هل طرح ديب سيك آر 1 يماثل إطلاق سبوتنك
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
ترجمة: قاسم مكي
هل نحن نشهد في القرن الحادي والعشرين لحظة مماثلة للحظة إطلاق القمر الصناعي "سبوتنك"في القرن العشرين؟ لقد تفاعل العالم بقدر كبير من الدهشة مع إصدار الشركة الصينية ديب سيك نموذجها الخاص بالذكاء الاصطناعي"ديب سيك آر 1". فهو كما يبدو قادر على أداءٍ مماثل وفي بعض الحالات أفضل من نموذج "شات جي بي تي" ونماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي طرحتها الشركات الأمريكية.
(في عام 1957 أطلق السوفييت سبوتنك وهو أول قمر صناعي يدور حول الأرض ودشنوا بذلك سباق الفضاء. ويتساءل الكاتب هنا ضِمنا عما إذا كان طرح "ديب سيك آرْ 1" سيدشن سباق ذكاء اصطناعي شبيه بسباق الفضاء الذي ابتدره إطلاق سبوتنك - المترجم.) افترض الأمريكيون أن تفوقهم الكاسح في تدبير التمويل والحصول على الرقائق الإلكترونية المتطورة والابتكار سيضمن تقدمهم على الآخرين. لكن افتراضهم هذا يبدو الآن وكأنه غطرسة.
إصدار نموذج ديب سيك من بعض الجوانب إنجاز يفوق كثيرا في أهميته إطلاق سبوتنك. كان القمر الصناعي سبوتنك يتعلق بمنافسة برنامج الفضاء السوفييتي لنظيره الأمريكي. وقتها قليلون أولئك الذين كانوا يعتقدون أن الاقتصاد السوفييتي بشكل عام أكثر تقدما من اقتصاد أمريكا. لكن ديب سيك شركة صينية خاصة أثبتت قدرتها المذهلة بتكلفة زهيدة في أهم تقنية مستقبلية.
ليس واضحا بالضبط كم كانت تكلفة نموذج "ديب سيك آر 1 " بالفعل، والى أي حد كان في حاجة الى استخدام النماذج الأمريكية للتدريب وما إذا كان هنالك أي عون سري قدمته الحكومة الصينية للشركة. لكن بالنظر الى الجهود الهائلة التي بذلتها حكومة الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية للحفاظ على ميزتها في الذكاء الاصطناعي من حظرٍ لتصدير الرقائق الإلكترونية وضوابطِ تصدير وغير ذلك يمكن القول إن شركة ديب سيك حققت إنجازا لافتا. وهذا يوحي لي بدرسين وسؤالين.
الدرس الأول هو أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المفتوحة في الغالب ستتفوق على الأنظمة المغلقة بمرور الوقت. (النظام المفتوح يماثل مُكعَّبات لعبة ليجو مع تعليمات تركيبها في هيكلٍ أو بِنْيَةٍ والنظام المغلق يماثل هيكلا تم تركيبه مسبقا من مكعبات لعبة ليجو مع الاحتفاظ بسرية تعليمات التركيب.) أشار عديدون الى أن ديب سيك استخدمت نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر "لاما" الخاص بشركة ميتا للتدريب. كما استخدمت أيضا "كوين" وهي عائلة نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر أيضا طرحتها شركة التقنية الصينية العملاقة "على بابا." وفي حين أن ديب سيك هي الآن الأفضل إلا أن شركات التقنية الكبيرة في الصين تطرح عددا من نماذج الذكاء الاصطناعي معظمها مفتوحة المصدر وتشهد تحسُّنا مطردا. وإذا كان لنا أن نسترشد بتاريخ التقنية يجب أن تقود القدرة على رؤية المكونات الداخلية لهذه النماذج وفهم طريقة تفكيرها الاستدلالي الى ابتكار تقني أعظم وأسرع مقارنة باستخدام النماذج المغلقة التي لا يمكن للآخرين استخدامها في عمل مشترك.
ثانيا، يمكن أن تكون القيود مفيدة كما لاحظ بات جيلسنجر الرئيس التنفيذي لشركة انتل. فكما يزدهر الفن أحيانا في أجواء القهر التي تُجبر فيها القيودُ الفنانين على الإبداع كذلك أيضا كثيرا ما يؤدي المهندسون عملهم بشكل أفضل في ظل القيود. فالمهندسون الصينيون الذين اضطروا لاستخدام رقائق من الدرجة الثانية أوجدوا حلولا مبتكرة. هذا ليس صحيحا فقط مع شركة "ديب سيك". ففي عام 2023 أصدرت شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي هاتفا ذكيا برقاقة سمكها 7 نانومتر ومن النوع الذي كان محظورا بموجب ضوابط التصدير الأمريكية. وهنالك أدلة تشير الى أن شركات صناعة الرقائق في الصين تمكنت بعد سنوات من الجمود بالرد على قرارات الحظر باكتساب قدرة أكبر على الابتكار.
في مقابلة مثيرة في العام الماضي جادل ليانغ وينفينغ الرئيس التنفيذي لشركة "ديب سيك" بأن دافع مهندسي شركته في الأساس إجراء البحوث وليس الحصول على المال. وبدا أنه يقارن ذلك بما هو سائد في شركات وادي السليكون بالولايات المتحدة والتي ينصب كل اهتمامها على تعظيم الإيرادات وتقديم الخدمات السحابية وتوليد التدفقات المالية.
ويقال أن ديميس هاسابيس الذي يقود شركة ديب مايند التابعة لشركة جوجل يصارع للإبقاء على فريقه في لندن بعيدا عن وادي السليكون لكي يتمكن من التركيز على الأبحاث الأساسية. وكان هاسابيس قد حصل مع عالِمَيْن آخرَيْن على جائزة نوبل للكيمياء في عام 2024 لتحقيقهم اختراقات علمية لها صلة بالذكاء الاصطناعي.
أول سؤال أثارته شركة ديب سيك هو: هل يمكن للولايات المتحدة وقف التقدم التقني للصين؟ يجادل البعض بأن ديب سيك تبيِّن نجاعة ضوابط التصدير. فنموذجها احتاج الى العديد من رقائق شركة انفيديا التي تمكنت من شرائها قبل سريان حظر التصدير بشكل كامل. وعما قريب لن يكون بمقدور الصين الحصول على أفضل الرقائق وستعاني بشكل أكبر من الحظر.
لكن، وكما تعلَّمنا من جولات وجولات من العقوبات الدولية ضد روسيا، اقتصاد العالم كبير ومفتوح ويمكن أن تنفذ عبره الأشياء. إلى ذلك الصين ليست روسيا. فاقتصادها كبير ومتقدم تقنيا وبه الملايين من مطوري البرمجيات ومئات الشركات الرفيعة في فضاء التقنية. ولن تعدَم مواهبٌ بشرية بهذا الحجم سُبُلَ الابتكار حتى إذا أبقت تلك القيودُ الصينَ متخلفةً (عن الولايات المتحدة).
السؤال الثاني: ما تكلفة هذه المقاربة؟ فإذا كانت إجراءات حظر التقنية وضوابط التصدير تؤخر الصين سنة واحدة في أفضل الأحوال (وربما عدة شهور فقط) هل يستحق ذلك المكسب تكلفته؟ تتمثل هذه التكلفة في رد الصين على الولايات المتحدة بالحدِّ من حصولها على مواد أساسية تحتاجها للتقنية الرفيعة. وما هو أكثر أهمية أن تفكيك الاقتصاد العالمي أيضا يوجد أنظمة بيئية مغلقة لن تواجه فيها شركات التقنية الأمريكية منافَسة من أفضل الشركات. فهل ستحقق شركة تيسلا أرقى الابتكارات إذا لم تواجه أقوى شركة منافِسة؟ فك الارتباط التقني يعني أن الذكاء الاصطناعي سيصبح جزءا مركزيا من سباق تسلح عالمي جديد متحرر تماما من أية ضوابط وقيود مع اندفاع أكبر اقتصادين في العالم نحو ذكاء فائق ومنفلت وتضمينه في كل التطبيقات العسكرية لبلديهما بما في ذلك الأسلحة النووية.
إذا كان الذكاء الاصطناعي ثورة في التقنية على النحو المتوقع فإن استخدامه في كل مجال من مجالات الحياة البشرية دون أية ضوابط على الإطلاق يشير الى مستقبل مخيف وأخطر بكثير من أي شيء تخيله الناس بسبب إطلاق القمر الصناعي سبوتنك.
•فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشئون الخارجية على شبكة سي إن ان
الترجمة خاصة لـ عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إذا کان
إقرأ أيضاً:
موقف الشريعة من التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي
وجهت إحدى الفتيات سؤالا إلى الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، تقول فيه (ما هو موقف الدين من الأشياء الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي؟).
قال الدكتور علي جمعة، في إجابته على السؤال، خلال برنامج "نور الدين والدنيا" المذاع طوال أيام شهر رمضان المبارك، إن موقفنا من الأشياء الحديثة، بأن نطلع عليها ونفهم ما وراءها وكيفية صنعها وكيفية مقاومتها أو مواجهتها أو غلقها.
وتابع: عايزين نتعمق فيها ونشوف هي نافعة من عدمه، بالتفكر والمناقشة والتجربة، ثم نقرر كيفية التعامل مع هذا الوافد الجديد، إما بالقبول أو بالرفض أو وضع شروط وضوابط للتعامل معه.
وأوضح أنه لا بد من معرفة مدى النفع الناتج عن هذه الأمور الحديثة أو الأضرار الناتجة عن التعامل بها.
حكم استخدام الذكاء الاصطناعيأكد الشيخ عبد الرحمن أنور، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن البحث العلمي يحتاج إلى جهد وتدقيق، مشيرًا إلى أن الباحث لا بد أن يعمل بجد حتى يصل إلى مرحلة الإتقان.
واستشهد أمين الفتوى بدار الإفتاء، خلال فتوى له، بحديث النبي: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، موضحًا أن مجرد نقل المعلومات دون تحقق أو بذل مجهود؛ لا يُعد إتقانًا.
وأشار إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث؛ قد يكون وسيلة مساعدة، لكنه لا يغني عن التحقق من صحة المعلومات ومصادرها، موضحًا أن البعض قد ينقل بحثًا كاملًا دون تدقيق، مما يؤدي إلى أخطاء علمية ومغالطات، خاصة عند نقل الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو أقوال العلماء.
وأكد أن الباحث يجب أن يكون أمينًا فيما ينقله، مستشهدًا بقول النبي: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك"، موضحًا أن نقل المعلومات دون تحقق قد يؤدي إلى نشر الكذب، وهو أمر خطير.
وأشار إلى أن الله أمر الإنسان بالتدبر والتفكير، مستشهدًا بقوله- تعالى-: "أفلا يتدبرون" و"أفلا يعقلون" و"أفلا يتفكرون"، مؤكدًا أن البحث العلمي يتطلب العقل والتحقق، وليس مجرد النقل.
وبشأن الذكاء الاصطناعي، أوضح أنه يمكن أن يكون فرصة للتعلم والبحث العلمي إذا تم استخدامه بضوابط صحيحة، مشيرًا إلى ضرورة عدم الاعتماد عليه بشكل كامل، بل اعتباره وسيلة مساعدة فقط.
وفي نصيحته للطلاب والباحثين، أكد ضرورة التحري من صحة المعلومات قبل نقلها، لأن كل شخص مسؤول أمام الله عما ينشره، وقد يؤدي عدم التدقيق إلى نقل معلومات خاطئة للأجيال القادمة.