قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء أنه منذ فجر التاريخ، سعى الإنسان إلى التغلب على ظلمة الليل، فبدأ بإشعال الأخشاب، ثم استخدم الشموع والمصابيح الزيتية، حتى وصل إلى المصابيح الكهربائية المتطورة التي نعرفها اليوم.

وجاء ذلك خلال حديث جمعة حول الكسوف والخسوف وآيات نور الله في الكون، فتابع أن هذه الرحلة الطويلة تعكس تطور الفكر البشري واحتياجاته المستمرة للضوء، ليس فقط للإبصار، ولكن أيضًا للقراءة والكتابة والعمل.

البدايات الأولى: النار والمصابيح الزيتية

وأضاف جمعة كان الإنسان البدائي يعتمد على النار لإنارة الليل، فكان يشعل الأغصان الجافة أو يستخدم السراج الزيتي، الذي تطور لاحقًا على يد الكيميائي السويسري إيميه أرغاند عام 1784، عندما اخترع مصباحًا بفتيلة أنبوبية ومدخنة لتحسين تدفق الهواء، مما زاد من كفاءة الإضاءة. ومع بداية القرن التاسع عشر، ظهرت المصابيح الغازية، وسجلت أول براءة اختراع لمصباح يعمل بالغاز في باريس عام 1799.

نقطة التحول: الكهرباء تدخل عالم الإضاءة

وأشار جمعة إلى أن المحاولة الأولى لاستخدام الكهرباء في الإنارة كانت عام 1842، عندما تم تشغيل مصابيح القوس الكهربائي لإنارة شوارع باريس. 

وفي عام 1878، اخترع الكيميائي جوزيف شوان أول مصباح كهربائي متوهج بفتيلة من الفحم، لكن الفضل الأكبر يعود إلى توماس إديسون الذي طور المصباح المتوهج بفتيلة من الكربون، وجعله قادرًا على العمل لعدة أيام متواصلة.

ثورة المصابيح المتطورة

شهد القرن العشرون تقدمًا كبيرًا في تكنولوجيا الإضاءة، فظهر المصباح المتوهج بفتيلة الأوسميوم عام 1902، ثم المصابيح المزودة بفتائل التنجستن عام 1907، ما جعلها أكثر كفاءة.

 وتطورت المصابيح الكهربائية بشكل أكبر عند ملئها بغاز الأرغون عام 1910، مما زاد من عمرها الافتراضي. ثم ظهرت مصابيح الفلوريسنت في عام 1939، والتي تميزت باستهلاك أقل للطاقة وانبعاث ضوء أبيض قوي، مما جعلها مثالية لإنارة المكاتب.

وفي عام 1951، ظهرت مصابيح الزينون المستخدمة في الملاعب والساحات العامة، بينما جاءت ثورة جديدة في عالم الإضاءة مع مصابيح الهالوجين عام 1959، والتي أصبحت جزءًا أساسيًا في إضاءة السيارات. 

واليوم، أصبحت مصابيح LED هي المسيطرة، بفضل كفاءتها العالية وتوفيرها للطاقة مقارنةً بالمصابيح التقليدية.

الإضاءة وتأثيرها على الحياة الحديثة

مع تطور تقنيات الإضاءة، لم يعد الليل عائقًا أمام العمل والنشاط، بل أصبح امتدادًا لنهار مزدحم بالأعمال.

 لعبت الإضاءة الكهربائية دورًا أساسيًا في دعم قطاعات كثيرة، مثل المستشفيات، والمطارات، والمصانع، والفنادق، التي تعمل على مدار الساعة. كما أن تكنولوجيا الاتصالات جعلت من الضروري أن يستمر العمل ليلاً، لمواكبة الفارق الزمني بين الدول المختلفة.

التوازن بين النهار والليل

ورغم فوائد الإضاءة الصناعية، فإن الله خلق الليل للراحة والنهار للسعي والعمل، وهو ما تؤكده الآية الكريمة:
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ (القصص: 71-72).

لذلك، يجب استخدام الإضاءة بحكمة، بحيث تخدم احتياجات الإنسان دون أن تؤثر على نظامه البيولوجي وصحته. فكما أن النهار ضروري للعمل، فإن الليل ضروري للراحة والتجدد، وهو ما يضمن للإنسان حياة متوازنة وصحية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإضاءة الإضاءة الكهربائية الكهرباء النهار النهار والليل

إقرأ أيضاً:

تعلم من القرآن.. كيف تكون صاحب حكمة؟

تعد الحكمة من أعظم النعم التي يمنحها الله لعباده، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم باعتبارها هبة عظيمة ترفع الإنسان في درجات الفهم والإدراك، كما في قوله تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: 269).

وفي تفسيره لهذه الآية، أشار الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إلى أن الحكمة مأخوذة من الجذر الثلاثي (ح-ك-م)، والذي يحمل دلالات متعددة تشمل الضبط والإتقان، القضاء والفصل بين الناس، والتوجيه نحو الصواب.

ما هي الحكمة؟

الحكمة ليست مجرد معرفة الحقائق أو امتلاك المعلومات، بل هي القدرة على استخدامها في الوقت والمكان المناسبين، واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على فهم عميق للواقع. ويمكن تلخيص معاني الحكمة في النقاط التالية:

ضبط الأمور وإتقانها: الحكيم لا يتصرف باندفاع أو عشوائية، بل يزن الأمور بدقة.رفع النزاعات والخصومات: الحكمة تساعد على تهدئة الخلافات وحل المشكلات بطريقة عادلة ومتزنة.الامتثال لأوامر الله ونواهيه: الحكيم هو من يدرك أن الالتزام بشرع الله هو السبيل إلى النجاح الحقيقي.وضع الأمور في أماكنها الصحيحة: الحكيم يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، متى يتدخل ومتى يتجنب المواجهة.الحكمة في القرآن والسنة

وُصف القرآن الكريم بأنه "محكم"، أي متقن ودقيق في أحكامه، مما يجعله مرجعًا أساسيًا للحكمة. كما أن القضاء بين الناس يُعرف بـ"الحكم"، لأنه وسيلة لحسم النزاعات، وأوامر الله تُسمى "حكم الله"، لأنها تحقق التوازن والعدالة في المجتمع.

وقد جاءت تعاليم النبي ﷺ وإرشادات الصحابة مليئة بالدعوة إلى الحكمة، ومن ذلك قول الإمام علي رضي الله عنه: "ليس كل ما يعلم يقال." وهذا ينسجم مع حديث النبي ﷺ: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم."

كيف تكون حكيماً؟

لا يُولد الإنسان حكيماً، بل يكتسب الحكمة من خلال الخبرة والتعلم والتفكر. ولكي يكون الإنسان حكيماً، عليه أن يدرك:

الزمان والمكان المناسبين للكلام أو الفعل.الشخص الذي يخاطبه ومستوى وعيه وثقافته.الظروف المحيطة بالموقف، ومدى تأثير كلماته أو أفعاله.الهدف النهائي من تصرفه، وما إذا كان سيؤدي إلى منفعة أم ضرر.التوقيت والتقدير في الكلام

من أهم علامات الحكمة أن يعرف الإنسان متى يتكلم ومتى يصمت. وقد عبر الإمام الشافعي عن ذلك بقوله: "الكلمة تملكها قبل أن تقولها، فإذا قلتها ملكتك."

إن طرح الأفكار أو المعلومات في وقت غير مناسب قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ولذلك من الضروري أن يسأل الإنسان نفسه قبل أن يتكلم:

هل هذا هو الوقت المناسب؟هل المستمعون مستعدون لفهم هذه الحقيقة؟هل ستُحدث كلماتي تأثيرًا إيجابيًا أم أنها ستزيد الأمور تعقيدًا؟لا تتصدر قبل أن تتعلم

من الأخطاء التي يقع فيها البعض التسرع في إبداء الرأي أو التحدث في أمور لم يكتسبوا فيها الخبرة الكافية. وقد قيل: "من تصدر قبل أن يتعلم، كمن تذبّب قبل أن يتحصرم"، أي ادّعى النضج وهو لا يزال غير مؤهل.

إن الحكمة ليست مجرد معرفة، بل مسؤولية، وهي لا تأتي بالتسرع والاندفاع، بل بالتأني والتعلم والتجربة. فمن أراد أن يكون حكيماً، فليبدأ بإصلاح نفسه، وليتعلم متى يتحدث ومتى يصمت، ومتى يتقدم ومتى يتراجع، فالحكمة الحقيقية هي مفتاح الخير الكثير.

مقالات مشابهة

  • هل المرض يكفر الذنوب أم غضب من الله على الإنسان؟.. دار الإفتاء تجيب
  • ماذا يحدث في ليلة النصف من شعبان؟.. علي جمعة يوضح تفاصيل 10 عجائب
  • «أمين الفتوى» بدار الإفتاء: قيام الليل شرف المؤمن ووسيلة لمجاهدة النفس
  • جمعة: ليلة النصف من شعبان تجلٍّ إلهي واستجابة لدعاء النبي
  • تعلم من القرآن.. كيف تكون صاحب حكمة؟
  • ماذا تقرأ في صلاة قيام الليل بعد الفاتحة؟.. 5 سور لاغتنام فضلها العظيم
  • علي جمعة: الدين والحياة تكامل لا تنافر والإسلام يدعو للإتقان والجمال
  • علي جمعة: كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان تذكران بعظمة الله وهلاك الكون
  • بعض المنطق