تمر السلطة الفلسطينية ومن يدور في فلكها بمرحلة من الخيبة العميقة، بعد أن سقطت رهاناتهم على تبدد المقاومة في غزة، ليتبدى لهم واقع مغاير لما تمنوه. فبرغم المحن الجسيمة والآلام التي أنهكت القطاع، شهدت غزة تحولات كبرى قلبت الموازين. كان البعض ممن يؤمنون بالمفاوضات والتنسيق الأمني يعوِّلون على أن غزة لن تقوى على الصمود، وأن السلطة ستبسط نفوذها على القطاع مستندة إلى قوة الاحتلال.

لكن مسار الأحداث كان له رأي آخر، إذ أثبتت غزة أنها ليست مجرد ساحة مقاومة، بل هي صاحبة قرار على أرضها، حتى اضطر الاحتلال إلى الانسحاب من محور نتساريم، إحدى النقاط الاستراتيجية المهمة.

في هذا السياق، يتضح أن ما سُمِّي بـ"إبادة القرن" لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل صراعا طويل الأمد، خصوصا في شمال غزة، حيث تعثرت حسابات الاحتلال في تحقيق أهدافه المرسومة. وعلى الرغم من الحشد العسكري الضخم، أخفقت محاولاته في فرض واقع جديد يُعيد غزة إلى ما قبل عام 2005. لقد كان الثمن باهظا، لكن غزة استطاعت أن تقلب الطاولة، وأن تجعل وقف إطلاق النار اعترافا صريحا بكلفة العدوان، لا منّة من أحد.

إن ما جرى في شمال غزة لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، فهو معركة حملت أبعادا وطنية وعربية ودولية. لم يكن الصراع مجرد دفاع عن غزة، بل كان دفاعا عن روح فلسطين بأكملها. فمحور نتساريم، الذي حاول الاحتلال جعله فاصلا جغرافيا بين شمال القطاع وجنوبه، تحول إلى شاهد على فشل المخططات الإسرائيلية. لقد دفع الاحتلال ثمنا فادحا، رغم محاولات الإعلام الإسرائيلي إظهار انسحابه من نتساريم على أنه مجرد خطوة تكتيكية. غير أن الواقع لا يكذب، فهذه النكسة العسكرية تعكس ضعف الاحتلال أمام الإرادة الفلسطينية الصلبةوما كانت الدعاية الصهيونية تروِّجه عن نتساريم كـ"مستوطنة رئيسية"، ما هو إلا مثال آخر على سراب المشاريع الاستعمارية التي لم تستطع الصمود أمام إرادة أصحاب الأرض.

لقد دفع الاحتلال ثمنا فادحا، رغم محاولات الإعلام الإسرائيلي إظهار انسحابه من نتساريم على أنه مجرد خطوة تكتيكية. غير أن الواقع لا يكذب، فهذه النكسة العسكرية تعكس ضعف الاحتلال أمام الإرادة الفلسطينية الصلبة.

اليوم، وبعد أن سقطت رهانات الاحتلال، يبرز دور كل الأحرار في العالم في الوقوف إلى جانب غزة وأهلها في هذه المرحلة المفصلية. فمساندة الفلسطينيين، سواء في الشمال أو الجنوب، ليست مجرد واجب وطني، بل هي مسؤولية إنسانية وأخلاقية تتجاوز الحدود. علينا أن نكثف الجهود، بكل الوسائل الممكنة، لمداواة الجراح وتخفيف المعاناة. فغزة لم تعد مجرد بقعة على الخارطة، بل باتت رمزا عالميا للصمود في وجه العدوان، وشهادة على قدرة الشعوب على فرض إرادتها رغم كل التحديات.

وفي المحصلة، فإن هذا الصمود الاستثنائي، رغم فداحة التضحيات، يشكل علامة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني. والتاريخ يُكتب اليوم، فليختر كلٌّ منا الموقع الذي يريد أن يُذكر فيه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة غزة الصمود الاحتلال نتساريم احتلال مقاومة غزة صمود نتساريم مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

اتفاق عالمي لخفض انبعاثات السفن رغم انسحاب واشنطن

توصّلت الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية إلى اتفاق بشأن معيار عالميّ لانبعاثات الوقود للقطاع البحري، ستفرض بموجبه رسوم انبعاثات على السفن التي تخرق هذا المعيار، وستكافئ تلك التي تستخدم وقودا نظيفا.

وأعلنت الدول الأعضاء في المنظمة التابعة للأمم المتحدة، أمس الجمعة، في ختام اجتماعها في لندن، التوصل إلى اتفاق تاريخي، يهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع الشحن البحري.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4واشنطن تنسحب من مفاوضات خفض انبعاثات الشحن البحريlist 2 of 4هل تهدد رسوم ترامب الجمركية جهود مكافحة التغير المناخي؟list 3 of 4كرة القدم.. سحر يخفي ثمنا مناخيا باهظاlist 4 of 4الصين بين طموحات الطاقة النظيفة وإشكالية الفحم والمعادن النادرةend of list

ويتضمن الاتفاق، اعتماد معيار عالمي لانبعاثات الوقود وآلية تسعير عالمية للانبعاثات، سيتم بموجبه فرض رسوم على السفن التي تتجاوز حدود الانبعاثات المقررة، بينما تمنح مكافآت للسفن التي تستخدم وقودا نظيفا، وتلتزم بالمعايير البيئية، حسب وكالة رويترز.

وصوّتت غالبية الدول في المنظمة على بنود الاتفاق وستفرض بموجبه غرامة قدرها 380 دولارا لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يتجاوز الحد الثابت. بالإضافة إلى غرامة إضافية قدرها 100 دولار لكل طن ينبعث فوق مستوى الخفض الأعلى المقرر.

ومن المقرر اعتماد هذه التدابير رسميا في أكتوبر/تشرين الأول 2025 قبل دخولها حيز التنفيذ في عام 2027، وستصبح إلزامية بالنسبة للسفن الكبيرة العابرة للمحيطات التي يزيد وزنها الإجمالي عن 5 آلاف طن، والتي تنبعث منها 85% من إجماليّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الشحن الدولي.

إعلان

ووفقا لمستوى التخفيض الأساسي المعتمد في الاتفاق، ستُطالب السفن بحلول عام 2030 بخفض كثافة انبعاثات الوقود بنسبة 8% مقارنة بعام 2008، بينما سيتطلب المستوى الأعلى من الخفض تقليصا بنسبة 21%، أما بحلول عام 2035، فسترتفع النسب إلى 30% و43% على التوالي.

وقال الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية أرسينيو دومينغيز: "إن الموافقة على مسودة التعديلات على الملحق السادس لاتفاقية ماربول التي تفرض إطار عمل المنظمة البحرية الدولية لتحقيق صافي انبعاثات صفري يمثل خطوة مهمة أخرى في جهودنا الجماعية لمكافحة تغير المناخ وتحديث النقل البحري ويوضح أن المنظمة البحرية الدولية تفي بالتزاماتها".

وحسب الاتفاق، سيُمنح رصيد بيئي خاص للسفن التي تنجح في تقليص انبعاثاتها إلى ما دون الحد الأعلى المسموح، وستتاح إمكانية بيع هذه الأرصدة لسفن أخرى غير ملتزمة، ما يخلق آلية حوافز مالية داخل السوق البحرية العالمية.

وأعربت الدول عن التزامها بالمساهمة في تحقيق هدف المنظمة المتمثل في خفض صافي انبعاثات قطاع الشحن الدولي بنسبة 20% بحلول عام 2030.
كما وافقت الدول على هدف المنظمة بالتخلص من الانبعاثات تماما بحلول عام 2050.

ورغم الاتفاق، كشفت المناقشات التي دارت أثناء صياغة الاتفاق عن انقسامات واضحة بين الحكومات حول وتيرة خفض الانبعاثات المطلوبة من القطاع البحري وقوبل مقترح فرض ضريبة كربونية أعلى على جميع انبعاثات الشحن برفض عدد من الدول الكبرى.

وفي المقابل، حظي المقترح بدعم دول جزر المحيط الهادي، التي تواجه مخاطر كبرى بسبب التغير المناخيّ، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بحسب تقرير وكالة رويترز.

ومن المتوقع أن تدرّ الرسوم المفروضة بموجب الاتفاق نحو 40 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، ويفترض أن يتم تخصيص جزء من هذه العائدات لجعل أنواع الوقود النظيف، التي لا تزال مرتفعة التكلفة، في متناول مشغّلي السفن حول العالم.

إعلان

وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من مفاوضات وكالة النقل البحري في لندن، وحثت الدول الأخرى على أن تحذو حذوها، وهددت بفرض إجراءات مضادة، مقابل أي رسوم تفرَض على السفن الأميركية، لكن الدول الأخرى مضت في اعتماد الإجراءات الجديدة.

وبحسب مذكرة دبلوماسية أرسلتها الولايات المتحدة إلى مندوبي الدول الأعضاء في المنظمة الدولية الثلاثاء، أكدت واشنطن أنها "ترفض أي محاولة لفرض إجراءات اقتصادية ضد سفنها على أساس انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو اختيار الوقود".

ولطالما واجهت صناعة الشحن البحريّ، التي تنقل حوالي 90% من التجارة العالمية وتمثل ما يقرب من 3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، دعوات من المنظمات البيئية لفرض ضريبة على الكربون.

مقالات مشابهة

  • سرايا القدس تقصف قوات العدو الصهيوني المتوغلة شرق محور “نتساريم” برشقة صاروخية
  • خبايا المشروع الإسرائيلي الذي سحق خمس غزة
  • البيطار: فلسطين تحتضر اقتصاديا ونعمل وفق مسارات لمواجهة الحرب المالية 
  • اتفاق عالمي لخفض انبعاثات السفن رغم انسحاب واشنطن
  • تعرف على مسار التفاوض بشأن برنامج إيران النووي منذ انسحاب ترامب
  • نجمة جامايكا تعود إلى «المضمار» بعد «خيبة باريس»
  • الاحتلال يعلن استكمال السيطرة على محور موراج وعزل رفح
  • ماذا يعني سيطرة قوات الاحتلال على محور موراغ؟ الدويري يجيب
  • جيش الاحتلال يعلن استكمال السيطرة على محور موراج وعزل رفح
  • خيبة أمل إسرائيلية من لقاء نتنياهو وترامب.. المصالح الأمريكية أولا