من تكساس إلى دونباس.. قصة مقاتل أميركي في خنادق الحرب الروسية
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
ويحكي راسل بنتلي، المعروف أيضا باسمه الحركي "تكساس" في برنامج "يوميات مقاتل" رحلته من حياة الرفاهية في الولايات المتحدة إلى ميادين القتال، حيث وجد في المعركة قضيته الخاصة.
ويتتبع الفيلم حياة "تكساس" الصاخبة، منذ ولادته ونشأته وأثر التطورات التي مرت بها البلاد كحرب فيتنام واغتيال جون كينيدي، ثم قتاله مع الجيش الأميركي، وبعد ذلك سجنه 5 سنوات إثر عمله مروج مخدرات، وأخيرا وصوله إلى روسيا.
ويستعيد بنتلي ذكرياته عن نشأته في تكساس وسط عائلة ميسورة، حيث كان مولعا بالأدب والشعر، لكنه كان مختلفا عن بيئته حيث انجذب في شبابه إلى النضال ضد الظلم، متأثرا بأحداث مثل حرب فيتنام وحركات الحقوق المدنية، لكنه لم يجد طريقه السياسي حتى اندلاع النزاع في أوكرانيا عام 2014.
وبعد مشاهدة صور مروعة عن قصف المدنيين في لوغانسك وأوديسا، قرر بنتلي أن عليه التحرك، فجمع مدخراته وغادر الولايات المتحدة إلى روسيا، حيث حصل على تأشيرة دخول لمرة واحدة، واضعا نصب عينيه هدفا واحدا، وهو الانضمام إلى القوات التي تدافع عن دونباس.
دون سابق خبرةوفي ديسمبر/كانون الأول 2014، عبر بنتلي الحدود نحو دونيتسك شرقي أوكرانيا، ليجد نفسه على مشارف حرب شرسة، يتذكر لحظة وصوله عندما كان يسمع دوي المدفعية، مدركا أنه أصبح جزءا من معركة لم يكن له سابق خبرة مباشرة بها.
إعلانومع ذلك، سرعان ما تأقلم مع الحياة العسكرية، وانضم بنتلي إلى وحدات المقاتلين الذين كانوا يدافعون عن المدينة، ويصف معارك دامية خاضها، أبرزها "معركة مطار دونيتسك الثانية"، التي شهد فيها فقدان العديد من رفاقه، لكنه يؤكد أن تلك الخسائر زادته إصرارا على مواصلة القتال.
ويقول بنتلي "حين ترى الظلم، لا يمكنك الوقوف مكتوف الأيدي" مشيرا إلى أن الدافع وراء نضاله هو الدفاع عن المدنيين الذين يتعرضون للقصف المستمر.
وعلى مدى سنوات الحرب، تحول بنتلي من مجرد مقاتل إلى شخصية بارزة في دونباس، حيث لم يقتصر دوره على حمل السلاح، بل أصبح أيضا صوتا إعلاميا ينقل رواية سكان المنطقة إلى العالم.
ويرى بنتلي أن الولايات المتحدة اليوم "محكومة بمجموعة من الفاشيين الأصليين والشركات الأوليغاركية، أعداء روسيا والإنسانية ككل"، ولذا كرس حياته للقتال ضدهم خصوصا بعد الغزو الأميركي في أفغانستان والعراق "بناء على كذبات، وارتكابهم جرائم ضد الإنسانية هناك"، بحسب تعبيره.
لقاء زوجته لودميلاوضمن ما ورد في حلقة "يوميات مقاتل" تحكي لودميلا بنتلي زوجة راسل التي تنحدر من دونيتسك، كيف قابلته لأول مرة عبر الإنترنت عندما كانت تعمل في الترجمة.
وعلى الرغم من الاختلافات الثقافية بينهما، وجدت فيه شخصا ملتزما بقضية آمن بها حتى النهاية، وتعترف بأن العيش مع شخصية مشهورة في منطقة نزاع لم يكن سهلا، لكن إيمانها بمسيرته جعلها تدعمه بلا تردد.
ويروي بنتلي تفاصيل المعارك الطاحنة التي خاضها، وكيف واجه الموت أكثر من مرة، مؤكدا أنه لا يخشى المصير المحتوم، وفي هذا السياق يقول "أعرف أني سأموت.. لكنني أفضل أن أموت وأنا أدافع عن قضية أؤمن بها، بدلا من أن أعيش حياة فارغة بلا معنى".
ويربط بنتلي بين نضال سكان دونباس والقضية الفلسطينية، معتبرا أن المعركة التي يخوضها ليست محلية فحسب، بل هي جزء من صراع عالمي على الحرية والعدالة.
إعلانويرى أن القوى التي تحارب شعبه هي نفسها التي تستهدف شعوبا أخرى حول العالم، مؤكدا أن من يدافع عن دونباس، يدافع عن مستقبل البشرية.
الانتقال للعمل الصحفيوكان راسل الذي يعد نفسه شيوعيا قد انضم لجانب القوات الروسية لقتال أوكرانيا عام 2014، إلا أنه بعد ذلك قرر الانتقال للعمل الصحفي، وعمل مع وكالة "سبوتنيك" الرسمية وحصل على الجنسية الروسية.
وكانت رئيسة تلفزيون "روسيا اليوم" التابع للكرملين مارغريتا سيمونيان قالت في أبريل/نيسان الماضي عقب اختفائه إن "راسل بنتلي، قد قتل في دونيتسك وهو يقاتل مع رجالنا"، دون أن تقدم أي معلومات إضافية حول تفاصيل مقتله.
كما أكدت كتيبة "فوستوك" التي كان راسل يقاتل في صفوفها مقتل راسل، داعية "للانتقام من أولئك الذين قتلوه"، في إشارة إلى أنهم لم يكونوا من القوات الأوكرانية الذين كان "تكساس" يقاتلهم.
وبينما يستمر الصراع في أوكرانيا، تبقى قصة راسل بنتلي شاهدا على تقاطع المصائر، حيث يختار بعض الأفراد ترك حياتهم خلفهم والانضمام إلى قضايا يرونها حسب تصوراتهم أكبر من ذواتهم، في رحلة تتحدى كل التوقعات.
9/2/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
ماذا لو فقدت أوكرانيا سيطرتها على كورسك الروسية؟
كييف- ما إن بدأت أوكرانيا عملياتها العسكرية في عمق مقاطعة كورسك الروسية قبل أكثر من نصف عام، حتى ربطتها بأمرين رئيسيين، تخفيف الضغط الروسي على جبهات جنوب شرق البلاد، وإجبار موسكو على تبادل أراضي السيطرة.
لم تحقق كييف هدفها الأول، فرغم حديثها الدائم عن "محرقة" قتلت أكثر من 40 ألف جندي روسي وكوري شمالي في كورسك؛ فإن جبهات دونيتسك وخاركيف ظلت مشتعلة وساخنة.
ولهذا كانت العملية محل شك وجدل على مختلف المستويات مع مرور الوقت، واليوم يزيد هذا الجدل بفعل حدوث اختراق روسي داخل مساحات سيطرة أوكرانيا، يهدد بحصار آلاف من جنودها، وحرمانها من فرصة تحقيق هدف التبادل الثنائي.
إنكار أوكرانيسارع الأوكرانيون إلى نفي "الاختراق"، ومنذ بداية "العملية النوعية" الروسية، في 6 مارس/آذار الجاري، يشيرون بالأرقام إلى بيانات يومية لا تختلف كثيرا عن تلك التي حدثت قبل ذلك فيما يتعلق بعدد الاشتباكات والهجمات وحجم الخسائر وغيرها.
لكن الإنكار الأوكراني لا ينفي حقيقة وخطورة ما حدث ويحدث، وتعكسه خريطة موقع "ديب ستيت" لخرائط الحرب، التي تبين اقتراب الروس من تطويق القوات الأوكرانية في مدينة سودجا وما حولها، واقترابهم من طريق الدعم اللوجستي الرئيسي بالنسبة للأوكرانيين.
إعلانمن جانبه، ربط المحلل العسكري، كيريلو سازونوف، بين ما حدث ووقف المساعدات العسكرية الأميركية، قائلا للجزيرة نت "إنها أول المؤشرات ربما. لم تكن بحوزتنا أسلحة قادرة على وقف أو منع اختراق الروس الذي تم غالبا عبر أنابيب لنقل الغاز تحت الأرض".
أمام هذا الواقع، يخوض عامة الأوكرانيين في جدل يقسمهم، بين فئة ترى أن مهمة قوات بلادهم في كورسك انتهت، وثانية تنادي بسرعة سحبها قبل أن تطوق وتتعرض للقتل أو الأسر، وثالثة تهون من قدرة الروس على تحقيق ذلك.
من جهته، يقول أوليكساندر كوفالينكو، الخبير العسكري في "مركز مكافحة التضليل الإعلامي"، للجزيرة نت "نعم، وضع القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك ليس جيدا، نظرا لسيطرة القوات الروسية على الطرق اللوجستية، ودفعهم بأعداد كبيرة من القوات والمعدات لتطويق قواتنا في سودجا".
لكنه أعقب هذا الإقرار بالقول إن "هذا الوضع مشابه لما تواجهه قواتنا على جبهات بوكروفسك وتشاسيف يار وكوراخيف (في مقاطعة دونيتسك الأوكرانية) وغيرها منذ شهور طويلة، حيث فشل الروس أو حققوا نجاحات ضئيلة لا تقارن بحجم خسائرهم".
وعلى وجه المقارنة، يضيف الخبير كوفالينكو أنه إذا ما استطاع الروس فرض سيطرتهم، بعد طول تطويق لمدينة أفدييفكا التي تبلغ مساحتها 29 كيلومترا مربعا، أو لباخموت (41 كيلومترا مربعا)، فإنه مهمتهم ستكون أصعب حتما على مساحة سيطرتهم بكورسك، التي تبلغ حاليا نحو 351 كيلومترا مربعا، ناهيك عن منطقة رمادية تبلغ مساحتها 178 كيلومترا مربعا، إضافة إلى أن أفضل قواتهم موجودة فيها.
ويعتبر أن صعوبة الأوضاع لا تعني عدم تحقيق النتائج، وأن الأوكرانيين سينسحبون بناء على كل تطور أو خطر، ولو فعلوا ذلك لوصل الروس إلى نهر دنيبرو منذ زمن (النهر الأكبر الذي يقسم أوكرانيا ويمر عبر العاصمة كييف).
إعلانومع ذلك، أثارت عملية الروس المضادة في كورسك مخاوف اقترابهم مجددا من أراضي مقاطعة سومي الحدودية، وانتشرت بالفعل شائعات حول هذا الشأن خلال الأيام القليلة الماضية، نفاها الجيش وهيئة الأركان الأوكرانيان.
هدف عاجلمن وجهة نظر الخبير كوفالينكو، لا تسمح أعداد وعدة القوات الروسية الموجودة حاليا في مقاطعة كورسك لهم بالعودة إلى احتلال مقاطعة سومي كما في بداية الحرب، ولا بتشتيتها بين عمليات مضادة وهجومية.
وبرأيه، فإن الهدف العاجل بالنسبة للكرملين، وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، هو تحرير أراضي كورسك قبل عيد النصر في 9 مايو/أيار المقبل، "حتى يبدو منتصرا لأنه لا معنى للاحتفال وجزء من أراضيه قد احتُل العام الماضي".
و"هكذا، تعود كل الأنظار متجهة اليوم إلى كورسك مجددا، فإبعاد أوكرانيا عنها قد يشكل منعطفا خطيرا لصالح الروس، ويقلب المعادلة، ويهدد قوات كييف وقيادتها بجحيم سياسي عسكري هي في غنى عنه".
كما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارا، فإن كورسك هي "أهم وأقوى أوراق الضغط عند أي تفاوض محتمل"، وخسارتها قد تعني بالضرورة أن كييف ستكون مجردة من معظم نقاط القوة الميدانية على طاولة المفاوضات، ناهيك عن موقف أميركي ترى أنه لم يعد في صالحها، ويدفعها نحو تفاوض وسلام لا يرضيها.
من ناحيته، يقول فولوديمير فيسينكو، رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا"، للجزيرة نت، إن مستجدات كورسك ستكون محورا لنقاش رئيسي بين أوكرانيا وشركائها الغربيين. ويصعب التكهن بما يمكن أن يحدث إذا خسرت كييف ورقة كورسك.
ويرى أن عدم وجود أساس دافع لتبادل الأراضي قد يعني أن الحرب ستتوقف (إن توقفت) على ما هي عليه، وهذا طبعا ليس في صالح أوكرانيا، لأنه يعني خسارة 20% من أراضي البلاد.