خطاب البرهان .. أحلام اليقظة والأوهام المرتدة
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
الرأى اليوم
صلاح جلال
(١)
???? الفريق البرهان هو شخص غير موثوق به
من تجربة الخمسة أعوام الماضية ، فهو القائد العام الذى فى عهده تم تدمير السودان
تابعت عبر الوسائط ولولة وصياح الكيزان ضد خطابه الأخير
أتفق معهم فى تحليلهم وأختلف حول المطلوب لمواجهة الخطاب ، نتفق أن البرهان لايستحق الثقة وإذا إعتمدوا عليه حاقت بهم الندامة ، وقوفه ضد الكيزان لايعنى بالضرورة أنه سيقود البلاد نحو الأفضل أو فى إتجاه قوى الثورة ، هو ملتزم ببرنامج لإضعاف الدولة وقيادتها نحو المزيد من عدم الإستقرار
فهو خِصم لكل القوى التى لا تسند طموحه الشخصى ، فهو ضد الكيزان وضد تقدم وضد لجان المقاومة
يلاعب كل هؤلاء بمسطرة طموحاته فى السيطرة والإستحواذ على السلطة ، هو مع نفسه فقط ومجموعة صغيره إنتهازية بمقدوره التحكم فيها .
لكن لايوجد ما يدعوا للقلق ، فالبرهان نواياه إتضحت منذ قيامه بإنقلاب ٢٥ إكتوبر ٢٠٢١م ، ليؤكد أنه ضد التحول المدنى الديمقراطى ، ويتطلع لتوظيف كل التناقضات السياسية والمجتمعية للإحتفاظ بالسلطة ، يناور بالكيزان ضد الحرية والتغيير ويناور بالدعم السريع لردع القوات المسلحة ويناور بلجان المقاومة لتقسيم الشارع الثورى ، فى كل الأحوال ليبقى هو شخصياً مركز الأحداث ممسكاً بكل الخيوط على رأس الملعب .
(٢)
???? الفريق البرهان مستعد لرهن السودان للخارج أى خارج تتوقعه أو لا تتوقعه (من إيران إلى اسرائيل ومن روسيا إلى أمريكا) ، وهو داخلياً مستعد لبيع أى قوة سياسية تشكل عبأ على مشروعه الشخصى
من الكيزان إلى تقدم ، من اليسار الى لجان المقاومة ، يجب على القوى السياسية التعامل بحذر مع رجل بهذه المواصفات ، حلفائه الحاليين وخصومه فى نفس الوقت فهو بلا ضمانات لأحد لا يحكنة برنامج ولا مواثيق ولا حتى عهود رجال شفوية ،رجل مع نفسه ضد الكل ، فالجميع لديه بيادق بمافيها الدماء والأشلاء التى خلفتها حربه الراهنة على كل أهل السودان التى يتطلع لتوظيفها لتأسيس شرعيته الجديدة ، أقول للكيزان إن لم تبكوا اليوم فستبكون غداً من طعنة البرهان النجلاء القادمة إذا إتضح له أنكم عقبه أمام مشروعه السياسى
كل من يضع الفريق البرهان مِحور ومركز لمشروعه السياسى سيندم ويسف التراب.
(٣)
???? المهم والجيد خلال هذه الخمسة أعوام الماضية هى سنوات كاشفة لكل عيوب الواقع السياسى فى البلاد ، وباهظة التكلفة للشعب السودانى ، ولكن العزاء لايوجد تعليم مجانى No Free Meal ، لقد عرفنا الكيزان (الأخوان المسلمين) وخبرناهم من تجربة ثلاثين عام مضت لاتوجد زاوية مظلمة لا نعرفها عنهم
أصبحت لدينا مناعة ذاتية فى معرفة ومقاومة تكتيكاتهم للسيطرة والإستحواذ وخبرنا كذلك القوى التقليدية الأمة والإتحادى مراكز ضعفهم وقوتهم ، من خلال زياراتهم خفيفة الظل لمركز السلطة منذ الإستقلال وإبعادهم بالإنقلابات العسكرية وعدم قدرتهم على تأسيس نظام سياسى مستقر وقادر للدفاع عن نفسه. يتولون السلطة بالإنتخابات قبل إكتشاف المداخل والأبواب يعزف المغامرين موسيقى الإنقلابات راس الرمح ضباط يتطلعون للحكم وخلفهم مجموعة سياسية وطنية يستغلونها ومن ثم يتخلصون منها بعد إستباب الأمر لهم ، من خلال سند إقليمى ودولى ، فى كل الأحوال يستفيق الشعب من صدمته ويجتهد فى تصحيح المسار بالثورة المستمرة ويدفع تكاليف فى المقاومة ، ضد ابراهيم عبود وخلفه تيار من الأمة والإتحاديين وبسند من مصر الناصرية ، وضد نميرى الذى تولى السلطة بسند من الشيوعيين والقومبين العرب ودعم من مصر عبدالناصر وضد البشير
وخلفه حركة الأخوان المسلمين وبسند من مصر حسنى مبارك إقليمياً ، و مباركة صامته أمريكية لعدم رضاهم عن الحكم الديمقراطى بقيادة الصادق المهدى .
(٤)
???? السؤال هل هذه الدوامة صدفه تاريخية وقدر محتوم لمسيرة الشعب السودانى. ؟؟ أم أنها نتيجة لغفلة واقع وطنى لم يكتشف طريقه للتقدم خلال فترة ما بعد الإستعمار !! أم أنها مؤامرة إقليمية ودولية على السودان
من أجل السيطرة وفرض الأجندة ؟ هل أجابت القوة الوطنية على هذه الأسئلة وقتلتها بحثاً لمعرفة حقيقتها ، حتى تضع البلاد على بداية الطريق الصحيح !! الإجابة لا إلى الآن لايوجد تفكير إستراتيجى فى البلاد الكل مشغول بتكتيكات الوصول للسلطة والحكم مثل كلب القرية الذى يلهث خلف كل عربة جارية إذا توقفت يعود أدراجه لإكتشافه أنه يجرى بلا هدف من مطاردتها ، هذا هو حال الجميع عسكريين ومدنيين منذ الإستقلال ، هذا الضعف فى التفكير الإستراتيجى فتح أبواب البحث عن ظهير للتدخلات الخارجبة الإقليمية والدولية لإستخدام الساحة الوطنية المحلية رقعة شطرنج للمنافسة البينية فى لعبة الأمم المشروعة من أجل السيطرة والنفوذ والحروب بالوكالة .
(٥)
???? خطاب الفريق البرهان أمس ضد الكل ومع نفسه ومشروعه الخاص، كل من يعتقد أنه فى مصلحته واهم فهو كأس دائر اليوم لك وغداً عليك ، الثابت الوحيد فيه الفريق البرهان وطموحه الشخصى ، لكن الحقيقة المهمة أن الساحة السياسية الوطنية والشارع العام أصبح لديه وعى ومعرفة بهذه المناورات الخائبة وهناك أهداف أصبحت أيقونات فى عنق الحقيقة أولها ضرورة أن يكون الحكم بقيادة مدنية وأن يتم إعادة تأسيس قوات مسلحة وطنية مهنية محترفة بمشاركة متوازنة لكل قوميات البلاد وجهاتها من القمة الى القاعدة ، لا تتدخل فى السياسة وتخضع للحكم المدنى
لابد من إنعقاد مؤتمر قومى دستورى يعالج الأزمة الوطنية المتفاقمة بأفق إستراتيجى بلا إقصاء ويراجع التجربة السياسية منذ الإستقلال الى حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م كتاريخ فاصل بين الماضى والحاضر والمستقبل ولابد من تاسيس صارم للعدالة وسياسة عدم الإفلات من المساءلة والعقاب ومحاربة الفساد .
(٦)
????????ختامة
حديث الفريق البرهان عن تشكيل حكومة يُفّصلها على مقاس مشروعه السياسى غير مزعجة ، *فهى حمل خارج الرحم إذا تم تشكيلها ستولد ميتة وفاقده للشرعية* والبرهان اليوم فى أضعف حلقاته السياسية بعد هذه الحرب المدمرة
التى تحتاج لجبهة وطنية عريضة متماسكة تحقق الرضا والإستقرار الداخلى لمواجهة تحديات إعادة بناء ما دمرته الحرب حكومة ذات قبول إقليمى ودولى تتمكن من إدماج البلاد فى مجتمع التنمية الدولى وترفع العقوبات والمقاطعة العالمية للسودان ، تشكيل حكومة معزولة داخليا ومعاقبة ومحاصرة دولياً ، تُسهل مقاومتها وإسقاطها بثورة شعبية حاسمة تقطع الطريق على كل المتربصين وتضع أساس جديد لمستقبل السودان ، *الهدف الرئيسى أمام القوى الوطنية يجب أن يكون وقف الحرب وإسكات صوت البنادق وإستعادة الشارع المدنى الديمقراطى وهو سيد نفسه وصاحب القرار ونحن معه فى كل إختياراته الحرة* بأدواته المجربة التظاهر والعصيان والإضراب العام ، ماعدا ذلك هرطقات عجولة [ تجهيز للقُران قبل البقر] لاتحتاج لكبير إهتمام ، أوقفوا الحرب
والقتال وإستعيدو الشارع المدنى السياسى *سيقوم الشعب بإملاء الأجندة وفرضها على رؤوس الأشهاد* وعلى الجميع الإنصياع لسيد نفسك ميين أسيادك سيدى الشعب الأسمر .
١٠ فبراير ٢٠٢٥
noradin@msn.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الفریق البرهان
إقرأ أيضاً:
خطاب المغازلات والمغارز البرهانية
ألقي خطاب الفريق البرهان حجرا ثقيل الوزن في بركة السياسة السودانية الفائر.
أعقب الخطاب كثير من التخمينات والتكهنات، أهمها وجود تفاهمات، برعاية وضغوط خارجية، بينه وبين شق تقدم الرافض لتشكيل حكومة موازية. وقبل أن تغادر هذا البوست لاحظ تواتر مفردات مثل إحتمال وتكهن وتخمين.
يدعم هذه التكهنات الترحيب السريع من قيادات من تقدم بخطاب البرهان، مصحوبا بالتصريح بانهم علي وشك فك الإرتباط مع الداعين لتشكيل حكومة موازية. وقد أعتبر بعض المعلقين أن في هذا عدم وقار وخفة في التجاوب مع الغزل البرهاني. ولكن في حال وجود تفاهمات مسبقة تسقط تهمة الخفة ويكون وقار شق تقدم في مكانه.
يدعم إحتمال التفاهم المسبق ميلاد تناغم إبتعد فيه البرهان من المؤتمر الوطني. وايضا في المغازلة وجه السيد البرهان بعدم منع جوازات السفر عن خصومه من تقدم واشار إلي إمكانية العفو عنهم والقبول بهم بشرط أن يكفوا عن الحرب في صف الجنجا بالسياسة والكلمة. وفي المقابل سارع شق تقدم في تفعيل فراق نصفه الحلو الموشك علي تشكيل حكومة موازية.
ونتيجة لهذا الغزل بين البرهان وشق تقدم، يشعر المؤتمر الوطني بالقلق بعد أن أغضبه ما أعتبره تحرش غير مبرر بهم من قبل البرهان في خطاب المغازلة رغم أنهم كانوا وظلوا من أبرز مساندي الجيش في الحرب.
ولكن الفريق البرهان، كعاشق ماهر، يجيد ضبط الكنتكة، أيضا حرص علي وزن الصورة والتاكيد علي أن من حق المؤتمر الوطني المشاركة في أي إنتخابات قادمة، وهذا يختلف عن موقف تقدم الرافض لأي مشاركة للمؤتمر الوطني في أي عملية سياسية.
موقف تقدم يعني أنها جهة تملك حق أن تمنح أو تمنع حق المشاركة في السياسة، بينما يترك خطاب البرهان الامر للشعب ليقرر ماذا يفعل بالمؤتمر الوطني في إنتخابات قادمة – أما درجة مصداقية البرهان في الحديث عن إنتخابات قادمة فتلك قضية أخري.
من حق تقدم واي كائن آخر أن يدعو لنفي المؤتمر الوطني أو كل الإسلاميين من الساحة السياسية ولكن عليهم ألا يندهشوا وان يكونوا علي إستعداد لرد فعلهم علي طردهم من الساحة بقرار.
عقب سقوط البشير وقفت هذه الصفحة ضد حل جهاز الأمن وضد حل حزب المؤتمر الوطني أو أي حزب آخر وقالت إن الإسلاميين واقع شديد التاثير في المشهد، أو قل هم قضاء وقدر. وهذا الواقع يستحيل نسفه بقرار فوقي إذ أن حظر جماعة تدفعها للعمل السري من تحت الأرض، وهذا أخطر، أو قد تغير الجماعة إسمها وتعود متخففة من ثقل تجاوزاتها السابقة ومستقوية بغضب المظلوم أو من يظن أنه مظلوم.
أضف إلي ذلك إن حظر الإسلاميين بالقانون عملية دونكيشوتية تماما لانها لا تعني موتهم، بل تعني تحولهم للعمل السري المبرر أو التخريب السياسي وسوف يكونون المستفيد الأول من جملة الصعوبات الإقتصادية والسياسية التي لا مفر منها. وفي إصدار حظر يستحيل تطبيقه علي أرض الواقع ومشكوك في ديمقراطيته بلادة مركبة. ولا يصدر قرار مكلف وغير قابل للتطبيق إلا من أحمق شديد الحمق.
وعليه قلنا ونقول ان المواجهة الفكرية والسياسية مع المؤتمر الوطني، والإسلاميين عموما، هي الطريق الأكثر فعالية واتساقا مع قيم الديمقراطية، وفي خضم هذه المواجهة إما اندثر التيار الإسلامي أو أجبر علي مراجعات تطوره بما يقارب قيم الديمقراطية والممارسة السياسية الرشيدة.
أما من يعطي نفسه حق أن يمنح ويمنع حق المشاركة السياسية فذلك كائن نفاقي لا يؤمن بالديمقراطية لان أساسها الروحي المتين هو إستعدادنا لقبول وجود أفكار وجماعات قد نختلف معها أو نجدها مثيرة للغثيان ووجع البطن. كما أن من يؤمن بان الديمقراطية وحرية الراي إمتياز يمنحه لمن يحب، ويمنعه عمن يخشي منافسته من طمع أو تعصب أيديلوجى، فهو كائن معاد للديمقراطية أخطر من بندقية الإنقلابات.
من السمات الأبرز في تاريخ السودان منذ فجر الإستقلال هو هذا الصراع الدامي بين الإسلاميين والحداثيين بمختلف مدارسهم من يسار وليبرال واصحاب رسالة ثانية. وقد كلف هذا الصراع الصفري البلد الرهق والخراب واتضح فيه أن السمو الوطني والخيانة والغباء والجودة ليسوا من إختصاص أحد. لا الفضيلة ولا الخيانة احتكارا لاحد. فكل التيارات أصابت حينا وأخطأت كثيرا.
ولم نكن بحوجة لهذه الحرب اللعينة لتذكيرنا بان الخيارات الوطنية المتاحة هي هل يتوافق الحداثيون والإسلاميون علي صيغة تعايش مشترك ككل أسرة سودانية يتعايش أفرادها فيهم سلفي، واخر دهري خندريسي، وفتاة جندرية. ويتضامن أفراد هذه الأسرة في السراء والضراء ولا يسمحون للغريب أن يدخل بينهم أو يستغل خلافهم الفكري لضرب الأسرة في إجتماعها. وفي هذا المشهد تغض الجندرية الطرف عن لحية أخيها التي قاربت تراب الأرض وحين تفوح رائحة تبغ من غرفتها يتظاهر السلفي بانه فقد حاسة الشم ويجد حديثا رائعا للرسول يبرر فقدان حاسة الشم الطوعي، المؤقت.
إما تعايش ديمقراطي صادق بين الحداثيين والإسلاميين، وهذه مسؤولية الطرفين، أو هو الخراب الدائم وفقدان وطن يطمع فيه الجار القريب والعدو البعيد. ونظل نكرر ماساة سيزيفية يضربنا فيها الإستعمار حينا بالإسلاميين وحينا بالحداثيين في تحقيق لمقولة أضرب العبد باخيه.
ونسبة لتدني سقف الحوار ووجود جماعات سوء الفهم المتعمد، نذكر بان الدعوة لقبول وجود تيار فكري لا يعني القبول بافكاره ولا يعني النكوص عن مواجهته في سوح الراي والسياسة. لذلك فان الدعوة بحق الحداثيين والإسلاميين في الوجود لا يجعلني صديقا لأي منهما بالضرورة ولا يجعلني رافضا أو قابلا بالجملة لكل ما أتي من ديارهم. فربما من كل بستان زهرة في مسار تبدو فيه قضية تلو أخري. وربما رفضا كاملا أو قبولا كاملا في قضية معينة وليس بالجملة ولا بالكوم. فانا لست حداثيا ولست إسلاميا. وأنا لست أدري من أنا فقد أقبل الليل والزهر لاح والبدر فاح.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب