علي الفاتح يكتب: الطريق ممهد نحو شرق أوسط عربي!
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
سريعا انتقلت الدولة المصرية من مربع الرفض إلى مستوى التصدي لمخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
لم تتوقف مصر طويلا عند بيانات الرفض الصارمة لمخطط التهجير والاستيطان، لقد سارعت إلى الإعداد لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار، وبحسب تقارير صحفية، تعكف مؤسسات الدولة المعنية على إعداد خطط وتصورات لإعمار القطاع وإزالة ملايين الأطنان من الركام، دون إخلاء السكان.
وأمام إعلان حكومة مجرم الحرب نتنياهو إعداد خطط لتهجير الفلسطينيين طوعيا بواسطة جيش الاحتلال تحركت وزارة الخارجية المصرية، ببيان شديد اللهجة حذر من أن مثل هذه الخطط ستؤدي إلى إضعاف مفاوضات الهدنة المؤقتة التي تجري حاليا بهدف الوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
واعتبر البيان تحرك بعض أعضاء الحكومة الصهيونية في هذا الصدد، تحريضا على عودة القتال في غزة، بل وتقويضاً لأسس السلام والاستقرار في المنطقة.
بيان الخارجية المصرية ترجمه المراقبون والمحللون السياسيون والعسكريون، الصهاينة قبل غيرهم، على أنه يحمل تحذيرا من خطوات مصرية على الأرض، قد تُتخذ حال المضي قدماً في تنفيذ تلك الخطة.
وتزامناً مع بيان الخارجية المصرية خرجت تقارير صحفية دولية تؤكد أن مصر قد تحركت خلف الكواليس لدى دوائر صناعة القرار الأمريكية والأوروبية وأبلغتهم بوضوح أن أي تحرك عملي نحو تنفيذ مخطط التهجير يهدد السلام وقد ينتج عنه تحركات أمنية حاسمة.
التحركات المصرية شملت أيضاً مشاورات واسعة النطاق أجراها وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي مع أكثر من 11 وزير خارجية عربي بهدف التنسيق لعقد قمة عربية طارئة نهاية فبراير الجاري.
بحسب تقارير جدول أعمال القمة سيقتصر على مناقشة آليات منع مخطط التهجير، ووضع تصور شامل لإعادة إعمار غزة، وإنشاء صندوق خاص لهذا الغرض.
رغم التعقيدات، التي خلقتها قنبلة التهجير، إن جاز التعبير، فإن الفرصة سانحة لبلورة مشروع عربي يعيد رسم خريطة المنطقة لنرى، ولو على المدى المتوسط، شرق أوسط عربي لا صهيوني كما يريد جنرالات الدولة اليهودية.
هناك إجماع دولي غير مسبوق على رفض التهجير والتمسك بحل الدولتين، وظني أن الفرصة كبيرة لاستثماره في مثل هذه اللحظات الساخنة، فلكل طرف دولي من أستراليا إلى كندا ومن روسيا والصين إلى الاتحاد الأوروبي مصالح حيوية تكمن في استقرار الشرق الأوسط.
أوروبا ستكون أول الداعمين لأي تحرك عربي جماعي، فقد سبق أن رفضت مطالب مجرم الحرب نتنياهو في أكتوبر 2023، بعد أيام من أحداث «طوفان الأقصى» بالضغط على مصر لاستقبال آلاف الغزيين بحجة الحرص على أرواح المدنيين، لتقدير لديها يقضى بأن تهجير الفلسطينيين لمصر من شأنه توسعة رقعة الفوضى الأمنية.
ما قد يسمح للفلسطينيين وغيرهم بالعبور إلى شواطئها عبر البحر المتوسط. لذلك مطلوب من زعماء العالم العربي حشد الكتلة الأوروبية وباقي الأطراف الدولية.
أولاً: لمواصلة الضغط على الكيان الصهيوني لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ومن بينها الخيام والمنازل المتنقلة إلى جانب المساعدات الطبية، التي يرفض الاحتلال حتى الآن إدخالها بشكل كاف.
ثانياً: إشراكها في خطة إعمار عربية لأنها بذلك تدافع عن أمنها القومي قبل أي شيء، وإقناعها بضرورة ممارسة أقصى أشكال الضغط على الكيان الصهيوني لوقف مخططاته الاستيطانية في الضفة الغربية، ووقف عدوانه الغاشم عليها، لأنه بذلك يدفع إلى تفجير الموقف، ما سيسفر عن تداعيات أمنية خطيرة قد تُفضى إلى فوضى عارمة من شأنها الإضرار بالمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، وتهديد شواطئها أيضاً.
ثالثاً: حشد الطرف الأوروبي والروسي لإقناع الإدارة الأمريكية بأن استقرار المنطقة والسلم الدولي لا يتحقق إلا عبر حل الدولتين، وأن استمرار الاستجابة لأطماع اليمين الصهيوني ستعرقل كل الصفقات الاقتصادية الرابحة، وقد تورط الولايات المتحدة في حرب إقليمية شاملة ستشغل إدارة الرئيس ترامب عن خططها الإصلاحية في الداخل الأمريكي، وتقوّض نفوذ بلاده في المنطقة.
رابعاً: لا بد أن تلوح دول اتفاقات إبراهام بورقة التعليق أو الانسحاب منها لتدرك الإدارة الأمريكية أن هناك تصميماً عربياً على حل الدولتين وتفعيل مبادرة السلام مقابل الأرض، التي أقرتها قمة بيروت عام 2002.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الشرق الأوسط مصر أمريكا إسرائيل
إقرأ أيضاً:
صانع السلام.. كيف أصبحت السعودية وقطر مفتاح حل الأزمات في المنطقة؟
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة، ومع هذه التحولات برزت السعودية وقطر كفاعلين رئيسيين في جهود الوساطة وإبرام اتفاقيات السلام.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تسعى كل من الرياض والدوحة إلى تعزيز نفوذهما الإقليمي والدولي من خلال لعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة، لكن دوافع كل دولة وأسلوبها في الوساطة يختلفان بناءً على عوامل سياسية واقتصادية وتاريخية.
السعودية: من المواجهة إلى الوساطة
تستضيف السعودية لقاء بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا، وهو امتداد لدورها المتنامي كوسيط دولي.
ويتمتع ولي العهد محمد بن سلمان بعلاقات قوية مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإدارة الأمريكية، ما يضع المملكة في موقع مؤهل لقيادة هذه الجهود.
في السنوات الأولي لظهور بن سلمان لم يكن هذا النهج هو السمة الدائمة للدبلوماسية السعودية، إذ أن المملكة اتسمت خلال العقد الماضي بسياسات توصف أحيانًا بالتصادمية.
بداية من انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، التي دخلت خلالها الرياض بشكل مباشر في الحرب اليمنية لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين، ما أدى إلى صراع طويل الأمد ألقى بظلاله على سمعة المملكة الدولية.
وزير الحرس الوطني أثناء زيارته لواء الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول الآلي بعد إنتهاء مشاركتهم في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل.
.#الحرس_الوطني #عاصفة_الحزم
. pic.twitter.com/Apdq7AzG0S — أخبار السعودية (@SaudiNews50) March 27, 2019
كما شهدت السنوات اللاحقة سلسلة من الأحداث التي أثارت انتقادات دولية، مثل أزمة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عام 2017، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
أثرت تلك الوقائع على صورة السعودية، مما دفع القيادة السعودية إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية، والبحث عن دور أكثر دبلوماسية يُبرزها كصانعة سلام بدلاً من طرف في النزاعات.
ومن جانبه قال الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن بول سالم لـ"بي بي سي" إن "الأعوام الأولى من قيادة محمد بن سلمان اتسمت بالتوتر، لكن القيادة السعودية أدركت لاحقًا أن بإمكانها تحقيق مكاسب أكبر عبر لعب دور الوسيط في السلام بدلاً من الانخراط في الصراعات."
قطر: دبلوماسية الوساطة كخيار استراتيجي
وفي الجانب الأخر، لم يكن دور قطر كوسيط للسلام وليد اللحظة، بل هو جزء من سياستها الخارجية منذ أكثر من عقدين، وقد لعبت الدوحة دورًا رئيسيًا في التوسط لاتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في غزة، كما ساهمت في اتفاقات سابقة بين الفصائل الفلسطينية.
التوسط في اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة لم يكن البداية حيث شهد عام 2020، نجاح قطر في التوسط بين حركة طالبان والولايات المتحدة، مما أسهم في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد حرب استمرت نحو 18 عامًا.
بعد 19 عاماً من الحرب الداميه ومقتل عشرات آلاف المدنيين الأفغان وآلاف الجنود الأمريكان.#طالبان وأمريكا يوقعان إتفاقية سلام في #قطر تقضي بإنسحاب القوات الامريكيه من #أفغانستان خلال 14 شهرا.
وسقط الشعار الأمريكي
(لا نفاوض إرهابيين )#Taliban #AfghanPeaceProcess pic.twitter.com/olDvN4nqTm — ضياء بن سعيد | DHIYA (@msafr2002) February 29, 2020
وساعدت في إبرام اتفاقات سلام في إفريقيا، مثل اتفاق وقف إطلاق النار في تشاد عام 2022، واتفاق سلام دارفور عام 2010.
وفقًا للمحلل السياسي إتش أيه هيلير، فإن السبب يعود جزئيًا إلى موقع قطر الجغرافي ومواردها الطبيعية، خصوصًا حقل غاز الشمال المشترك مع إيران.
هذا الحقل العملاق جعل قطر بحاجة إلى استقرار علاقاتها مع جيرانها، بما في ذلك إيران، ما دفعها إلى تبني سياسة خارجية مرنة تعتمد على بناء علاقات مع جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات التي تُعتبر "غير تقليدية" في المشهد السياسي الدولي، مثل طالبان وحماس والإخوان المسلمين.
الاختلاف بين الرياض والدوحة
ورغم أن كلا الدولتين الخليجيتين تسعيان لدور الوسيط، فإن هناك اختلافات جوهرية في أسلوب الوساطة بينهما، حيث تركز السعودية على التعامل مع الحكومات والجهات الرسمية، بينما تبني قطر علاقاتها مع الأطراف غير التقليدية، مثل الجماعات المسلحة أو الحركات الإسلامية.
يقول بول سالم: "السعودية تفضل التعامل مع اللاعبين التقليديين، بينما قطر تتميز بعلاقاتها مع الأطراف غير التقليدية، وهو ما يمنحها قدرة على التفاوض في أزمات معقدة مثل ملف طالبان أو الصراع الفلسطيني."
تسبب هذا الاختلاف في التوتر بين البلدين، خصوصا خلال ما يعرف بـ"أزمة الخليج" عام 2017، حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر متهمة إياها بدعم جماعات متطرفة.
وساطة لتعزيز النفوذ
تبذل كل من السعودية وقطر جهودا كبيرة من خلال تلك الوساطات وذلك لتحقيق طموحاتهما الإقليمية والدولية، حيث تسعى السعودية، إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط من خلال "رؤية 2030"، تدرك أن تحسين صورتها كقوة دبلوماسية فاعلة سيجذب الاستثمارات ويعزز مكانتها العالمية.
من جانيها تسعي قطر، إلى تعزيز أمنها الإقليمي في ظل الجغرافيا السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، فترى في دبلوماسية الوساطة وسيلة لحماية نفسها وضمان استقرارها، إضافة إلى تعزيز نفوذها في الملفات الدولية.