ترامب: الوجهُ العاري لأمريكا بين الواقع والاستشراف
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
أنس عبدالرزاق
دونالد ترامب ليس مُجَـرّد رئيس أمريكي أَو شخصية سياسية مثيرة للجدل، بل هو تجسيدٌ لوجه أمريكا الحقيقي، الذي يختفي خلف أقنعة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
ترامب لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج طبيعي لسياسة أمريكية قائمة على الهيمنة والاستغلال، حَيثُ تُستخدم القوة بلا مواربة، وتُستغلّ الشعارات البرّاقة لتبرير التدخّلات والاحتلالات.
في قضية غزة، يظهر ترامب بوجهه الإجرامي بوضوح. يُقدّم “التحرير” كمبرّر للاحتلال، ويُحوّل الحقوق الإنسانية إلى مُجَـرّد شعاراتٍ فارغة. ما يريده ليس تحريرًا حقيقيًّا، بل إخضاعا، وليس سلامًا، بل تدميرًا. لكنّ التاريخ يُعلّمنا أن محاولات تهجير الشعوب وإذلالها لم تنجح أبدًا على المدى الطويل. غزة، كغيرها من الشعوب المقاومة، ستظلّ صامدة؛ لأَنَّ إرادَة الحياة أقوى من كُـلّ أدوات القتل والتهجير. ترامب، ومن يقف خلفه من صنّاع القرار في واشنطن، قد يُحاولون فرض إرادتهم بالقوة، لكنّهم لن يستطيعوا كسر إرادَة شعبٍ يؤمن بحقّه في الوجود والحرية.
وفي العلاقة مع السعوديّة، يكشف ترامب عن طبيعة التحالفات الأمريكية: ليست سوى صفقات تجارية تُقاس بالدولار.
فبدلًا عن أن تحصل السعوديّة على مكاسب حقيقية من وجود القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، تُجبَر على دفع ترليونات الدولارات مقابل بقاء هذه القواعد. هذه هي “الشراكة الاستراتيجية” في عرف واشنطن: علاقة غير متكافئة، تُكرّس التبعية وتُعزّز الهيمنة. ترامب، بصراحته المعهودة، كشف هذه الحقيقة دون مواربة، لكنّ ذلك لم يمنع النخب الحاكمة في المنطقة من الاستمرار في الانسياق وراء الوهم الأمريكي.
وهنا تكمن المفارقة الكبرى: الشعوب تدرك، لكنّ حُكّامها لا يدركون. الشعوب العربية، التي عانت لعقودٍ من الاستبداد والتبعية، بدأت تُدرك حقيقة السياسة الأمريكية وأهدافها. لقد رأت هذه الشعوب كيف تُدعم الأنظمة الديكتاتورية من قبل واشنطن طالما كانت تُحقّق مصالحها، وكيف تُترك لتواجه مصيرها بمفردها عندما تتعارض مصالحها مع الأجندة الأمريكية. لكنّ الحُكّام، أَو على الأقل جزءٌ كبيرٌ منهم، ما زالوا يعيشون في وهم الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا. هم يرون في العلاقة مع واشنطن ضمانةً لبقائهم في السلطة، دون أن يُدركوا أنّهم مُجَـرّد أدوات في لعبةٍ أكبر، وأنّ مصيرهم سيكون التخلّي عنهم عندما تتعارض مصالحهم مع الأجندة الأمريكية.
لكنّ السؤال الأكبر يبقى: متى ستفيق الشعوب، وخَاصَّة النخب العربية، من غفوتها؟ متى ستدرك أنّ “الحرية الأمريكية” هي وهمٌ يُخفي وراءه العبودية، وأنّ “الديمقراطية الأمريكية” هي ستارٌ للاستبداد؟ النخب العربية التي ما زالت منبهرة بأمريكا والغرب، رغم كُـلّ الانكشافات، تُشكّل جزءًا من المشكلة. انبهارها ليس سوى دليل على أزمة وعي عميقة، تجعلها عاجزة عن قراءة ما بين السطور، وعن فهم أنّ مصالحها لا يمكن أن تتحقّق إلا بالتحرّر الحقيقي من التبعية. هذه النخب، التي تتعامل مع أمريكا كشريكٍ استراتيجي، تنسى أَو تتجاهل أنّ واشنطن لا ترى في المنطقة سوى ساحةٍ لمصالحها، وحلبةٍ لصراعاتها.
ترامب، بكلّ ما يحمله من صراحةٍ فجّة، كشف عن حقيقة السياسة الأمريكية التي كانت تُمارَس دائمًا، لكنّها كانت تُخفي نفسها خلف شعاراتٍ برّاقة. لكنّ هذا الكشف، رغم قسوته، قد يكون بدايةً لصحوةٍ جديدة. الشعوب العربية بدأت تستيقظ، وبدأت تُدرك أنّ الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. وأن شعار الموت لأمريكا ليس مُجَـرّد شعار، بل هو تعبير عن رفضٍ للهيمنة، وإعلان عن إرادَة التحرّر.
في النهاية، ترامب ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من السياسات الأمريكية التي تُمارس القمع تحت شعارات برّاقة. لكنّ الشعوب بدأت تستيقظ بعد رؤيتها لليمن وما فعلة في معركة طوفان الأقصى، وبدأت تُدرك أنّ المستقبل لا يُبنى بالتبعية، بل بالاستقلال الحقيقي. ترامب قد يكون الوجه الأكثر بشاعةً لأمريكا، لكنّه أَيْـضًا الوجه الذي يُذكّرنا بأنّ الحقيقة -مهما كانت مُرّة- هي الخطوة الأولى نحو التحرّر. الشعوب تدرك، لكنّ حُكّامها ما زالوا غارقين في أوهامهم. والسؤال الذي يبقى معلّقًا: متى سيُدرك الحُكّام العرب أنّهم جزءٌ من المشكلة، وليسوا جزءًا من الحل؟
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الذی ی
إقرأ أيضاً:
قمة عربية طارئة في مصر التحديات التي تواجه مستقبل الفلسطينيين في غزة بسبب خطة ترامب
أعلنت الخارجية المصرية، الأحد، أن القاهرة ستستضيف قمة عربية طارئة في 27 شباط/ فبراير الجاري، لـ"مناقشة الأزمة المتفاقمة في غزة وتطورات القضية الفلسطينية بشكل أوسع".
وذكرت الوزارة، في بيان، أن انعقاد القمة جاء بعد تنسيق مكثف مع مملكة البحرين، التي تتولى رئاسة الدورة الحالية للقمة العربية، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وأضاف البيان أن القرار جاء بعد مشاورات مكثفة أجرتها مصر خلال الأيام الأخيرة مع الدول العربية، بما في ذلك دولة فلسطين التي قدمت طلبًا رسميًا لعقد القمة، بهدف بحث المستجدات الخطيرة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
وتأتي هذه القمة في ظل جهود عربية مكثفة لمواجهة التحديات التي تواجه الفلسطينيين، حيث أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، أن الجامعة تعمل على حشد موقف عربي ودولي لـ"دعم قيام الدولة الفلسطينية".
وأشار إلى أن "التحركات العربية تهدف إلى التصدي للمزاعم الإسرائيلية والتأكيد على مبدأ حل الدولتين. كما شدد زكي على أن الموقف العربي "متماسك" فيما يخص رفض أي مخطط للتهجير القسري للفلسطينيين".
ويأتي الإعلان عن القمة في سياق الرد على التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اقترح خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، مؤكدًا نية الولايات المتحدة السيطرة على غزة وإعادة تطويرها بعد ترحيل سكانها الفلسطينيين. كما وصف القطاع بأنه "صفقة عقارية رائعة".
Relatedكيف تفاعلت الدول الأوروبية مع مقترح ترامب بشأن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"؟ترامب: إسرائيل ستسلمنا قطاع غزة بعد انتهاء القتال ونتنياهو يصفها بـ"خطة اليوم التالي""تهادوا تحابّوا".. نتنياهو يقدم لترامب "جهاز بيجر ذهبيا" والمضيف يسحب الكرسي للحليفوواجهت تصريحات ترامب رفضًا واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي، حيث أكدت مصر والأردن رفضهما القاطع لأي تهجير قسري للفلسطينيين، مشددين على أن مثل هذه الخطط تتعارض مع القانون الدولي وتهدد استقرار المنطقة.
وتلعب القاهرة دورًا محوريًا في جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا ودمار واسع النطاق. وتواصل مصر جهودها الدبلوماسية لوقف التصعيد والتوصل إلى حلول تحافظ على حقوق الفلسطينيين وتضمن استقرار المنطقة.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية جنود إسرائيليون قاتلوا في غزة لبلومبرغ: نواجه خطر الملاحقة القضائية المحتملة في الخارج بسبب حرب غزة نتنياهو يصف خطة ترامب بشأن غزة بأنها "فكرة جديدة" قد تغير كل شيء وزير الخارجية المصري: لدينا رؤية واضحة لإعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين قطاع غزةدونالد ترامبإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنيامين نتنياهومصر