الخليج الجديد:
2024-07-05@13:05:00 GMT

عن تهافت مفكري العرب

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

عن تهافت مفكري العرب

تهافت مفكري العرب

لماذا هذا التحوّل المذهل في مواقف هؤلاء (المفكرين) عن قيم السياسة، كما سبق وأن أوصلوها للعقل العربي؟

هؤلاء باتوا جزءا من نسيج الأنظمة الحاكمة في المنطقة ومن الطبيعي أن يدافعوا عن امتيازاتهم وأوضاعهم الجديدة.

الغريب أن ينعزل هؤلاء عن كامل هموم وأوجاع شعوبهم، ولا يكتفون بذلك، بل يصرون على نكأ جرح الشعوب بمنطق أقرب إلى الشماتة والتشفي.

ماذا فعلت الأنظمة العربية في إدارة الأزمات، التي باعتراف نخب الثقافة العربية (قبل الردة) أنها هي التي صنعتها عبر سياساتها غير المتلائمة مع السياسة؟

إن ما قدمه هؤلاء من أفكار وأنماط سياسية لم يكن الهدف منها الاطلاع على علوم السياسة والاجتماع بقدر ما كانت عملية استعراض معرفية لا هدف آخر لها.

يمارس هؤلاء البلطجة المعرفية بلبوس رغائبي عاطفي تخالف ما سبق أن تناولته أبحاثهم في السياسات العامة والمقارنة وتحليلهم لأسباب إعاقة تطور المجتمعات العربية.

هدف هذه النخبة تحقيق مكانة علمية ومعرفية، ولم تتوقع أصلا أن الشعوب العربية قد تثور يوما للمطالبة بتغيير قيم السياسة وبنى الحكم وطبيعة العلاقات بين السلطة والشعب.

* * *

تبدو محيّرة إلى أبعد حدود الظاهرة التي شهدتها السنوات الأخيرة في عوالم الفكر والثقافة والإعلام، والتي تتمثل بانحدار أكاديميين كانت لهم بصْمتهم في انفتاح الثقافة السياسية العربية على أحدث ما أنتجته مدارس السياسة في العالم، وما انطوت عليه من قيم عصرية في نظم الحكم والعلاقة بين الشعوب وحكامها.

بما تضمنه ذلك من نقد، وإن كان غير مباشر، لبنى الحكم في العالم العربي وأساليبها، بما في ذلك الفساد، في استمرار العطالة العربية وإضعاف الوحدة الوطنية وتدمير كل فرص التطور.

المفارقة العجيبة، أن ذات النخبة التي كتبت وترجمت ونقلت، والتي كان لها دور في صناعة توجهات جزء كبير من الشباب العربي، الرافضة للاستبداد والمطالبة بالتغيير، قد جرى استخدامها من قبل الثورات المضادة، لإعادة توجيه التفكير العربي ضد الثورات وقيمها.

وذلك بتحميل مرحلة الربيع العربي والفاعلين المؤثرين فيها، مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها مرحلة التآمر على ثورات الربيع العربي، من فقر وفساد وانهيارات اقتصادية وارتفاع معدلات الجريمة وتهتك نسائج الوحدة الوطنية، دون ربط منطقي بين هذه النتائج والمعطيات المتوفرة.

يمارس هؤلاء نوعا من البلطجة المعرفية، بلبوس رغائبي عاطفي إلى أبعد الحدود، تخالف ما سبق أن تناولته أبحاثهم في السياسات العامة والمقارنة، وتحليلهم للأسباب التي تعوّق تطور المجتمعات العربية، عبر استخلاصهم للنظريات السياسية الحديثة وما أنتجته الأكاديميات الغربية من مناهج بحث متطورة قادرة على قراءة الواقع بفكر موضوعي علمي لا ينحاز سوى للحقائق.

تنتشر كتابات هؤلاء على طيف واسع من المنابر الإعلامية، من صحف ومواقع إلكترونية وحتى مراكز بحث ودراسات، وليس من الصعب اكتشاف وجود التطابق والتشابه بينها إلى حد بعيد، من خلال تهجمها على فواعل مرحلة الربيع العربي واتهام الخارج بالمؤامرة على الأنظمة العربية، وربط الحراكات العربية بمؤامرات خارجية، ونزع أي صفة وطنية عنها.

واللافت أن مستوى التحليل في هذه المخرجات "الإبداعية" وصل إلى حد التسطيح والسفه، في سبيل إثبات صحة المقولات والفرضيات التي يحاول هؤلاء ترويجها وحشرها عنوة في العقول العربية، الأمر الذي يدعو للتأسي على الحال الذي وصلت له هذه النخب.

من بديهيات علم السياسة أن نخب الحكم، بالدرجة الأساسية، هي المسؤولة عن إدارة الأزمات التي تتعرض لها البلاد، وتصبح هذه المسؤولية أكبر في بلاد تتفرد بها فئة معينة في إدارة الحكم، حيث تكون نسبة مشاركة المجتمع المدني والقوى السياسية والأحزاب والنقابات في صناعة القرار متدنية إلى أبعد الحدود، أو غير موجودة في الأصل.

وبالتالي فإن مخرجات إدارة الأزمة تقع على مسؤولية هذه النخب، من خلال تبنيها للخيارات المناسبة لإدارة الأزمة والتي قد تشتمل على تقديم تنازلات معينة للمجتمع، يمكن من خلالها إعادة المجتمع إلى حالة الاستقرار.

وفي هذه الحالة تتبع الأنظمة السياسية الحاكمة ما يسمى بسياسة "إدارة التوازنات" بين الدولة والمجتمع؛ حتى لا يتزعزع الاستقرار وتسقط هيبة الدولة أو يُصار إلى سحق المجتمع ودفعه عنوة إلى السلبية واللا فعالية، وهي نتيجة كارثية على مستقبل العلاقة بين الشعب والسلطة.

ماذا فعلت الأنظمة العربية في إدارتها للأزمات، التي باعتراف نخب الثقافة العربية (قبل أن ترتد على أفكارها) أنها هي التي صنعتها عبر سياساتها غير المتلائمة مع السياسة؟

اتبعت خيارا وحيدا وهو خيار القمع، بدون أي مبرر منطقي، وأفقرت مؤسسات الدولة ودمرت النسائج المجتمعية وزجت بالملايين في السجون، وقتلت أعدادا يصعب إحصاؤها، ودفعت القوى الحية، وخاصة الشباب والمهنيين والأكاديميين، إلى الغرب بعيدا عن أوطانها.

ثم رسمت سياسات أقل ما يقال فيها إنها تؤبّد الأوضاع الكارثية في المجتمعات العربية، خاضت الأزمة بمنطق إما قاتل أو مقتول، إما أن أحكمكم أو أقتلكم، أو نحرق البلد ونقتل الولد، هذا جوهر إدارة الأزمة الذي ابتدعته الأنظمة العربية.

وبعد، هل يغيب هذا المشهد عن عقول مفكري الأزمة أثناء محاكمتهم لمخرجاتها وتداعياتها المهلكة، من الغريب أن من تخصص في "أنظمة الحكم" و"علم الاجتماع السياسي" و"فلسفة السياسة" و"السياسات المقارنة" أن يقرأ المشهد العربي بمنطق الاتهام والتخوين والاتكاء على نظرية المؤامرة؛ اتهام الشعوب بالمؤامرة على دولها وخيانة حاضرها ومستقبلها.

ومن الغريب أيضا أن ينعزل هؤلاء عن كامل هموم وأوجاع شعوبهم، ولا يكتفون بذلك، بل يصرون على نكأ جرح الشعوب بمنطق أقرب إلى الشماتة والتشفي.

السؤال الآن: لماذا هذا التحوّل المذهل في مواقف هؤلاء عن قيم السياسة، كما سبق وأن أوصلوها للعقل العربي؟ لا يوجد سوى إجابتين لهذا السؤال:

الجواب الأول، أن ما قدمه هؤلاء من أفكار وأنماط سياسية لم يكن الهدف منها الاطلاع على منتجات علوم السياسة والاجتماع العصرية وتشربها من قبل نظم الحكم والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، بقدر ما كانت عملية استعراض معرفية لا هدف آخر لها، اُريدَ منها تحقيق مكانة علمية ومعرفية، وأن هؤلاء في الأغلب لم يتوقعوا أصلا أن الشعوب العربية قد تثور يوما للمطالبة بتغيير قيم السياسة وبنى الحكم وطبيعة العلاقات بين السلطة والشعب.

- السبب الثاني: أن هؤلاء باتوا جزءا من نسيج الأنظمة الحاكمة في المنطقة ومن الطبيعي أن يدافعوا عن امتيازاتهم وأوضاعهم الجديدة.

*غازي دحمان كاتب وباحث سياسي سوري

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: التغيير الفساد الفكر القمع تهافت المجتمعات العربية الربيع العربي الأنظمة العربیة

إقرأ أيضاً:

اليمن تترأس اجتماعا طارئا في الجامعة العربية خرج بعدة قرارات

ترأست اليمن اليوم الخميس الاجتماع الطارئ للجامعة العربية لبحث سياسة مواجهة جرائم الاحتلال الاسرائيلي.

وانطلقت، اليوم، أعمال مجلس الجامعة العربية في دورته غير العادية على مستوى المندوبين الدائمين، برئاسة مندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية السفير رياض العكبري، لبحث سياسة مواجهة جرائم الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التوسع الاستعماري.

وعقد الاجتماع، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة ، بدعوة من دولة فلسطين، وتأييد الدول العربية الأعضاء، لبحث وإقرار التحرك العربي والدولي لوقف جريمة الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي وتوسعه الاستعماري الاستيطاني والإجراءات العقابية التي أقرتها حكومة الاحتلال مؤخرا.

وفي كلمته الافتتاحية للمجلس، جدد السفير رياض العكبري, دعوة الجمهورية اليمنية لتكثيف الجهد العربي المشترك من اجل قيام مجلس الآمن الدولي بواجباته القانونية والأخلاقية والإنسانية وإلزام إسرائيل بالإذعان للقانون الدولي الإنساني، ولقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والامتثال الفوري للقرارات الملزمة لمحكمة العدل الدولية، والوقف الفوري والكامل والدائم للعدوان الإسرائيلي الفاشي الهمجي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزه، وفي عموم الأرض الفلسطينية المحتلة.

واكد السفير العكبري، على أهمية التحرُّك العَاجِل ضمن آليات العدالة الدولية والوطنية لملاحقة ومُسَاءلَة وإدانة ومعاقبة مُرتَكِبي جرائم الإبادة الجماعية والإحتلال والتطهير العرقي والتهجير القسري والسجن والتدمير، ومنع الإِمْدَادَات الإغاثية والحرمان من الرعاية الصِحِّيَّة والأدوية، وإستخدام التجويع كأدة حرب، وتدمير المستشفيات والجوامع والكنائس، وإغتيال الأطباء والممرضين والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، وحماية عَرْبَدَة وإعتداءات وإنتهاكات قُطْعَان المستوطنين المتطرفين، جميع تلك الاعمال الفاشية التي تجسد الطبيعة العنصرية الاستيطانية الشريرة للايديولوجيا الصهيونية الدينية، والتي ظَلَّت إسرائيل، القُوَّة القائمة بالإحتلال، تنتهجها وتمارسها بوحشية مُنْقَطِعَة النَّظِير ضد الشعب الفلسطيني على مَدَار الساعة، على مَدَى أكثر من ٧٥ عامًا.

وعبر السفير رياض العكبري عن ثقته في ان القرار الصادر عن هذا الاجتماع الهام سوف يعكس مجددًا الموقف العربي الموحد الثابت المساند بقوة للكفاح المشروع للشعب الفلسطيني وحقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة.

ثم تحدث في الجلسة الافتتاحية للمجلس، المندوب الدائم لفلسطين لدى جامعة الدول العربية، السفير مهند العكلوك، الذي قدم عرضا وافيا لتطورات الوضع في فلسطين، وأورد معلومات وإفادات هامة عن استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

وفي الجلسة المغلقة للمجلس، دار تداول بناء للآراء عبرت جميعها عن اجماع عربي وموقف عربي قوي وأقرت جملة من الإجراءات للتحرك العاجل في مختلف المحافل الدولية ، والعمل مع كل القوى والدول حول العالم من اجل الضغط على مجلس الامن الدولي لإلزام إسرائيل بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني وقفاً فورياً وكاملًا ودائما، كما تمت المصادقة على مشروع القرار الذي تضمن مواقف وإجراءات عدة تمثل الموقف العربي الثابت والموحد إزاء القضية الفلسطينية.

واقر التنسيق مع الدول الأعضاء، لتنفيذ قرار قمة المنامه بإدراج قائمة المنظمات والمجموعات الإسرائيلية المتطرفة، على قوائم الإرهاب الوطنية العربية, والإعلان عن قائمة العار الواردة في تقرير لجنة المندوبين الدائمين بتاريخ ٣٠ يناير ٢٠٢٣، للشخصيات الإسرائيلية التي تبث خطاب الإبادة الجماعية والتحريض ضد الشعب الفلسطيني. 

كما اقر المجلس تكليف المجموعة العربية في نيويورك بدراسة خطوات تجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب عدم التزامها بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتهديدها للأمن والسلم الدوليين، وعدم وفائها بالتزاماتها التي كانت شرطا لقبول عضويتها في الأمم المتحدة. 

و اقر المجلس استنكار قيام بريطانيا بعرقلة مجرى العدالة الدولية والتسبب في ابطاء إنصاف الضحايا وتمكين الجاني من الافلات من العقاب، وذلك من خلال طلبها من المحكمة الجنائية الدولية السماح لها بتقديم ملاحظات مكتوبة حول ما اذا كان يجوز للمحكمة الجنائية الدولية ان تمارس ولاية قضائية على حملة الجنسية الإسرائيلية، وتحميل بريطانيا المسؤولية القانونية الدولية والأخلاقية عن هذا النهج المعيق للعدالة الدولية.

وتحدث الأمين العام المساعد للجامعة العربية، السفير حسام زكي، عن الموقف العربي الموحد إزاء كفاح الشعب الفلسطيني الذي تجلى في القمم العربية والتي كان أخرها قمة البحرين، وفق وكالة سبا.

مقالات مشابهة

  • بعد حرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • بعد جرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • السيد القائد: العدو الإسرائيلي يستبيح الإنسانية في غزة ومن المؤسف تجاهل الأنظمة العربية
  • زعيم الحوثيين يحمل الأنظمة العربية فشله في عسكرة البحر الأبيض
  • افتتاح إذاعة صوت العرب وتدشين تمثال الحرية.. أبرز أحداث 4 يوليو
  • اليمن تترأس اجتماعا طارئا في الجامعة العربية خرج بعدة قرارات
  • قائد الثورة يكشف اكثر نفاط الضعف عند العرب
  • وزيرة الشباب: التزام الكويت راسخ بدعم الشباب وتمكينهم وتنمية مهاراتهم وقدراتهم
  • المقاولون يوجه خطاب شديد اللهجة لاتحاد الكرة والرابطة
  • الحربُ وقواعدُها.. والجريمةُ وبواعثُها