لجريدة عمان:
2025-03-13@12:13:52 GMT

حسن مير.. روحانية الطقوس وفضاء التعبير التشكيلي

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

حسن مير.. روحانية الطقوس وفضاء التعبير التشكيلي

في مستهل تجربتي التدريسية في جامعة السلطان قابوس، سنحت لي فرصة مميزة للاقتراب من المشهد الفني العُماني، لا سيما عبر المعارض العامة التي تقيمها جمعية الفنون التشكيلية في حي الصاروج آنذاك. هناك، التقيت بالفنان الشاب حسن مير، الحاصل على درجة الماجستير في فن الإعلام من كلية سافانا للفنون والتصميم في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1999.

يتميز هذا الفنان بحضور لافت، إذ عرضت أعماله في العديد من المعارض على المستويين المحلي والعالمي.

وبالرغم من أن تلك كانت المرة الأولى التي أطلعت فيها على رؤيته الفنية واستمعْت لأفكاره، إلا أنها لم تكن الأخيرة.

في عام 2003، وبعد فترة وجيزة من ترأُّسي لقسم التربية الفنية في الجامعة، برز شاغر مفاجئ إثر اعتذار إحدى عضوات هيئة التدريس، في تلك اللحظة، تذكّرت شغف الفنان حسن مير وطاقته الإبداعية، فدعوته لسد هذا الفراغ الأكاديمي، تزامن ذلك مع متابعتي لنشاطه في إقامة معرض بعنوان «الدائرة» على قاعة المركز الثقافي في مرتفعات القرم، حيث قدم عملًا بصريا مغايرا عما توقعته، مزج فيه تقنية الفيديو مع تركيب بصري لرجل يغرق في حوض السباحة (البانيو). شكلت الصورة المتحركة للغريق الذي يخترق الماء عنصر دهشة ملفتا، يثري فكرة «الدائرة» ومحورها الفكري كمفهوم يتجاوز الشكل الهندسي، ليغدو رمزًا لاستمرارية الحياة ودورانها، وليطرح أسئلة عن لحظات الفناء والولادة المتجددة. إن إدخال عنصر الماء من خلال تصوير رجل غارق في البانيو يضفي على العمل طاقة بصرية عالية، ويقرب المشاهد من ثيمة الانبعاث واستكشاف الحدود بين الواقع والحلم.

يتميز حسن مير بكونه مصمما ورساما، مهتما بتقنيات الفيديو إلى جانب براعته في اللوحة التشكيلية واستخدام الألوان على قماش الكانفاس. وعلى الرغم من الأهمية التي يحتلها الفيديو في نتاجه الفني، فإن التركيز هنا سينصب على تجربته التشكيلية بوصفها بعدا فنيا وإبداعيا يكتمل في سياقه التصويري.

عند تأمل رسومات حسن مير، نلحظ توالدا لإيحاءات متعددة تتصل باللحظة المعاشة، وتمتزج فيها رموز وخطوط بدائية الطابع، وتبدو شخصياته ملتحمة بالتكوين العام، بحيث يتشكل حوار متكامل بين لغته الشفاهية ولغته البصرية؛ فيكتفي بالكلام حينا ويعززه بالصورة حينا آخر. بهذا تتحقق بنائية اللوحة لديه بتناغم مع رصيده في التصميم، ويتجلى ذلك من خلال أعماله المعروضة على منصاته الفنية.

عند فحص لوحات حسن مير، يتبين أنه يجمع بين مناهج فنية متعددة، كالرمزية والتجريدية، مع ميل واضحٍ إلى التعبيرية. إنه يتعامل مع اللوحة من منظور جمالي وفكري متكامل، فيحطم الأشكال ويطلقها في فضاءٍ زمني ومكاني مفتوح على الميثولوجيا والأحلام والكوابيس، ليفسح المجال أمام الإشارات والرموز كي تتفاعل مع ذهن المتلقي، وهكذا تتحول اللوحة إلى ساحة واسعة للتأمل والتأويل.

لا تخلو أعمال حسن مير من البعد الميثولوجي، إذ يستلهم طقوسا وأساطير مختلفة، يوظفها للتعبير عن التساؤلات الوجودية حيال الحياة والموت والدورات الكونية.

إن تجربة حسن مير تثبت أن التشكيل ليس مجرد أسلوب أو تقنية فحسب، بل هو مشروع فكري ورحلةٌ في استنطاق الرموز والتراث والأساطير، سعيا للإجابة عن هواجس الإنسان الكبرى، يجمع الفنان ببراعة بين جوانب التصميم والفيديو واللوحة، ليوجد لغةً فنيةً متعدّدة المستويات، تمكن المتلقي من خوض حوار مباشر مع العمل الفني وفلسفته.

كذلك، ثمة بعد روحانيّ حاضر بقوة في لوحات حسن مير، يتجلى من خلال استكشافه للطقوس السحرية والأساطير الموروثة من العصور القديمة، التي ترسخت في عمق المجتمع العُماني. لقد فتنني توجهه الفني في لوحاته؛ كما تشير عناوينها: «آدم وحواء والروح البيضاء»، و«أرواح غير مرئية»، و«وجوه غير معروفة»، و«تحت شجرة النخيل»، و«الدوائر الخضراء»، فهو لا يتعاطى مع تلك الطقوس بوصفها فولكلورا محليا وحسب، بل يعدها مفاتيح لسبر أغوار الفكر الإنساني حول الموت والفناء والإيمان، وحين سألته عن سر شغفه بالطاقة الغامضة المتجذرة في الطقوس القديمة، أجاب بأن الأساطير والمعتقدات تغذي تفكيره وتثير تساؤلاته الوجودية، وفي الحقيقة، يكمن جوهر فنه في هذا التأمل العميق والمساءلة المستمرة التي يستخرجها من الإرث الشعبي العريق.

ما يشد المتتبع لأعمال حسن مير هو قدرته على تحويل تلك المعتقدات القديمة إلى رؤى تشكيلية حديثة، مستخدما تقنيات متنوعة تنعكس في بناء اللوحات والأعمال التركيبية (الإنشائية)، إلى جانب التصوير الفوتوغرافي والفيديو آرت.

منذ طفولته، جذبته تلك الطقوس فصار ينهل منها ويتفحص أشكالها التي تنبثق عن أساطير غامضة وصراعات روحية، ما شكل مسار حياة الإنسان قديما ويستمر في التأثير أحيانا على وعيه الحديث. ولعل خصوصية تجربته تكمن في مزجه بين الإرث التراثي والمقاربات المعاصرة، التي تتجلى في استخدام التقنيات الحديثة ووسائل التعبير الجديدة، فصارت أعماله مساحة حرة للتساؤل حول الوجود الإنساني وامتداداته الروحية. إنها تجربة تستحق الإضاءة والمتابعة النقدية لما تحمله من أبعاد ثرية تربط الماضي بالحاضر، والأسطوري بالواقعي، لتشكل سردية فريدة في الحركة التشكيلية العُمانية.

في نظره، يمثل الفن وسيلةً ورؤية لاستكشاف جوهر الحالة البشرية وفهم التضاد الذي يعيشه الإنسان وسط التفاعلات الثقافية والحضارية. ومن هذا المنطلق، يسعى إلى توثيق بعض العناصر والأفكار الرمزية المتقاطعة بين مختلف الثقافات في عالمنا اليوم، لا سيما في ظل التحولات والاضطرابات العميقة التي تشهدها مجتمعاتنا، كما أنه يعنى باستكشاف الخامات والمواد المختلفة المستخدمة في التصوير للتعبير عن القضايا الراهنة، وقد أبدى اهتماما خاصا بالتصوير الضوئي وتقنيات الفيديو، مواظبا على تطوير تجربته في هذا المجال منذ دراسته في الخارج، ولم ينقطع عن ذلك بعد عودته؛ مما أضاف إلى رصيد خبرته العملية والتقنية، وأصبحت هذه التجارب بمنزلة خبرات شخصية متراكمة.

في معظم أعمال حسن مير، تتنوع الخطوط بين الداكنة والفاتحة، والسميكة والرفيعة، والمستقيمة والمنحنية؛ فتوجد فيما بينها مزيجا متداخلًا من المسافات والقرب، مانحة سطح اللوحة حركة راقصة تتنقل بين التوقف والتجول. وتستند هذه التشكيلات إلى خلفيات متماسكة بألوان تتراوح بين الأصفر والبرتقالي، وأحيانا تأخذ طابعا حياديا يميل إلى الرمادي أو الأزرق.

وتظهر في ثنايا هذه الأعمال إشارات ورموز ومساحات وكتل خارجةٌ عن المألوف والمتوقع، تجسد في نهاية المطاف «ثرثرة» تلقائية ورشيقة على سطح الكانفاس. كما أن اعتماد الفنان على أسلوب أفقيّ في نشر الرموز والإشارات والشخوص، يشي بوجود مخزون معرفي ضخم، يحول الزحام إلى سمة طاغية. ويتجلى هذا الازدحام في توظيف العناصر والرموز المتعددة، التي لم يكن بالإمكان توحيدها إلا من خلال معالجة تقنية فائقة؛ إذ يدل ذلك على مهارة جمالية عالية مكنته من الجمع بين عناصر متنوعة ومتباعدة في حوار بصري متناغم.

د. صبيح كلش فنان و أكاديمي مقيم في مسقط

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

كاتبة أميركية: اعتقال خليل أكبر تهديد لحرية التعبير منذ الرعب الأحمر

حذّر مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز من أن اعتقال السلطات الأميركية الفلسطيني محمود خليل، وإلغاء بطاقته الخضراء وتأشيرته الطلابية بسبب دعمه فلسطين، تهديد خطير لحرية التعبير.

واعتقل ضباط الهجرة خليل، السبت، إثر نشاطاته المؤيدة لفلسطين في جامعة كولومبيا السنة الماضية، وكان قد واجه صعوبات في إكمال إجراءات تخرجه سابقا للسبب ذاته، وفق المقال.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: مفاوضات واشنطن مع حماس أبعدت نتنياهو لمدرجات المتفرجينlist 2 of 2صحف عالمية: قرار إسرائيل العسكري معقد وتحرير الأسرى بالحرب غير واقعيend of list

وأكد المقال أن أمر الاعتقال جاء في إطار حملة يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب شنها على طلبة الجامعة الذين شاركوا في الاحتجاجات الجامعية المناصرة لغزة.

"الرعب الأحمر"

وشبهت كاتبة العمود في الصحيفة ميشيل غولدبرغ الحملة بما حصل في حقبة "الرعب الأحمر" بالخمسينيات، عندما استُخدمت المخاوف من الشيوعية لتبرير عمليات تطهير سياسي واسعة النطاق.

وأشارت الكاتبة إلى أن الطلاب المؤيدين لفلسطين مكروهون في البلاد، تماما كما كان اليساريون مكروهين في فترة الرعب الأحمر، إذ تم تنبيه حوالي 13 مليون من حاملي البطاقة الخضراء في الولايات المتحدة -بما في ذلك الطلاب والأساتذة الأجانب- إلى ضرورة الانتباه لما يقولونه.

ونقلت تعليق الرئيس على منصته "تروث سوشيال" أن "الحكومة على علم بأن هناك طلابا آخرين في جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات شاركوا في أنشطة مؤيدة للإرهاب ومعادية للسامية ومعادية للولايات المتحدة، ولن تتسامح إدارة ترامب مع ذلك".

إعلان

وكان ترامب قد تعهد سابقا بترحيل الناشطين المناهضين لإسرائيل، حسب المقال، وبدأت إدارته في اتخاذ إجراءات صارمة ضد جامعات مثل جامعة كولومبيا، إذ ألغى 400 مليون دولار من التمويل الفدرالي بسبب حوادث مزعومة معادية للسامية.

كما ذكر المقال أن وزير الخارجية ماركو روبيو يخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للطلاب الأجانب بحثا عما وصفه بـ"المتعاطفين مع الإرهاب".

مخاوف قانونية

وأوضحت الكاتبة أنه لم توجه أي تهمة لخليل، وأن أحد أسس اعتقاله كان ملفا أعدته منظمة "كاناري ميشن"، وهي مجموعة يمينية تراقب النشطاء المناهضين للصهيونية في الجامعات الأميركية، احتوى تفاصيل مواقفه الداعية إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها.

وفي هذا الصدد، نقل المقال قول وزارة الأمن الداخلي إن خليل "انخرط في أنشطة منحازة لحماس" (حركة المقاومة الإسلامية)، وهو ادعاء غامض من الناحية القانونية، ويثير مخاوف خبراء قانونيين تحدثت إليهم الكاتبة بشأن حرية التعبير تحت حكم ترامب.

وأورد المقال وصف المحامي بريان هاوس -من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية- ما حدث بأنه أحد أكبر التهديدات للتعديل الأول من الدستور منذ عقود.

وخلص المقال إلى أن تجاهل إدارة ترامب المتعمد للدستور خطر لا يشمل الطلاب والأساتذة الأجانب فقط، بل المجتمع الأميركي بأكمله.

وبدورها، شجبت ناتاشا لينارد الإجراء المتخذ ضد خليل معتبرة أن ترامب إذا كان بمقدوره ترحيل هذا الناشط الطلابي، فعلى حرية التعبير السلام.

وشددت في مقال لها عن الموضوع في موقع إنترسبت الأميركي على أن ترحيل الأشخاص بسبب آرائهم السياسية غير قانوني، و"لكن هذا بالضبط ما تحاول إدارة الهجرة والجمارك الأميركية فعله مع هذا الطالب الفلسطيني في جامعة كولومبيا"، على حد تعبيرها.

واتفقت صحيفة غارديان البريطانية مع هذا الطرح، قائلة إن اعتقال هذا الناشط الطلابي الفلسطيني يثير القلق بشأن حرية التعبير بالولايات المتحدة، مضيفة أن الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أدان هذا الإجراء ووصفه بأنه هجوم على حرية التعبير.

إعلان

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: قضية خليل تهديد لحقوق التعبير الدستورية
  • لوحة تقدم المشروبات المرطبة في دبي
  • د ياسر يوسف: حرية التعبير.. جدل السياس والقانون
  • مظاهرات تطالب بالإفراج عن محمود خليل وروبيو: توقيفه لا يتعلق بحرية التعبير
  • تهديد الجامعات ومنع الحوار.. هكذا تبدو حرية التعبير في عهد ترامب
  • المعتمرون يؤدون صلاة الفجر وسط أجواء روحانية مهيبة بالحرم المكي.. فيديو
  • زينة رمضان روحانية وبهجة
  • كاتبة أميركية: اعتقال خليل أكبر تهديد لحرية التعبير منذ الرعب الأحمر
  • رمضان في مصر.. روحانية وتكافل وأجواء ساحرة
  • ساعات الإفطار في تبوك.. أجواء روحانية تجمع المقيمين العرب على مائدة التآخي