المرونة الحضرية.. تحدي الحكومات لمعالجة التغير المناخي
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
إعداد: بنيمين زرزور
يكتسب مفهوم المرونة الحضرية أهمية متزايدة في عالم اليوم سريع التطور، وتواجه المدن في مختلف أنحاء العالم تحديات متعددة الأوجه تتراوح بين تداعيات تغير المناخ وضغوط التحضر السريع والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، وتتطلب هذه القضايا نهجاً قوياً وقابلاً للتكيف في التخطيط الحضري، مع التأكيد على الحاجة إلى بيئات ليست مستدامة فحسب، بل وقادرة أيضاً على تحمل الشدائد غير المتوقعة والتكيف معها.
ويشكل تغير المناخ تهديداً مباشراً للكيانات الحضرية، ما يفرض تصميم المناطق الحضرية وإدارتها بطريقة تقلل من تعرضها لهذه المخاطر البيئية. كما أن التدفق المستمر للسكان يتطلب الاستخدام الفعال للموارد، ونمواً متوازناً في البنية التحتية، وضمان الوصول العادل إلى وسائل الراحة والخدمات.
اضطرابات
كما تؤكد الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الركود الاقتصادي، والتفاوت الاجتماعي، وأزمات الصحة العامة، الحاجة إلى كيانات حضرية مرنة، حيث يمكن لهذه الاضطرابات أن تعرض وظائف المدن وتناغمها للخطر، ما يجعل المرونة مبدأ أساسياً في التخطيط الحضري، ويكمن جوهره في خلق مساحات قادرة على الاستيعاب والتعافي وحتى الازدهار وسط مثل هذه التحديات.
ولا شك أن الاستدامة هي ركيزة أساسية في الإطار الأوسع للمرونة الحضرية، وهي تستلزم الإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية لضمان عدم المساس باحتياجات الوقت الراهن بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، وتلعب المساحات الحضرية التي تعطي الأولوية للبنية التحتية الخضراء والطاقة المتجددة والحد من النفايات دوراً مهماً في تعزيز مستقبل مستدام.
وتنطوي القدرة على التكيف، وهي مكون حيوي آخر، على قدرة هذه المساحات على التكيف مع الظروف المتغيرة، سواء كانت بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية. ويتم تسهيل هذه القدرة على التكيف من خلال التصميم المبتكر والسياسات المرنة والمرونة في البنية التحتية.
كما أن مشاركة المجتمع تشكل حجر الزاوية في المرونة الحضرية، وتضمن المشاركة الفعالة للسكان في عمليات التخطيط وصنع القرار، أن تكون استراتيجيات المرونة مبنية على الاحتياجات والتطلعات الحقيقية للمجتمع.
تشابك وتعقيدات
تعد المساحات الحضرية أنظمة بيئية معقدة تتشابك فيها العوامل الطبيعية والبشرية، ما يطرح تحديات متنوعة تتطلب استراتيجيات قوية للصمود، وتشكل الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل وموجات الحر تهديدات كبيرة للبيئات الحضرية، يمكن أن تسبب أضراراً جسيمة للبنية التحتية، وتعطل الحياة اليومية، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
إضافة إلى الكوارث الطبيعية، تواجه المساحات الحضرية تحديات من صنع الإنسان تؤثر في مرونتها، ويعد فشل البنية التحتية أحد هذه المخاطر، حيث يمكن أن تتعثر المباني والطرق والمرافق القديمة أو المشيدة بشكل سيئ، ما يؤدي لعواقب وخيمة.
وتؤدي التقلبات الاقتصادية إلى تفاقم نقاط الضعف، حيث يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار المالي إلى إضعاف البنية التحتية الحضرية وتعطيل الخدمات العامة، إضافة إلى ذلك، فإن التفاوتات الاجتماعية، التي تسود غالباً في المناطق الحضرية، تؤدي إلى تفاقم آثار الكوارث، حيث قد تفتقر المجتمعات المهمشة إلى الموارد والدعم اللازمين للتعافي وإعادة البناء.
تقييم المخاطر
يعد تقييم المخاطر الشامل أمراً بالغ الأهمية في تصميم المساحات الحضرية المرنة، وتتضمن هذه العملية تحديد المخاطر المحتملة، وفهم احتمالية حدوثها، وتقييم مدى ضعف المكونات الحضرية المختلفة.
ويكتسب استخدام البيانات العلمية وتقنيات النمذجة المتقدمة الأهمية القصوى في التنبؤ بهذه المخاطر وتقييمها، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) في رسم خرائط للمناطق المعرضة للفيضانات، في حين يمكن للنماذج الزلزالية التنبؤ بتأثيرات الزلازل في البنية التحتية.
فيما يكفل دمج هذه التقييمات في التخطيط الحضري، أن تأخذ تصميمات المدن في الاعتبار المخاطر المختلفة، ويتيح هذا النهج للمخططين إعطاء الأولوية للمناطق التي تتطلب اهتماماً فورياً وتطوير استراتيجيات مصممة خصيصاً للتهديدات المحددة. على سبيل المثال، يمكن للاستثمار في البنية التحتية الخضراء، مثل الحدائق والأراضي الرطبة، أن يخفف من مخاطر الفيضانات ويعزز المرونة الحضرية في مواجهة التحديات التي من صنع الإنسان، فإن تعزيز السياسات التي تعالج الفوارق الاقتصادية وتحسّن جودة البنية الأساسية خطوة أساسية نحو بناء مساحات حضرية مرنة.
البنية الخضراء
تلعب البنية الأساسية الخضراء دوراً محورياً في تعزيز مرونة المساحات الحضرية. وهي تشمل مجموعة متنوعة من الأساليب القائمة على النظم الإيكولوجية المصممة لتوفير الفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وتشمل المكونات الرئيسية للبنية الأساسية الخضراء الحدائق والأسطح الخضراء والحدائق المجتمعية والأرصفة القابلة للنفاذ، تدمج هذه الميزات العمليات الطبيعية في البيئة المبنية، وتعزز التنمية الحضرية المستدامة.
وتعمل الحدائق كمساحات حضرية متعددة الأغراض تسهم في إدارة مياه الأمطار والفرص الترفيهية والتنوع البيولوجي. كما تعمل كخزانات طبيعية تمتص مياه الأمطار وتقلل من تأثير الفيضانات. وبالمثل، توفر الأسطح الخضراء - الأنظمة النباتية الطبقية المثبتة على أسطح المباني - فوائد كبيرة. ومن خلال امتصاص مياه الأمطار وتقليل امتصاص الحرارة وتوفير العزل، تسهم الأسطح الخضراء في تنظيم درجة الحرارة وكفاءة الطاقة.
بنية خضراء
تعمل الحدائق المجتمعية، وهي شكل آخر من أشكال البنية الأساسية الخضراء، على تعزيز المرونة الحضرية من خلال تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي وتوليد التماسك الاجتماعي بين السكان، إضافة إلى تحسين جودة الهواء، وتعزيز النشاط البدني، والحد من الضغوط النفسية.
فيما تلعب الأرصفة النفاذة، المصممة للسماح للمياه بالتسرب عبر السطح، دوراً حاسماً في إدارة جريان مياه الأمطار. وتساعد هذه التكنولوجيا في التخفيف من الفيضانات الحضرية، وإعادة شحن مصادر المياه الجوفية، والحد من التلوث في المسطحات المائية.
ويحقق دمج البنية الأساسية الخضراء في التصميم الحضري مزايا وفوائد متعددة، منها إدارة مياه الأمطار بفعالية، بدمج العناصر النباتية في المناظر الطبيعية الحضرية، ما يقلل من أحجام الجريان السطحي، ويخفّض مخاطر الفيضانات، ويحسّن جودة المياه، كما أن تنظيم درجة الحرارة هو فائدة حاسمة أخرى، حيث تعمل البنية الأساسية الخضراء على تخفيف تأثير جزيرة الحرارة الحضرية، ما يؤدي إلى بيئات أكثر برودة وراحة أثناء موجات الحر.
نيويورك وسنغافورة
يتم تحقيق جودة الهواء المحسنة من خلال ترشيح وامتصاص الملوثات بوساطة النباتات وأنظمة التربة، وتعمل المساحات الخضراء المصممة جيداً كمنقيات طبيعية للهواء، ما يقلل من الجسيمات والغازات الضارة.
ونفذت العديد من المدن بنجاح استراتيجيات البنية الأساسية الخضراء، على سبيل المثال، يركز برنامج البنية الأساسية الخضراء في مدينة نيويورك على تركيب الأحواض البيولوجية وحدائق الأمطار التي تقلل من فيضانات المجاري المشتركة وتعزز جودة المياه.
وفي سنغافورة، تسهم الأسطح الخضراء الواسعة والحدائق الرأسية في رؤية المدينة مدينة في حديقة، ما يظهر التزاماً بالتنمية الحضرية التي تركز على الطبيعة.
الفئات المهمشة
يشكل صنع السياسات الشاملة العمود الفقري للمساحات الحضرية المرنة، ويعني ضمان صياغة السياسات من خلال عدسة الشمول اتخاذ القرارات مع مراعاة الاحتياجات المتنوعة لجميع أفراد المجتمع، وهذا يتجاوز مجرد التشاور مع أولئك الذين يمكن الوصول إليهم بسهولة، لذا يجب بذل جهود خاصة للوصول إلى الفئات المهمشة والضعيفة التي قد لا يكون لها صوت في مناقشات التنمية الحضرية.
وتعد التقنيات مثل برامج التوعية المستهدفة، وإشراك أصوات متنوعة في اللجان الاستشارية، وعمليات صنع القرار الشفافة والمتاحة ضرورية في هذا السياق.ويمكن للمنصات الرقمية أن تلعب دوراً مهماً في تعزيز مشاركة المجتمع، توفر الاستشارات الافتراضية والاستطلاعات عبر الإنترنت سبلاً للمشاركة الأوسع، وكسر الحواجز الجغرافية والزمنية.
كما يمكن لقنوات التواصل الاجتماعي ومواقع الويب المخصصة للمشاريع تسهيل الحوار المستمر، وإبقاء السكان على اطلاع وإشراكهم طوال مراحل التخطيط، لكن لا تضمن هذه الاستراتيجيات نهجاً أكثر ديمقراطية للتخطيط الحضري فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تطوير المساحات الحضرية التي تتمتع بالمرونة الحقيقية وتعكس المجتمعات التي تخدمها.
المشاركة المجتمعية
يكتسب تعزيز المشاركة المجتمعية في تصميم المساحات الحضرية أهمية بالغة في تعزيز المرونة، ومن خلال إشراك المجتمعات المحلية في عملية التخطيط الحضري، تميل المساحات الناتجة إلى أن تكون أكثر استدامة ووظيفية وتعكس احتياجات السكان.
وتتمثل إحدى الاستراتيجيات الفعّالة لتعزيز المشاركة المجتمعية في تنظيم جلسات الحوار العامة، والتي توفر فرصاً لأصحاب المصلحة للتعبير عن مخاوفهم واقتراح التحسينات.
تسخير التقنيات
أصبحت التقنيات الذكية محورية في تصميم المساحات الحضرية المرنة من خلال الاستفادة من الأدوات والأنظمة المتقدمة لتعزيز الحياة الحضرية وضمان الاستدامة. على سبيل المثال، تعد أجهزة استشعار إنترنت الأشياء مفيدة في مراقبة البنية التحتية، حيث توفر بيانات في الوقت الفعلي يمكنها تحديد الأعطال المحتملة وعدم الكفاءة في أنظمة إمدادات المياه والجسور وشبكات النقل العام. تقدم هذه المستشعرات رؤية شاملة لصحة البيئة الحضرية، مما يتيح الصيانة في الوقت المناسب والحد من مخاطر فشل البنية التحتية.
النمذجة التنبئية
لا شك أن النمذجة التنبئية هي تقنية تحويلية أخرى في تخطيط المساحات الحضرية، وخاصة فيما يتعلق بالاستجابة للكوارث وإدارتها. من خلال محاكاة سيناريوهات مختلفة، مثل الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات التي من صنع الإنسان، تساعد النماذج التنبّئية مخططي المدن وخدمات الطوارئ على تطوير استراتيجيات استجابة قوية. يمكن للتقنيات التنبئية استشعار التأثير المحتمل للكوارث وتحسين تخصيص الموارد للاستعداد للطوارئ، وضمان مرونة المساحات الحضرية وقدرتها على التكيف مع التحديات غير المتوقعة.
أنظمة احتياطية ومرنة
يشكل تكرار التجارب مكوناً أساسياً لضمان المرونة والاستدامة، ويشير التكرار إلى إدراج عناصر إضافية داخل الأنظمة لتوفير النسخ الاحتياطي في حالة الفشل، كما يعمل تنفيذ الأنظمة الاحتياطية على تخفيف المخاطر المرتبطة بنقاط الفشل الفردية ويعزز قدرة البيئات الحضرية على تحمل الاضطرابات والتعافي منها.
وأحد الجوانب الأساسية للتكرار في التصميم الحضري، هي إنشاء أنظمة طاقة احتياطية، ولا يدعم دمج مصادر الطاقة البديلة مثل الألواح الشمسية وطواحين الهواء وتخزين البطاريات إمداد الطاقة دون انقطاع فحسب، بل يسهم أيضاً في استدامة المساحات الحضرية.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات القمة العالمية للحكومات البنیة الأساسیة الخضراء فی البنیة التحتیة المرونة الحضریة على سبیل المثال التخطیط الحضری میاه الأمطار على التکیف والحد من فی تعزیز یمکن أن من خلال
إقرأ أيضاً:
معهد بحوث البترول يعقد ورشة عمل حول المرشحات الخضراء المبتكرة لمعالجة مياه الصرف
أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن دعم المشروعات البحثية الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة يعد من أولويات الوزارة، مشيرًا إلى أن تطوير تقنيات معالجة مياه الصرف بأساليب مبتكرة وفعالة يسهم في تحسين جودة المياه وتقليل الأثر البيئي للصناعات المختلفة.
وفي هذا السياق، عقد معهد بحوث البترول المصري ورشة عمل بعنوان "مرشحات خضراء فعالة من حيث التكلفة لتطبيقات معالجة مياه الصرف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"، وهي إحدى مخرجات المشروع البحثي رقم 47105 الممول من هيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا.
وخلال افتتاح الورشة، أكد الدكتور محمود رمزي، مدير معهد بحوث البترول، على أهمية الدور الذي تلعبه الأبحاث التطبيقية في حل مشكلات الصناعة، مشيرًا إلى أن مثل هذه المشروعات البحثية تسهم في تقديم حلول حقيقية للقضايا البيئية والصناعية الملحة، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة.
وشهدت الورشة حضور الدكتورة غادة عادل، وكيل شعبة الكيمياء الإشعاعية، والدكتورة سحر إسماعيل، الرئيس السابق للمركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع، الدكتورة منار السيد عبد الرءوف، الباحث الرئيسي للمشروع، وعدد من العلماء والباحثين من داخل المعهد وخارجه.
وأشاد الحضور بحسن التنظيم والمحتوى العلمي الثري للورشة، التي تضمنت محاضرات متخصصة حول أحدث تقنيات معالجة مياه الصرف باستخدام مرشحات خضراء منخفضة التكلفة. كما خرجت الورشة بعدد من التوصيات المهمة، أبرزها ضرورة تعزيز التعاون بين البحث العلمي والصناعة لتطوير حلول عملية لمشكلات بيئية قائمة، وإنتاج تقنيات قابلة للتطبيق على نطاق واسع.