مع اشتعال الحرب في الكونغو وسيطرة حركة 23 مارس (M23) على مدينة جوما وزيادة حدة المواجهات على الأرض الكونغولية، تتسارع وتيرة المعاناة الإنسانية بشكل مريع، إذ تمتلئ المستشفيات بالجرحى والقتلى بينما تقطعت السبل بمئات الآلاف من المدنيين الذين أُجبِروا على النزوح؛ هربًا من الموت.

وبدءا من يوم الأحد 26 يناير 2025، أعلنت حركة 23 مارس سيطرتها على مدينة جوما التي تُعَد كبرى مدن شرق الكونغو الديمقراطية وعاصمة إقليم شمال كيفو، ما أثار مخاوف من تصعيد الصراع وتفاقُم الأزمة الإنسانية، وتم الأمر بشكل تدريجي من خلال اندلاع معارك عنيفة انتهت بسيطرة حركة 23 مارس على مطار جوما، ما أدى لنزوح واسع ومخاوف من اندلاع نزاع إقليمي.

ما هي حركة إم 23؟

تعتبر "إم 23" حركة مسلحة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تأسست عام 2012 بعد فشل اتفاق جرى توقيعه عام 2009 بين الحكومة والمتمردين، وتوصف بأنها الجناح المسلح لإثنية التوتسي التي يواجه قادتها اتهامات بأن "لهم ارتباطات بحكومة رواندا".

وبعد أشهر من السيطرة على مناطق واسعة من منطقة كيفو الشمالية شرق الكونغو، تعرضت هذه الحركة لهزائم ساحقة عام 2013، ثم عادت للظهور بقوة سنوات 2021 و2022 و2023، حيث تأسست حركة "إم 23" في 06 مايو 2012، وهي منبثقة عن حركة مسلحة أخرى تحمل اسم "المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب" وتحمل مطالب الدفاع عن الإثنيات في منطقة كيفو الشمالية وخصوصا قبائل التوتسي.

اتهامات لرواندا بتأجيج الصراع

وتتهم حكومة الكونغو الديمقراطية رواندا بتأجيج الصراع في شرق الكونغو من خلال دعمها حركة 23 مارس.

وتستند هذه الاتهامات إلى تقرير صادر عن خبراء الأمم المتحدة عام 2022، الذي أفاد بوجود أدلة قوية تشير إلى مشاركة القوات الرواندية في هجمات إلى جانب متمردي الحركة، وهو ما نفته رواندا مدعية اتخاذها تدابير دفاعية، وتتهم الكونغو بالتعاون مع "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" المتهمة بارتكاب هجمات ضد عرقية التوتسي.

كما اتهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية وتقارير الأمم المتحدة، رواندا باستغلال النزاع القائم للاستحواذ على المعادن الثمينة مثل الذهب والكولتان (تُستخدَم في صناعة الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية)، حيث بسطت حركة 23 مارس في السنوات الأخيرة سيطرتها على مناطق التعدين الغنية.

وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة ديسمبر 2024 أن الحركة ترسل نحو 120 طنًا من الكولتان إلى رواندا كل أربعة أسابيع، ورصد التقرير زيادة ملحوظة في صادرات رواندا من المعادن، ويُعتقد أن مصدرها الكونغو، ورغم ذلك تنفي رواندا هذه الاتهامات.

تحرك أفريقي لعودة الهدوء بالكونغو

وبحثا عن مخرج من هذه الأزمة الطاحنة في الكونغو، دعا زعماء تكتلى شرق وجنوب أفريقيا، إلى وقف فورى لإطلاق النار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد سيطرة المتمردين الذين يهددون بالإطاحة بالحكومة الكونغولية، كما حثوا الرئيس الكونغولى، فيليكس تشيسكيدي، على التفاوض المباشر معهم.

وعقدت قمة غير مسبوقة لزعماء تكتلي شرق وجنوب أفريقيا في العاصمة التزانية دار السلام شارك فيها زعماء من كتلة جماعة شرق أفريقيا، التي تعد رواندا والكونغو عضوين فيها، وزعماء من جماعة تنمية جنوب أفريقيا، أو سادك، التي تضم دولا تمتد من الكونغو إلى جنوب أفريقيا.

وقال الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، الذي حضر القمة في مدينة دار السلام التنزانية عبر الفيديو، في وقت سابق، إنه لن يتحدث أبدا مع متمردي حركة 23 مارس المسلحة، المدعومة من رواندا، والذين يرى أنهم مدفوعون لاستغلال الثروة المعدنية الهائلة في بلاده.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الكونغو شرق الكونغو مدينة جوما الحرب في الكونغو المزيد الکونغو الدیمقراطیة حرکة 23 مارس

إقرأ أيضاً:

جيش الكونغو الديمقراطية.. أضعفه موبوتو وأرهقه المتمردون

جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يمثل امتدادا للقوات التي شكلها الاستعمار البلجيكي أواخر القرن التاسع عشر، وأعيد بناؤها بعد الاستقلال عام 1960.

عانى من سياسة الإضعاف التي اعتمدها الرئيس الأسبق موبوتو سيسي سيكو مخافة أن يشكل خطرا على حكمه، كما أثرت عليه النزاعات العرقية التي تشهدها البلاد، وجعلته عرضة للهزائم أمام موجات التمرد المتتابعة.

يوصف بأنه جسم غير متآلف، بسبب عمليات إدماج المتمردين التي أعقبت اتفاقيات السلام بين الحكومة والحركات المتمردة، والتي لم تكن تأخذ في الاعتبار التكوين السابق للوحدات الجديدة ذات السلاسل القيادية الموازية والمستقلة عن قيادة الأركان.

ضباط من الجيش الكونغولي في إقليم شمال كيفو أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024 (رويترز) النشأة والتأسيس

تعود النشأة الأولى لجيش جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى القوات التي شكلها الاستعمار البلجيكي أواخر القرن التاسع عشر، واستعان بها في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.

وكان قادة الجيش آنذاك حصرا من الضباط البيض البلجيكيين وأحيانا من السويديين والدنماركيين والبولنديين، بينما لم يتجاوز الحد الأعلى لترقيات الجنود الكونغوليين رتبَ ضباط الصف.

وبعيد إعلان الاستقلال في 30 يونيو/حزيران 1960، وبسبب تراتبية الجيش، تمرد الجنود على الضباط البيض، وفي الأثناء أعلن كل من إقليم كتانغا وإقليم كاساي الجنوبي انفصالهما، بينما تشير مصادر إلى تدخل بلجيكي لاستغلال التمرد وتوجيهه.

إعلان

ولأن موبوتو سيسي سيكو كان الوحيد بين المقربين من رئيس الوزراء المنتخب باتريس لومومبا الذي لديه خلفية عسكرية، إذ خدم سابقا ضمن الجيش التابع للمستعمر البلجيكي، فقد اختير ليكون رئيسا لأركان الجيش الكونغولي.

الهيكل التنظيمي

يصل عدد أفراد جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى نحو 166 ألف جندي، دون احتساب جنود الاحتياط والقوات شبه العسكرية.

وتشكل وحدات القوات البرية معظم هذا الجيش، وتتبع له أيضا قوات جوية وبحرية، كما توجد وحدات نخبة وقوة حرس جمهوري خاصة، إلا أنها لا تتبع لقيادة أركان الجيش.

وإضافة إلى الجنود النظاميين، يضم الجيش الكونغولي متمردين سابقين تم دمجهم بموجب اتفاقيات سلام أعقبت الحروب الأهلية التي شهدتها البلاد.

وهذا ما جعل الجيش الكونغولي يوصف بأنه جسم غير متآلف، إذ يضم ضباطا من القوات المسلحة الزائيرية (في عهد موبوتو)، ومتمردين سابقين من التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية وآخرين من المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب، وغيرها من الحركات المتمردة التي توصلت إلى اتفاقات سلام مع الحكومة.

التصنيف

حسب تقديرات معهد "غلوبال فاير باور" الصادرة في أواخر يناير/كانون الثاني 2025، فإن جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يحتل المرتبة الثامنة على مستوى أفريقيا والـ66 عالميا، وهو بذلك يتفوق على جيوش جميع دول الجوار باستثناء جيشي أنغولا وأفريقيا الوسطى.

وتصل ميزانيته السنوية إلى 796 مليون دولار أميركي، ويتكون من 166580 جنديا نشطين، و31 ألفا احتياطيين و10 آلاف من القوات شبه العسكرية.

وعلى مستوى الوسائل يمتلك 32 مروحية، بينها 8 مروحيات قتالية، و105 دبابات، و916 مدرعة، و8 وحدات مدفعية ذاتية الحركة، و25 راجمة صواريخ، و16 سفينة حربية.

ويعتمد هذا التصنيف على جملة معايير يتصدرها عدد الجنود العسكريين العاملين والاحتياطيين، والقوات شبه العسكرية والميزانية والمرونة اللوجستية وعدد الطائرات والسفن، ومدى توفر الذخيرة للعمليات العسكرية.

باتريس لومومبا (وسط) الزعيم الكونغولي وأول رئيس للبلاد بعد الاستقلال (أسوشيتد برس) أبرز المحطات جيش موبوتو

بعد تعيينه قائدا للأركان إثر التمرد الذي أعقب إعلان الاستقلال، عمل موبوتو على إعادة بناء الجيش وإحكام قبضته عليه بما يجعل منه الشخصية المحورية في البلاد.

إعلان

وسرعان ما شارك في الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب باتريس لومومبا، الذي أعدمه البلجيكيون، ثم انقلب في 24/تشرين الأول نوفمبر 1965 على الرئيس جوزيف كازافوبو، وبفضل علاقته بالغرب حصل الجيش على دعم غربي بالتدريب والتسليح.

كما استطاع الجيش الكونغولي بمساعدة أميركية وبلجيكية القضاء على تمرد قاده المعارض المنشق لوران ديزيريه كابيلا أواخر ستينيات القرن العشرين لإسقاط موبوتو، كما تصدى لمحاولات أخرى في السبعينيات.

كما شارك الجيش في حقبة موبوتو في حروب أهلية عرفتها بعض دول الجوار، وأصبح يطلق عليه القوات المسلحة الزائيرية، تزامنا مع تغيير اسم البلاد مطلع السبعينيات.

سياسة الإضعاف

بسبب مخاوف موبوتو من أن يشكل الجيش تهديدا لحكمه اتخذ سياسة تقوم على إضعافه وتقسيمه، فاعتمد في الترقية والتعيين على الولاء بدل الكفاءة، وشجع المنافسة بين الأجهزة والقادة، وأنشأ الحرس الجمهوري ومنح قيادته لمساعدين مقربين منه.

كما غرق ضباط الجيش بتشجيع وتغاض من موبوتو في جمع الأموال من ثروات المعادن والخشب والأسماك ومبيعات الأسلحة والضرائب غير القانونية.

وحتى داخل الجيش أصبح المرؤوسون يدفعون المال إلى رؤساهم بانتظام، مقابل الحماية والترقية وتخفيض العقوبات ومنح الإجازات وغير ذلك.

وفي هذه الظروف انتشرت ظاهرة إفلات العسكريين -وخصوصا الضباط الكبار- من العدالة، وتبرئتهم من جرائم كبرى بما في ذلك بيع الأسلحة.

تراجع الدعم الغربي

فضلا عن الظروف الداخلية التي كان يعيشها جنود الجيش الكونغولي، تسبب انخفاض الدعم الغربي عقب تفكك الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، في مزيد من الضعف.

وشهدت الكونغو أعمال شغب في سبتمبر/أيلول 1991، فانضم جنود بعض الحاميات العسكرية داخل العاصمة كينشاسا إلى المتمردين، وتمت السيطرة على الوضع بعد قمع دموي مارسه الحرس الجمهوري بمساعدة قوات فرنسية وبلجيكية.

إعلان

وكشفت الحادثة عن ظروف صعبة يعيشها جنود الجيش الكونغولي، إذ لا يتعدى الراتب الرسمي 70 دولارا، بينما تفتقد الوحدات إلى الفعالية وتعاني من نقص الذخيرة.

وشجعت هذه الاضطرابات وطريقة معالجتها اتساع دائرة التمرد الذي اندلع عام 1996 في إقليم كيفو شرق البلاد، فلم يستطع الجيش التصدي للمتمردين الذين وصلوا إلى كينشاسا وتمكنوا من الإطاحة بحكم موبوتو.

بين التمرد والاندماج

عقب الإطاحة بموبوتو أدمجت مجموعات واسعة من المتمردين في الجيش الكونغولي، بمن فيهم متمردون كانوا يعملون ضمن الجيش النظامي وانشقوا عنه وآخرون من خارجه.

لكن سرعان ما انشق بعض المنتسبين الجدد للجيش عام 1998، وبعد خمس سنوات من الحرب تم توقيع اتفاق للسلام 2003، وبموجبه أعيد دمج المتمردين، كما تم إدماج مجموعات أخرى بعد اتفاق السلام في 2009.

وعلى الرغم من أن عمليات الاندماج أثبتت فعاليتها في دول أخرى، إلا أنها كانت واحدة من عوامل فشل جيش الكونغو الهش أصلا، ويرجع ذلك إلى أسباب من بينها أن العملية تمت دون أي تدريب ودون الأخذ في الاعتبار التكوين السابق للوحدات الجديدة ذات السلاسل القيادية الموازية والمستقلة عن قيادة الأركان.

كما أن المتمردين كثيرا ما حملوا السلاح مجددا ضد الجيش حين لا يحصلون على مطالبهم، فضلا عن أنه وبسبب الصراعات العرقية فإن عمليات الاندماج قوى داخل الجيش من عرقيات أخرى تشجع على التمرد.

متمردون من حركة "إم 23" في مدينة غوما شرق الكونغو الديمقراطية (رويترز) سيطرة محدودة

تكشف حصيلة عقود من التمرد على موبوتو في الستينيات والسبعينيات والحروب الأهلية في التسعينيات ثم سنوات ما بعد الألفية أن أجزاء إستراتيجية من البلاد ظلت منذ السنوات الأولى للاستقلال خارج سيطرة الجيش الحكومي.

وعلى الرغم من اتفاقيات السلام وعمليات اندماج المتمردين التي تعقبها، فإن إقليم شمال كيفو ظل موطنا لحركات تمرد ترفض الاندماج ومأوى لأخرى تنشق عن الجيش أو عن الحركات المندمجة فيه.

إعلان

وبسبب سياسة الإضعاف التي اعتمدها موبوتو ثم تراجع الدعم الغربي للبلاد مطلع التسعينيات، فإن الجيش الكونغولي كان في الغالب يواجه الهزيمة أمام زحف المتمردين، وهذا ما جعله يستعين في كثير من الأحيان بمليشيا ومرتزقة للمشاركة إلى جانبه في المعارك.

مقالات مشابهة

  • هدوء يخيم على شرق الكونغو الديمقراطية
  • جيش الكونغو الديمقراطية.. أضعفه موبوتو وأرهقه المتمردون
  • زعماء أفارقة يدعون أطراف الصراع في الكونغو إلى محادثات مباشرة
  • من الذي يسحب الخيوط في أزمة جمهورية الكونغو الديمقراطية؟
  • مساع اقليمية لحل الصراع في الكونجو الديمقراطية
  • قادة شرق وجنوب إفريقيا يبحثون عن مخرج من صراع الكونغو
  • مجلس حقوق الإنسان يحقق في انتهاكات شرق الكونغو
  • مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يحذر من انتشار أزمة الكونغو في اجتماع طارئ
  • تحذير أممي من اتساع العنف في الكونغو الديمقراطية