أين تلتقي تركيا وسوريا الجديدة وأين تختلفان
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
حملت زيارة الرئيس السوري في الفترة الانتقالية الحالية أحمد الشرع لتركيا دلالات مهمة، فكانت تركيا ثاني دولة يزورها بعد السعودية وبعد استقبال أول زعيم لدولة وهو أمير قطر في دمشق، في رمزية واضحة على الحرص على علاقات متميزة مع الدول الثلاث لاعتبارات مفهومة.
كما شكلت الزيارة فرصة لتثبيت المواقف ووضع الأرضية للمسار المستقبلي للعلاقات بين البلدين، ولذلك فقد أورد كل من الشرع وأردوغان في المؤتمر الصحافي المشترك لهما إشارات مهمة على هذا الصعيد؛ بالتأكيد على وحدة الأراضي السورية، ومكافحة المنظمات الإرهابية، وأولوية إعادة الإعمار، وضرورة عودة اللاجئين لسوريا، فضلا عن التأكيد على الرؤى المشتركة وأهمية العمل وفق خطة استراتيجية مشتركة بين البلدين.
كما قدمت الزيارة قرائن على مدى عمق العلاقات بين الدولتين الجارتين في المرحلة المقبلة ومستواها المتوقع، من خلال الاحتفاء الكبير بالشرع الذي سمّي رسميا "الرئيس السوري" بتجنب صيغة "الفترة الانتقالية"، ولكن أيضا دون تفاهمات أو اتفاقات معلنة من الزيارة الأولى كما كانت بعض التكهنات تشير.
يتلاقى الجانبان على مصالح جوهرية عديدة في مقدمتها وحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع التقسيم والفدرلة وتعدد المؤسسات، وعلى أهمية الاستقرار وفرض الأمن في سوريا، وعودة اللاجئين، فضلا التقارب في السياسة الخارجية إلى حد كبير وبما يشمل "التهديدات الأمنية الإقليمية" حسب تعبير الشرع في أنقرة
بات من البديهي والمكرر أن تركيا في مقدمة الأطراف الخارجية الكاسبة من تغير النظام السوري، وأن القيادة السورية الجديدة حريصة على علاقات متميزة معها، حيث تشمل مكاسب تركيا المجالات الاقتصادية والتجارية من عودة العلاقات مع دمشق وكذلك كبوابة للتجارة مع العالم العربي، والجيوسياسية بما يتعلق بالتنافس مع القوى الإقليمية، والأمن القومي بما يتعلق بمكافحة الامتدادات السورية للعمال الكردستاني وإمكانية إقامة قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية، وربما ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، فضلا عن عودة اللاجئين وأمور أخرى عديدة.
كما أن دمشق تدرك أهمية أنقرة في دعمها على الساحة الدولية ضمن مساعي رفع العقوبات، واقتصاديا وتجاريا، وكذلك على الصعيدين العسكري والأمني في مجالات التعاون والتدريب والتسليح ونقل الخبرات، إضافة لعملية إعادة الإعمار وعودة السوريين المقيمين في تركيا.
وهكذا يتلاقى الجانبان على مصالح جوهرية عديدة في مقدمتها وحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع التقسيم والفدرلة وتعدد المؤسسات، وعلى أهمية الاستقرار وفرض الأمن في سوريا، وعودة اللاجئين، فضلا التقارب في السياسة الخارجية إلى حد كبير وبما يشمل "التهديدات الأمنية الإقليمية" حسب تعبير الشرع في أنقرة.
بيد أن ذلك لا يعني التماهي تماما بين الجانبين رغم كل هذه المصالح المشتركة. فالشرع، الجولاني سابقا، لم يكن محسوبا على تركيا أو يدور في فلكها خلال سنوات إدارته لإدلب على غرار فصائل أخرى، وهو اليوم لا يحصر علاقات بلاده معها وإن كان حريصا عليها.
في العموم لا يتشاركان كل الأولويات، إن كان على صعيد الملفات أو العلاقات الخارجية، وهو مما يفسر الحرص السوري على الانفتاح على مختلف الأطراف الخارجية والحفاظ على شيء من التوازن بينها. وهو أمر وللمفارقة لا يزعج أنقرة كثيرا من حيث المبدأ، إذ كانت هي كذلك حريصة على تقديم رسائل طمأنة بعدم الاستئثار بالملف السوري بعد سقوط نظام الأسد
يختلف الجانبان كما أي بلدين جارين في بعض الملفات الاقتصادية، ومثال ذلك قرار توحيد التعرفة الجمركية في كافة الأراضي السورية ومن كافة المعابر، والذي كان فيما يبدو حاجة داخلية سورية بينما أضر بالمصدرين الأتراك.
كما أن الجانبين وإن اتفقا على وحدة سوريا جغرافيا ومؤسسات، ومن ضمن ذلك رفض مشروع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) العابر للحدود، إلا أن القيادة السورية الجديدة تبدو أكثر تريثا مما أمِلت أنقرة بما يتعلق بملف قسد، حيث استمرت المفاوضات بين الجانبين دون نتائج ملموسة من جهة ودون تحرك ميداني تجاه مناطق سيطرة الأخيرة من جهة أخرى، وهو ما يبقي خيار العملية العسكرية التركية ضد قسد قائما على ما تشير التصريحات الرسمية الصادرة من أنقرة.
كما أن البلدين في العموم لا يتشاركان كل الأولويات، إن كان على صعيد الملفات أو العلاقات الخارجية، وهو مما يفسر الحرص السوري على الانفتاح على مختلف الأطراف الخارجية والحفاظ على شيء من التوازن بينها. وهو أمر وللمفارقة لا يزعج أنقرة كثيرا من حيث المبدأ، إذ كانت هي كذلك حريصة على تقديم رسائل طمأنة بعدم الاستئثار بالملف السوري بعد سقوط نظام الأسد، ويمكن القول إنها كانت ممن نصح الشرع بعلاقات أكثر من جيدة مع الدول العربية الفاعلة وفي مقدمتها السعودية.
في الخلاصة، ثمة مصالح مشتركة عميقة وجوهرية بين أنقرة ودمشق، ما سيفضي إلى تفاهمات واتفاقات عديدة في مختلف المجالات، ما يمنح تركيا وضعا خاصا وعلاقات متميزة مع القيادة الجديدة، لكن دون التماهي ومنطق التبعية، إذ تبقى هناك مساحات من الاختلاف في الأولويات أو النظر للملفات كما بين أي دولتين أخريين، والتي يمكن حلها بالتواصل والحوار المباشرين.
x.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا علاقات مصالح سوريا سوريا تركيا علاقات مصالح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأراضی السوریة
إقرأ أيضاً:
نائب إيراني يُحذر تركيا: عدم استقرار العلويين بسوريا ينعكس عليكم- عاجل
بغداد اليوم - طهران
اعتبر عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، أبو الفضل ظهره وند، اليوم الثلاثاء (11 آذار 2025)، إن ما يحدث للعلويين في سوريا من قبل جماعات مسلحة سيكون له تداعيات على تركيا.
وقال ظهره وند لـ"بغداد اليوم"، "لقد غفلوا عن أن ما حدث، وهو الصراع مع العلويين، يهدد الآن البنية الداخلية لتركيا، ذلك لأن نسبة كبيرة من سكان تركيا، حوالي 25٪، هم من العلويين، وبالإضافة إلى ذلك، يشكل الأكراد حوالي 15٪ من سكان تركيا، مما يعني أن ما يقرب من نصف أو حتى أكثر من نصف السكان ينتمون إلى هاتين الفئتين".
وأضاف "الآن، إذا انزلقت تركيا إلى حالة من عدم الاستقرار، فلن يكون ذلك تهديداً لها فحسب، بل سيُعتبر أيضاً تهديداً لنا، لأن تركيا دولة صديقة، ولكنها الآن قد وقعت في هذا المستنقع، وأصبحت متورطة في أزمة لن يكون الخروج منها بالأمر السهل".
ورأى ظهره وند أن "الحكومة السورية فقدت السيطرة على الأمور، مما يعني أن الشرع لم يعد يتمتع بالنفوذ الذي كان لديه، وأن القناع الذي كانت الجماعات المسلحة تضعه قد سقط".
وأوضح "في الواقع، هذه مجرد بداية لسيناريو معين، حيث تسعى بعض الأطراف إلى تقديم نموذج بديل لأولئك الذين يتعاملون بإيجابية مع إيران. ومع ذلك، فإن هذا المشروع لم يدم طويلاً، وسرعان ما انهار".
وتابع "لقد كان هناك نقاشا سابقا حول سبب فشل النظام السوري (بشار الأسد) في تقديم خطاب شامل يمكن أن يستقطب أولئك الذين هاجروا أو لجأوا إلى المناطق التي تدعمها تركيا أو داخل تركيا نفسها. لو تمكنت دمشق من التعامل معهم بفاعلية، لربما تمكنت من منع وقوع مثل هذه الأحداث".
وبين "لكن كما نرى الآن، لا يوجد أي قاسم مشترك يمكن أن يساهم في تشكيل خطاب موحد بين دولة ذات سيادة وبين جماعات تم جمعها من مختلف المناطق، بعضها لا تعترف بلغة المنطقة أو دينها أو ثقافتها، وإن محاولة التعامل معهم تعني قبول هذا المشروع المفروض على المنطقة".
وتابع "أما إسرائيل، فهي أيضًا تتحرك ضمن هذا الإطار وتحاول استغلال الوضع لصالحها، وفهي تستغل الفرصة لتعزيز سيطرتها على مرتفعات الجولان، حيث كانت تسيطر على ثلثي المنطقة، والآن قامت باحتلال جزء إضافي، مما يجعلها تتحكم فعليًا في مساحات واسعة تمتد لمئات الكيلومترات".
وأكد ظهره وند أن "التعامل مع العلويين في سوريا سيؤدي إلى مشاكل في هيكل تركيا، لأن العديد من سكانها من العلويين، ولا يوجد أي قاسم مشترك بين الحكومة السورية والجماعات هناك"، لافتاً إلى أن "إسرائيل غارقة حاليًا في المستنقع، وهي تطارد حلمًا زائفًا في الضفة الغربية، وأتوقع أن تحدث تطورات كبيرة في سوريا".
واعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع أن "عمليات القتل الجماعي" خلال الحملة الأمنية في الساحل السوري تشكل تهديدًا لجهوده للم شمل البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا "أقرب الناس" إليه.
وكان الشرع يتحدث لوكالة "رويترز" أول أمس الأحد من القصر الرئاسي في دمشق حيث مقر إقامة الأسد حتى أطاحت به فصائل المعارضة السورية في 8 كانون الأول مما أجبره على الفرار إلى موسكو.
وفي أول مقابلة يجريها مع وكالة أنباء عالمية بعد أربعة من هجمات منسقة لعناصر نظام الأسد التي شهدتها محافظتا منطقة الساحل السوري، اللاذقية وطرطوس، ما أوقع عددًا كبيرًا من الضحايا، حمل الشرع جماعات موالية لرئيس النظام السابق بشار الأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنه أقر بأن أعمال قتل انتقامية وقعت في أعقاب ذلك.
وإثر ذلك، استنفرت قوى الأمن والجيش ونفذت عمليات تمشيط ومطاردة لعناصر النظام السابقة، تخللتها اشتباكات عنيفة، وسط تأكيدات حكومية بأن الأوضاع تتجه نحو الاستقرار الكامل.
وقال الشرع: "سوريا نحن أكدنا أنها دولة قانون. القانون سيأخذ مجراه على الجميع".
وأضاف: "نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين... لا نقبل أن تسفك هنا قطرة دم بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا. لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا".
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات