موقع النيلين:
2025-02-10@13:54:03 GMT

د. مزمل أبو القاسم: قراءة في خطاب البرهان

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

* ما لا يحتمل الجدال أن هذه الحرب قسّمت البلاد وأهلها إلى فسطاطين لا ثالث لهما، أولهما فسطاط الحق والكرامة المصطف مع جيش الوطن في مواجهة المليشيا الغاصبة، سعياً لإفشال مخطط اختطاف الدولة السودانية وتهجير أهلها ونهب مواردها، وفسطاط التمرد والعمالة والخيانة الذي يضم المليشيا وداعميها.

* ذاك هو التعريف الحقيقي للمعسكرين اللذين أفرزتهما الحرب، وليس معسكري (نعم للحرب ولا للحرب)، كما تحاول القوى السياسية المتورطة في دعم التمرد تعريف المعسكرين وتصنيفهما، للتمويه على موقفها المخزي من الوطن وجيشه ومواطنيه.

* نثبت هنا للفريق البرهان أنه عزَّز في خطابه الأخير التعريف الموضوعي للمعسكرين، وإن تسببت إحدى عباراته في جدلٍ شديد، وهي المتعلقة بالإسلاميين تحديداً، عندما قال لهم: (ما تحلموا بأن تعودوا إلى الحكم على أشلاء ودماء الشعب السوداني)؛ لأن الموقف المعلن للإسلاميين يشير إلى أنهم أكدوا مراراً عدم رغبتهم في المشاركة في حكم الفترة الانتقالية، واصطفوا (مع قوى وطنية أخرى عديدة) إلى جانب القوات المسلحة، ودفعوا بعدد كبير من أبنائهم للقتال مع الجيش، وقدموا أرتالاً من الشهداء والجرحى والأسرى في معركة الكرامة، وبالتالي فهم غير معنيين قطعاً بالحديث عن سفك دماء السودانيين وتمزيق أشلائهم في هذه الحرب تحديداً، بقدر مساهمتهم حمايتها وحفظها وإسنادهم لجيشٍ قوي، أثبتت هذه الحرب الضروس أنه عصيٌّ على الانكسار.

* بخلاف ذلك لم يحوِ خطاب البرهان ما يسوء الإسلاميين، سيما وأنه حفظ لهم حقهم الدستوري في أن يظلوا موجودين في الساحة السياسية بلا عزلٍ ولا إقصاء، وأن يخوضوا غمار السباق الانتخابي مع بقية القوى السياسية بعد نهاية الفترة الانتقالية، إذ لم يرد على لسانه هذه المرة وصف (المحلول) ولا عبارة (ما عدا المؤتمر الوطني) المعتادة منذ سقوط حكم الإنقاذ في 11 أبريل 2019.

* من المثالب المأخوذة على الخطاب الضافي اللهجة المهادنة للقوى السياسية المتورطة بالتحالف مع التمرد، ولا نعني هنا التوجيه بالسماح لهم باستخراج جوازاتهم وبقية أوراقهم الثبوتية، لأن ذلك حق دستوري لا يجوز حجبه عن أي مواطن تحت أيِّ ظرف، بل نعني المجاهرين منهم بإسناد المليشيا الغاصبة، المتفاخرين بدعمها والكيد للجيش ومحاربته ورميه بما ليس فيه، والاجتهاد لمساواته مع الأوغاد.. هؤلاء يجب أن يؤخذوا بالشِدَّة ولا يستحقون أن يُخاطبوا بلهجة هادئة عطفاً على مواقفهم المخزية.

* بخلاف ذلك لم نجد في خطاب البرهان ما يستوجب النقد أو التصويب، لأنه أثبت لكل من ساهموا في الذود عن البلاد وأهلها حقهم، وامتدحهم ونوّه بهم، كما أثبت على القوى المتماهية مع التمرد تهمة شن الحرب على الدولة ومواطنيها، والتورط في العدوان على البلاد وإيذاء العباد، وفي ذلك حقٌ خاص لملايين السودانيين، لا يجوز له ولا يحق لأيِّ مسئول أن يتنازل عنه مطلقاً.

* من كادوا للجيش وتآمروا عليه وحاولوا إعفاء المرتزقة من تهمة قتل آلاف المدنيين العُزّل في قُرى ولاية الجزيرة تحديداً، واجتهدوا في توفير الغطاء القانوني والأخلاقي لمذابح ود النورة والتكينة والحُرقة وأب قوتة والهلالية وغيرها بالحديث عن وجود مستنفرين مسلحين سعياً لإلصاق وزر ارتكاب تلك المذابح المروعة بالجيش أصبحوا شركاء فيها مع المتمردين، ويجب أن يُحاكموا ويعاقبوا عليها بصرامة، ولا تجوز مسامحتهم مطلقاً، لأنهم ولغوا مع المليشيا في دماء أهلنا المغدورين المنكوبين ولطخوا أياديهم بها.

* وفي المجمل، أتى الخطاب إيجابياً ويرسم ملامح واضحةً لمسيرة الفترة الانتقالية، ويحدد موجهاتها، ويؤكد انتهاء عهود الاستهبال السياسي بحظر مشاركة أي حزبٍ في الحكم بلا تفويض انتخابي، وأن البلاد ستُدار بحكومة كفاءات مستقلة، يقودها رئيس وزراء مدني بصلاحيات كاملة، وأن الفترة الانتقالية ستنتهي بانتخابات شفافة وحرة ونزيهة يقول فيها الشعب السوداني كلمته، ويختار فيها من يحكمه.. وعهدنا بالقوى التي نعنيها أنها لا تطيق سيرة الانتخابات مطلقاً.

* إلى ذلك الحين نقول للبرهان يمم وجهك شطر شعبك، فهو الرصيد الأبقى والسند الأقوى ولا تحفل بالضغوط الدولية طالما أن شعبك مصطفٌ خلفك، ونقول للجميع لا تفاوض مع العملاء ولا المتمردين ولا عودة عن الاجتهاد لدحرهم، فقوموا إلى واجبكم وواصلوا إسناد جيشكم، وانصرفوا إلى الأهم وقدموه على المُهم، وتفرغوا لاستكمال مسيرة التحرير ودحر التمرد وتنظيف كل أرجاء بلادنا من دنس المليشيا الغاصبة وكفلائها الأوغاد.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الفترة الانتقالیة

إقرأ أيضاً:

وثيقة سودانية تقترح فترتين انتقاليتين واستمرار البرهان 4 سنوات

الخرطوم – ألقت قوى سياسية ومجتمعية سودانية حجرا في بركة السياسة الراكدة في السودان بطرح وثيقة لإدارة البلاد خلال المرحلة الأخيرة من الحرب وما بعدها، تبناها رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي وجّه رسائل إلى قوى معارضة، اعتبرها مراقبون غزلا ومحاولة لوضع نفسه في مرحلة سياسية جديدة.

وسلمت قوى سياسية وقيادات قبلية ودينية وجماعات مسلحة مساندة للجيش البرهان، يوم السبت الماضي، خارطة طريق أقرتها بعد مشاورات عُقدت في بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد.

وأبرز تلك المجموعات هي الكتلة الديمقراطية برئاسة جعفر الميرغني، وتحالف الحراك الوطني بزعامة التجاني سيسي، وتحالف سودان العدالة (تسع) بقيادة بحر أبو قردة، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الأمين محمود، وتنسيقية القوى الوطنية.

باب مفتوح

وأعد مشروع الوثيقة لجنة من 10 أعضاء برئاسة المحامي نبيل أديب القيادي في الكتلة الديمقراطية، وضمت اللجنة مبارك أردول، ومعتز الفحل، وعبد العزيز نور عشر، ونور الدائم طه وآخرين.

وعقب تسلمه الوثيقة، أعلن البرهان "عزمه إنشاء حكومة حرب أو حكومة تصريف أعمال لاستكمال مهام الانتقال، ومساعدة الجيش في الأعمال العسكرية المتبقية لتطهير السودان من قوات الدعم السريع". وذكر أن الحكومة المرتقبة ستشكَّل من كفاءات مستقلة، دون منع رئيس الوزراء من تكوين هيئات استشارية وأجسام تساعده.

إعلان

وأضاف أن تعديلات أُجريت على الوثيقة الدستورية، فأصبحت مختلفة عما كانت عليه عند توقيعها مع الشركاء السابقين، في إشارة إلى تحالف قوى الحرية والتغيير في 2019، لتكون المرجعية الدستورية لفترة الانتقال.

واشترط البرهان على تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) "رفع يدها عن الدعم السريع"، وقال إن "الباب لا يزال مفتوحا أمام كل شخص اتخذ موقفا وطنيا، وكل من يعود نرحب به، بعد أن يرفع يده عن المعتدين وينحاز للصف الوطني".

وحددت الوثيقة -التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها- ثوابت وطنية تشمل وحدة السودان وسيادته الوطنية، والالتزام بالديمقراطية وحكم القانون، والعدالة والمساواة والمواطنة المتساوية، والهوية الجامعة، واستقلالية المؤسسة العسكرية.

عملية واسعة

واقترحت الوثيقة ذاتها التالي:

فترة تأسيسية انتقالية لمدة عام واحد تنتهي بنهاية حوار سوداني، وتهدف إلى وقف الحرب وردع العدوان، وتحقيق سلام مستدام، وإعادة تشغيل الخدمات للمواطنين، وتعيين حكومة كفاءات وطنية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وإطلاق سرح المعتقلين، ودمج جميع الجيوش والحركات في القوات المسلحة، وإعادة النازحين واللاجئين. فترة انتقالية يحدد مدتها مؤتمر الحوار السوداني، ومهامها تنفيذ مخرجات الحوار، وعقد مؤتمر لصياغة دستور للبلاد وإقراره عبر استفتاء شعبي، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، ومعالجة أوضاع المتضررين من الحرب.

كما شددت على "ضرورة مشاركة القوات المسلحة في السلطة لحماية الفترة الانتقالية بشكل متوازن مع التطور الديمقراطي، على أن ينتهي دورها بنهاية هذه الفترة وتسليم السلطة لحكومة منتخبة". وأقرت استمرار مجلس السيادة من عسكريين ومدنيين، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من كفاءات وطنية من دون محاصّة حزبية.

وحسب الوثيقة، يختار الحوار السوداني لجنة حكماء قومية ترشح رئيس الوزراء، كما سيتم تشكيل مجلس تشريعي، وانتهاج العدالة الانتقالية باعتبارها مقاربة شمولية لمعالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية وتعقيدات النزاعات المسلحة.

إعلان

تعليقا على ذلك، يوضح القيادي في الكتلة الديمقراطية وعضو لجنة القوى السياسية والمجتمعية مبارك أردول أن الاتجاه الغالب أن تكون الفترة التأسيسية عامين والانتقالية مثلها، على أن يستمر البرهان رئيسا لمجلس السيادة لهاتين الفترتين (4 سنوات).

وفي حديث للجزيرة، يقول أردول إن الوثيقة مفتوحة وصارت ملكا للجميع، وإنهم سيتواصلون مع قوى أخرى تمهيدا لعملية سياسية واسعة تنتهي بدستور دائم للبلاد.

قنطرة للسلام

بدوره، كشف حاتم السر المستشار السياسي لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي يتزعم الكتلة الديمقراطية، عن تفاهمات ومشاورات أجراها معهم البرهان بشأن تشكيل الحكومة الجديدة لإدارة الفترة الانتقالية، وعدها مشاورات أولية غير رسمية.

ورجح السر -في تصريح صحفي- الإبقاء على مجلس السيادة ممثلا للسلطة السيادية في الدولة، على أن يسمي البرهان رئيس وزراء مدنيا يكلفه بتشكيل الحكومة لتكون السلطة التنفيذية للدولة، كما سيتم التوافق على مجلس تشريعي يتألف من 250 عضوا.

وفي موقف لافت، رأى عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية "تقدم" ياسر عرمان أن "خطاب البرهان وحده غير كافٍ لوقف الحرب، لكنه يمنح فرصة للحوار، كما انتقل من خطاب النصر المطلق إلى رحابة حديث السياسة الذي يقود للبحث عن الحلول".

وقال عرمان، في منشور على مواقع التواصل، إن قوات الدعم السريع "حققت انتصارات في الفترة السابقة، ويحقق الجيش انتصارات وتقدما حقيقيا في الفترة الأخيرة، ولكن كل ذلك لا يحقق النصر المطلق لأي من الطرفين. ومهما كانت نتائج انتصارات الجيش الحالية، فإنها "سقالة" (هيكل) نحو الحل السلمي لا النصر المطلق، ويجب أن ترتكز إستراتيجيتيهما على الحل السلمي".

ووفقا له، فإن حديث البرهان عن تنسيقية "تقدم" واشتراط رفع يدها عن قوات الدعم السريع للترحيب بها هو "فقه دعاية الحرب ولم يقدم جديدا".

إعلان

أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق، فيرى أن البرهان سعى -من خلال خطابه- إلى "مغازلة قسم من تنسيقية "تقدم"، ممن يستهويهم الاستوزار، واستقطابهم بما أسماها حكومة التكنوقراط التي تدير المرحلة الانتقالية". ويعتقد -في تعليق بصفحته على فيسبوك- أن البرهان "يتهيأ لأن يبقى جزءا من أي ترتيبات سياسية للوضع في البلاد متحكما بمصائرها طوال فترة الانتقال وما بعدها".

مقالات مشابهة

  • وثيقة سودانية تقترح فترتين انتقاليتين واستمرار البرهان 4 سنوات
  • خطاب البرهان وتجريب المجرب
  • قراءة خلف السطور لحديث البرهان
  • خطاب البرهان.. كؤوس الحسم ومفاتيح المستقبل
  • لماذا أثار خطاب البرهان الأخير الجدل بين السودانيين؟
  • مزمل أبو القاسم.. قراءة في خطاب البرهان!!!..
  • خطاب البرهان الجديد بين الدلالات والمصداقية
  • الإسلاميون ومخاوف التحالف مع البرهان: حسابات المصالح والمخاطر السياسية
  • البرهان: مشاورات القوى السياسية تمهد للحوار السوداني