بغداد اليوم -  نينوى

يشهد العراق نقاشًا حادًا حول قرار الحكومة نقل مئات العوائل من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة جنوب الموصل، وسط تحذيرات من احتمالية تشكيل حواضن جديدة للإرهاب، مقابل دعوات لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.


مخيم الهول.. قنبلة موقوتة تهدد المنطقة

مخيم الهول، الواقع في شمال شرق سوريا، يأوي عشرات الآلاف من عوائل مقاتلي تنظيم داعش، بما في ذلك نساء وأطفال يحملون جنسيات مختلفة.

منذ سقوط التنظيم عسكريًا في 2019، تحول المخيم إلى مصدر قلق أمني إقليمي، حيث يصفه مسؤولون أمنيون ومراقبون بأنه "قنبلة موقوتة" قابلة للانفجار في أي لحظة.

يقول عضو مجلس النواب المختار الموسوي، في حديثه لـ"بغداد اليوم"، إن "مخيم الهول ليس سوى أجندة دولية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، عبر استخدام التطرف كأداة لتحقيق غايات سياسية". ويضيف أن "الإرهاب هو صناعة استخباراتية معروفة، وهذا ما يفسر استمرار الحماية للمخيم رغم احتوائه على آلاف الإرهابيين من مختلف دول العالم".

وبحسب الموسوي، فإن "وتيرة تهريب عوائل داعش من مخيم الهول ارتفعت خلال الأسابيع الماضية، مما يشير إلى مخطط جديد لإثارة الفوضى، خصوصاً مع تنامي نشاط التنظيم في عدة مناطق سورية مؤخرًا".


قلق في نينوى.. مخاوف من تكرار سيناريو 2014

في نينوى، حيث تعاني المحافظة من إرث داعش الثقيل، أبدى مسؤولون محليون قلقهم البالغ من نقل العوائل إلى مخيم الجدعة، خوفًا من عودة نشاط الجماعات المتطرفة.

يقول عضو مجلس نينوى محمد عارف، في حديث لـ"بغداد اليوم": "نقل الحكومة المركزية مئات العوائل من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة جنوب الموصل يشكل مصدر قلق بالغ بالنسبة لنا، لأنه قد يؤدي إلى تشكيل حاضنة للجماعات الإرهابية، وبالتالي إعادة سيناريو أسود لا يمكن قبوله مرة أخرى، خاصة وأن أحداث حزيران 2014 لا تزال حاضرة في ذاكرة الجميع بصورها المأساوية".

يستذكر عارف تلك الحقبة المظلمة، حين اجتاح تنظيم داعش الموصل، مخلفًا آلاف الضحايا والمقابر الجماعية، محذرًا من أن "وجود تلك العوائل قد يؤدي إلى جذب عناصر متطرفة من داخل وخارج العراق، وبالتالي سنكون أمام موقف أمني صعب".

ويؤكد أن "الحديث عن خضوع تلك العوائل إلى برنامج تأهيل نفسي ودمج في المجتمع هو في الأساس حبر على ورق"، مشيرًا إلى أن "نقلهم إلى المناطق التي كانوا يسكنون بها قد يخلق مشاكل أخرى".


التأهيل والدمج.. حل ممكن أم مجرد نظريات؟

في المقابل، تدافع أطراف حكومية عن خطة تأهيل العوائل العائدة من المخيمات، معتبرة أن التعامل الإنساني والأمني مع هذه القضية هو الخيار الوحيد لتفادي أزمة أكبر مستقبلاً.

يقول مسؤول في وزارة الهجرة والمهجرين، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "هناك برامج تأهيل نفسي واجتماعي تُنفذ بإشراف منظمات دولية، وتهدف إلى إعادة دمج هذه العوائل تدريجياً في المجتمع"، لكنه يعترف في الوقت ذاته بأن "العملية ليست سهلة، وتواجه تحديات كبيرة، سواء من الناحية الأمنية أو المجتمعية".

بعض العوائل القادمة من مخيم الهول تتعرض للرفض الاجتماعي من سكان المناطق الأصلية التي كانوا يعيشون فيها قبل نزوحهم، حيث يُنظر إليهم كحاضنة محتملة للفكر المتطرف. هذا الأمر يزيد من صعوبة إعادة إدماجهم في المجتمع العراقي، ويخلق مخاوف من ظهور جيوب معزولة قد تصبح بؤراً جديدة للتطرف.


هل يشكل مخيم الجدعة خطرًا أمنيًا؟

مخيم الجدعة، الذي يقع على بُعد 60 كيلومترًا جنوب الموصل، كان قد أُعيد تأهيله ليكون مركزًا لاستقبال العوائل العائدة من سوريا، إلا أن بعض السياسيين والأمنيين يرون أن المخيم قد يتحول إلى نقطة تجميع للعناصر المتطرفة.

يقول الخبير الأمني أحمد الشمري لـ"بغداد اليوم": "مخيم الجدعة قد يكون خط الدفاع الأول ضد عودة التطرف، لكنه قد يكون أيضًا قنبلة موقوتة إذا لم يتم التعامل معه بحذر"، مشيرًا إلى أن "المراقبة الأمنية وحدها ليست كافية، بل يجب أن يكون هناك عمل مكثف على تفكيك الفكر المتطرف عبر برامج تربوية ودينية واجتماعية مدروسة".


موقف الحكومة العراقية.. بين الضغوط الدولية والمخاوف الداخلية

الحكومة العراقية تجد نفسها بين ضغوط دولية تطالبها بإعادة مواطنيها المحتجزين في المخيمات السورية، ومخاوف داخلية من انعكاسات هذه العودة على الوضع الأمني.

بحسب مصادر مطلعة، فإن "الولايات المتحدة والأمم المتحدة تضغطان على بغداد لاستقبال مواطنيها الموجودين في الهول، خصوصًا مع تزايد المخاوف من أن تتحول هذه العوائل إلى قنبلة بشرية تُهدد الأمن الإقليمي".

وفي هذا السياق، تؤكد الحكومة العراقية أنها اتخذت إجراءات مشددة لضمان عدم تسلل عناصر خطرة إلى داخل البلاد، حيث تم "إجراء فحوصات أمنية دقيقة لكل العوائل التي تم نقلها"، وفق ما ذكره مصدر أمني.


الخلاصة: بين الأمن والاستقرار.. معضلة العراق المستمرة

يجد العراق نفسه أمام معضلة معقدة؛ فمن جهة، لا يمكن ترك مواطنيه في المخيمات السورية إلى الأبد، ومن جهة أخرى، هناك مخاوف أمنية مشروعة من احتمالية عودة التطرف عبر هذه العوائل.

يقول الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، علي الكاظمي، إن "العراق بحاجة إلى استراتيجية متكاملة، تشمل إعادة التأهيل، والتنمية الاقتصادية، والمراقبة الأمنية المشددة، إضافة إلى جهود حقيقية لمحاربة الفكر المتطرف عبر مناهج تربوية وإعلامية مدروسة".

وبين المخاوف الأمنية والالتزامات الإنسانية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سينجح العراق في منع تكرار سيناريو 2014، أم أن مخيم الجدعة سيكون بداية فصل جديد من التحديات الأمنية؟


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: من مخیم الهول بغداد الیوم مخیم الجدعة فی المجتمع مخاوف من

إقرأ أيضاً:

بغداد اليوم تتحرى: طالبان تفرض معتقداتها على الأقليات الشيعية بـالقوة والإكراه - عاجل

بغداد اليوم -  طهران

في السنوات الثلاث والنصف الماضية، مارست حركة طالبان ضغوطًا واسعة النطاق على الأقليات الدينية في أفغانستان. وقد أقدمت هذه الجماعة على إجبار بعض أتباع المذهب الإسماعيلي والشيعة الاثني عشرية في ولاية بدخشان الشمال الشرقي على تغيير مذهبهم قسرًا. 

وتمكن مراسل "بغداد اليوم" من الوصول إلى معلومات تؤكد أن "طالبان أجبرت مؤخرا ما لا يقل عن 80 شخصًا من سكان بدخشان على تغيير مذهبهم". 

وبحسب مصادر أفغانية مطلعة قالت لمراسلنا "أن طالبان تُجبر الأشخاص الذين يغيرون مذهبهم على نطق الشهادة، وهو إجراء يُطبق عادةً على من يعتنق الإسلام من ديانات أخرى".

كما أفادت المصادر بأن طالبان بدأت بهذا الإجراء منذ اليوم الأول لسيطرتها على أفغانستان، والآن، بهدف تحويل الأنظار عن التوترات الداخلية، بدأت في تسليط الضوء إعلاميًا على هذه الممارسات.

وبحسب المصادر "أدى هذا الإجراء إلى تعميق الفجوة بين الأقليات الدينية ونظام طالبان، كما تسبب في ضغوط نفسية واجتماعية هائلة على أعضاء هذه الطوائف الدينية، ويشعر العديد من أتباع المذهب الإسماعيلي بالقلق من أن تصبح هذه السياسة نهجًا ممنهجًا، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لمعتقداتهم وهويتهم الدينية".


إجبار السكان على تغيير مذهبهم

وقال مسؤول في الحكومة الأفغانية السابقة من ولاية بدخشان مشترطاً عدم الكشف عن هويته خوفاً من الملاحقة لـ"بغداد اليوم"، "أن جمعه خان فاتح، حاكم طالبان في منطقة نسي درواز، أجبر ما لا يقل عن 50 رجلًا من الطائفتين الإسماعيلية والشيعية الاثني عشرية على تغيير مذهبهم قسرًا".

ووفقًا لتصريحات طالبان في المنطقة، فقد تم "إدخالهم في الإسلام"، وقبل يومين فقط، تم إجبار 25 شخصًا آخرين على تغيير مذهبهم. 

وأضاف المسؤول "أن هذا القائد في طالبان وصف الإسماعيليين في مناطق شغنان، أشكاشم، يمغان، وزيباك بأنهم "كفار"، مهددًا إياهم بضرورة تغيير مذهبهم بسرعة.

وتابع "بأن ما لا يقل عن 80 شخصًا من أتباع المذهب الإسماعيلي، من بينهم نساء وأطفال، قد أُجبروا على تغيير مذهبهم تحت تهديد السلاح من قبل مسلحي جمعه خان فاتح".


تسجيلات مصورة واعترافات

وفي مقاطع الفيديو يظهر مقاتلو طالبان وهم يُمْلُون الشهادة على الأشخاص الذين يُجبرون على تغيير مذهبهم. كما ذكرت مصادر محلية أن جمعه خان فاتح، قائد طالبان في درواز بدخشان، يقوم بجولات ليلية في القرى مع مجموعته، بهدف إجبار السكان المحليين على تغيير مذهبهم.

وفي الأيام الأخيرة، قامت طالبان بإحضار أكثر من 25 من أتباع المذهب الإسماعيلي والشيعة الاثني عشرية إلى مقر المنطقة وفرضت عليهم تغيير مذهبهم قسرًا. 

ووفقًا لمصدر محلي، فقد استضاف جمعه خان فاتح أحد الأشخاص الذين أُجبروا على تغيير مذهبهم، وزار منطقة "راوند" حيث ألقى خطبًا دينية في عدة مساجد.

في الوقت نفسه، نشر بعض مقاتلي طالبان في منطقة نسي درواز صورًا لأشخاص تم إجبارهم على تغيير مذهبهم، واصفين أتباع المذهب الإسماعيلي والشيعة بأنهم "مشركون". وأعربوا عن سعادتهم بقدرتهم على إجبار هؤلاء الأشخاص على تغيير عقيدتهم. 

وفي إحدى المنشورات التابعة لطالبان، ورد ما يلي: "الحمد لله، بفضل جهود المجاهدين في درواز وقيادة جمعه خان فاتح، تمكنا من دعوة الناس إلى التوحيد، ونتيجة لذلك، اعتنق ما يقرب من 50 شخصًا من أتباع المذهب الإسماعيلي والشيعة الاثني عشرية الإسلام الحقيقي وتركوا الشرك".


حملة قسرية ممنهجة

وقال "علي محمودي" من سكان بدخشان لـ"بغداد اليوم"، إن حملة التغيير القسري للمذهب التي تقودها طالبان في المناطق الحدودية لبدخشان بدأت منذ استيلائها على السلطة. 

وأوضح أن طالبان استخدمت مصطلحات مثل "التوحيد" و"الدعوة إلى الإسلام" لتبرير أفعالها، مؤكداً أن طالبان أرسلت دعاة إلى مناطق شغنان، أشكاشم، واخان، وبعض مناطق درواز، حيث أُجبر السكان المحليون على تغيير مذهبهم تحت التهديد.

كما أوضح المصدر أن بعض أتباع المذهب الإسماعيلي وافقوا على تغيير مذهبهم بعد تلقيهم مبالغ مالية، بينما أُجبر آخرون على ذلك تحت تهديد السلاح. ووفقًا للمصدر، فإن نحو 50 شخصًا من الطائفتين الإسماعيلية والشيعية الاثني عشرية في منطقة نسي درواز اضطروا إلى تغيير مذهبهم بسبب الضغط الذي مارسه جمعه خان فاتح، القائد المحلي لطالبان.


تأثير اجتماعي وديني واسع النطاق

من جهة أخرى، كتب فياض الدين غياثي، دبلوماسي أفغاني سابق وأحد سكان درواز، على صفحته في فيسبوك أن طالبان أطلقت حملة دعائية تستهدف تغيير مذهب الإسماعيليين في بدخشان، وذلك بهدف التغطية على الصراعات الداخلية في صفوف الجماعة وتحويل اتجاه النقاشات الإعلامية.

وفي وقت سابق، أكدت مصادر أن طالبان أنشأت عشرات المدارس الدينية السنية في بدخشان، مطالبةً السكان المحليين بإرسال أطفالهم إليها لتغيير مذهبهم. 

أعرب العديد من أتباع المذهب الإسماعيلي عن قلقهم العميق من الطريقة التي تعاملهم بها طالبان، حيث يُنظر إليهم بازدراء، وتتعرض معتقداتهم للإهانة المستمرة. وأشار بعضهم إلى أن هذه السياسات لا تقتصر على القمع الديني فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى خلق انقسامات اجتماعية ومذهبية عميقة.


مخاوف دولية من انتهاكات الحرية الدينية

في سياق متصل، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا سنويًا حول "الحرية الدينية في العالم"، أكدت فيه أن الأقليات الدينية في أفغانستان تواجه تمييزًا واسع النطاق وعنفًا ممنهجًا. ووفقًا للتقرير، لم تبذل طالبان أي جهود لحماية أماكن العبادة الخاصة بالأقليات الدينية، مما أدى إلى تدهور أوضاع الحرية الدينية في البلاد.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

مقالات مشابهة

  • قنابل موقوتة تدخل العراق.. قلق متصاعد من عائدي الهول السوري
  • الزمالك: رفضنا تكرار سيناريو ميسي مع برشلونة في الصفقات الجديدة
  • بغداد اليوم تتحرى: طالبان تفرض معتقداتها على الأقليات الشيعية بـالقوة والإكراه - عاجل
  • مخيم الهول.. نقل 155 عائلة عراقية إلى الجدعة في نينوى (صور)
  • تضم 155 عائلة.. إخراج دفعة جديدة من اللاجئين العراقيين في «مخيم الهول»
  • أعضاء الكونغرس يطالبون الحكومة الامريكية بإيقاف المساعدات العسكرية الى العراق - عاجل
  • العراق بين شح الأمطار وتغير المناخ.. مخاوف من موسم زراعي كارثي وحلول قيد الانتظار - عاجل
  • معضلة ربط بغداد بطهران: العقوبات الأمريكية ستفتك بالعراق قبل إيران - عاجل
  • التحديات والآثار.. كيف سيناور العراق ويتفادى مواجهة لا يستطيع التحكم بها بين أمريكا وإيران؟ - عاجل