مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «15»
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
(اعتبارًا من هذه الحلقة، ستتوقف مادة «أنساغ» مؤقتًا، وستستأنف صدورها بعد عطلة عيد الفطر السعيد. وكل عام وأنتم بخير).
يستلهم عبدالمجيد حاجي فـي أطروحة الدكتوراة المذكورة فـي الحلقة السابقة من هذه المادة منظري النوع السينمائي الكلاسيكيين، وعلى رأسهم تومس شاتس Thomas Schatz فـي مقاربته التطورية على وجه الخصوص، وفـي هذا فإن حاجي يبحث بنية ما يدعوه «النوع السينمائي الشرقي» (Oriental Genre) عبر دراسة فئاته (الواقعية -الكولونيالية، والسايكولوجية -الاستشراقية، والفنتازية، إضافة إلى تحديد الخصائص البارزة فـي الحبكة، والشخصيات، وأماكن وقوع الأحداث، والأيقونوغرافـيا (1).
ثمة أيضًا أطروحة دكتوراة أخرى أقل أهمية أنجزها باسم عيسى العتوم Basem Essa Alatom. يتكون العمود الفقري لهذه الأطروحة من محاولة إجراء تحليل نصي مقرب لرواية ليون أرسي Leon Ursi «الحاج»، وهي رواية تتعلق بالصراع العربي – «الإسرائيلي» (2) (سأشير لاحقا إلى جهد بحثي يتعلق بدراسات النوع السينمائي فـيما يتعلق بالأفلام التي تتعامل مع «الشرق الأوسط»). يمكن كذلك اعتبار أطروحة دكتوراة أنجزها وليد رعد Walid Raad دليلًا على اهتمام متنام بمختلف جوانب التمثيلات (representations) الثقافـية لمنطقة «الشرق الأوسط» (3).
أما الاستثناء المهم الآخر فهو عمل جاك شاهين Jack Shaheen الذي كان له سبق الريادة فـي دراسة صورة العربي فـي التلفزيون الأمريكي، والذي يحاجج فـيه أن «التلفزيون (الأمريكي) ينزع لإدامة أربع أساطير أساسية عن العرب: إنهم جميعًا أثرياء بصورة خرافـية، وأنهم بربريون بلا ثقافة، وأنهم مهوسون جنسيون مولعون بالرقيق الأبيض، وأنهم يجدون متعة بالغة فـي الإرهاب». ويرى شاهين أن جذور هذه الصور النمطية توجد فـي أفلام هوليود، ولذلك «فإن النتيجة هي أن العربي التلفزيوني يصبح إعادة عرض لإعادة عرض» (4). ولشاهين أيضا كراس مطبوع ومحدود التوزيع عن الصور النمطية للعرب والمسلمين فـي الثقافة الأمريكية (5)، كما أن له مساهمات ذات علاقة بالموضوع منشورة فـي مطبوعات متخصصة وعامة (6).
بيد أن مساهمة شاهين الرئيسة الأكبر، من الناحية التوثيقية، هي كتابه الذي صدرت ترجمته العربية فـي جزأين مترجمين إلى العربية بعنوان «الصورة الشريرة للعرب فـي السينما الأمريكية» (7). والكتاب عبارة عن «كاتلوغ» توثيقي ضخم يشمل أكثر من تسعمائة فـيلم روائي غالبيتها العظمى أمريكية إضافة إلى عدد قليل من الأفلام غير الأمريكية أنتجت بين عام 1896 وعام 2001. وتتضمن مواد هذا الكتاب مراجعات سينمائية موجزة و/أو معلومات حول الإنتاج للسواد الأعظم من الأفلام التي تتضمنها قائمة الكتاب، حيث يختار شاهين ويعزل مقاطع من حوارات ومشاهد من أجل تقديم أدلة توضح تشويه صورة العربي فـي تلك الأفلام التي يتقاسمها، فـي تصوره، خمسة أنواع من العرب: أشرار، وشيوخ، ومصريون (وهو يقصد بذلك المصريين القدماء)، وعذارى، وفلسطينيون.
ويصف المؤلف «شيوخ» هوليود فـي أفلامها الميلودرامية الرومانسية بأنهم «أضحوكات ملتفة بملاءات كيفما اتفق، قذرين، حكام طويلي الأنوف المحدبة عازمين على أسر شقراوات ذوات وجوه شاحبة وضمهن إلى حريمهم». ويقترح شاهين أن شيوخ هوليوود قد ورثوا سلوكهم الشائن من أسلافهم الذين أساءت لهم السينما الأمريكية بدورها: الإفريقي الأمريكي «الزنجي/ العبد»، والآسيوي «الحيواني»، و«اللاتيني الداعر» (8). غير أن شاهين يرصد الملامح والتغيرات التي طرأت على صورة «الشيخ» عبر عقود من الزمن من «كان يا ما كان فـي قديم زمان ألف ليلة وليلة... التي تري شيوخا متبطلين، مرتخين على العروش. لكن الأفلام المعاصرة تري شيوخًا نفطيين، محاربين، متباهين بجلستهم المسترخية فـي سيارات الرولز رويس، تواقين لشراء أجزاء من أمريكا» (9). وإضافة إلى الأنواع السينمائية «العربية» الخمسة الرئيسة المتفشية فـي السينما الهوليودية التي يقترحها شاهين، والتي سبق أن أشرت إليها، فإن هناك فئة سادسة، ولكنها عامة، يرسم خطوطها على أنها مستمدة من تلك الأنواع الخمسة، وهي فئة الظهور السينمائي العابر، الـ«كاميو» (10).
وللنقاش صلة.
---------------------------------
(1): Abdelmajid Hajji, “The Arab in American Silent Cinema: A Study of a Film Genre.” Diss. University of Kansas, 1993.
للوقوف على مقاربة شاتس بالتفصيل، انظر:
Thomas Schatz, Hollywood Genres: Formulas, Filmmaking, and the Studio System (New York: Random House, 1981).
(2): Basem Essa Alatom, “Orientalist Stereotyping in Modern American Popular Culture.” Diss. University of Texas at Arlington, 1997.
(3): Walid Raad, “Beirut... (a la foile): A Cultural Analysis of the Abduction of Westerners in Lebanon in the 1980s.” Diss. University of Rochester, 1996.
(4): Jack Shaheen, The TV Arab (Bowling Green: Bowling Green State University Popular Cultural Press, 1985), 4, 5.
(5): Jack Shaheen, Arab and Muslim Stereotyping in American Culture (Washington, D. C: The Center for Muslim-Christian Understanding of Georgetown Univesity, 1985).
(6): من تلك المساهمات:
“TV: Arab as Terrorist,” Cineaste 17, no. 1 (1989): 3-12, «The Hollywood Arab,» Journal of Popular Film and Television 14, no. 4 (1987): 148-157 and «My Turn: The Media›s Image of Arabs,» Newsweek, 29 February 1988, 10.
(7): جاك شاهين، «الصورة الشريرة للعرب فـي السينما الأمريكية»، ت، خيرية البشلاوي (القاهرة: المركز القومي للترجمة)، 2013.
(8): Jack Shaheen, Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies Arabs (New York: Olive Branch Press, 2001), 19.
كما أصدر شاهين لاحقا كتابا متعلقا بصورة العربي فـي أفلام السينما الأمريكية التي انتجت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 هو:
Gulity: Hollywood’s Verdict on Arabs after 9/11 (New York: Olive Branch Press, 2008).
(9): Jack Shaheen, Reel Bad Arabs, 21.
(10): الـ»كاميو» (cameo) أو «ظهور الكاميو» (cameo appearance) فـي الاصطلاح السينمائي: ظهور سريع لممثل أو مخرج سينمائي مشهور فـي الفـيلم بنوع من التوقيع الذاتي, وبطريقة لا تمس جوهر الأحداث (كما كان يفعل ألفرد هتشكك Alfred Hitchcock فـي كل الأفلام التي أخرجها)، أو أن يكون ذلك الظهور السريع لشخصية لامعة من خارج حقل السينما، ويأتي ذلك على نحو التوقير والتبجيل ذوي الصلة الوثيقة بموضوع الفـيلم (كما فـي حالة ظهور المناضل الأفريقي وأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا نلسن ماندلا Nilson Mandella ممثلا دور نفسه فـي فـيلم سبايك لي Spike Lee «مالكم إكس» [Malcolm X]، الولايات المتحدة الأمريكية، 1992، وذلك من حيث الصلة الكفاحية بين الرمزين التاريخيين الكبيرين). وغالبًا ما يلجأ المنتجون والمخرجون السينمائيون إلى «ظهور الكاميو» لأغراض رمزية، وتسويقية، وتجارية.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السینما الأمریکیة الأفلام التی
إقرأ أيضاً:
ختام ورشة الحكي بإنتاج فيلم قصير للأطفال على مدار يومين بمهرجان الإسماعيلية السينمائي
أُقيمت على مدار يومين ورشة حكي تفاعلية للأطفال بتقنية "السيكودراما"، تناولت أهمية التعاون والعمل الجماعي في مواجهة التحديات. جاءت الورشة ضمن فعاليات الدورة الـ26 لمهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، وقدمتها الدكتورة سما الشافعي، الكاتبة والمتخصصة أكاديميًا في أدب الطفل والتنشئة الثقافية لأطفال القدرات الخاصة، وذلك في قصر ثقافة الإسماعيلية بقاعة مكتبة الطفل، وتحت إشراف المخرج طارق نظير، منسق عام الورش ومدير العروض بالمهرجان.
هدفت الورشة إلى تدريب الأطفال، من سن 4 إلى 13 عامًا، على تنمية الخيال والإبداع، وتعزيز مهارات الإلقاء والتفاعل مع الشخصيات، ليشعر الطفل بأنه أحد أبطال القصة، مما يعزز وعيه بأهمية الحكي بعيدًا عن تأثير التكنولوجيا. واختُتمت الورشة بإنتاج فيلم قصير يجسد الحكاية التي عمل عليها الأطفال، وذلك تحت إشراف المخرج طارق نظير، منسق الورش التفاعلية بالمهرجان.
أُقيمت فعاليات ورش الحكي بتقنية "السيكودراما" على مدار أيام المهرجان حتى ختامه في 11 فبراير الجاري، في قصر ثقافة الإسماعيلية، حيث تم تصوير الفيلم القصير استعدادًا لعرضه خلال حفل الختام.
وكان مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، في دورته الـ26، قد أعلن عن الفائزين في مسابقة "النجوم الجديدة"، التي تهدف إلى تسليط الضوء على المواهب الصاعدة في صناعة السينما المصرية. واستمرت فعاليات المهرجان حتى 11 فبراير الجاري، حيث شهدت منافسة قوية بين عدد من الأفلام المتميزة التي تعكس رؤى سينمائية جديدة وأفكارًا إبداعية واعدة.
وكشفت لجنة التحكيم، عن الجوائز، حيث حصل فيلم "أربعة أيام" للمخرج إسماعيل جميعي على جائزة أفضل فيلم، بينما فاز فيلم "ماما" للمخرجة سمر الفقي بجائزة لجنة التحكيم، فيما حصل فيلم "داجن" للمخرج يوسف إمام على تنويه خاص تقديرًا لما قدمه من رؤية إخراجية متميزة.
وتعدّ هذه المسابقة إحدى أبرز الفعاليات الداعمة للمواهب الشابة في السينما، حيث توفر منصة هامة للمخرجين الواعدين لعرض أعمالهم أمام جمهور واسع ولجنة تحكيم من المتخصصين، مما يتيح لهم فرصة تقييم أعمالهم بشكل نقدي ومهني، واكتساب الدعم الذي يحتاجونه لمواصلة مسيرتهم الفنية.
وشهدت دورة هذا العام مشاركة واسعة من مختلف أنحاء مصر، حيث تنافست أفلام من القاهرة والإسكندرية وأسوان والمنصورة ومدن أخرى، ما أضفى طابعًا متنوعًا على العروض، سواء من حيث الخلفيات الثقافية أو الموضوعات التي تناولتها الأفلام. وتنوعت المشاركات بين الأفلام الروائية القصيرة، والأفلام الوثائقية الشخصية، وأعمال الرسوم المتحركة، والأفلام التجريبية، حيث تناولت قضايا مثل الهوية والذاكرة والتحديات الاجتماعية، مما أضاف بعدًا فكريًا وإنسانيًا عميقًا على العروض.
وتميزت المسابقة بحضور جماهيري لافت، حيث شهدت عروض الأفلام تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، تبعها جلسات مناقشة ثرية بين صناع الأفلام والمشاهدين، مما أتاح الفرصة للمبدعين لمشاركة تجاربهم ورؤاهم، وتسليط الضوء على التحديات التي واجهوها في أثناء تنفيذ أعمالهم. وأسهمت هذه الجلسات في تعزيز التواصل بين المخرجين والجمهور، وجعلت المسابقة أكثر من مجرد عرض للأفلام، بل ساحة حقيقية للحوار الفني والتبادل الثقافي.
ونجحت المسابقة في تحقيق هذا النجاح بفضل جهود فريق العمل، بقيادة أحمد نبيل، الذي تولى مسؤولية البرمجة بالتعاون مع حبيبة الفقي، حيث حرصا على تقديم تجربة سينمائية متميزة تعكس التنوع والتجديد في المشهد السينمائي المصري.