تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فاجأ الرئيس ترامب كلًا من المعجبين والمنتقدين عندما قال الثلاثاء الماضي إن الولايات المتحدة يجب أن "تتولى" غزة "على المدى الطويل" وأن الفلسطينيين البالغ عددهم 2.2 مليون عليهم أن يغادروا إلى مصر والأردن أو مواقع غير محددة. ومن الواضح أن هذا المخطط المجنون أثلج صدور غلاة الصهيونية واليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير اللذين اعترضا من قبل على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

المخطط الترامبي يتجاوز في خطورة أبعاده النهج الإمبريالي للدول الاستعمارية في القرن التاسع عشر إلى النهج ما بعد الاستعماري وما بعد الاستيطاني، أي الإجلائي والإحلالي، الذي يستهدف طرد أبناء القطاع واستثماره في إطار اقتصادي ونهب ثرواته في البحر المتوسط، متجاهلًا حقيقة أن قطاع غزة ليس قطعة أرض يمكن لـ"مقاول" الاستيلاء عليها، واستغلالها في سياق الاستثمار العقاري، بل قلب نابض بالحياة في وطن مقدس يملأ اسمه سمع وبصر العالم أجمع وأن هذا القطاع عنوان بارز للهوية الوطنية الفلسطينية، التي ترتبط بالهوية العربية الجامعة للأبعاد الوطنية والقومية في ذات الوقت.  

ولوضع مخطط ترامب في سياق ما يدور في العالم الآن لابد من الذهاب إلى أبعد من المشهد العربي وفحص المشهد الدولي وردود أفعال المفكرين وصانعي السياسات، خاصةً المدافعين عن الليبرالية الغربية. ومن الملاحظ في هذا السياق عودة مصطلح الامبريالية حاليا حتى لدى بعض من كانوا يدافعون عنها في الغرب. لقد كان مصطلحا مرفوضا وكريها لدى الليبراليين، وحتى النيوليبراليين، لارتباطه بزعماء عارضوا سيطرة الدول الكبرى على الشعوب والموارد، أمثال عبد الناصر وقيادات أخرى ضمن حركة عدم الانحياز. وظل المصطلح مستخدما في أدبيات اليسار الماركسي والقومي. لكن عاد بقوة الآن ومنذ وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وهي عودة تذكر بما كان دائرا حول هزيمة الامبريالية في حرب فيتنام، وأصبح مفكرون وسياسيون من قلب المعسكر الليبرالي، يدعون إلى "ثورة" تصحيحية للنظام الدولي الليبرالي المتأزم وإنهاء الدور الأمريكي المتزعم لهذا النظام. 

ويرون أن الأمر لن يقف عند المشروع الإحلالي للفلسطينيين في الشرق الأوسط ولكن خطط ترامب المتعطشة للسيطرة سوف تنتقل سريعا نحو قضايا عديدة كالتجارة، والتحالفات، والقانون الدولي، والبيئة، وحقوق الإنسان والديمقراطية، وغيرها من القضايا الجوهرية. 

وقد جاء الرد على مخطط ترامب بالرفض القاطع من قبل الحكومتين الأردنية والمصرية، ومن قبل اللجنة الوزارية الخماسية التي عقدت في القاهرة مطلع فبراير الجاري، وضمت وزراء خارجية السعودية، ومصر، والأردن، والإمارات، وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام للجامعة العربية. وجاء الموقف قويا وخطوة في الاتجاه الوطني الصحيح، داعما للرفض الرسمي والشعبي، الأردني والمصري، لنهج التهجير والإحلال.

وتثير خطط ترامب سؤالًا في الأوساط الغربية: هل يريد المواجهة مع الدول العربية بشأن الترحيل القسري للفلسطينيين، أم يريد الاستقرار الإقليمي من خلال الدبلوماسية؟

يقول صانعو السياسات والقرار الأمريكي الذين يبحثون عن مبررات لخطط ترامب إنه يبحث عن تعزيز النفوذ الأمريكي الدولي حيث أنه يستوجب في القرن الواحد والعشرين السيطرة على ممرات التجارة. كان مفكرو العلاقات الدولية يرفضون لعقود "الجغرافيا" باعتبارها عفا عليها الزمن، مفترضين أن العولمة قد أطرت العالم. ومع ذلك، مازالت الجبال والصحاري والبحار مناطق استراتيجية فاعلة في تعطيل التجارة والتأثير على الاقتصاد. وفي نفس هذا الإطار يبدي ترامب اهتمامه بجرينلاند كموقع استراتيجي على الطريق التجاري الناشئ في المحيط المتجمد الشمالي، كما يريد السيطرة على قناة بنما ونقاط التفتيش البحرية الرئيسية. ويتبع نفس النهج في الشرق الأوسط لتأمين الممرات التجارية من المنافسين مثل إيران وروسيا. ولهذا السبب يشكل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أهمية مركزية في رؤيته، كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ولسحب الهند نحو أمريكا بعيدا عن الكتلة الاقتصادية الصينية الروسية. بالنسبة لحماس وإيران، يشكل ذلك الممر الاقتصادي تهديدا وجوديا. ورأت حماس أن ذلك يؤدي إلى تعجيل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتقويض قضيتها.

لكن معارضو الرؤية الترامبية الغربيون يحذرون من كونها تؤشر إلى تحوّل خطير في النظام العالمي يهدد التجارة الحرّة التعدّدية، والتعاون الأمني ويفسح المجال لهيمنة أمريكية منفردة على النظام العالمي مع انحسار سريع للحقبة الأنجلو-أمريكية التي كانت تجمع الغرب (أمريكا وأوروبا) في معسكر واحد؛ يعني أن النظام الليبرالي الدولي أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى من داخله، والمتضرر لن يكون الفلسطينيون والعرب بل الدول والشعوب الغربية؛ لذلك، تعلو أصوات الليبراليين الآن بضرورة الوقوف في وجه مخططات ترامب ومساندة الموقف العربي والفلسطيني مع التشديد على إعادة صياغة مسؤوليات النظام الليبرالي تجاه القضايا المصيرية بعد أن أصبحت أمريكا تبحث عن فناء نشط وتوسيع سيطرتها واستمالة حلفاء جدد لمخططاتها. 

تلك معالم المشهد الدولي الآن، وخاصة في أوروبا -معقل الرؤية الليبرالية-التي تشدد على ضرورة الوقوف ضد مخططات ترامب في الشرق الأوسط ومناطق العالم لحماية الفكرة الجوهرية للديمقراطية المبنية -في نظرهم- على أسس تقدمية تعزز جهود الاستقرار والتعاون الاقتصادي والنزعة التكافلية في وجه الامبريالية الأمريكية "الشرسة" وتهديداتها للمبادئ الليبرالية العالمية وللحضارة الإنسانية بشكل عام لمنع "هشاشة" حداثة القرن الواحد والعشرين وحروب محتملة تنذر باستخدام أسلحة الدمار الشامل ودمار البيئة والأوبئة الصحية وكوارث إنسانية لا حدود لها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين مصر والأردن

إقرأ أيضاً:

لماذا اليمن في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية؟

احتل اليمن المرتبة الخامسة عالمياً من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية، وفقاً للتقرير السنوي لبرنامج الأغذية العالمي الذي أكد أن القيود التي فرضها الحوثيون ونقص التمويل يشكلان تحديات على قدرته في استمرار تقديم المساعدات.

وبحسب التقرير القُطري السنوي لعام 2024 للبرنامج الأممي صدر في ابريل 2025م، فقد ظل اليمن طوال العام «بيئة عالية المخاطر»، حيث تمت مواجهة مجموعة من المخاطر شملت محاولات التدخل، وضعف الرقابة على المساعدات، وقيود التمويل، وديناميكيات الصراع المتزايدة التعقيد.

وأكد البرنامج أن اليمن لا يزال ضمن فئة المخاطر الأعلى في ملف المخاطر القُطرية للأغذية العالمي، حيث احتل المرتبة الخامسة بين أعلى مستويات المخاطر من بين جميع عمليات البرنامج البالغ عددها 85 عملية في جميع أنحاء العالم.

وبشأن ظروف عمل البرنامج الأممي، بيّن التقرير أن الديناميكيات السياسية في مناطق سيطرة الحوثيين تسببت في فرض قيود وتأخيرات أثرت سلباً على العمليات والأنشطة الإنسانية ومراقبة الوصول.

كما أن النقص في التمويل الذي برز نتيجة لتغير أولويات المانحين والمنافسة بين عمليات الطوارئ في دول مختلفة، شكّل تحدياً لقدرته في الحفاظ على استمرارية العمليات الإنسانية على نطاق واسع.

ومع أن الأمم المتحدة نددت علناً وفي أكثر من مناسبة بحملة الاعتقالات التي نفذها الحوثيون وطالت أكثر من 70 من العاملين لدى المنظمات الأممية والدولية الإنسانية، إلا أن تقرير الأغذية العالمي تناولها بلغة ناعمة جداً.

وقال البرنامج: إن التوترات الجيوسياسية أدت إلى ارتفاع المخاطر التي تهدّد سلامة الموظفين وسلامة العمليات؛ «ما أدى إلى احتجاز موظف من برنامج الأغذية العالمي وآخرين يعملون في المجال الإنساني».

تقدم كبير

على الرغم من هذه العقبات، يذكر التقرير أن المكتب القُطري لبرنامج الأغذية العالمي أحرز تقدماً كبيراً في عملية إعادة الاستهداف والتسجيل في مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً على السواء. وذكر أنه هدف من هذه الجهود ضمان وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، وزيادة شفافية البرامج والمشاريع التابعة له وتعزيز الاستقلالية التشغيلية.

وقال التقرير إن البرنامج استمر في تعزيز قدراته على إدارة المخاطر المؤسسية من خلال الاستثمار في أنظمة وصفها بالفعالة لتعقب وتتبع السلع وتعزيز آليات وأنظمة رقابة متعددة المستويات.

وأشار البرنامج إلى أنه فعَّل مجموعة من استراتيجيات إدارة المخاطر، منها مبدأ «لا توزيع دون رقابة»: لدعم نزاهة البرامج والمشاريع والتخفيف من مخاطر تسرب المساعدات الغذائية وحرفها عن مسارها.

وإلى جانب ذلك، تم إدماج إدارة المخاطر في عملية صناعة القرار التشغيلي من خلال المشاركة الفاعلة لوحدة إدارة المخاطر التابعة للمكتب القطري في لجان الحوكمة، فضلاً عما تلعبه من دور استشاري فاعل.

وأكد البرنامج الأممي أنه تم إيلاء اهتمام وتركيز خاصّين بمراقبة المخاطر وتحديد مدى قبول المكتب التعامل معها، ووضع أدلة ومبادئ توجيهية تشغيلية تشمل مجالات المخاطر الرئيسية، بما في ذلك مجال مراقبة وصول المساعدات، وإدارة بيانات المستفيدين، والتعامل مع الادعاءات والممارسات المحظورة.

وحتى نهاية العام الفائت، أوضح البرنامج أنه تم تنفيذ جميع توصيات المراجعة الداخلية، باستثناء إجراءات الاستهداف والتسجيل التي لا تزال قيد التنفيذ، وقال إن التقييم المؤسسي الطارئ لاستجابة برنامج الأغذية العالمي في اليمن (2019 - 2024) الذي تم إطلاقه عمل على تعزيز أطر المساءلة، وأنه من المتوقع أن تكون مخرجات هذا التقييم خلال العام الحالي.

تقليص المساعدات

وفق التقرير، تجلّت القيود المالية والتشغيلية في الانخفاض الكبير في حجم المساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية، فمع تعليق أجزاء كبيرة من العمليات الإنسانية خلال معظم العام، انخفض عدد الأشخاص الذين تلقوا المساعدات بنسبة 44 في المائة مقارنة بعام 2023. كما انخفضت كمية المساعدات الغذائية الموزعة بنسبة 81 في المائة.

وبالإضافة إلى ذلك، انخفضت التحويلات النقدية المقدمة بالدولار بأكثر من النصف. وفي حين أثر ذلك في المقام الأول على الأنشطة في مناطق سيطرة الحوثيين، فقد تأثرت كذلك مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً بانقطاع المساعدات بسبب نقص التمويل، حيث قدّم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية بحصص مخفَّضة لمعظم الأشخاص المستفيدين من المساعدات في جميع أنحاء البلاد.

ونتيجة لنقص التمويل، اضطر برنامج الأغذية العالمي في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي إلى تعليق برنامج الوقاية من سوء التغذية بشكل كامل، ما ترك 2.4 مليون طفل وامرأة وفتاة حامل ومرضع عرضة للخطر دون أي دعم أو مساعدات.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي وأمير قطر يؤكدان رفضهما القاطع لتهجير الفلسطينيين من أرضهم
  • النظام العالمي ينهار أمام أعيننا
  • الأردن: الاحتلال يستخدم الجوع والحصار لتهجير الفلسطينيين قسريا
  • لماذا اليمن في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية؟
  • لتهجير الفلسطينيين وضغطًا على حماس لإطلاق الأسرى.. الاحتلال يضم رفح للمنطقة العازلة ويستخدم المياه سلاحا للإبادة
  • وزيرة فلسطينية تشيد بالمبادرات الإنسانية لوكالة بيت مال القدس دعما لصمود الفلسطينيين
  • السلطة تدعو واشنطن للتحقق من إلغاء نظام دفع مستحقات السجناء الفلسطينيين
  • أين تقع القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط؟ وما هي التعزيزات التي أرسلها ترامب؟
  • أين تقع القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وأكبرها في دولة عربية ؟ وما هي التعزيزات التي أرسلها ترامب
  • جوزيف بيلزمان مهندس خطة ترامب لتهجير غزة