بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

في زخم الحياة الرقمية المتسارعة، يجد الإنسان نفسه محاطًا بشاشات تضيء لياليه، تسرق انتباهه، وتعيد تشكيل إدراكه. لم يعد الأمر ترفًا أو خيارًا،نما أصبح نمطًا معيشيًا يفرض إيقاعه على الأفراد والمجتمعات. في العراق، كما في بقية العالم، باتت التكنولوجيا الرقمية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، تؤثر في العادات والعلاقات والقيم.

وفقًا لتقرير صادر عن مركز الإعلام الرقمي (DMC) للعام ٢٠٢٤ ، بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق 31.95 مليون شخص، ما يعادل 69.4% من إجمالي السكان، ما يعكس حضورًا رقميًا متزايدًا يعيد تشكيل أنماط التفاعل الاجتماعي. لم يعد الاتصال الافتراضي مجرد وسيلة، بل تحول إلى معيار يُقاس به الوجود والتفاعل ، مما أفرز تحولات وتصرفات نفسية وسلوكية غير مسبوقة ولم تكن معتادة

التعلق المرضي بالإنترنت لم يعد حكرًا على جيل دون آخر، بل اجتاح كل الفئات العمرية. الأطفال يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يؤثر على نموهم العقلي والاجتماعي، حيث باتت الألعاب الإلكترونية ووسائل الترفيه الرقمية تأسر انتباههم وتحدّ من تفاعلهم الحقيقي مع العالم الخارجي ومحيطهم العائلي . الشباب، من جهتهم، أصبحوا أكثر انجذابًا إلى المحتوى السريع، مما يقلل من قدرتهم على التركيز العميق والتفكير النقدي. أما كبار السن، الذين يفترض أنهم الأكثر نضجًا، فقد وجدوا في التكنولوجيا وسيلة للهروب من العزلة الاجتماعية، إلا أن هذا الارتباط قد يتحول إلى عزلة من نوع آخر، حيث تُستبدل العلاقات الواقعية بالافتراضية، ما يؤدي إلى فقدان التوازن في التفاعل الإنساني الطبيعي.

تشير البيانات إلى تزايد مستخدمي بعض المنصات مقارنة بالعام الماضي، حيث ارتفع تيك توك إلى 31.95 مليون مستخدم، وقفز فيسبوك إلى 19.30 مليون، بينما شهد إنستغرام نموًا ملحوظًا، في مقابل تراجع مستخدمي يوتيوب. هذه التغيرات تعكس تفضيلات تميل إلى المحتوى الأسرع، ما يطرح تساؤلات حول تأثيره على آليات التفكير والاستيعاب. لم تعد المشكلة محصورة في الوقت المستغرق على هذه المنصات، بل في إعادة تشكيل العقلية نحو الاستجابات الفورية، مما قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التحليل النقدي والتركيز العميق.

علي الوردي أشار إلى التناشز بين القيم التقليدية والتغيرات الحديثة، حيث يجد الإنسان نفسه عالقًا بين ما نشأ عليه وما تفرضه التحولات الرقمية. هذه الفجوة أنتجت حالة تعلق قسري بالمنصات الافتراضية، حيث لم يعد الانفصال عن الإنترنت خيارًا بسيطًا، بل محفوفًا بشعور التهميش والخوف من العزلة الاجتماعية، مما أفرز نمطًا جديدًا من العلاقات يُبنى على القبول الرقمي أكثر من التفاعل الحقيقي.

دراسات وزارة الصحة العراقية تكشف أن 25% من المراهقين يعانون من أعراض الإدمان الرقمي، مثل القلق عند محاولة تقليص الاستخدام وفقدان السيطرة على الوقت، ما يعكس تأثيره العميق على الصحة النفسية. محمود الخطاب يرى أن السرعة في استهلاك المعلومات لا تعزز المعرفة بقدر ما تستبدل الفهم العميق بالتلقين السريع، مما يهدد بتآكل التفكير النقدي شيئا فشيئا لصالح الاستجابات الانفعالية الانية .

معالجة هذا الواقع لا تكمن في الدعوة إلى القطيعة مع التكنولوجيا، بل في إعادة هيكلة العلاقة معها. ……..التربية الرقمية باتت ضرورة لا يمكن تجاهلها، حيث يتوجب على الأسر مراقبة استخدام الأطفال للإنترنت دون حرمانهم منه، بل بتوجيههم نحو محتوى تعليمي وترفيهي متوازن. بالنسبة للشباب، فإن تعزيز ثقافة القراءة والتفاعل الحقيقي يمكن أن يشكل بديلًا صحيًا لتقليص التأثير السلبي للإفراط في الاستخدام. أما كبار السن، فالحل يكمن في دمجهم في نشاطات اجتماعية تفاعلية تعزز الروابط الإنسانية الحقيقية، بحيث يكون العالم الرقمي مساحة مكملة، لا بديلًا عن الواقع.

لم تعد هذه التحولات مقتصرة على الأفراد، بل امتد تأثيرها إلى المجتمع، حيث تراجعت القراءة العميقة لصالح المحتوى المرئي السريع، مما يفرض على المؤسسات التعليمية والثقافية إعادة النظر في أساليبها. المواجهة لا تكمن في مقاومة التكنولوجيا، بل في إعادة ضبط العلاقة معها، بحيث تبقى أداة لتعزيز المعرفة لا مجرد وسيلة لإهدار الوقت. ما يحدد تأثيرها ليس عدد الساعات التي تُقضى أمام الشاشات، بل جودة الإدراك المتحصَّل خلالها. المستقبل لن يكون لمن يستهلك التكنولوجيا، بل لمن يمتلك الوعي الكافي لتوجيهها، بحيث تبقى الأداة في خدمة الإنسان، لا العكس.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات لم یعد

إقرأ أيضاً:

شحن الهواتف الذكية في 60 ثانية فقط| ما القصة؟

شحن الهواتف المحمولة هي ضرورة حتمية على أغلب سكان العالم، الذين أصبح الهاتف الذكي جزء لا يتجزأ من حياتهم، وعليه يسعي العديد من المواطنين إلى معرفة طرق شح الهاتف بطريقة سريعة.

شحن الهواتف الذكية في 60 ثانية فقط

ويحتاج الهاتف المحمول إلى الشحن بشكل دوري وهنا قد تختلف عادات شحن الهاتف من شخص لآخر، هناك من يشحن الهاتف قبل النوم، أو بالسيارة، وغيرها من عادات الشحن.

5 أسباب تؤدي إلى بطء شحن هاتفك وكيفية حلها

ومع التطورات الهائلة فى المجال التكنولوجي فقد يمكنك شحن هاتفك  خلال دقيقة واحدة فقط لشحن أجهزتك الأقرب إليك، حيث نجح الباحثون في جامعة كولورادو فى القيام بذلك في خطوة واحدة من هذا الواقع.

ونجح العلماء فى إن اختراق لفهم سلوك الأيونات في المكثفات الفائقة، والذي يضيف معنى جديدًا تمامًا لمفهوم “الشحن السريع للغاية”، حيث يمهد البحث الطريق نحو  شحن هواتف آيفون وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في 60 ثانية فقط والسيارات الكهربائية في 10 دقائق.

ماهى المكثفات الفائقة

من المعروف أن المكثفات الفائقة تشحن الأجهزة الإلكترونية بسرعة البرق، لكن المشكلة تكمن في قدرتها على تخزين الطاقة، حيث تستطيع بطاريات الليثيوم أيون التقليدية تخزين قدر أكبر بكثير من الطاقة، مما يسمح باستخدامها بشكل أبطأ ولكن لفترة أطول.

ويقول العالم أنكور جوبتا، والذي أجري الدراسة أنه وفريقه قد وجدوا مفتاحًا للتغلب على هذا القيد - وهي تقنية كانت معروفة ولكن من المستحيل تحقيقها.

ركزت النتائج، التي نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences ، على كيفية تحرك الجسيمات المشحونة (الأيونات) داخل المكثفات الفائقة، تعد هذه الحركة مفتاحًا لإطلاق العنان للإمكانات التي طال انتظارها للمكثفات الفائقة لتخزين الطاقة عالية الكثافة.

ووفق موقع uniladtech فإن قانون كيرشوف، وهو مبدأ محدد في نظرية التيار الكهربائي، ينص على أن الجهد يجب أن يتحرك في حلقات محددة.

ويقول العلماء أن الجاذبية الأساسية للمكثفات الفائقة تكمن في سرعتها، حيث أنه يمكن التسريع فى عملية شحنها وإطلاق الطاقة من خلال حركة الأيونات بشكل أكثر كفاءة.

ويجري العلماء المزيد من الأبحاث قبل أن يتم تطبيق نتائجهم على أجهزة تخزين الطاقة من الجيل التالي، إلا أنها تتفق بالفعل مع دراسات سابقة من جامعة سنترال فلوريدا في عام 2016.

مقالات مشابهة

  • الهلال الأحمر يشارك في معرض ليب‬⁩ 25 بأول سيارة إسعاف رقمية.. فيديو
  • إطلاق منصات رقمية حكومية خلال اليوم الأول لمعرض السعودية الرقمية في “ليب 25”
  • شحن الهواتف الذكية في 60 ثانية فقط| ما القصة؟
  • مدير بوابة مصر الرقمية للاستكشاف يحصل على الدكتوراه في التحول الرقمي والبحث عن البترول
  • “ليب 2025”.. “الموارد البشرية” تطلق منتجات وخدمات رقمية جديدة
  • مبادرات رقمية وتنموية لتمكين الشباب في محافظتي الأقصر وأسوان
  • الخلود ضد الرياض .. أرقام مثيرة واحصائيات رقمية للمباراة
  • الكاسيت ببغداد.. ماضٍ لا يموت في عصر الموسيقى الرقمية (صور)
  • الأحد المقبل.. وزارة الداخلية تشارك في (ليب 2025) تحت عنوان (خدمات رقمية لوطن آمن)