مأرب في عين العاصفة... هل يدق الحوثيون طبول الحرب مجددا؟ وماهو أخطر ما يقلقهم اليوم ...تحركات خطيرة ومريبة
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
كأن لم تعد هنالك من خيارات لتجنُّب عودة الحرب في اليمن سوى الحرب نفسها، ولا فرص للسلام مع جماعة الحوثيين المرتبطة بقوة مع إيران عقائديا وسياسيا وعسكريا دون حرب فاصلة وحاسمة كما حدث في غزة وجنوب لبنان وسوريا، وربما قد يحدث ذلك على نحو مختلف أو مشابه مع الفصائل الشيعية في العراق.
ذلك ما يراه كثيرون، ليس فقط مناوئو هذه الجماعة داخل اليمن، ولكن أيضا خبراء ومراقبون في الإقليم والعالم.
ما الذي يحدث الآن؟
توشك الهدنة "الهشة" القائمة منذ أكثر من عامين في اليمن على الانهيار بعد سلسلة من التحركات العسكرية لجماعة "أنصار الله" الحوثية المتحالفة مع إيران، خصوصا في محيط مدينة مأرب الاستراتيجية الغنية، في مؤشر واضح على أن الجماعة التي تستمد أسباب بقائها من استمرار حروبها سواء مع الداخل أو الخارج.
وشملت تلك التحركات التي وصفتها مصادر عسكرية بـ"الخطيرة والمريبة" خلال الأيام القليلة المنصرمة، حملات تجنيد وتعبئة معنوية "جهادية" وحشدا للآلاف من مسلحيها، وحفرا للمزيد من الخنادق ومرابض المدفعية والدبابات، على سائر الجبهات والمحاور الجنوبية والغربية والشمالية لمارب مع قصف وهجمات بالطيران المسيّر، وذلك في محاولة للتحرش بالقوات الحكومية وجرها إلى جولة جديدة من الحرب، لا تحمد عقباها.
ما الأهمية الجيوسياسية لمأرب لدى الحوثيين؟
تمثل مأرب اليوم شوكة الميزان في الحرب أو السلام، فهي الرمزية التاريخية، أصل اليمن وفصله، عاصمة مملكة سبأ، فضلا عن غناها بالنفط والغاز والطاقة الكهربائية وبالمياه والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، بل هي كذلك تمثل قبليا واجتماعيا "بطن الغزالة" بالنسبة لشرق وجنوب اليمن، وامتدادات "للقبيلة" حتى السعودية والإمارات إلى الكويت.
وإقليميا، وضع مأرب اليوم لا يحتمل المساس بأمنه واستقراره، فهي التي تحتضن الآن قرابة ثلاثة ملايين إنسان نزحوا إليها من سائر مناطق البلاد على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، وذلك بعد أن كانت، قبل انفجار الصراع المسلح في اليمن عام 2015، مجرد "بلدة" أثرية نائية ومُهْمَلة، ولا يزيد عدد سكانها، في أفضل حال على 35 ألف نسمة.
وقد ابتكرت مأرب في زمن الحرب نموذجا في السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي، جاذبا للاستثمارات المحلية في شتى المجالات، حيث أنشأت جامعة "سبأ" التي تضم كثيرا من الكليات التطبيقية البالغ عدد طلابها ما يزيد على 19 ألف طالب وطالبة.
ما دوافع الحوثيين للتصعيد؟
بعد اشتداد عزلتها الداخلية والخارجية تشعر جماعة الحوثيين بقلق شديد مع اقتراب العمل بالأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، للتعامل معها كـ"منظمة إرهابية أجنبية" على أكثر من مستوى سياسي وعسكري وأمني واستخباراتي بما قد يترتب على ذلك من إجراءات مشددة، وحتى عسكرية خارج القانون الدولي والإنساني يصل حد الإضرار بالسيادة الوطنية والمصالح العليا لغالبية اليمنيين.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والعنف السياسي، مراد بطل شيشاني، أن خطورة تصنيف الجماعات الدينية المسلحة "تمنح الولايات المتحدة وغيرها مبررا للهجوم من ناحية، وإيجاد قنوات اتصال خلفية للتفاوض في الوقت ذاته"، وفق رأيه.
استراتيجيات حرب الحوثي
خلال جولات الحرب السابقة حول مأرب وغيرها اعتمدت الحروب "الحوثية" على نظريات أو خطط الحرب التي خاضتها إيران مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.
وتمثلت تلك الاستراتيجيات بالدفع بآلاف المجندين الشباب غير المدربين إلى محارق الموت بهدف استنزاف الخصوم وإرهاقهم، ومن ثم الدفع بالمقاتلين المحترفين لحسم معاركهم التي باءت كلها بالهزيمة والفشل في حرب إيران مع عراق صدام حسين، وهي اليوم مرشحة لملاقاة المصير نفسه مع مأرب، حيث لا يريد الحوثيون أن يعرفوا أن خصومهم في مأرب وسواها اليوم غيرهم بالأمس.
وقد أفادت تقارير لوسائل إعلام محلية بأن "القوات الحكومية في محافظة مأرب، تمكنت من إفشال هجمات عدة حاولت من خلالها الميليشيا الحوثية التقدم باتجاه مواقع للقوات المسلحة". وأن فرق "الاستطلاع والاستخبارات التابعة للقوات المسلحة التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا رصدت تحركات للميليشيات الحوثية واستمرارها في شق طرقات واستحداث تحصينات ومواقع في جبهات قتالية متفرقة".
يفسر العميد ركن خالد القارني، مسؤول ركن توجيه العمليات المشتركة، تحركات الحوثيين العسكرية الأخيرة بأنها ترتبط بعوامل رئيسة لها تأثير مباشر في المشهد الإقليمي، آخرها "تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسلطة، وما تبع ذلك من إجراءات صارمة ضدها بما يترتب عليه من تداعيات سياسية وعسكرية، الأمر الذي يدفع هذه الميليشيات إلى إعادة تموضعها وفقا للمعطيات الجديدة".
ويرى الخبير والباحث العسكري خالد القارني أن "توقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة يعني- وفقا لحسابات هذه الميليشيات- انتفاء "مبررات مهاجمة إسرائيل في هذه المرحلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة توجيه أنشطتها أو تعديل استراتيجياتها بناء على التطورات الميدانية والسياسية".
لكن الأهم من كل ذلك في نظر القارني هي "دوافع البقاء والاعتراف بشرعيتها في حكم اليمن وليس لديها في هذا الجانب غير خيار استمرار الحرب والمواجهات".
توجس وانعدام يقين
في إجابته على سؤال لـ"المجلة" في هذا الشأن، قال السياسي والبرلماني اليمني ومحافظ تعز السابق، علي المعمري: "من الواضح أن الحوثي يتوقع تحركات عسكرية، وهناك رسائل متعددة تصله عبر زيادة وتيرة الاجتماعات بين قيادات عسكرية يمنية وكذلك أميركية، ودعوات متعددة لاستغلال ما حدث في سوريا ولبنان من أجل عمل عسكري، فهو قد يحتاط لأي احتمالات، وربما يريد الحوثي أن يبعث برسالة مفادها أنني لست كباقي الأطراف في المنطقة، وقد تدفعه إيران للقيام بتصرفات عسكرية في محاولة لنقل معركتها المتوقعة إلى منطقة بعيدة مثل اليمن". لذلك لا يزال الخيار العسكري في رأي المعمري وغيره من الساسة اليمنيين وحتى العرب "مطروحا على الطاولة، بل هو أكثر احتمالا منه قبل عام مثلا، لكن أيضا لا يمكن الجزم بشيء في الوقت الراهن"، على حد قول السياسي اليمني.
ويحتفظ الخصوم الغربيون لإيران ومعها الحوثيون لما يعتبرونه "تصفية حساب مؤجل" مع طهران وبقية أذرعها في اليمن والعراق.
وتتوقع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن يتم ذلك من خلال "فرض حصار بحري أكثر تشديدا، وعبر تعاون مع وكالات استخبارات دولية، والتخطيط لمعركة فاصلة قبل التوجه نحو طهران".
مجندون جدد في صفوف الحوثيين خلال مسيرة شعبية في محافظة عمران اليمنية في 20 ديسمبر 2023
حقائق عن مأرب
ما لا يريد الحوثيون معرفته عن مأرب، رغم طول تربصهم بها، أنها مختلفة عنهم ثقافيا منذ ما قبل الإسلام، ومذهبيا من بعده إلى اليوم، ولا يمكنها أن تكون، اجتماعيا، بيئة حاضنة لهم حتى لو استطاعت هذه الجماعة تجنيد بعض رجال القبائل البسطاء الذين استولت على قراهم الفقيرة ومناطقهم القاحلة في محيط مأرب.
ويقول الصحافي والناشط السياسي عبدالله أبو سعد، ناصحا لهؤلاء: "قبائل مرادوبني عبديؤكدون المؤكد، وهو مساندتهم للجيش الوطني في معركة استعادة الدولة والعودة إلى الديار، مشددين على عدم الانتقام والثأر بينهم وبين إخوانهم من أبناء القبائل الذين تحشدهم الميليشيات الحوثية إلى الجبهات ورفض المحاولات الحوثية لشق الصف الماربي".
وفي عام 2021، شن الحوثيون بدعم مشترك من قبل إيران و"حزب الله" اللبناني هجوما واسعا على مأرب، وأكد حينها زعيم "حزب الله" حسن نصرالله، أن "الهجوم على مأرب سيستمر، وأن تداعيات معركة مأرب ستكون كبيرة جدا في اليمن والمنطقة"، مشيرا إلى أن إيران رفضت إيقاف الحرب في اليمن، لكن ذلك الهجوم سرعان ما انكسر أمام صلابة المقاومة العسكرية والشعبية ومؤازرة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية.
وفي التحليل النهائي، يجمع مهتمون كثر على أن "محرقة" جديدة قد تنتظر الحوثيين إذا قررت طهران الزج بهم في مغامرة عسكرية، خصوصا في جبهة مأرب.
وبقليل من الاستقراء والتحليل، وليس الكثير من الذكاء، يمكن ملاحظة أن الحوثيين كآخر ذراع لإيران في المنطقة يعانون من حالة "انكشاف وخوف" كغيرهم من أضلاع ما سُمَّي "محور المقاومة" التي جرى ويجري كسرها في دول مشلولة وفاشلة، ولا يبدو أن الحوثيين لن يلقوا مصيرا مماثلا.
أخطر ما يقلق الحوثيين اليوم، أكثر من سواهم من تلك الأضلاع أنهم لا يعرفون من أين يمكن أن تتم مباغتتهم بعمل عسكري أو غيره، سواءٌ بتدخل دولي أو إقليمي، أو بانتفاضة شعبية من الداخل، وربما يكون وقود هذه "المعركة" هو الاحتقان المستعر داخليا، نتيجة- في نظر كثير من اليمنيين- لما وقعت فيه هذه الجماعة من أخطاء، ليس أولها "الانقلاب" على الإجماع الوطني وإسقاط البلاد في أتون نزاع مسلح أحرق أخضر البلاد ويابسها وتسبب في مقتل أكثر من ثلث مليون يمني ونزوح وتشريد ملايين أخرى من أبناء اليمن، وتجريف كل مقومات الحياة من صحة وتعليم ومن خدمات أساسية، ولم يكن آخرها التورط في حرب أوسع إقليميا ودوليا، ليس لخدمة مصلحة يمنية وطنية أو قومية عربية إسلامية، بل لتنفيذ أجندة خارجية، وتحديدا إيرانية.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
الحرب الإسرائيلية تقسو مجددا على طلبة توجيهي 2006 في غزة
غزة- "لم أكن أعلم أن مدرستي ستتحوّل لمركز إيواء، ولا أن حقيبتي المدرسية التي كنت أحمل بين طياتها الكتب والكثير من الحب والأحلام ستتحوّل إلى حقيبة طوارئ، ولا أن الزي المدرسي سيتحول إلى الملابس الوحيدة التي ارتديها طيلة رحلة النزوح المريرة، وأنني سأحرق كتبي بيدي لإشعال النار بعد انقطاع غاز الطهي".
بهذه الكلمات تصف الطالبة نور خالد أبو صلاح حياتها خلال عام ونصف العام من الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتقول للجزيرة نت "لا تزال نهاية المأساة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا نعلم هل ننجو أم نكون الضحية التالية".
نور من مواليد عام 2006، واندلعت الحرب بعد شهرين فقط من انتظامها في المدرسة لنيل شهادة الثانوية العامة (التوجيهي الفلسطيني)، وانقطعت مع آلاف من طلبة وطالبات غزة عن التعليم بفعل هذه الحرب التي كانت سببا في تأجيل الامتحانات أكثر من مرة.
وقررت وزارة التربية والتعليم العالي في السلطة الفلسطينية تأجيل عقد الدورة الاستثنائية لامتحان الثانوية العامة 2024 (توجيهي 2006) والتي كان مقررا عقدها يوم 13 أبريل/نيسان الجاري، وذلك بسبب "الظروف الميدانية على الأرض".
إعلانوقالت الوزارة إنها كانت قد "استكملت استعدادها لعقد الامتحان إلكترونيا وفي مراكز خاصة وفق ترتيبات بالتعاون مع الشركاء والاتصالات الفلسطينية من خلال توفير أثاث وتحسين شبكة الاتصالات، لكن نتيجة الظروف القاسية والهمجية الاحتلالية على القطاع، وتجدد العدوان من قصف وتدمير للمدارس بات عقد الامتحان يشكل خطرا على الطلبة، مما دفع الوزارة إلى تأجيل الامتحان حتى إشعار آخر".
وتلقت نور القرار بحزن شديد، وتقول إن "الحرب تقف عائقا أمام تحقيق أحلامنا وأهدافنا، وقد تخطف أرواحنا كما آلاف الطلبة الشهداء".
في صف دراسي خال من المقاعد ومحطم النوافذ، داخل مركز إيواء بمدرسة حكومية غربي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، تقيم نور مع أسرتها منذ نزوحها الأخير عن منزلها في بلدة عبسان الكبيرة شرقي المدينة قبل نحو أسبوعين، وتقول هذه الطالبة المتفوقة "في مثل هذا الصف كان يفترض أن نتعلم ونستعد للامتحانات، لكننا نقيم فيه نازحين بعدما شردتنا الحرب".
ولا تتوفر لنور البيئة المناسبة للدراسة في هذه المدرسة التي تعج بالنازحين، جلهم من النساء والأطفال، ومع مغيب الشمس تغرق في ظلام دامس، حيث لا تتوفر أي وسائل بديلة عن الكهرباء التي يقطعها الاحتلال تماما عن منذ اندلاع الحرب، علاوة على عدم توفر الإنترنت.
وإضافة إلى ذلك، تلقت نور صدمات شديدة بفقدها عشرات من أقاربها وأصدقائها شهداء خلال الحرب، آخرهم خالتها ونجلها في غارة جوية إسرائيلية على منزلهم في العشر الأواخر من شهر رمضان الماضي.
قاومت هذه الطالبة، التي تحلم بدراسة البرمجة في الجامعة، الظروف القاسية المحيطة بها، وكانت تستعد بجد واجتهاد للتقدم لامتحانات الثانوية، إذ تستيقظ مبكرا وتستغل ساعات النهار في الدراسة المتواصلة قبل حلول الظلام.
إعلانورغم صدمتها بقرار تأجيل الامتحانات، فإنها تبدي قدرا كبيرا من التحدي، وتقول "لن نستسلم، نحن جيل صقلت شخصيته الحرب والكروب، وسيكون لنا شأن كبير في مسيرة شعبنا الفلسطيني نحو التقدم والحرية".
تحديات لا تنتهي
ويؤمن خالد أبو صلاح (52 عاما) بقدرات ابنته نور وتميّزها، ورغم إمكانياته المادية المتواضعة كموظف يعيل أسرة كبيرة مكونة من 10 أفراد، فإنه يحاول أن يوفر لهم ما يلزمهم من أجل الدراسة والتفوق.
ونتيجة الحصار المشدد وإغلاق الاحتلال المعابر مع القطاع منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، ارتفعت أسعار ما يتوفر في الأسواق من سلع وبضائع أضعافا مضاعفة. وتقول نور إن القلم أصبح يُباع بـ6 شيكلات (الدولار يعادل 3.7 شيكلات) في حين كان سعره شيكلا واحدا فقط قبل اندلاع الحرب، والدفتر وصل سعره إلى 12 شيكلا من أصل شيكلين أو ثلاثة فقط.
ويقول والد نور للجزيرة نت إن "هذا الجيل من طلبة غزة تعرض لظلم كبير بسبب الحرب التي حرقت عامين دراسيين، ولا أحد يعلم متى ستتوقف"، معبرا عن خشيته من استمرار تأجيل الامتحانات وضياع عام دراسي آخر على نور، "ولولا الحرب لكانت في عامها الدراسي الثاني بالجامعة".
ويمس قرار تأجيل الامتحانات نحو 23 ألف طالب وطالبة من مواليد العام 2006، ويقول المدير العام للامتحانات في وزارة التربية والتعليم العالي محمد مسالمة للجزيرة نت إن "هؤلاء الطلبة كان من المفترض أن يتقدموا للامتحانات في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي، غير أن الحرب حالت دون إكمال مسيرتهم التعليمية".
وبرأي مسالمة، فإن قرار التأجيل مؤلم، خاصة وأن الامتحانات بالنسبة لطلبة غزة أجلت غير مرة، ولكن "حياة الطلبة أهم من الامتحانات"، لافتا إلى أن تحديد موعد جديد لعقد الدورة الاستثنائية لهذه الفئة من الطلبة "مرتبط بتحسن الظروف وزوال المخاطر".
وبحصول الطالب في فلسطين على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) ينهي 12 عاما من مراحل التعليم الأساسي الثلاث (الابتدائية والإعدادية والثانوية)، وهي بوابة الالتحقاق بالجامعات المحلية والخارجية.
إعلانعندما اندلعت الحرب كان الطالب خالد رضوان في الصف العاشر (الأول الثانوي)، ويقول للجزيرة نت "درسنا أقل من شهرين، وتوقفنا بسبب الحرب، وأجبرنا على النزوح المتكرر من مكان إلى آخر".
رضوان من مواليد مدينة رفح جنوبي القطاع في العام 2008، وأجبر وأسرته على النزوح عن رفح مجددا قبل نحو أسبوعين، ويقيم حاليا في مدرسة "بيت المقدس" الحكومية بمدينة خان يونس.
لشهر واحد التحق رضوان بمدارس افتراضية عبر الإنترنت، أنشأتها وزارة التربية والتعليم العالي لتعويض طلبة القطاع في مسعى لإنقاذ مسيرتهم التعليمية، غير أنه يقول "نجحت وترفعت للصف العاشر من دون دراسة فعلية، وإذا استمرت الحرب سأصل التوجيهي وأنا لا أعلم شيئا عن المنهاج".
"كيف يمكن اختزال عام دراسي كامل بشهر أو شهرين، وهل يغني التعليم الإلكتروني عن التعليم الوجاهي (وجها لوجه)؟ نعاني من عدم توفر الكهرباء والإنترنت، ويلاحقنا الموت في كل مكان وعلى مدار الوقت"، بتأثر شديد، يتساءل هذا الطالب الذي يحلم يوما أن يصبح طبيبا متخصصا بجراحة الأعصاب، وهو أحد التخصصات النادرة في قطاع غزة حيث يواجه المجال الصحي انهيارا كبيرا.
وتسيطر على هذا الفتى مشاعر دائمة بالخوف والقلق وعدم اليقين، وفجأة وهو يتحدث عن دراسته وأحلامه توقف، وقال "هذا كله لو نجونا من الحرب ولم تقتلنا غارة على المدرسة أو في الشارع".
يُقدر عدد طلبة الثانوية العامة في غزة سنويا بنحو 39 ألف طالب وطالبة، يتقدمون لامتحانات موحدة ومتزامنة مع نظرائهم في الضفة الغربية والقدس، لكن الحرب حرمتهم من ذلك لأول مرة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، وتحوم الشكوك حول انعقادها في موعدها المحدد في يونيو/حزيران المقبل.
إعلانويقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت إن "تأجيل الامتحانات واستمرار الحرب يؤديان إلى اضطراب نفسي وتعليمي، ويتحول حلم دخول الجامعة إلى سراب".
ويضيف المسؤول الحكومي "حولت حرب الإبادة التوجيهي من محطة عبور نحو المستقبل إلى جدار يفصل الطلبة عن أبسط حقوقهم التعليمية"، موضحا "لم يكتف الاحتلال بتدمير المباني والمدارس وحرق الكتب، بل دمر أحلام جيل كامل".
وبرأيه فإنه "مع كل يوم تأجيل لامتحانات التوجيهي، تتلاشى فرص الطلبة في الالتحاق بالجامعات داخل غزة وخارجها، إذ إن للجامعات مواعيد محددة، ولن تنتظر من تقطعت بهم السبل، ولا من تعطلت مسيرتهم بسبب الحرب والدمار".
كما أن "بعض الجامعات العربية والأجنبية كانت تمنح مقاعد أو منحا دراسية لطلبة قطاع غزة، وقد أصبحت هذه الفرص مهددة بالضياع بسبب غياب شهادة الثانوية وضبابية المستقبل".
ويوثق المكتب الإعلامي الحكومي الخسائر البشرية والمادية للقطاع التعليمي على النحو التالي:
139 مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل كلي. 359 مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل جزئي. 13 ألف طالب وطالبة قتلهم الاحتلال خلال الحرب. 785 ألف طالب وطالبة حرمهم الاحتلال من التعليم. 800 معلم وموظف تربوي في سلك التعليم قتلهم الاحتلال خلال الحرب. 150 عالما وأكاديميا وأستاذا جامعيا وباحثا أعدمهم الاحتلال خلال الحرب.