في العادة تستخدم كلمة ركود بشكل عام في حقل الإقتصاد و لكن في مقالنا نستخدمها في السياسة و أزماتها في السودان لأن السودان يعيش أزمة سياسية بدون حلها لا يمكننا الولوج الى مقام إبدال السياسة و الإقتصاد كما هو في حال الشعوب المتقدمة و نضرب مثلا أن الفلسفة السياسية في في الدول المتقدمة قد وصلت مستوى لا يقبل مسألة الإلتباس فيما يتعلق بمفهوم الدولة الحديثة و ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية حيث تعمل معادلة الحرية و العدالة منتصرة لفكرة الفرد و العقل و الحرية.


و بالتالي تصبح الفلسفة الإقتصادية كديناميكية تعمل في حقل فكرة الشرط الإنساني من أجل تحقيق فكرة التوازن الإحتماعي و التوازن الإقتصادي و عليه يصبح المجتمع الغربي في صيروته يمر من وقت لآخر بأزمات إقتصادية و بفضل فكرة الشرط الإنساني الذي يمثل البعد السياسي تظهر ديناميكيات إقتصادية تعيد توازن المجتمع المنتصر للفرد و حريته و تخرج من حالة ديمقراطية ضد الديمقراطية.
مثلا يمر المجتمع الغربي اليوم بأزمة إقتصادية بسبب نهاية النيوليبرالية كديناميكية قد وصلت لمنتهاها و هي قد عقبت ديناميكية الكينزية و اليوم يتجه المجتمع الغربي الى ديناميكية جديدة و هي الحماية الإقتصادية التي تتمثل في ظاهرة إنتخاب ترامب في أمريكا و قبلها يعتبر خروج بريطانيا من الإتحاد الاوروبي مؤشر لإتجاهها نحو فكرة الحماية الإقتصادية و عليه فإن فكرة الحماية الإقتصادية نفسها من صميم الفكر الليبرالي و نجدها في أفكار فردريك ليست في مناهضته لفكرة اليد الخفية في أفكار ادم إسمث.
لذلك سياسات ترامب لم تخرج من صميم الفكر الليبرالي و إنتخابه لم يكون غير معاقبة للنخب الأمريكية لكسادها السياسي فيما يتعلق بإعادة التوازن الإجتماعي و الإقتصادي و نفس الشئ نجده في صعود اليمين المتطرف في أوروبا فما هو إلا خطوة لمعاقبة النخب الاوروبية في عجزها عن خلق ديناميكية جديدة تعيد التوازن الإجتماعي و الإقتصادي بعد نهاية النيوليبرالية.
لهذا السبب يبدو المشهد السياسي اليوم في أوروبا و أمريكا و بشكل واضح يجسد لحظة ديمقراطية ضد الديمقراطية و هذه واحدة من الإختناقات الإقتصادية الدورية التي تمر بها الرأسمالية بين فترة و أخرى و حتما ستخرج منها أكثر قوة و هذا معروف لعلماء الإجتماع و المؤرخيين غير التقليديين و الإقتصاديين و الدراسين للنظريات الإقتصادية و أدبيات تاريخ الفكر الإقتصادي.
أما العالم العربي و الإسلامي التقليدي فهو دوما في علاقة عجيبة مع حالة أوروبا عندما تمر أوروبا بأزمة إقتصادية تظهر في العالم العربي أزمة سياسية تسوق العالم العالم و الإسلامي التقليدي عكس إتجاه العالم الحديث مثلا عندما ظهر الكساد الإقتصادي العظيم عام1929 في أوروبا فيما يتعلق بالإقتصاد و فكره ظهرت أزمة العرب الفكرية فيما يتعلق بالسياسة فاذا بجماعة الأخوان المسلميين تظهر بفكر كاسد أصبح على مدى قرن كامل طاعون العصر للعالم العربي و الإسلامي التقليدي و قد أصبح العالم العربي و الإسلامي كمدن معزولة زمن الطاعون من أفكار العالم الحديث بسبب فكر جماعة الأخوان المسلميين و قد ظهرت في نفس عام الكساد الإقتصادي العظيم.
الخطوة الثانية كأزمة إقتصادية في الغرب عندما إنتهت ديناميكية الكينزية في بداية السبيعينيات و ظهرت الإختناقات الإقتصادية في أوروبا فإذا بالعالم العربي يتجه لكهوف الفكر الديني وتظهر فكرة الصحوة الإسلامية و ترث الحركات الإسلامية حشود جمال عبد الناصر و عندما جاءت تاتشر و ريغان بديناميكية النيوليبرالية فاذا بالعالم العربي و الإسلامي يقدم زهرة كساده و تتفتح في الخمينية و خلال خمسة عقود يقاوم العالم العربي و الإسلامي التقليدي أفكار الحداثة بشراسة الى لحظة هزيمة إيران في هذه الأيام بعد أن قطعت إسرائيل أزرعها الأخطبوطية المتجسدة في حزب الله في لبنان و حماس في فلسطين و نظام الأسد في سوريا و ها هي إيران قد رجعت الى حدودها الداخلية تنتظر ما ينتظرها من تهديد خلفه إسرائيل و ترامب.
بعد عشرة سنوات بالتمام و الكمال بعد النيوليبرالية و بدايتها إنهار جدار برلين و إذا بالعالم العربي و الإسلامي يقدم نفسه بديلا منافسا للرأسمالية بعد سقوط الشيوعية و ظانا أن الإسلام هو الحل و إذا بكيزان السودان يهدمون محاولة التحول الديمقراطي في السودان بإنقلابهم العسكري 1989 و يسيرون بالسودان مسيرة عكسية بإتجاه القرون الوسطى ثلاثة عقود دمرت العقل السوداني دمار سيحتاج لعقود ليبنى من جديد بعد أن يفارق تاريخ الخوف المرضي الذي أيقظه الكيزان في عقل النخب السودانية فأصبح عقل النخب السودانية لا يستطيع التفكير خارج حقول وحل الفكر الديني لذلك تجد في السودان المحاولات اليائسة لمفكريين يائسيين في طرحهم المتمثل في المؤالفة بين العلمانية و الدين أو المساومة التاريخية بين يسار سوداني رث و يمين سوداني غارق في وحل الفكر الديني في ايمانه التقليدي.
اللافت للإنتباه بشكل محيّر أن هناك تغيير هائل صار في العالم العربي أي نهاية حزب الله لبنان و إنعتاق لبنان منه كمختطف و نهاية حماس الفلسطينية و نهاية نظام الاسد في سوريا و إنحسار إيران الى داخل حدودها بعد أن كانت تفاخر بأنها تسيطر على أربعة عواصم عربية و لكن المحيّر في هذا التغيير الهائل لم يأتي بقصد هادف و واعي من النخب العربية بل بسبب ضربة إسرائيلية غيّرت كل هذا التغيير الهائل و هذا ما يدلل أن العالم العربي ما زال خارج التاريخ لأن التغيير الهائل لم يأتي بعمل واعي و مقصود من نخب عربية بل من إسرائيل و لصالحها على المدى الطويل مما يقول لك أن حماس الفلسطينية و حزب الله و نظام الأسد و إيران كلهم كانوا في صالح سيطرة إسرائيل بسبب تعطيل التطور قي سوريا و فلسطين و لبنان و إيران بفكرهم الديني المنغلق و عندما أرادت إسرائيل تغيير الخارطة لصالحها أزاحتهم بشكل مهيين و المضحك أن حماس و حزب الله قد قالا بأنهما تفاجاء بقوة إسرائيل الهائلة.
و الأغرب من كل ذلك و محزن في نفس الوقت بعد سقوط الأسد و هروبه لم يكن هناك طريق واضح للتحول الديمقراطي في سوريا بل أغلب النخب العربية إنتظرت لتر ماذا سيفعل القادم الجديد و السبب لأنه لا يوجد أي نموذج ديمقراطي في الدول العربية يمكن أن يسير القادم الجديد على منواله و الدليل على ذلك أختار أن يسير على نهج السعودية في التنمية و التغيير و على تجربتها في مشروعها فيما يتعلق بنقلة مجتمعها و تنميته و تنميتها الإقتصادية.
و من هنا نقول لكم أن ثورة ديسمبر بشعارها حرية سلام و عدالة هي عمل هادف و واعي ينشد التحول الديمقراطي عكس ما جرى في سوريا بعد هروب الأسد و في أغلب الدول العربية و هي بلا تجربة ديمقراطية يمكن نقلها و الإستفادة من تجربتها في التحول الديمقراطي في السودان. لذلك ينبغي الإنتباه لتأسيس فكر هادف و واعي هدفه التحول الديمقراطي في السودان.
و من هنا نقول للنخب السودانية المطلوب منكم فكر غير موجود في محيطكم العربي و الإسلامي التقليدي و هنا تتبدى صعوبة المهمة و الإنتباه لكل المعوقات التي تقف في طريق التحول الديمقراطي و أولها وجود الريادات الوطنية غير الواعية و هم مجموعة المغامريين و لا هم لهم غير المحاصصة لذلك لا يعرفون غير الفشل و لا يتحدثون إلا عن دائرتهم الشريرة بغباء عجيب ديمقراطية إنقلاب عسكري كدليل على عدم المسؤولية الأخلاقية للنخب السودانية و هذا ما يجعلهم سريعي التخلص من إحساسهم بالفشل عندما يصيح أحدهم تاني فشلنا لكي يعيدوا الكرة من جديد خلال خلال ثمانية عقود عقبت الإستقلال.
لذلك لا تنتظروا من خطاب البرهان شئ يخدم التحول الديمقراطي فهو عسكري و إذا كانت النخب السودانية و هي تحاول عبر الفكر و لم تنجح فما بالك بعسكري مثل البرهان ليس له أفق غير تجربته مع الكيزان في ثلاثة عقود كالحة و عليه أنه يستثمر في الركود السياسي السوداني و العربي لذلك لا تداعب خياله غير تجربة السيسي في مصر و هو يلعب دور نابليون و قد قطع طريق الثورة في مصر كما قطع نابليون طريق الثورة الفرنسية.
و البرهان بتجربته البائسة في ظل خدمته في عهد الكيزان يرى عبدالفاتح السيسي و تجربته في مصر عملاق يجب محاكاته و السيسي بالطبع يحلم بأن يكون شخص أخرق مثل البرهان على رأس الحكم في السودان لكي تستطيع مصر نهب خيرات السودان بلا مقابل و خاصة أن مصر قد أصبحت دولة بلا مستقبل و قد عجزت بأن تصير دولة صناعية و بالطبع لا مستقبل لمصر تحت نظام حكم تسلطي كالنظام التسلطي الذي يؤسس له السيسي في مصر و لا تستطيع مصر أن تتحول الى دولة صناعية في ظل رئيس كعبد الفتاح السيسي و هو أقل قامة من حكام مصر رغم دكتاتوريتهم و حكمهم التسلطي هذا إذا قارناه بعبد الناصر و السادات و مبارك.
و لسؤ حظه أي السيسي فإن مصر اليوم في ظل عالم مضطرب للغاية إختناقاته الإقتصادية و إختلالاته السياسية أصبحت متسارعة فلا أمل له حتى أن ينجز ما أنجز قبله في مصر من حكام في نظام حكم تسلطي و الأحداث متسارعة جدا في العالم و بالتالي لا مستقبل لحكم تسلطي كما كان سابقا مع القذافي و صدام و غيرهم أي من أسسوا للدكتاتوريات في العالم العربي.
و عليه نقول للنخب السودانية خطاب البرهان أفقه تجربة مصر في تجاربها مع نظم الحكم التسلطي و السودان يسعى لتحول ديمقراطي و هذا يطلب جهد كبير من النخب السودانية لكي تحقق تحول ديمقراطي عبر تجربة ليست مسبوقة بعهد و ليس لها ما يساعدها من تجارب في ذاكرتنا و هذا يتطلب فكر جديد لعهد جديد فكر يرقى بأن يعلن لنا لحظة ميلادنا الثاني و هذه هي اللحظات التي تحتاج لفكر و إلهام صاعق بعيدا عن أوهام العسكر و أذيالهم.

taheromer86@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العالم العربی و الإسلامی التحول الدیمقراطی النخب السودانیة الدیمقراطی فی فی السودان فیما یتعلق فی أوروبا فی العالم فی سوریا حزب الله فی مصر

إقرأ أيضاً:

خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل

“الأيادي المرتعشة لا تضغط على الزناد، والمترددون لا يصنعون التاريخ”.
لتعرف كيف تغيّرت المعطيات سريعاً حيال المشهد السياسي في السودان، استمع جيداً الى خطاب رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش “البرهان” في ختام جلسات مؤتمر الحوار السوداني.

لقد أرسل الرئيس “البرهان” في خطابه الحازم والحاسم ، رسائل واضحة لأطراف عدة: أولهم المساومين على معاناة السودانيين، والمزايدين على مواقف الدولة ، ومن يخططون لبيع الوطن ، ولمن فعلاً قد باعه ، مفادها: حتى وإن غرستم خناجر الخيانة في خاصرة شعبكم ، فإن الدولة لن تعتدي على حقوقكم المدنية كمواطنين سودانيين يستحقون بالدستور الحصول على “الهوية والوثائق الثبوتية”.

وبهذا احبط “البرهان” مساعي من يحاول أن يجعل من قضية “حظر تجديد جوازات السفر” ورقة للمساومة أو المُزايدة، ولقيادات “تقدم” التي شرعت في تقديم طلبات لجوء سياسي لعدة دول ، ولمن منحتهم “تشاد” هويات حتى تسهل حركتهم من أجل البكاء على حقوق الإنسان في حائط مبكى المنظمات الاجنبية، حتى يعي الجميع أن قيادة الدولة لا تقبل أي ابتزاز في هذا الموضوع، ولا يُمكن لها أن تجعل هذه القضية مساحة لأي مناورات لتحقيق المكاسب السياسية، ذلك أن إيمانها بحق المواطن السوداني للعيش على أرضه بكرامة مبدأ ثابت لا يقبل النقاش، كما أن حكم القانون لن يستثني احداً.

ولكن السؤال المحوري: هل سيجرؤ قادة “تقدم” على العودة إلى بيوتهم في مدن السودان، والعيش تحت سماء واحدة مع أهله؟ ..بالطبع (لا) ..

في الجانب الآخر .. بعد جهود من التكهنات حول الاستراتيجية التي سينتهجها “البرهان” في سداد الفاتورة المستحقة لتضحيات ومساهمة “الإسلاميين ” في دحر التمرد، لخص هذا الموقف بصيغة بسيطة قائلاً :” من يقاتل تحت لافتة سياسية عليه أن يضع السلاح “، أي أن القضية الآن هي: الدعم السريع في مواجهة الشعب السوداني .

وفي ذات السياق.. لا شك أن البلاد تعاني فراغاً كبيراً في السلطة، ومشهداً سياسياً مجزأ، بجانب تأثيرات اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولكل منهم مصالحه وامتدادته الداخلية، لذلك لن يرفض حزب “المؤتمر الوطني” حالة الانتقال من العزل السياسي في عهد ثورة ديسمبر وما تلاها ، إلى المشاركة السياسية المفتوحة والاستعداد لخوض الانتخابات، ومن ثم، تعتبر رسالة الرئيس “البرهان” بهذا الصدد إعلان لعهد سياسي جديد يقوم على الديمقراطية.
كرجع صدى، جاء بيان حزب المؤتمر الوطني ممهوراً بتوقيع مولانا “أحمد هارون”، مؤكداً على أن موقفهم من الحرب مبدئي ، ولا علاقة له بأي مطامع سياسية.

وبهذا تشكل “خارطة الطريق” التي كشف عنها خطاب “البرهان” التحول الأكثر جذرية في الموقف السيادي من الهرج السياسي المصاحب للحرب منذ اندلاعها .

خطاب “البرهان” يؤكد على أن قادة الدولة والجيش سيخرجوم من الحرب وهم يرفعون شارة النصر،ليس عسكرياً فقط، بل (أخلاقياً) أيضاً، فقد هزموا أسوأ “قوى الشر” التي هددت أمن المنطقة وإحالتها لجحيم من الحروب الاهلية، وقطعوا الطريق أمام الخونة ممن تسببوا بمؤامراتهم في حصار السودانيين لعقود ومن ثم إلقائهم في أتون الحرب، أوصدوا الأبواب أمام الحلفاء الانتهازيين ، أولئك الذين يعرضون في كل مناسبة مقايضة القضية الوطنية بالمحاصصة السلطوية.
محبتي واحترامي

رشان اوشي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ⭕ بيان من نائب رئيس مجلس السيادة السوداني السيد مالك عقار اير إلى الشعب السوداني الكريم والمجتمع الدولي والاقليمي والعربي
  • خطاب المغازلات والمغارز البرهانية
  • خطاب البرهان.. أحلام اليقظة والأوهام المرتدة
  • الانقسام السياسي يهدد خارطة الطريق في السودان
  • خطاب البرهان .. أحلام اليقظة والأوهام المرتدة
  • خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل
  • مزمل أبو القاسم.. قراءة في خطاب البرهان!!!..
  • البرهان: مشاورات القوى السياسية تمهد للحوار السوداني
  • رئيس مجلس السيادة السوداني: لا فرصة لحزب البشير لحكم البلاد