"يا عاطل" تقود شابا لقتل والده بـ"مية نار" في أبو النمرس
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى حى شعبى بأبو النمرس جنوب محافظة الجيزة، حيث الأزقة الضيقة والمنازل المتلاصقة، عاش "عاشور ح"، رجل بسيط أفنى عمره فى العمل كحرفى ليؤمن قوت يومه وأسرته، لم يكن يملك الكثير، لكنه كان يملك قلبًا أبيض ويدًا لم تبخل يومًا على أحد.
ومع تقدّم العمر، بدأ يشعر بأن سنواته تتسرب منه دون أن يحقق حلمه الأكبر أن يرى ابنه الوحيد "محمد"، رجلًا يعتمد على نفسه ويكوّن أسرة.
يا ابنى روح اشتغل وافتح بيت
كانت هذه الجملة تتكرر فى كل مرة يجلسان معًا، لم يكن "محمد" يستقبلها بنفس الحنان الذى نطقها به والده، بل كانت كلمات الأب كالسياط تلهب إحساسه بالفشل، وتُذكّره بعجزه عن تحقيق شيء فى حياته، لم يكن كسولًا، لكنه لم يجد فى الحياة بابًا مفتوحًا له، وكأن الأقدار تكالبت عليه.
فى ليلة الحادثة، اشتد النقاش بينهما، كانت عين الأب مليئة بالحزن والغضب، وكان صوته مرتعشًا ليس من الخوف، بل من الخيبة "إنت مش صغير يا محمد، لحد إمتى هتفضل عاطل؟!، يا ابنى روح اشتغل وافتح بيت.
لم يتحمل محمد الشعور بالقهر، كانت يداه ترتجفان وهو يبحث عن أى شيء يسكّن نار الغضب بداخله، وقع نظره على زجاجة ماء النار التى كانت موضوعة على رف قديم فى المطبخ، لم يفكر، لم يتردد، وكأن الشيطان أمسك بيده، انطلق نحو والده، وبكل قسوة ألقى السائل الحارق عليه.
صرخة مدوية ملأت المكان، صرخة رجل لم يكن يتوقع أن يكون موته على يد أعز ما يملك، شعر "عاشور" بالنار تلتهم جسده، لكنه لم يكن يصرخ من الألم بقدر ما كان يصرخ من الصدمة، كيف لابنه الوحيد أن يفعل به ذلك؟ كيف لمن حمله بين ذراعيه صغيرًا أن ينهى حياته بهذه الوحشية؟.
سقط الأب أرضًا، بينما تجمّد الابن فى مكانه، بدأ يراقب والده وهو يتلوى من الألم، لكن قدمه لم تتحرك، ويداه لم تمتدّا لمساعدته، كان عقله مشوشًا، يدور فى دوامة من الذهول والرعب.
لم تمضِ سوى دقائق حتى كان الجيران يطرقون الباب بقوة، دخلوا ليجدوا الأب مسجى على الأرض وجسده المتفحم يروى مأساة صامتة، أما الابن فكان واقفًا هناك، محاصرًا بجريمته، بعينيه الزائغتين وقلبه المثقل بالندم، لكنه ندم جاء متأخرًا.
لم يكن والده عدوه
عندما حضرت الشرطة، لم يقاوم، لم يحاول الفرار، كان يعلم أن نهايته قد كُتبت بلحظة طيش، بلحظة غضب أعمته عن الحقيقة الوحيدة التى أدركها الآن، لم يكن والده عدوه، بل كان الشخص الوحيد الذى خاف عليه، الشخص الوحيد الذى كان مستعدًا للتضحية من أجله.
تلقى المقدم مصطفى المهدى رئيس مباحث مركز شرطة أبو النمرس بمديرية أمن الجيزة، إشارة من غرفة عمليات النجدة مفادها العثور على جثة أحد الأشخاص متوفى داخل منزله بدائرة المركز، وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى محل البلاغ وبالفحص تبين العثور على جثة "عاشور" ٥٥ سنة، به آثار حروق متفرقة بالجسد نتيجة اعتداء بمية نار، جرى نقل الجثة إلى ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة.
وبعمل التحريات تبين أن وراء ارتكاب الواقعة عاطل نجل المجنى عليه بسبب قيام الضحية بتوبيخ المتهم لكونه بدون عمل ومطالبته بالبحث عن عمل له، وعقب تقنين الإجراءات واستصدار أذن مسبق من النيابة العامة أمكن ضبط المتهم واقتياده إلى ديوان المركز وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة وسكب مية نار على والده فى مشاجرة نشبت بينهما.
قرارات النيابة
وتم اتخاذ كل الإجراءات اللازمة حيال الواقعة وبالعرض على النيابة العامة والتى أمرت بانتداب طبيبا شرعيا لتشريح جثمان المجنى عليه وإعداد تقرير واف عن كيفية وأسباب الوفاة وصرحت بالدفن عقب بيان الصفة التشريحية لها وتسليم الجثمان لذويه لاستكمال إجراءات الدفن، مع مراعاة استكمال تحريات المباحث حول الواقعة والاستماع إلى أقوال الشهود.
كما واجهت النيابة المتهم بما أسفرت عنه التحريات والضبط أقر بصحتها وعليه أمرت النيابة بحبسه ٤ أيام احتياطيا على ذمة التحقيقات وجدد قاضى المعارضات حبسه ١٥ يوما آخرين، واصطحب فريق من النيابة العامة بجنوب الجيزة المتهم إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة تصويرية وتمثيل جريمته وطلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة وجار استكمال التحقيقات
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ابو النمرس محافظة الجيزة النیابة العامة لم یکن
إقرأ أيضاً:
العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة
#سواليف
بعد سلسلة طويلة من #الاعتداءات والتضييق وملاحقة #المقاومين في كتائب شمال الضفة الغربية من قِبل #السلطة_الفلسطينية، في الثالث والرابع من ديسمبر\كانون الأول 2024، قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية باعتقال الأسيرين المحررين عماد جمال أبو الهيجا وإبراهيم الطوباسي على التوالي.
وهما من عائلتين قدّمتا كلّ رجالهما #شهداء و #أسرى، واحتجاجًا على ذلك، صادر مقاومون من #كتيبة_جنين مركبتين تابعتين لأجهزة أمن السلطة من مقر المخابرات العامة في صباح الخامس من ديسمبر\كانون الأول 2024، وسرعان ما اقتحمت أجهزة أمن السلطة محيط مخيم جنين، واندلعت الاشتباكات المسلحة؟
44 يومًا من حصار السلطة الفلسطينية لمخيم جنين للقضاء على مجموعات المقاومة ومحاربة الحاضنة الشعبية، فقامت بإطباق #الحصار على كافة مداخل المخيم، وإعلان عدوان تام استخدمت فيه كافة أساليب التعذيب والاعتقال والقتل والإجرام بحق أهالي المخيم.
مقالات ذات صلةبعد 44 يومًا من عدوان السلطة الفلسطينية، بدأ عدوان الاحتلال على المخيم،/ في ظهيرة يوم الثلاثاء، الحادي والعشرين من يناير\كانون الثاني 2025، وقع انفجار ضخم ناتج عن قصف #جيش_الاحتلال لساحة المخيم، بالتزامن مع تعزيزات لقوات الاحتلال من حاجز الجلمة، وتواجد قوات خاصة في حي الهدف، بينما السلطة تطلق رصاصها على حي الدمج، واندلعت اشتباكات مسلحة بين الكتيبة وجنود الاحتلال. وكان من أوائل الشهداء الذين ارتقوا في القصف الشهيد #خليل_السعدي.
الشهيد خليل طارق السعدي، 34 عامًا، شقيق الشهيد عمر السعدي، الابن الأكبر لعائلته التي فقدت قبله ابنها الأصغر شهيدًا.
ارتقى خليل بعد إصابته في موقع القصف الذي استهدف ساحة المخيم في الحادي والعشرين من يناير\كانون الثاني 2025، أي قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الثانية لارتقاء شقيقه عمر السعدي الذي ارتقى في التاسع والعشرين من يناير\كانون الثاني 2023.
وتروي والدته عن لحظات ارتقائه، فتقول إنه استيقظ على خبر وجود القوات الخاصة داخل المخيم، فخرج خلف منزلهم الكائن في ساحة المخيم ليرى ويتتبع ما يجري، وسرعان ما تم قصف المكان، فأصابته شظية صغيرة في رأسه وارتقى. وكان قد أخبر ابن خاله سابقًا قائلًا: “إذا بستشهد في قصف يا رب يضل جسمي مثل ما هو”، فكان له ما تمنى.
كان خليل ذا شخصية هادئة، قليل الكلام، كثير الحنان والعطاء، ويحمل مسؤولية العائلة. عانى من الاعتقال في #سجون_الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، إذ تم اعتقاله عام 2014 في سجون الاحتلال، وعام 2017 في سجون السلطة، وبعد ارتقاء شقيقه عمر، أصبح أكثر انغلاقًا على نفسه، يحمل في قلبه غضبه وثأره.
وفي محاولة لتضميد جراح العائلة وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، اختارت والدة خليل عروسًا له. لكن حتى في فرحه وزواجه كان يعاني بسبب وجود الاحتلال، إذ كان من الصعب الاجتماع. خطيبته تونسية وهو مقيّد بمنع السفر الذي فرضه عليه الاحتلال. لكنه لم ييأس، وبدأ بتجهيز المنزل الذي قام ببنائه رفقة شقيقه عمر.
بعد ما يقارب أربعة أشهر، شنّ جيش الاحتلال قصفًا صاروخيًا على مخيم جنين في الخامس والعشرين من أوكتوبر\تشرين الأول 2023، مما أدى إلى ارتقاء ثلاثة شهداء، أحدهم الشهيد الشبل محمد قدري. انفتق جرح روحه وتضاعف ألمه فقد كان قدري بمثابة ابن له يعتني به، يرافقه كظله يساعده في أعماله ولا يتفارقان، فكان فقدانه كسرًا لروحه. وكلما رأى صديقين معًا، ضاقت روحه لفقدان صديقه وخليله، وتذكّر “حمود”.
ثم قتل الاحتلال عمّه، الشهيد محمود السعدي، وابن عمّته الشهيد الطفل أشرف السعدي وتم احتجاز جثمانه. كل هذا الألم والفقد انعكس على جسده وصحته. وفي الرابع والعشرين من سبتمبر\أيلول 2024، قام جنود الاحتلال بإحراق منزله وتخريب محتوياته، كما قاموا بتدمير مكان عمله، إذ كان لديه متجر للألعاب الإلكترونية، ثم أثناء عدوان السلطة على المخيم، استخدمت عناصرها المنزل كثكنة عسكرية وأطلقت قذائف “آر بي جي” نحو المخيم.
فيما تروي ندى، خطيبة الشهيد، عن العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة، وتقول: في الليلة السابقة لارتقائه قال لها: “أنا زي ما اخترتك بالدنيا، راح اختارك بالجنة”. الفتاة التي اختارتها والدته لتكون ابنة ثالثة لها، كان قد اختارها قلبه لتكون عروسه.
ندى، ابنة تونس التي تحدّت الواقع والمسافات والعوائق، خرجت من تونس تاركة خلفها أهلها ودراستها وعملها وأحلامها، تتبع قلبها. مكثت في الأردن لتقلل المسافات وتسهّل الطريق. ولم ييأس هو من محاولة إزالة منع السفر عنه، وبعد عام ونصف من الخطوبة وانتظار اللقاء، تمكّن من إزالة منع السفر والخروج إلى الأردن للقائها. وكان هذا اللقاء الأول والأخير.
قبل يومين من ارتقائه، شعر أنهما لن يجتمعان. وكما في كل ليلة، قام ليصلي قيام الليل، وكان يحرص على ركعتين يدعو فيهما أن يسهّل الله أمر هذا اللقاء، وأن يرزقه الله عمرة في بيته الحرام. وفي الحديث عن زفافه، كان يقول إنه سيكتفي بوليمة غداء عن أرواح الشهداء.
وكان يتجهز للذهاب إلى الأردن وعقد قرانه على خطيبته حتى يتمكن من تسهيل أمر دخولها إلى فلسطين وإقامة هذا الزفاف. حدّد الموعد ليكون في الثامن والعشرين من يناير\كانون الثاني 2025، لكنه ارتقى قبل أسبوع واحد وزُفّ إلى الجنة.
كان خليل شابا يحمل في قلبه أحلاماً جميلة لحياة عادية، هادئة، يشاركها مع من يحب، في مخيمه وبين أهله، لكن الاحتلال سلب منه سنوات من شبابه في السجون لا يعرف فيها سوى القهر والتعذيب، وأخذ منه شقيقه وعمّه وأبناء عمومته ورفاقه شهداء وأسرى، وحال دون اجتماعه بمن أحبّها قلبه واختارها شريكة لحياته.
الاحتلال لم يترك له أي مجال لتحقيق أحلامه، وعاث خرابًا في مخيمه ليتركه في حالة من الفقدان المستمر، يعاني هو وأهله من آلام لا تُحتمل
في أيامه الأخيرة ضاقت روحه وتعب جسده وتراجعت صحته بسبب الحصار المتواصل على المخيم، فكان يردد باستمرار: “متى نرتاح؟” والألم بادياً في صوته، حتى نال الراحة الأبدية بالاستشهاد وصعد نحو وجه الله، هناك حيث لا ظلم ولا قهر، لا ألم ولا فقد، لا مرض ولا نصب ولا تعب، هناك حيث يثيبه الله الأجر.
تمكنت العائلة من مواراته الثرى ودفنه بعد 13 يومًا من ارتقائه، بسبب استمرار عدوان الاحتلال على المخيم. وتم دفنه دون تشييع، مجرد وداع صغير من عائلته. وبسبب قيام جنود الاحتلال بإجبار أهالي المخيم على النزوح، توجهت عائلة الشهيد إلى منزل ابنتهم الكائن في مدينة طوباس.
فقامت عناصر السلطة باقتحام المنزل واعتقال زوج ابنتهم ناصر صوافطة بسبب إيوائه لأهل الشهيد، وأفرج عنه بعد أسبوع. فيما تم اعتقال ابنهم عدي السعدي واتهامه بحيازة السلاح ولم يتم الإفراج عنه حتى الآن.
أجهزة أمن السلطة لم تكتفِ بهذا بل طال العذاب كل أهالي المخيم، أثناء حصارهم للمخيم قامت عناصرهم بنشر القناصة على أسطح المباني المحيطة، واستهداف المنازل بالرصاص دون الاكتراث لمن بداخلها.
كما عملت على تفكيك العبوات التي قام المقاومون بإعدادها مسبقًا لمواجهة الاحتلال، وقطع الكهرباء والماء عن المخيم، ومنع إدخال الغذاء والدواء، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية لسكان المخيم، واستنزاف المقاومين وذخيرتهم، واستنزاف الأهالي والحاضنة الشعبية، لكسر التفافهم حول المقاومين.
بالإضافة إلى ذلك، شنت حملات اعتقال طالت المئات من الشبان، وقتلت عددًا من المقاومين والأهالي داخل المخيم. كما أحرقت العديد من المنازل، واقتحمت المشافي، واختطفت المصابين من على أسرّتهم أثناء تلقيهم العلاج، ولم تسلم الطواقم الطبية من الاعتقالات، حيث تم اختطاف المسعفين والأطباء الذين كانوا يعالجون الجرحى.
هذه العائلة التي قدمت اثنين من ابنائها شهداء، بعد أن تجرع أربعتهم مرارة الاعتقال على مدار سنوات، وقدموا مصدر رزقهم ومنازلهم في سبيل الله، دون ندم أو تردد، بل بفخر واعتزاز، في سبيل الله وفداء للمخيم وشبانه المقاتلين وأهله الطيبين، هذه واحدة من مئات العوائل في المخيم التي قدمت ابنائها وكل ما تملك في سبيل الله، طوبى لهم ولصنيعهم ولدماء أبنائهم.