التطبيع العكسي أو أضغاث نتنياهو وترامب.. إنجازات الطوفان الفلسطيني والربيع السوري
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
لا أنكر أن ظاهر ما عليه حال الإقليم وحال العالم قد توحي لنتنياهو وترامب أن يتوهما قابلية فرض السلام بالقوة أمرا ممكنا بعد ما حققه الطوفان في فلسطين وما حققه الربيع في دمشق.
وسأبدأ بما ترتب عليهما في الإقليم وفي العالم لأثبت أن الرجلين يبكيان على أطلال ما كان ممكنا قبلهما وصار مستحيلا بعدهما.
فأولا أثبت الطوفان أن إسرائيل لا حول لها ولا قوة من دون دخول الغرب معها في الحرب حتى لو كانت مع فرقة صغيرة من أهل غزة وهو ما يثبت استحالة أكثر مما حققت ومعها الغرب فكيف إذا بقيت منفردة.
وكان ينبغي أن تفهم ما سيفرض عليها مستقبلا الاعتماد على نفسها دون الغرب الذي صار منشغلا بمعركة أكبر هي معركة النظام العالمي الجديد الذي أفقده وحدته وقدرته على خوض أي حرب حتى لو اعتمد تقدمه التقني والاستعلامي.
ولو كان الغرب واثقا من ذلك لما فر الحلف الأطلسي من أفغانستان مكررا فراره من فيتنام، ولما فرت فرنسا من إفريقيا ولما صار الغرب في حرب داخلية بين أوروبا وأمريكا التي تعاملهم معاملتها لنا قبل أن نهزمها في المعارك التي خاضتها معنا بعد سقوط السوفييت والتي أضاعت فيها فرصة الاستعداد لمعارك المستقبل.
إسرائيل وإيران قضتا على قوتيهما لما تصارعتا على تقاسم الإقليم في غفلة عما كان يجري في البنية العميقة التي تخلصت من الفتنة الصغرى أي ما ترتب على سايكس بيكو من تفتيت جغرافية الإسلام وتاريخه بعده.فإذا أضفنا أن إسرائيل لم تفقد الردع العكسري فحسب ـ حتى وإن حاولت التدارك مع حزب الله الذي استسلم لأنه ليس مقاوما بل ممانع هدفه مقاسمة إسرائيل السيطرة على الإقليم في غياب الشعوب التي كانا يسيطران عليها بعملائهما من خونة الأوطان حفاظا على سلطة وهمية عديمة السيادة.
وطبعا هذا لا يمنع أن يبقى نتنياهو يحلم بإسرائيل الكبرى وفرض السلام بالقوة وأن يبقى ترامب يعزيه إيهامه بأنه يعتقد مثله بأن ذلك ممكن لأن كليهما يتصور الأمر معركة مع الأنظمة وليس مع الشعوب التي كان رمز دورها العائد هو الطوفان في فلسطين والربيع في الشام.
وحتى أحدد بأكثر متانة هذا التحول الجذري لا بد من الإشارة إلى نهاية تأثير الفتنة الكبرى (الحلف بين الباطنية والسبئية) لمشروعيهما في بيع جلد الغنيمة قبل صيدها: إسرائيل وإيران قضتا على قوتيهما لما تصارعتا على تقاسم الإقليم في غفلة عما كان يجري في البنية العميقة التي تخلصت من الفتنة الصغرى أي ما ترتب على سايكس بيكو من تفتيت جغرافية الإسلام وتاريخه بعده.
فشل التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي رمزه انتهاء سايكس بيكو والعلمنة المفروضة بالقوة وتلك هي نهاية الفتنة الصغرى.
والدليل هو اجتماع طوفانات كثيرة في الأقليم جعلت الربيع يعود ليفرض نفسه ضد نقطة ضعف الإقليم أي الأنظمة العميلة ونخبها التي جمعت بين الفتنتين الكبرى والصغرى.
ذلك ما حصل في ليبيا على الأقل في نصفها المجاور لتونس وفي اليمن على الأقل في نصفها الصامد أمام غزو الملالي وفي الشام وفي السودان أخيرا وقريبا سيكون في بقية أقطار الربيع.
وكل ذلك ما كان ليكون لو لم يكن ما لأجله تحقق سايكس بيكو وهو ما أطاحت به الشعوب التي فرضت عليها العلمنة والدورة القطرية فكان تحررها منهما رمزي عودة اللحمتين الجغرافية والتاريخية.
الجزائر بدأت ثورة الربيع فقضى عليها أعداء الحرية من فرنسا والعرب، وتركيا بدأت هزيمة الفتنة الصغرى ولم تستطع فرنسا والعرب إسقاطها وهي التي ساعدت كل المقاومين ممن ذكرت في الشام واليمن والسودان وليبيا والكثير من بلاد إفريقيا وخاصة في الساحل وحتى الصومال. لذلك فقد نتنياهو والغرب المطبعين معه استهداف تركيا والجزائر وكلاهما يعدهما يمين فرنسا العدو الأول الذي ينبغي ضربه.
وأعتقد وأحمد الله أن النخب الجزائرية بدأت تفهم أنها قد أخطأت لما انضمت بسذاجة لحلف الممانعين كذبا وبهتانا للتغطية على حربهم الحقيقية التي هي ضرب قوة شعوب الإقليم لتقاسم جغرافيته وثرواته وممراته وإخراجه مرة ثانية من التاريخ الحديث.
لكني مع ذلك أريد أن أساعد ترومب على تحقيق ما يعد به ـ سواء كان في وعوده صادقا مع إسرائيل أو هو يخادعها ليمرر أجندته التي مفادها أنه اقتنع بأن إسرائيل فقدت القدرة على أداء الوظيفة التي هي علة نشأتها فهي لم تعد قادرة على شيء بل صارت عبءا على من يريد استعادة هيبة بلاده.
فإذا كان حقا قد وصل إلى حمق من لا يفهم أن كلامه يمكن أن يكون له غير هذا المعنى فسآخذه على حد عقله: جرّب وسترى أنك لن تستعيد هيبة أمريكا بل ستنهي كل اعتبار لكلامها في العالم.
فلن يكون نتنياهو "صحاف" حربها على العراق وحده بل ستشاركه هذه الصفة وسيصبح كلامكما من جنس خطاب صوت العرب في عهد عبد الناصر. كل الهزائم تتحول في المذياع إلى انتصارات.
واعتمادا على هذا الوصف سأسأل ترامب بعض الأسئلة ولا حاجة لسؤال المطبلين له من يمين إسرائيل والغرب:
1 ـ السؤال الاول: تنوي شراء غزة؟ حسنا. ممن ستشريها؟ عليك إذن أن تعلن عمن يملكها قبل بيعها لك؟ هذا يعني أنك ستساعد إسرائيل حتى تفتكها من أهلها وتهجرهم لتصبح مالكة بالحوز العنيف؟
الجزائر بدأت ثورة الربيع فقضى عليها أعداء الحرية من فرنسا والعرب، وتركيا بدأت هزيمة الفتنة الصغرى ولم تستطع فرنسا والعرب إسقاطها وهي التي ساعدت كل المقاومين ممن ذكرت في الشام واليمن والسودان وليبيا والكثير من بلاد إفريقيا وخاصة في الساحل وحتى الصومال. لذلك فقد نتنياهو والغرب المطبعين معه استهداف تركيا والجزائر وكلاهما يعدهما يمين فرنسا العدو الأول الذي ينبغي ضربه.2 ـ لكنها عجزت دون ذلك ولن تستطيع فعل أكثر مما فعلت إلا إذا أنت ساندتها لتمكينها من تملك ما ستبيعه لك. إذن أنت ستشري من أداتك إسرائيل ما جعلتها قادرة عليه. فتكون لصا مرتين. فلا تواصل الكذب بأنك مهتم بمستقبل الفلسطينيين وتريد لهم حياة سعيدة لنزع ملكيتهم لأرضهم.
3 ـ ومرة أخرى فإني أتمنى أن تفعل، ذلك أن الغزاويين الذين عجزت دونهم إسرائيل وهم محاصرون لن تستطيع إسرائيل هزيمتهم إذا انتقلوا إلى سيناء والأردن. فكل ما كان مستيحلا من شروط المطاولة يصبح ممكنا ولا يمكن منعه من دون جعل الحرب إقليمية وليست مقصورة على فلسطين.
4 ـ فتكون بذلك قد عكست سلوكك في دورة حكمه الأولى: فقد هربت من أفغانستان أنت وليس بايدن الذي حقق ما قاتلت عليه مع طالبان وقبلت بترك المعركة التي لم تقدر عليها حتى بمساعدة كل الناتو.
5 ـ في المعركة التي تعد ناتنياهو واليمين الإسرائيلي بملك غزة لتشتريها منهم بوصفهم أصحابها لن تجد أحدا من الناتو معك وستخوضها وحدك مع إسرائيل متوهما أن شعبك سيقبل أن يقتل أبناؤه من أجل تملك ناتن ياهو غزة: هل بلغ بك الحمق هذه الدرجة؟
في النهاية لا أعتقد لكلامك معنى آخر غير ما يؤيد ما فعلت في الدورة الأولى من حكمك: تأكدت من أن إسرائيل فقدت كل امكانية لآداء الدور المنتظر منها وتأكدت أنك عليك أن تكذب عليهم حتى تمرر ما يثبته أمران لا جدال فهيما:
1 ـ الأول لم يعد بالإمكان الاعتماد على الحكام العملاء في الإقليم لأن لعبة التخويفين انتهت: إيران وإسرائيل خسرتا الرهان باعتماد مليشيات تحميها أنظمة هي بدورها "ملشت" الجيش والأمن والقضاء والنخب المافياوية لكنها فقدت القدرة على تخويف التشعوب:
وتلك هي علة أهمية الطوفان في فلسطين والربيع في الشام وبقية أقطار الربيع التي تحررت ولو جزئيا من الخوف من أنظمة صارت أوهى من بيت العنكبوت. لذلك فحتى لا ينطلي عليك كذبك فإنه لا ينطلي على الاستراتيجيين من حولك: ويكفي أن تذكر ما قال وزير دفاع أمريكا قبل مجيئك الثاني للإسرائيليين: لا تكرروا ما فعلنا نحن بعد 11 سبتمبر.
فقد تربحون تكتيكيا بعض المعارك لكنكم من الآن عليكم أن تعلموا أن ذلك سيكون وهميا لأن الخسارة الاستراتيجية مؤكدة كما حصل لما خضنا معارك زائفة خسرناها كلها وخسرنا معها العجز عن مجارات أعدائنا الحقيقيين الذين ربحوا نصف قرن خلال غيابنا فزادوا من قوتهم التي قد تخرجنا وتخرجكم من المعارك المقبلة أصفار اليدين.
والسلام على "صحافي" أعدائنا فهم عين التطبيع العكسي: هم صاروا يتكلمون ونحن صرنا نفعل. صار لهم صوت العرب وصار لنا صوت العقل الذي يعتمد منطق التاريخ المديد لأمة تؤمن بالتواصي بالحق للاجتهاد والتواصي بالصبر للجهاد، والأيام بيننا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير إسرائيل العرب إسرائيل امريكا علاقات عرب رأي أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن إسرائیل سایکس بیکو فی الشام ما کان
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يهدد الهدنة .. وترامب يشعل الجدل | غزة بين مخاوف الانهيار ومخططات التهجير
لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يحظى باهتمام واسع في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ تنعكس تداعياته في المشهد الإقليمي والدولي.
وتبرز في هذا السياق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة، التي أثارت جدلاً واسعاً بين الأطراف المعنية.
وتُسلط كبرى الصحف الإسرائيلية والعالمية الضوء على هذه القضايا، وسط تحذيرات من انهيار الاتفاق والتداعيات المترتبة عليه.
ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، نقلًا عن مصادر إسرائيلية، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، محذرةً من أن “سلوك نتنياهو قد يؤدي إلى انهيار المرحلة الحالية من الاتفاق”.
وأكدت الصحيفة أن "حركة حماس، بمجرد إدراكها عدم وجود مرحلة ثانية من الاتفاق، لن تستكمل تنفيذ المرحلة الأولى منه"، في إشارة إلى عدم التزام إسرائيل ببنود الاتفاق بشكل كامل.
وأوضحت هآرتس أن صور الأسرى الإسرائيليين المحررين كان لها تأثير سلبي على شعبية نتنياهو، حيث كشفت استطلاعات الرأي عن تراجع شعبيته بين الناخبين اليمينيين، الذين يعتبرون أن إسرائيل لم تحقق نصرًا واضحًا على حماس.
الانسحاب الإسرائيلي من ممر نتساريموفي السياق ذاته، أشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إلى أن أمير عفيفي، نائب قائد فرقة غزة سابقًا في الجيش الإسرائيلي، حذر من أن الانسحاب الإسرائيلي من ممر نتساريم وعودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال غزة “أمر يمكن أن ينقلب تمامًا في غضون بضعة أيام، اعتمادًا على مدى عدوانية إسرائيل”.
كما نقلت الصحيفة عن إسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة، قوله إن ممر نتساريم "ليس مهمًا جدًا للجيش الإسرائيلي"، معتبرًا أن "أهميته الحقيقية تكمن في كونه وسيلة ضغط في المفاوضات مع حماس".
أوضاع سكان غزة في ظل الحصارصحيفة الأوبزرفر البريطانية سلطت الضوء على شهادات عدد من سكان غزة الذين عاشوا الحصار الطويل والمجاعة التي فرضها الجيش الإسرائيلي على القطاع لأكثر من 15 شهرًا.
وأشارت الصحيفة إلى أن السكان يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية.
رفض الفلسطينيين خطة تهجير الغزيينأثارت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة رفضًا فلسطينيًا واسعًا، حيث نقلت الصحيفة البريطانية عن أحد المسنين ويدعى سالم، ممن عاصروا نكبة 1948، قوله: "لن نكرر خطأنا بهجرة قرانا مرة أخرى". كما قالت خالدة، وهي فلسطينية فقدت منزلها: "لا ترامب ولا أي شخص آخر قادر على محونا.. وسنتحمل حتى ينتهي هذا الكابوس".
ومن جانبها، أفادت صحيفة بوليتيكو الأميركية بأن نافي بيلاي، رئيسة لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصفت خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة بأنها “غير قانونية بموجب القانون الدولي، وترقى إلى مستوى التطهير العرقي”.
وأضافت بيلاي: "سأدعم اتهام المحكمة الجنائية الدولية لإسرائيل بالفصل العنصري"، مشددةً على ضرورة فرض عقوبات دولية على إسرائيل، كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
مخاوف اقتصادية بسبب مقترح ترامبأما صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فقد سلطت الضوء على تأثير مقترح ترامب على الاقتصاد العالمي، حيث نقلت عن مسؤولين في قطاع الشحن أن السيطرة على غزة قد تؤدي إلى تجدد هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما يعمق أزمة التجارة العالمية.
ووفق الصحيفة، فإن التوقعات السابقة بانتعاش حركة العبور في البحر الأحمر بعد اتفاق وقف إطلاق النار لم تتحقق، بسبب المخاوف المستمرة من التصعيد، لا سيما مع إعلان ترامب خطته المثيرة للجدل.
ويظل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة موضع جدل واسع، وسط مؤشرات على إمكانية انهياره بسبب سياسات نتنياهو ورفض إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق. في الوقت نفسه، تثير خطة ترامب لتهجير سكان غزة غضبًا فلسطينيًا واسعًا، إضافة إلى إدانات دولية معتبرة إياها تطهيرًا عرقيًا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تتزايد المخاوف من تداعيات هذه التطورات على الاستقرار الإقليمي وحركة التجارة في البحر الأحمر، ما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا في ظل استمرار التوترات.