابات قادمة فتلك قضية أخري.

من حق تقدم واي كائن آخر أن يدعو لنفي المؤتمر الوطني أو كل الإسلاميين من الساحة السياسية ولكن عليهم ألا يندهشوا وان يكونوا علي إستعداد لرد فعلهم علي طردهم من الساحة بقرار.

عقب سقوط البشير وقفت هذه الصفحة ضد حل جهاز الأمن وضد حل حزب المؤتمر الوطني أو أي حزب آخر وقالت إن الإسلاميين واقع شديد التاثير في المشهد، أو قل هم قضاء وقدر. وهذا الواقع يستحيل نسفه بقرار فوقي إذ أن حظر جماعة تدفعها للعمل السري من تحت الأرض، وهذا أخطر، أو قد تغير الجماعة إسمها وتعود متخففة من ثقل تجاوزاتها السابقة ومستقوية بغضب المظلوم أو من يظن أنه مظلوم.

أضف إلي ذلك إن حظر الإسلاميين بالقانون عملية دونكيشوتية تماما لانها لا تعني موتهم، بل تعني تحولهم للعمل السري المبرر أو التخريب السياسي وسوف يكونون المستفيد الأول من جملة الصعوبات الإقتصادية والسياسية التي لا مفر منها. وفي إصدار حظر يستحيل تطبيقه علي أرض الواقع ومشكوك في ديمقراطيته بلادة مركبة. ولا يصدر قرار مكلف وغير قابل للتطبيق إلا من أحمق شديد الحمق.

وعليه قلنا ونقول ان المواجهة الفكرية والسياسية مع المؤتمر الوطني، والإسلاميين عموما، هي الطريق الأكثر فعالية واتساقا مع قيم الديمقراطية، وفي خضم هذه المواجهة إما اندثر التيار الإسلامي أو أجبر علي مراجعات تطوره بما يقارب قيم الديمقراطية والممارسة السياسية الرشيدة.

أما من يعطي نفسه حق أن يمنح ويمنع حق المشاركة السياسية فذلك كائن نفاقي لا يؤمن بالديمقراطية لان أساسها الروحي المتين هو إستعدادنا لقبول وجود أفكار وجماعات قد نختلف معها أو نجدها مثيرة للغثيان ووجع البطن. كما أن من يؤمن بان الديمقراطية وحرية الراي إمتياز يمنحه لمن يحب، ويمنعه عمن يخشي منافسته من طمع أو تعصب أيديلوجى، فهو كائن معاد للديمقراطية أخطر من بندقية الإنقلابات.

من السمات الأبرز في تاريخ السودان منذ فجر الإستقلال هو هذا الصراع الدامي بين الإسلاميين والحداثيين بمختلف مدارسهم من يسار وليبرال واصحاب رسالة ثانية. وقد كلف هذا الصراع الصفري البلد الرهق والخراب واتضح فيه أن السمو الوطني والخيانة والغباء والجودة ليسوا من إختصاص أحد. لا الفضيلة ولا الخيانة احتكارا لاحد. فكل التيارات أصابت حينا وأخطأت كثيرا.

ولم نكن بحوجة لهذه الحرب اللعينة لتذكيرنا بان الخيارات الوطنية المتاحة هي هل يتوافق الحداثيون والإسلاميون علي صيغة تعايش مشترك ككل أسرة سودانية يتعايش أفرادها فيهم سلفي، واخر دهري خندريسي، وفتاة جندرية. ويتضامن أفراد هذه الأسرة في السراء والضراء ولا يسمحون للغريب أن يدخل بينهم أو يستغل خلافهم الفكري لضرب الأسرة في إجتماعها. وفي هذا المشهد تغض الجندرية الطرف عن لحية أخيها التي قاربت تراب الأرض وحين تفوح رائحة تبغ من غرفتها يتظاهر السلفي بانه فقد حاسة الشم ويجد حديثا رائعا للرسول يبرر فقدان حاسة الشم الطوعي، المؤقت.

إما تعايش ديمقراطي صادق بين الحداثيين والإسلاميين، وهذه مسؤولية الطرفين، أو هو الخراب الدائم وفقدان وطن يطمع فيه الجار القريب والعدو البعيد. ونظل نكرر ماساة سيزيفية يضربنا فيها الإستعمار حينا بالإسلاميين وحينا بالحداثيين في تحقيق لمقولة أضرب العبد باخيه.

ونسبة لتدني سقف الحوار ووجود جماعات سوء الفهم المتعمد، نذكر بان الدعوة لقبول وجود تيار فكري لا يعني القبول بافكاره ولا يعني النكوص عن مواجهته في سوح الراي والسياسة. لذلك فان الدعوة بحق الحداثيين والإسلاميين في الوجود لا يجعلني صديقا لأي منهما بالضرورة ولا يجعلني رافضا أو قابلا بالجملة لكل ما أتي من ديارهم. فربما من كل بستان زهرة في مسار تبدو فيه قضية تلو أخري. وربما رفضا كاملا أو قبولا كاملا في قضية معينة وليس بالجملة ولا بالكوم. فانا لست حداثيا ولست إسلاميا. وأنا لست أدري من أنا فقد أقبل الليل والزهر لاح والبدر فاح.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی

إقرأ أيضاً:

د. مزمل أبو القاسم: قراءة في خطاب البرهان

* ما لا يحتمل الجدال أن هذه الحرب قسّمت البلاد وأهلها إلى فسطاطين لا ثالث لهما، أولهما فسطاط الحق والكرامة المصطف مع جيش الوطن في مواجهة المليشيا الغاصبة، سعياً لإفشال مخطط اختطاف الدولة السودانية وتهجير أهلها ونهب مواردها، وفسطاط التمرد والعمالة والخيانة الذي يضم المليشيا وداعميها.

* ذاك هو التعريف الحقيقي للمعسكرين اللذين أفرزتهما الحرب، وليس معسكري (نعم للحرب ولا للحرب)، كما تحاول القوى السياسية المتورطة في دعم التمرد تعريف المعسكرين وتصنيفهما، للتمويه على موقفها المخزي من الوطن وجيشه ومواطنيه.

* نثبت هنا للفريق البرهان أنه عزَّز في خطابه الأخير التعريف الموضوعي للمعسكرين، وإن تسببت إحدى عباراته في جدلٍ شديد، وهي المتعلقة بالإسلاميين تحديداً، عندما قال لهم: (ما تحلموا بأن تعودوا إلى الحكم على أشلاء ودماء الشعب السوداني)؛ لأن الموقف المعلن للإسلاميين يشير إلى أنهم أكدوا مراراً عدم رغبتهم في المشاركة في حكم الفترة الانتقالية، واصطفوا (مع قوى وطنية أخرى عديدة) إلى جانب القوات المسلحة، ودفعوا بعدد كبير من أبنائهم للقتال مع الجيش، وقدموا أرتالاً من الشهداء والجرحى والأسرى في معركة الكرامة، وبالتالي فهم غير معنيين قطعاً بالحديث عن سفك دماء السودانيين وتمزيق أشلائهم في هذه الحرب تحديداً، بقدر مساهمتهم حمايتها وحفظها وإسنادهم لجيشٍ قوي، أثبتت هذه الحرب الضروس أنه عصيٌّ على الانكسار.

* بخلاف ذلك لم يحوِ خطاب البرهان ما يسوء الإسلاميين، سيما وأنه حفظ لهم حقهم الدستوري في أن يظلوا موجودين في الساحة السياسية بلا عزلٍ ولا إقصاء، وأن يخوضوا غمار السباق الانتخابي مع بقية القوى السياسية بعد نهاية الفترة الانتقالية، إذ لم يرد على لسانه هذه المرة وصف (المحلول) ولا عبارة (ما عدا المؤتمر الوطني) المعتادة منذ سقوط حكم الإنقاذ في 11 أبريل 2019.

* من المثالب المأخوذة على الخطاب الضافي اللهجة المهادنة للقوى السياسية المتورطة بالتحالف مع التمرد، ولا نعني هنا التوجيه بالسماح لهم باستخراج جوازاتهم وبقية أوراقهم الثبوتية، لأن ذلك حق دستوري لا يجوز حجبه عن أي مواطن تحت أيِّ ظرف، بل نعني المجاهرين منهم بإسناد المليشيا الغاصبة، المتفاخرين بدعمها والكيد للجيش ومحاربته ورميه بما ليس فيه، والاجتهاد لمساواته مع الأوغاد.. هؤلاء يجب أن يؤخذوا بالشِدَّة ولا يستحقون أن يُخاطبوا بلهجة هادئة عطفاً على مواقفهم المخزية.

* بخلاف ذلك لم نجد في خطاب البرهان ما يستوجب النقد أو التصويب، لأنه أثبت لكل من ساهموا في الذود عن البلاد وأهلها حقهم، وامتدحهم ونوّه بهم، كما أثبت على القوى المتماهية مع التمرد تهمة شن الحرب على الدولة ومواطنيها، والتورط في العدوان على البلاد وإيذاء العباد، وفي ذلك حقٌ خاص لملايين السودانيين، لا يجوز له ولا يحق لأيِّ مسئول أن يتنازل عنه مطلقاً.

* من كادوا للجيش وتآمروا عليه وحاولوا إعفاء المرتزقة من تهمة قتل آلاف المدنيين العُزّل في قُرى ولاية الجزيرة تحديداً، واجتهدوا في توفير الغطاء القانوني والأخلاقي لمذابح ود النورة والتكينة والحُرقة وأب قوتة والهلالية وغيرها بالحديث عن وجود مستنفرين مسلحين سعياً لإلصاق وزر ارتكاب تلك المذابح المروعة بالجيش أصبحوا شركاء فيها مع المتمردين، ويجب أن يُحاكموا ويعاقبوا عليها بصرامة، ولا تجوز مسامحتهم مطلقاً، لأنهم ولغوا مع المليشيا في دماء أهلنا المغدورين المنكوبين ولطخوا أياديهم بها.

* وفي المجمل، أتى الخطاب إيجابياً ويرسم ملامح واضحةً لمسيرة الفترة الانتقالية، ويحدد موجهاتها، ويؤكد انتهاء عهود الاستهبال السياسي بحظر مشاركة أي حزبٍ في الحكم بلا تفويض انتخابي، وأن البلاد ستُدار بحكومة كفاءات مستقلة، يقودها رئيس وزراء مدني بصلاحيات كاملة، وأن الفترة الانتقالية ستنتهي بانتخابات شفافة وحرة ونزيهة يقول فيها الشعب السوداني كلمته، ويختار فيها من يحكمه.. وعهدنا بالقوى التي نعنيها أنها لا تطيق سيرة الانتخابات مطلقاً.

* إلى ذلك الحين نقول للبرهان يمم وجهك شطر شعبك، فهو الرصيد الأبقى والسند الأقوى ولا تحفل بالضغوط الدولية طالما أن شعبك مصطفٌ خلفك، ونقول للجميع لا تفاوض مع العملاء ولا المتمردين ولا عودة عن الاجتهاد لدحرهم، فقوموا إلى واجبكم وواصلوا إسناد جيشكم، وانصرفوا إلى الأهم وقدموه على المُهم، وتفرغوا لاستكمال مسيرة التحرير ودحر التمرد وتنظيف كل أرجاء بلادنا من دنس المليشيا الغاصبة وكفلائها الأوغاد.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل
  • حزب المؤتمر الوطني المنحل: اتهام البرهان لحزبنا بأنه “يريد أن يحكم أو يعود للحكم على أشلاء السودانيين” يكذبه التاريخ القريب
  • مزمل أبو القاسم.. قراءة في خطاب البرهان!!!..
  • د. مزمل أبو القاسم: قراءة في خطاب البرهان
  • البرهان حذر المؤتمر الوطني من مزلق المزايدة الوطنية وإلا سيصبحون مثل قحت
  • حزب المؤتمر الوطني يرد برسائل عنيفة على البرهان ويكشف خطوته القادمة.. أحمد هارون : المعركة لم تنته بعد
  • البرهان يحسم أمر وقف قتال الدعم السريع ويعلن الشروط ويواجه حزب البشير
  • البرهان يكشف ملامح الحكومة الانتقالية المقبلة ويوجه رسائل لحزب المؤتمر الوطني وتقدم
  • بيان من حزب المؤتمر الوطني المحلول حول تصريحات البرهان