ماذا بين البرهان والإسلاميين في السودان؟
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
الخرطوم- أثارت الانتقادات التي صوّبها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان لحزب المؤتمر الوطني وتحذيره له أمس من العودة للحكم "على أشلاء السودانيين" ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية السودانية، التي لم تستبعد احتمالات المواجهة والصدام بين البرهان والإسلاميين الذين يقاتلون الآن مع الجيش في خندق واحد ضد قوات الدعم السريع.
وتناقلت المراصد الصحفية تصريحات البرهان التي أدلى بها في ختام مشاورات القوى السياسية الوطنية والمجتمعية حول خارطة الطريق للحوار السوداني-السوداني وسط دهشة البعض من مهاجمته حزب ظلت عضويته -برأي مراقبين- تمثل الإسناد الأقوى للجيش السوداني في حربه ضد الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان 2023.
وأدى حديث البرهان الذي جاء بنبرة متصالحة تجاه القوى السياسية المتحالفة مع قوات الدعم السريع، ونبرة متشددة تجاه من يقاتلون بجانب الجيش، لحالة إرباك في الساحة السياسية السودانية، حيث رأى البعض أنه يهاجم إٍسلاميي المؤتمر الوطني في العلن ويتحالف معهم في الخفاء، بينما رأى محللون سياسيون أن هناك حسابات قديمة ومعركة مؤجلة ستظهر في حال فشلت محاولات احتوائها من قبل أحد الطرفين.
إعلان موقف مساندمن جهته، قال حزب المؤتمر الوطني في بيان صحفي ردا على اتهام البرهان لقادته بـ"التشبث بالحكم مقابل دماء الشعب السوداني" إن "هذا الأمر يكذبه التاريخ القريب"، وذكر أنه "في التغيير الذي جرى في أبريل/نيسان 2019 حينما قررت قيادة الحزب التنحي السلمي عن السلطة، كان لقيادة الحزب وقتها عشرات الخيارات التي تبقيها في السلطة، ولكنها تؤدي لإراقة دماء بنات وأبناء الشعب السوداني".
وتابع البيان أنه "رغم تعرض قياداتها للتنكيل والسجن لسنين في المعتقلات، ونزع الممتلكات والتعرض لأبشع أنواع الظلم، كان موقفها واضحا وهو احترام سيادة الدولة الوطنية، والاتجاه للمعارضة السلمية المساندة ونبذ العنف، لأنها تعلم بخبرتها الطويلة في إدارة البلاد ماذا يعني الانجرار نحو الفوضى".
وأشار الحزب إلى أنه "رغم الظلم والعنت الذي وجده قادته" حسب وصفه، إلا أنه أعلن موقفه صراحة بالوقوف إلى جانب الجيش الوطني، وعمم الحزب على أعضائه في البلاد بضرورة "التصدي لمخطط الحرب الرامي إلى ابتلاع الدولة السودانية"، وأضاف أنه "رفد أبناء وبنات الحزب بالمعسكرات، واستنفر عشرات الآلاف من الشباب ليذودوا عن حمى الوطن دون منٍّ ولا أذى".
وفي إشارة رمزية لحرصه على تفادي المواجهة مع البرهان، جاء في بيان الوطني "إننا نثمن عاليا مواقف السيد القائد العام للقوات المسلحة وجهاده في الحرب القائمة، ونقدر قيادته للقوات المسلحة، ونربأ به من مهاجمة المؤتمر الوطني في كل سانحة تسنح له، تقربا وتزلفا لقوى متهالكة هشة لا تملك في جعبتها سوى صكوك الولاء لقوى الشر، التي تحارب الوطن ولن يجد منها سوى الغدر والخيانة".
وقال رئيس حزب المؤتمر الوطني المفوض أحمد محمد هارون للجزيرة نت إن "الوطن لدينا مقدم على المصلحة الحزبية، وهو أغلى من أن نقايضه بمغنم أو نطلب منه ثمنا، وعهدنا ألا نعود إلى الحكم إلا عبر تفويض انتخابي حُر".
إعلانكما شدد على المحافظة على وحدة الصف الوطني، واعتبرها مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية، مشيرا إلى أن المعركة لم تنته بعد، "مما يتطلب توفير وتضافر كل الجهود لمعركة الكرامة، بعيدا عن الخلاف والشقاق، والبحث عن المكاسب السياسية التي ستضر بالمعركة" حسب وصفه.
وفي وقت رجح فيه مراقبون فرضية المواجهة والصدام بين البرهان والإٍسلاميين في المؤتمر الوطني، استبعد هارون هذه الفرضية، وقال إنهم في الحزب يشدون من أزر السيد القائد العام للقوات المسلحة بصفته الرمزية والاعتبارية، ويرون أنه "لا سبيل لتحقيق النصر الحاسم على مشروع مليشيا الدعم السريع إلا بالالتفاف حول القوات المسلحة السودانية بهيكلها وتراتبيتها الإدارية المعروفة".
وصف القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي خالد الفحل لقاء القائد العام للقوات المسلحة البرهان القوى السياسية والمجتمعية بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح لإعادة هندسة المشهد سياسيا، وتأطير موقف القوى الوطنية الداعمة للحكومة والقوات المسلحة للاضطلاع بدورها الوطني بدعم الدولة سياسيا، واستكمال مشروع الحوار السوداني السوداني، ومناقشة كل القضايا وتصميم مشروع وطني متكامل يمهد الطريق إلى عملية التحول الديمقراطي وصولا إلى الانتخابات".
وأوضح للجزيرة نت أن حديث البرهان عن المؤتمر الوطني قطع الطريق أمام عودتهم للسلطة، وطالبهم بالاستعداد للمنافسة في الانتخابات، مشيرا إلى أن هذا ما ينطبق على القوى السياسية الأخرى أيضا، حيث إن الفترة الانتقالية سوف تتشكل من حكومة كفاءات وطنية مستقلة.
وأكد الفحل الذي كان حاضرا في لقاء البرهان مع القوى السياسية والمجتمعية بمدينة بورتسودان، أن رئيس مجلس السيادة لم يأتِ على ذكر أي حديث عن العزل السياسي أو الإقصاء أو حل حزب المؤتمر الوطني، ولم يغلق الباب على أي جهات تقاتل مع الجيش، "لأن هذا واجبهم تجاه بلادهم" حسب وصفه، ولكن بشرط إبعاد اللافتات الحزبية، والتزاما بشعار "جيش واحد شعب واحد".
قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ضياء الدين بلال للجزيرة نت إن "هناك مصلحة مشتركة تجمع بين قيادة الجيش والإسلاميين وقطاعات واسعة من السودانيين، تتمثل في التصدي لمشروع مليشيا الدعم السريع الذي يستهدف الجميع، بوصفهم جزءا من السودان الحديث الذي تبلور عقب الاستقلال عام 1956، وتسعى المليشيا إلى تفكيكه عبر عدوانها المسلح على الدولة".
وأشار إلى أن حديث البرهان عن الإسلاميين أمس "لم يحمل جديدا، بل جاء تكرارا لمواقف سابقة أعلنها هو والإسلاميون مرارا في أكثر من مناسبة، أن مشاركة شبابهم في حرب رد العدوان على الدولة السودانية واجب وطني، لا ينتظرون عليه جزاءً ولا شكورا".
إعلانوأفاد ضياء الدين بأنه إذا كانت هناك ثمة مأخذ على خطاب البرهان عن الإسلاميين فهو في توقيته ونبرته، وأضاف أن بيان رئيس حزب المؤتمر الوطني مولانا أحمد هارون، جاء ليؤكد هذا الموقف لكن بلهجة متزنة.
وكشف أن خطاب البرهان شكّل إعلانا رسميا برفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني، مما يمهّد لعودته إلى الساحة السياسية عبر الانتخابات، كما أنه قطع الطريق أمام طموحات قوى الحرية والتغيير (سابقا) و"تقدم" (حاليا) في فرض سيطرتها على الفترة الانتقالية، وتشكيلها وفقا لمصالحها الحزبية الضيقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حزب المؤتمر الوطنی للقوات المسلحة القوى السیاسیة الدعم السریع حدیث البرهان البرهان عن إلى أن
إقرأ أيضاً:
الانقسام السياسي يهدد خارطة الطريق في السودان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في خطوة تعد محورية في محاولات السودان لاستعادة الاستقرار السياسي بعد أكثر من تسعة أشهر من الحرب المستمرة، طرح رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وحكومته "خارطة طريق" لمرحلة ما بعد الحرب.
الخطة تهدف إلى استئناف العملية السياسية وتذليل العقبات أمام وقف الصراع الذي اندلع في 15 أبريل 2023، وهي تسعى لتحديد مسار سياسي يفضي إلى مرحلة انتقالية تنتهي بتعديل الوثيقة الدستورية وإجراء انتخابات عامة، إلا أن هذه الخطوة أثارت تساؤلات وجدلًا واسعًا حول مدى قدرتها على تحقيق تلك الأهداف.
تباينت الآراء حول مستقبل السودان السياسي بعد تصريحات البرهان واستبعاد الإسلاميين، حيث يطالب البعض بفتح قنوات الحوار بين جميع الأطراف السياسية للوصول إلى توافق شامل، في حين يرى آخرون أن الشراكة السياسية الجديدة يجب أن تقوم على قوة الجيش والتوافق مع القوى المدنية الضعيفة؛ وبينما يرحب البعض بتعزيز دور الجيش، يحذر آخرون من مغبة استمرار التمييز بين التيارات السياسية المختلفة، مما قد يعرقل استقرار البلاد في المستقبل.
بنود الخطة وآراء القوى السياسية
تضمنت خطة البرهان عدة محاور رئيسية، أهمها: إطلاق حوار وطني شامل مع جميع القوى السياسية والمجتمعية، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى مساعدة الدولة على تخطي تبعات الحرب وإجراء التعديلات الضرورية على الوثيقة الدستورية بما يضمن توافق القوى الوطنية والمجتمعية. كما تضمن ذلك اختيار رئيس وزراء مدني ليقود الحكومة الانتقالية في المرحلة المقبلة.
وفي رد فعلها على هذه المبادرة، عقدت القوى السياسية في بورتسودان اجتماعات عدة خلال الأيام الماضية لمناقشة خطة البرهان.
أشار الأمين السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي، معتز الفحل، إلى أن موقف البرهان "كان واضحًا في محاولته سرقة مجهود السودانيين لصالح قوى معينة"، ولكنه في الوقت نفسه أبدى ترحيبه بمشاركة كافة السودانيين في التحول السياسي، معتبرًا ذلك إيجابيًا ويعكس وعيًا بطموحات الشعب السوداني.
وأضاف الفحل: "يمكن للقوى السياسية أن تتحد وتعمل معًا، خصوصًا بعد ما أفرزته الحرب من تغييرات على الأرض"، موضحًا أن هذه الفرصة قد تساهم في إعادة توحيد البلاد.
من جهة أخرى، أكد رئيس الحراك الوطني في إقليم دارفور، التيجاني السيسي، أنه كان جزءًا من العمل على هذه الخارطة، مؤكدًا ضرورة تجنب الاستقطاب الذي صاحب الحركة السياسية بعد ثورة الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.
وقال السيسي: "يجب أن نؤمن بأن هذا الوطن يسع الجميع إذا أردنا استقرارًا حقيقيًا".
اعتراضات على خطة والبرهان
في المقابل، وجدت الخطة رفضًا من بعض القوى السياسية التي رأت فيها محاولة جديدة من البرهان للتمسك بالسلطة، إذ اتهم بكري الجاك، المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم"، البرهان بالسعي للسلطة، معتبرًا أن خطته هي امتداد لفشله السياسي في إدارة البلاد، مشيرًا إلى أن البرهان "انقلب على حكومة الثورة وأدخل البلاد في حرب دمرت كل شيء".
وأضاف الجاك في تصريحاته أن "البرهان لم يقدم أي تعهد بإيقاف الحرب أو بإجراء مصالحة وطنية شاملة، وهو ما يساهم في استمرار الاحتقان العرقي والقبلي، مما يعرقل عملية التعافي الاجتماعي والانتقال الديمقراطي".
وطالب الجاك بضرورة تحقيق مصالحة وطنية تساهم في تهدئة الأوضاع وتوفير بيئة مناسبة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة.
تحديات مستقبلية
تمثل خارطة الطريق التي طرحها البرهان خطوة نحو تهدئة الأوضاع في السودان، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل الانقسامات الداخلية والقلق من استمرار حالة الاستقطاب بين القوى السياسية المختلفة. كما إن نجاح الخطة مرهون بقدرة الأطراف السودانية على تجاوز الخلافات العميقة التي تفجرت خلال السنوات الماضية، سواء في سياق الخلافات السياسية أو الانقسامات القبلية التي تأثرت بها العديد من المناطق.
يبقى أن نرى كيف تتفاعل القوى السياسية مع دعوة البرهان للحوار، وهل تتمكن من التوصل إلى اتفاقات مشتركة تعيد للسودان الاستقرار السياسي وتفتح الطريق لمرحلة انتقالية حقيقية قادرة على إنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة السودانية من جديد.
مشكلة مصطنعة
في تعليق له على تصريحات البرهان، اعتبر الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية، هشام الشواني، أن مسألة الإسلاميين هي "إشكالية متوهمة ومضخمة"، مشيراً إلى أن التركيز على هذه المسألة يشبه وجود مشكلة مصطنعة تقتصر على التيار الإسلامي فقط. وأكد الشواني، في تصريحات صحفية على أن هذه النظرة تجاه الإسلاميين تُسهم في نشر "دعاية سلبية تقف خلفها وسائل إعلام خارجية"، داعياً إلى ضرورة فتح أبواب الحوار السياسي بين جميع القوى السياسية في السودان بما فيها التيارات الإسلامية، مشدداً على أن "منهج التمييز" ضد بعض الأطراف "مناقض للواقع".
ودعا الشواني إلى إعادة التفكير في الفترة الانتقالية في السودان، مع التأكيد على ضرورة تجاوز الأخطاء التي أفضت إلى اندلاع الحرب في الفترة الماضية.
وأضاف أن إجراء حوار سياسي شامل يعد خطوة أساسية نحو تحقيق التوافق الوطني، الأمر الذي يساهم في الاستقرار المستدام للبلاد.