كواليا الذكاء وزومبي الآلة
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
بدأت الحياة بعد خلق الجزيء البروتيني الأول، تسارعًا بيولوجيًا منتظمًا، ومر بمراحل تطورية كثيرة تعتمد على المبدأ الذي لا يزال مستمرًا؛ وهو المعلومات المُكتسبة للكائنات وتفاعلها مع بيئتها وفي محيطها، ولكنه تطورٌ بطيء نسبيًا قياسًا بقوانين وقتنا التقليدي، حتى إذا ترسَّخ مفهوم الحياة بوجود الكائنات الحية العاقلة وعلى رأسها الإنسان توسعت مُدركاته إلى التطور الثقافي بحيث يُعيد تصميم أساليبه الفكرية إلى مراحل أكثر تقدمًا من الإبداع، وصولًا إلى الفنون والمُعتقدات والأديان ثم تبسيط سُبل معيشتهِ بُغية الرفاهية بأقل جهد مُمكن، إلى أن وصلنا اليوم للتطور التكنولوجي وبدأت تلوح في الأفُق ملامح تطور البرمجيات لإعادة تشكيل نفسها باكتساب وعيها الذاتي القادر على اتخاذ القرار في معزلٍ عن تدخل صانِعها الإنسان.
بدأ اعتقاد سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان وربما الإنسانية يتسرب إلى أفكار الكثير من الناس، وقد جاء هذا الاعتقاد نتيجة التراكُم الثقافي من خلال التأصيل له في صناعة السينما وقصص الخيال العلمي، حتى بات البعض يُجزم بأن هذا التطور سيقضي على الكثير من الصناعات والوظائف، طبعًا لن يحل الذكاء الاصطناعي الذي لا يصنع رغيفًا محل الذكاء الإنساني إلا في حالةٍ واحدةٍ فقط وهي عزل الإلهام الفِطري -مُحرك الإنسان الخفي- وهذا الاستثناء يُكافئ مُعتقد عبَّاد العلم واللادينيين من مُنكري الروح، ويميل بهم جدًا إلى تأكيد فرضية سيطرة الآلة إلى درجة التحكم بكل مفاصِل الحياة وهو افتراض لا يتأكد عن المؤمنين بوجود الخالق والروح والتكليف المُرتبط بالوعي.
لا يزال الوعي في أصلهِ مُبهمًا ولا يوجد له تعريفٌ حقيقي مُقنع، إلّا أن الإدراك العقلي للحدث واتخاذ القرار في نوعية التعامل معه هو أبسط شرحٍ يُمكن تلخيصه، كما أن للحيوانات نوعا من الوعي بتطويع تفاعلها غرزيًا للبقاء فقط وهذا في أقل مفاهيمه أو ما يُعرف بـ"الكواليا"؛ وهي الطريقة التي يرى بها كل مخلوق العالم من منظورهِ الخاص وكيفية إدراكه وتحليله وآلية التعامل معه واستقلالية قراره بما في ذلك الفِطرة الحيوانية، إلا أنها تختلف عن فطرة الإنسان الدافعة للبحث والترقي المعرفي والمعيشي السريع، وهي تواكب حقيقة بقاء الإنسان مُتحكمًا بمجريات الأمور وفي مُقدمتها صناعة واتخاذ القرار، باعتبار أن ذكاء الآلة مهما بلغ حجم المعلومات وتنظيم الأولويات اصطناعيا سيفتقر على الدوام لاكتساب وعيه الخاص لعدم وجود الروح وما ينتج عنها من تفاعلات لاعتبارات حسية وعاطفية.
سيقوم الإعلام من مُنطلق شغف الإنسان بالغرائب والعجائب بالترويج لفرضيات هيمنة الآلة بذكائها المُصطنع على تسيير مُجريات الأحداث مُستقبلًا بحيث تعمل بموجب وعيها الخاص والذي تبني عليه عملية صناعة القرار من الصفر ونزاهة اتخاذه دون دخالةٍ إنسانية، مع أنه أمر غير وارد، إلّا ما تم إدخاله إنسانيًا لها ولكن هناك من يُحاول تأكيد الوعي المُستقِّل للذكاء الاصطناعي وتضخيمه إلى منزِلة تحكُمه المُطلق بِكل شيء، ومن البديهي أن تظهر في هذه المرحلة تحديات أخلاقية حول مفاهيمٍ لم تُعرف سابقًا ويمكن تحليلها في تأمُلاتٍ عقلية جديدة تُفضي إلى فلسفة الزومبي كنُسخة من الإنسان المُتصرف ولكنه غير قادر على إدراك نفسه.
يذهب بعض خُبراء الغرب من علماء وفلاسفة محدثين وشخصياتٍ مرموقةٍ من رجال أعمال وسياسيين إلى ما بعد الذكاء الاصطناعي فيما يُسمى بالذكاء الخارق، وذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد على الأرض الذي يُمكنه تصور خيالات وخُرافات وما ورائيات قد لا تكون موجودة إلّا في خياله، ومع إضفاء بعض المُمارسات الحياتية المتزامنة مع تلك التصورات فإنها ستتخذ نوعًا من الصلابةِ في ذهنه وتتحول بمرور الوقت إلى مُسلَّماتٍ شبه حقيقةٍ يمكنه التعامل معها على أسس وجودية كالتطور التكنولوجي الخارق، بحيث تُعيد الآلة بناء وعيها الذاتي وتنقلب على البشر وهذه رؤية ذات نزعة خيالية مُحبَّبه وجاذبة، مع عدم نفينا بأن قمة الذكاء أن يتحاور المرء مع جهازٍ إلكتروني في حديثٍ يصل إلى عدم القدرة على التمييز بينه وبين الإنسان، ولكن هذا لا يُثبت أن تلك الآلة تتحدث بوجوب وعي إدراكي كون حديثها ما هو إلا بِناء على مخزونٍ تراكميٍ هائل من المعلومات تقوم بحوسبة خوارزمياتها محركات صياغة بالغة السرعة وهي تتضخم وتتعاظم شبكيًا بحسب زيادة عدد المُستخدمين والذين يقومون بدورهم في تغذيتها بالمعلومات، فضلًا عن المعارف الموسوعية التي غُذيت به تلك المُحركات، وسوف تعود للعدم في حالة انقطاع الكهرباء عنها.
وفي الأخير.. لا يسعني إلّا التساؤل أين نحن من كُل هذا، وهل نعي فعلًا أهمية سباق الذكاء الاصطناعي؟! لا يبدو لي ذلك لأنني سئمت مقولة توحد الجهود العربية وبتنا نقف موقف المُتفرج على حرب تقنيةٍ باردةٍ في ظاهرها ساخنة وفي باطنها كما تفرجنا سابقًا على عدة معارك، وأمثلنا طريقة هو من يستطيع الكلام كما أفعل الآن وانتظار نتائج اصطراع المُعسكر الغربي الأمريكي مع المُعسكر الشرقي الصيني في محاولات السيطرة عليه وامتلاك النفوذ الأكبر للتحكم به، لأنها بلغت مبلغًا بعيدًا من الوعي في إدراك أهمية وضرورة هذه الثورة العلمية الاستثنائية وغير المسبوقة في تاريخ التطور الإنساني.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
تنافس كبير على صدارة الذكاء الاصطناعي التوليدي
منذ ظهور روبوت الدرشة "تشات جي بي تي"، في أواخر عام 2022، تتنافس نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي على الصدارة، حيث تُعدّ الولايات المتحدة والصين من أبرز الدول في هذه التقنية.
تتميز أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي بقدرتها على إنشاء صور ومقاطع فيديو أو أعمال مكتوبة، بالإضافة إلى الإجابة على الأسئلة أو إنجاز مهام عبر الإنترنت انطلاقا من توجيهات بسيطة.
تتميز هذه الأدوات المساعدة للذكاء الاصطناعي بتطورها السريع.
"تشات جي بي تي"
كان الذكاء الاصطناعي موجودًا قبل "تشات جي بي تي" ولكن هذا الروبوت كان أول من أتاح الذكاء الاصطناعي التوليدي مجانًا للاستخدام كتطبيق مخصص.
عملت شركة "أوبن أيه آي"، ومقرها سان فرانسيسكو، على جعل تطبيقها "تشات جي بي تي" أكثر قوة وقدرة مع كل تحديث، وكان آخرها GPT 4.5.
أُطلقت نسخة جديدة من الروبوت أواخر العام الماضي، ووُصفت بأنها جيل جديد يستغرق وقتًا للتفكير في الإجابات، ويوفر نتائج شاملة وأقل عرضة للخطأ.
وزودت الشركة تطبيقها بالقدرة على العمل كـ"وكيل" رقمي قادر على تصفح الإنترنت، وجمع المعلومات، واستخدام أجهزة الكمبيوتر كما يفعل البشر عند إنجاز المهام.
تطبيق "جيميني" من "جوجل"
لطالما استخدمت شركة "جوجل" الذكاء الاصطناعي في منصتها، لكنها أطلقت، في مارس 2023، "بارد" لمنافسة "تشات جي بي تي". وقد استُبدل "بارد" تدريجيًا بأداة "جيميني" الأكثر تطورًا.
دمجت جوجل، "جيميني" في محرك بحثها الشهير لعرض ملخصات النتائج، بالإضافة إلى روابط للإجابة على الاستفسارات.
كما استخدمت جوجل الذكاء الاصطناعي، مما سمح للمستخدمين بالبحث باستخدام الصور أو الفيديو أو الصوت بدلًا من الكلمات المكتوبة فقط.
ظهر نموذج جيميني 2.0، القادر على التفكير "خطوة بخطوة"، لأول مرة في فبراير من هذا العام.
"كلود"
أطلقت شركة "أنثروبيك"، التي أسسها مهندسون سابقون في "أوبن آي أيه"، مشروع "كلود" في مارس 2023.
تؤكد الشركة الناشئة، ومقرها سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، على التطوير المسؤول للذكاء الاصطناعي، وتتحرك بحذر أكبر من منافسيها في ابتكاراتها.
كشفت "أنثروبيك" عن نموذجها (Claude 3.7 Sonnet) في فبراير، وهو أول نموذج لها يجمع بين الاستجابات الفورية والتفكير المدروس. تم تحسين أداء "كلود" بميزة "استخدام الكمبيوتر" التي تتيح للذكاء الاصطناعي أداء مهام الكمبيوتر بشكل مستقل كما يفعل الشخص.
ميتا
دمجت "ميتا" الذكاء الاصطناعي في تطبيقاتها: فيسبوك و"إنسقرام" و"ثريدز" و"واتساب" و"مسنجر" ونظارات Ray-Ban المتصلة الخاصة بها، بهدف جعله المساعد الرقمي الأكثر استخدامًا في العالم.
يعتمد روبوت الدردشة الخاص بشركة "ميتا" على نموذج Llama مفتوح المصدر، والذي يُعتبر من أقوى النماذج في العالم.
تشير التقارير الصحفية الأخيرة إلى خطط عملاق وادي السيليكون لإطلاق "ميتا آي أيه" كتطبيق مستقل، في تحدٍّ مباشر لشركتي "أوبن آي أيه" و"جوجل".
غروك
قطع إيلون ماسك، أحد مؤسسي شركة "أوبن أيه آي"، علاقاته بالشركة الناشئة. ومنذ أن تصدّرت "تشات جي بي تي" سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي، رفع ماسك دعوى قضائية ضد "أوبن أيه آي"، وعرض شراءها، وأطلق أداة منافسة لها باسم xAI.
يتميز روبوت المحادثة غروك (Grok)، الذي ابتكره ماسك، بقدرته على استخدام كنز المنشورات على منصة "إكس"، المعروفة سابقًا باسم "تويتر"، لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي.
يروج ماسك لأداته "غروك" (Grok) باعتبارها روبوت محادثة يتمتع بشخصية مميزة وروح دعابة وقيود أقل على ما ينتجه.
ديب سيك
تأسست الشركة الصينية عام 2023. في يناير 2025، قلبت الشركة الناشئة، ومقرها هانغتشو في الصين، عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي رأسًا على عقب بنموذجها R1.
تقول الشركة إن أداة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها صُممت باستخدام شرائح أقل تطورًا من منافسيها، مما أدى إلى خفض التكلفة.
تم تنزيل التطبيق عشرات الملايين من المرات في غضون أسابيع قليلة.
نماذخ أخرى من الذكاء الاصطناعي
تتنافس شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة Tencent (Yuanbao) وBaidu (Ernie) وByteDance (Doubao) أيضًا على مكانة في سوق الذكاء الاصطناعي.
في أوائل مارس الجاري، أصدرت شركة علي بابا للتجارة الإلكترونية نموذج QwQ-32B الخاص بها، والذي تقول إنه يطابق أداء نموذج شركة "ديب سيك".
كما أصدرت شركة Mistral الفرنسية في أوائل العام الماضي برنامج "Le Chat"، وهو برنامج ذكاء اصطناعي متقدم بشكل خاص في تحليل المستندات والصور.
مصطفى أوفى (أبوظبي)