إبراهيم بن سالم الهادي

 

يبدو أن نفق العامرات بوشر قد تحول من مشروع وطني منتظر إلى مادة أدبية من أدبيات الخيال السياسي، فهو يلوح في الأفق، ولكنه لا يقترب، تمامًا كالأحلام التي توقظها تصريحات المسؤولين ثم تطفئها توضيحاتهم اللاحقة.

خرج وزير النقل والاتصالات بتصريح مقتضب، قال فيه إن النفق الجبلي المنتظر "بدأ يلوح في الأفق"، ففرح المواطنون ورفعوا الأكف بالدعاء، ولكن سرعان ما جاء التوضيح الآخر من الوزير نفسه ليجمد حماسهم: المشروع ليس ضمن الخطط الخمسية، بل هو فقط "للمزايدة".

نعم، نفق يحل أزمة مرورية خانقة، ينعش الاقتصاد، ويختصر الوقت والجهد، ليس مشروعًا حيويًا، وإنما مجرد سلعة معروضة لمن يدفع أكثر!

عجيبٌ أمر هذه المزايدات، وكأن النفق حلم شخصي لمجموعة مواطنين متحمسين وليس مصلحة عامة يستفيد منها مئات الآلاف على مدار الساعة! وكأن الحكومة تكرم المواطنين بمشاريعها بدلًا من أن تكون تلك المشاريع حقًا مكتسبًا!

والمفارقة أن الحكومة تعلن عن مناقصات شق طرق في مناطق بالكاد يسكنها بعض الآلاف، ومشاريع أخرى جدواها أقل من هذا المشروع، بينما يظل هذا النفق، الذي يخدم سكان العاصمة ومحافظة جنوب الشرقية، ويخدم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية حبيس الأدراج ينتظر من يزايد عليه!

لكن دعونا لا نظلم الحكومة، فربما النفق مكلف جدًا، ربما سيمتد عبر القارات أو يحتاج إلى تقنيات هندسية من المستقبل، لكنه للأسف لا يتعدى 2.5 كيلومتر فقط، أي أقل من المسافة التي يقطعها المواطن مشيًا إلى الدائرة الحكومية ليكمل معاملة تتطلب توقيعًا لن يصل لأن "المسؤول غير موجود حاليًا"!

ثم يطل السؤال المحرج: كيف لدول مثل سريلانكا والهند وبنجلاديش أن تحفر أنفاقها بتقنيات قديمة منذ قرون، بينما نعجز نحن في زمن التطور التكنولوجي الهائل عن إنجاز نفق قصير في قلب العاصمة مسقط؟!

إيران، المحاصرة منذ عقود، استطاعت أن تحفر عشرات الأنفاق الجبلية تربط مدنها ببعضها، فهل المشكلة لدينا في المال أم في الإرادة أم في بيروقراطية التصريحات المتناقضة؟

وإذا عدنا إلى التاريخ فإننا نجد أن الإنسان مشدودٌ بفطرته إلى الأساطير؛ حيث صنع الفراعنة الأهرامات، وشيد البابليون الجنائن المعلّقة، ونقش الإغريق حكايات آلهتهم على جدران المعابد، أمّا نحن، فقد قررنا أن نترك للأجيال القادمة إرثًا جديدًا من العجائب -نفق العامرات بوشر- الحلم الذي لن يُحفر إلا في الأذهان!

وأخيرًا.. نحن لا نعاني من أزمة إمكانيات، بل من فائض في التصريحات، ومن تضخم في الوعود، ومن اقتصاد يقوم جزء منه على هندسة الكلام، لا هندسة الطرق!

وهو ما يبدو فيه أن نفق العامرات بوشر سيظلّ "يلوّح في الأفق"، تمامًا كما تلوّح الغيوم الماطرة فوق صحارينا، ثم ترحل دون أن تترك قطرة.. وهكذا سنبقى ننتظر، لا النفق الذي يخدم البشرية، بل تصريحًا جديدًا يدفن التصريح الذي سبقه!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دفع الله الحاج.. او الرجل الذي يبحث عنه البرهان ..!!

لم تكن المذيعة المرموقة تتوقع خشونة من ضيفها الدبلوماسي السوداني والذي سالته حول التسوية مع قوات الدعم السريع ..أصر دفع الله ان تقرن المذيعة صفة قوات الدعم السريع المتمردة قبل الإجابة على اي سؤال.

اليوم تم تعيين السفير دفع الله الحاج علي قائما بأعمال رئيس الوزراء او في رواية اخرى رئيس وزراء مكلف..من هنا تبدّأ العقدة.. لكن دعونا ننظر لماذا اختيار دفع الله في هذا التوقيت.
١-ابو الدفاع كما يحلو لانداده مناداته ولج إلى السلك الدبلوماسي قبل ميلاد الإنقاذ بنحو عقد من الزمان فبالتالي ليس مشتبها في ان يكون اسلاميا بالميلاد وفي ذات الوقت خدم نحو ثلاثة عقود في عهد الإنقاذ بالتالي يحقق الوزنة التي يبحث عنها الجنرال البرهان وهى التعامل مع الإسلاميين دون تحمل التكلفة السياسية خاصة مع الأشقاء والأصدقاء غربا.

٢- السفير دفع الله نجح وساعدته الظروف في العبور بالعلاقة بين الخرطوم والرياض من التردد إلى التفهم ثم إلى تطابق وجهات النظر وقد اتضح ذلك مؤخرا في مؤتمر لندن حول الأزمة السودانية..وهذا يعني ان الحكومة السودانية لن تتجه شرقا كما توقع البعض بل ستظل في ذات المحطة تلوح بالانعطاف شمالا دون ان تغادر المسار الحالي.

٣- السفير دفع الله عرف بين اقرانه بقوة الشخصية والإبانة في المواقف السياسية وحينما تردد وزير الخارجية السابق على الصادق في تأييد إجراءات اكتوبر ٢٠٢١ ومن بينها تكليفه بمنصب وزير الخارجية كان الحاج اكثر وضوحا وهو يعمل وكيلا لوزارة الخارجية ثم مبعوثا للبرهان عقب اندلاع الحرب في منتصف أبريل ٢٠٢٣ فهذا يعني انه خيار مجرب يتمتع بقوة الشخصية في الحد المعقول والذي لا يحدث صراع بين العسكريين والقائم بأعمال رئيس الوزراء.

٤- تمثل خطوة تكليف دفع الله بالمنصب الكبير جس نبض في تمدين السلطة التنفيذية ان مضى الأمر بسلاسة ربما تصبح الخطوة القادمة في تعيين الرجل او غيره في منصب رئيس وزراء بكامل الصلاحيات وان تعثرت الخطوة يتم استخدام الكوابح والتي من بينها انه مجرد قائم بالأعمال.

٥- تعيين دفع الله يمثل القسط الأول في سياسية الحفر بالإبرة في كل الاتجاهات ..لان تعيين رئيس وزراء جديد تترك له مهمة اختيار وزرائه بالكامل غير مطروحة الان عند البرهان ورفاقه بمنطق لا صوت يعلو على صوت المعركة.

٦- اختيار السفير دفع الله هو امتداد لسياسة ( الرجل الذي نعرف خير من الذي لا نعرف)حيث من الصعب استيعاب لاعب جديد في الساحة وفي ذات الوقت يعتبر امتدادا لحكومة كبار الموظفين حيث لا يفضل البرهان الذي يتميز بالغموض التعامل مع الغرباء .

٧- وفقا للذين يعرفون السفير دفع الله فهو يتميز بالهدوء والوضوح وقوة الشخصية و فوق ذلك له خبرة أربعين سنة في الدبلوماسية..حينما تخلط كل ذلك تجد الرجل الذي يبحث عنه البرهان.

-عبدالباقي الظافر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • 14 مواجهة تشعل أجواء الجولة الثالثة من دوري ناشئي الهوكي.. غدا
  • التفاصيل..رصد التباين الفلكي بين نصفي الكرة الأرضية في ليالي مايو
  • دفع الله الحاج.. او الرجل الذي يبحث عنه البرهان ..!!
  • فلكية جدة ترصد التباين الفلكي بين نصفي الكُرة الأرضية في ليالي مايو
  • الدُّب … الذي بكته السماء !
  • واشنطن تتوعد طهران: ستدفعون ثمن دعم الحوثيين في الوقت والمكان الذي نختاره
  • سعرها اقترب من 2 مليون ونصف.. مزايدة نارية على لوحة سيارة مميزة
  • ليبيا وبريطانيا.. هل تلوح في الأفق عودة الرحلات الجوية؟
  • من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟
  • المشهد اليمني الذي يشبهُ غزة