كابل– تتألف أفغانستان من فسيفساء من القوميات والأصول كانت ولا تزال ملتقى لحضارات مختلفة ومزيج من الفارسية والمغولية والآرية. ويشكّل الإسلام السني المذهب الرئيس للدولة، إضافة لأقليات دينية مختلفة كالشيعة الجعفرية والسيخ والهندوس وأيضا "الأقلية الإسماعيلية".

فيض الله بيك، هو مدير متقاعد لإحدى المدارس الثانوية في مديرية شغنان في ولاية بدخشان ذات الأغلبية الإسماعيلية، حدثنا عن تاريخ هذه الأقلية، فقال "على الرغم من الفقر وقلة ذات اليد بين سكان شغنان من الأقلية الإسماعيلية، فإن معظمهم من المتعلمين، فهم يولون أهمية كبرى للعلم، وفي سنوات الحرب الأهلية نأى سكان هذه المنطقة بأنفسهم عن الحرب ولم يكونوا طرفا فيها، فكانت منطقتهم من أكثر المناطق أمنا".

"وقد تم بناء أكثر من 18 مدرسة ثانوية في هذه المديرية في الوقت الذي لم يكن يوجد فيه أكثر من مدرسة واحدة أو اثنتين في المديريات المجاورة لها، إضافة لذلك فإن أفراد هذه الأقلية يمتازون بإعطاء حرية أكبر للفتيات للتعلم والعمل عن غيرهم من الأفغان".

أفغان بجوار الحدود مع غورنو بدخشان في طاجيكستان وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي بجبال بامير (غيتي) علم بارز

أما عن انتشار المذهب الإسماعيلي في ولاية بدخشان في العصر الحديث، فيحدثنا فيض الله بيك قائلا "لجأ ناصر خسرو، الرحالة والعالم والشاعر الإسماعيلي الشهير، إلى منطقة يمغان في بدخشان فرارا من الاضطهاد. ولجأ إلى هذه المنطقة الوعرة في أعالي جبال هندكوش بمنطقة تقع حاليا بالقرب من حدود أفغانستان وباكستان وطاجيكستان، وبدأ دعوته فانتشر المذهب في هذه المناطق، ولا يزال قبره في مديرية يمغان في بدخشان علما تاريخيا بارزا".

ويتبع إسماعيليو أفغانستان لأمير الفرقة في العالم آغا خان الرابع. وفي ولاية بغلان القريبة، وبالأخص في وادي كيان، يعيش ثاني أكبر تجمع للإسماعيليين في أفغانستان، ومنها الممثل الشخصي لأمير الإسماعيليين في العالم وهو سيد منصور نادري، وفي كل مدينة يوجَد فيها أعضاء من هذه الأقلية يتم اختيار ممثل شخصي ديني يطلق عليه محليا "الشاه".

إعلان عاداتهم

ينتشر أفراد الأقلية الإسماعيلية في أفغانستان في ولايات بدخشان وبغلان وباميان وكابل وقندهار وغيرها. وبخلاف الإسماعيليين في ولاية بدخشان من قومية الطاجيك فباقي أعضاء هذه الأقلية هم من "قومية الهزارة"، وبعضهم من السادات، ويشكلون قرابة 3% من سكان أفغانستان بحسب التقديرات.

أما عن عاداتهم وتقاليدهم، فيخبرنا فيض الله أن "أهم ما يميز أقليتنا، كحال باقي الأفغان، هو كرم الضيافة، وفي المناطق التي يعيش فيها الإسماعيليون فإن هناك عرفا يوجب على صاحب أي بيت يقع في طريق المسافرين بمجرد أن يصل أي مسافر إلى أعتاب بيته أن يقدم له المأوى والطعام".

ومعظم المدن التي يعيش فيها أفراد هذه الأقلية في ولاية بدخشان مثل شغنان واشكاشم وممر واخان هي محطات أساسية على طريق الحرير التاريخي. ومن هنا مرّت قوافل التجارة قديما من الصين إلى وسط آسيا ومنها إلى أوروبا، لذلك فإن سكان هذه المنطقة الذين حافظوا على أمن هذه الطرق عبر التاريخ، لا يزالون يفتخرون بأنه لا يوجد أي فندق في قراهم وأن واجبهم هو تقديم المأوى والطعام والشراب للمسافرين العابرين.

ويضيف فيض الله "في كل قرية من قرانا يتوجب على مختار القرية أن يؤمّن المسافرين، وحين يصل مسافر للقرية وبعد أن يتم تقديم واجب الضيافة له، يرسل المختار حصانين مع شخصين من المنطقة لمرافقة المسافر إلى أن يصل حدود القرية التالية، فيستلم هذه المهمة مختار القرية الأخرى وهكذا إلى أن يصل المسافر إلى وجهته".

النساء من الإسماعيلية تتمتع بحرية تعليم وعمل أفضل من نظيراتها بأفغانستان (شترستوك) المرأة الإسماعيلية

حين تتجول في إحدى القرى التي يعيش فيها أفراد هذه الأقلية سيلفت نظرك مدى الحرية والاستقلالية التي تتمتع بها النساء، على عكس معظم المناطق الريفية في أفغانستان، فالنساء لا يغطين وجوههن ويعملن جنبا إلى جنب مع الرجال في الزراعة وتربية المواشي وغيرها من الأعمال.

إعلان

قابلنا منيجة، وهي شابة تعيش في شغنان، وسألناها عن طبيعة حياة المرأة هنا، فقالت "نحن ننعم بحرية أكبر مما يتوفر لغيرنا من النساء الأفغانيات، ولا يفرض علينا الحجاب أو البقاء في البيت..".

نشأت هذه الشابة، كما قالت، حيث كانت والدتها وجدتها ومعظم نساء القرية يعملن كالرجال خارج البيت، ويُسمح للفتيات بإكمال تعليمهن وبينهن نسبة عالية من الفتيات المتعلمات.

أما عن عاداتهم في أعيادهم ومناسباتهم، فتقول إن أهم مناسبة لدينا هي "عيد النوروز"، ويصادف اليوم الأول من "شهر حمل" بحسب التوقيت الشمسي الهجري، حيث يتساوى الليل والنهار وينتهي فصل الشتاء ويبدأ فصل الربيع.

"ولدينا طقوس خاصة لهذا العيد، حيث نقوم بتنظيف البيت وتبييضه ونصنع حلوى "السمنك" وتصنع من القمح بعد إنباته لمدة 40 يوما، وكذلك نصنع طعاما خاصا يسمى (دلده) وهو عبارة عن قمح ولحم يطبخ لمدة طويلة، فيصبح شبيها بالعصيدة".

أما عن عاداتهم في الزفاف، فتخبرنا قائلة "نمتاز عن غيرنا من الأفغان بأن الفتاة لها الحق في اختيار الزوج، إضافة لذلك فإننا لا نبالغ في قيمة المهر وتتم المراسم بصورة بسيطة، ويقوم رجل الدين المحلي وهو ممثل الآغا خان شخصيا بعقد القران".

ويذهب الزوج رفقة أقاربه وأصدقائه لإحضار العروس من بيت والدها. وحينها يقف أحد أقارب العروس أمام باب البيت ويمنعهم من الدخول إلى أن يرضوه بهدية خاصة، فيسمح لهم بالدخول. وتُغطى العروس بـ7 أوشحة كرمز للعفة والحياء، وتنشد النساء بعض الأشعار الشعبية مع ضرب الدفوف.

الرجال والنساء من الأقلية الإسماعيلية يعملون جنبا إلى جنب ويشاركون في السوق الأسبوعي (شترستوك) السوق المشتركة

أما عن مصدر عيش أفراد هذه الأقلية، فيقول مير مختار، وهو تاجر محلي في المنطقة، إن السكان يعتمدون على عدة موارد للعيش أهمها الزراعة وتربية الماشية. "وتشتهر منطقتنا بالصناعات اليدوية التي تقوم بها النساء كحياكة البسط والملابس والمطرزات".

إعلان

وحسب مير مختار، تم في السنوات الأخيرة افتتاح سوق مشتركة مع دولة طاجيكستان، وهي سوق أسبوعية حيث يذهب التجار في اليوم المحدد من كل أسبوع ببضائعهم ويعرضونها في المنطقة الخاصة على الحدود بين البلدين.

ويشارك في هذا البازار تجار من دولة طاجيكستان وأفغانستان، حيث يقول مختار "هذه السوق ساعدتنا كثيرا في تنمية اقتصادنا المحلي، كما أنه في شهور الشتاء الباردة وحين تغلق الثلوج الطرق الموصلة إلى كابل، فإننا نحصل على ما نحتاجه من بضائع من هذه السوق الذي يشارك فيها الرجال والنساء على السواء، حيث تعرض النساء من البلدين صناعاتهن اليدوية من مطرزات وبسط وملابس وغيرها".

مؤسسات الآغا خان

على مدى سنوات قدمت المؤسسات الخيرية التابعة لأمير الفرقة الإسماعيلية في العالم آغا خان الرابع، خدماتها في مدن وقرى أفغانستان، لا سيما المناطق التي تقطنها هذه الأقلية مثل بدخشان وتخار وبغلان وغيرها، وتشمل هذه الخدمات الرعاية الطبية والتعليمية والتنموية، وهي توفر فرص عمل للكثيرين من أبناء هذه الأقلية إضافة لخدمات مجانية للسكان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی أفغانستان أما عن

إقرأ أيضاً:

من العثمانيين إلى طالبان.. تاريخ طويل يجمع تركيا وأفغانستان

تشهد العلاقات بين تركيا وحكومة تصريف الأعمال -التي تقودها حركة طالبان في أفغانستان– تطورا ملحوظا، إذ تزداد المؤشرات على تعزيز التعاون بين الطرفين في مختلف المجالات.

ويعتبر تسليم السفارة الأفغانية في أنقرة وقنصلية أفغانستان في إسطنبول لممثلي حركة طالبان من آخر مؤشرات تنامي العلاقات بين كابل وأنقرة.

وفي حين قطعت العديد من الدول أو خفضت علاقاتها الدبلوماسية مع أفغانستان بعد أن استعادت طالبان السيطرة على البلاد في 15 أغسطس/آب 2021، لم تغلق أنقرة سفارتها في كابل، مما يجعلها من الدول القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مباشرة مع أفغانستان.

وتعد تركيا هي العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يتمتع بحضور دبلوماسي نشط في كابل.

السفارة الأفغانية في أنقرة تمارس أنشطتها كالمعتاد (الفرنسية) نبذة تاريخية

تعود جذور العلاقات بين كابل وأنقرة إلى عهد الدولة العثمانية، وأما العلاقات الحديثة بين البلدين فترجع إلى بدايات القرن الـ20، وكانت تركيا من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع أفغانستان بعد استقلالها عن بريطانيا في 1919.

وقد شهدت هذه العلاقات تطورا مستمرا قائما على الاحترام المتبادل والتعاون في مجالات متعددة، مثل التعليم والبنية التحتية.

وفي عهد الملك أمان الله خان (1919- 1929)، اتسمت العلاقات بين الطرفين بالدفء والانفتاح في مختلف المجالات. ولأول مرة، أرسل الشاه عددا من الطلاب إلى تركيا للدراسة.

وعلى الرغم من شكوكهم تجاه الأجانب، فقد استعان الأفغان بالمدربين الأتراك لتطوير جيشهم، وتبنت القوات الأفغانية أساليب التدريب على غرار الجيش التركي.

إعلان

بيد أن هذه العلاقات فترت بعد انقلاب 17 يوليو/تموز 1973 الذي أطاح بالملك محمد ظاهر شاه الذي كان يميل للغرب، ليحل محله نظام محمد داود الذي اقترب من الكتلة الشرقية.

ويشير بعض الخبراء إلى أن العلاقة بين تركيا وأفغانستان تستند إلى إرث مشترك بين مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وملك أفغانستان في عشرينيات القرن الماضي أمان الله خان، الذي كان معجبا بسياسات وأفكار أتاتورك.

ويقول ألبر كيسكين، وهو زميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لـ"صوت أميركا": "هذا الإرث الإيجابي لم ينقطع أبدا على مر السنين".

أمان الله خان (يمين) وزوجته الملكة ثريا ترزي هانم بجانب مصطفى كمال أتاتورك (غيتي) موقف تركيا من غزو أفغانستان

خلال الغزو السوفياتي لأفغانستان (1979-1989)، تبنّت تركيا موقفا داعما للمجاهدين الأفغان، حيث استقبلت عددا من اللاجئين وقدّمت لهم مساعدات إنسانية وتعليمية، كما فتحت أبوابها لبعض قادة المقاومة الأفغانية الذين تصدوا للنظام الشيوعي المدعوم من موسكو، من بينهم زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار وزعيم الجمعية الإسلامية برهان الدين رباني.

وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، شاركت تركيا ضمن قوات الناتو في أفغانستان، إلا أنها حافظت على موقف متوازن، حيث لم تشارك في العمليات القتالية ضد طالبان، بل ركزت على عمليات حفظ السلام والتطوير، مما جعلها طرفا مقبولا نسبيا لدى مختلف الأطراف الأفغانية.

ويوضح ألبر كيسكين أن تركيا حرصت طوال هذه الفترة على ضمان عدم انخراط قواتها في أي حرب نشطة ضد الشعب الأفغاني، ويعتقد أن هذا أمر يدركه نظام طالبان الحالي في أفغانستان أيضا.

وبحسب وزارة الدفاع التركية، فإن إحدى المهام الأخيرة للجنود الأتراك في أفغانستان كانت تقديم الخدمات التشغيلية والأمنية في مطار كابل، وقد سحبت تركيا قواتها من أفغانستان قبل الموعد النهائي الذي حددته حركة طالبان لانسحاب القوات الأجنبية في أغسطس/آب 2021.

تركيا شاركت ضمن قوات الناتو في أفغانستان إلا أنها لم تشارك في العمليات القتالية ضد طالبان (الفرنسية) علاقات طالبان مع تركيا

فتحت أنقرة قنوات اتصال مع حركة طالبان في وقت مبكر، وأسهمت بشكل فعّال في الجهود الدبلوماسية المتعلقة بأفغانستان.

إعلان

ووفقا لما صرّح به الكاتب والمحلل السياسي التركي البر تان، لموقع الجزيرة نت، فإن تركيا أبدت استعدادها لاستضافة محادثات السلام بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية السابقة برئاسة أشرف غني مستغلة علاقاتها الجيدة مع جميع الأطراف الأفغانية.

وقبل أن تسيطر طالبان على أفغانستان، كانت تركيا قد أعلنت عن رغبتها في التعاون في توفير الأمن وإدارة مطار كابل، لكن الحركة صرحت في حينها أنها لن تسمح بوجود قوات أجنبية في أفغانستان.

ويرى مايكل كوغلمن، الباحث المتخصص في شؤون جنوب آسيا بمركز ويلسون، أن تركيا، رغم كونها جزءا من قوات الناتو في أفغانستان، نجحت في الحفاظ على علاقات مميزة مع الأطراف الأفغانية، هذه العلاقات مكنتها من التفاوض لتولي إدارة مطار كابل.

وبعد سيطرة طالبان على كابل في أغسطس/آب 2021، اتخذت تركيا نهجا براغماتيا في التعامل مع الحكومة الجديدة، حيث لم تعترف بها رسميا، لكنها أبقت على قنوات التواصل مفتوحة واستمرت في التعامل مع القيادات الجديدة في كابل.

وقد شهدت الفترة الأخيرة تقاربا واضحا، إذ تمت عدة لقاءات بين مسؤولين أتراك وقيادات طالبان، وتم التباحث في قضايا التعاون الاقتصادي والدبلوماسي وقام وزراء في حكومة تصريف الأعمال الأفغانية، مثل وزير الخارجية أمير خان متقي ووزير الأوقاف نور محمد ثاقب، بزيارة تركيا والتقوا مع مسؤولين أتراك.

وتستمر الوفود التركية من مختلف المجالات الأكاديمية والاقتصادية في زيارة أفغانستان بشكل دوري، حيث تلعب البلد الأوروبي دورا بارزا في تقديم المساعدات الإنسانية عبر الهيئات الإغاثية التابعة لها.

وغالبا ما تكون المنظمات التركية في طليعة الجهات المبادرة لتقديم الدعم خلال الأزمات، كما حدث في زلزال ولاية هرات عام 2023، وفيضانات ولاية بغلان عام 2024.

وتدير تركيا العديد من المشاريع الإغاثية والتنموية من خلال مؤسسات مثل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) والهلال الأحمر التركي، مما يعزز حضورها الإنساني في البلاد.

إعلان

وبما أن طالبان سيطرت على بلد أنهكته الحروب وعانى من عدم الاستقرار لسنوات طويلة، تواجه الحكومة العديد من النواقص والتحديات في المجالات الاقتصادية والتعليمية والفنية والهيكلية والعسكرية والأمنية. ومن وجهة نظر بعض قيادات الحركة، تُعد تركيا من الدول القادرة على المساهمة في سد هذه الثغرات.

وتشمل المكاسب، التي تحققها طالبان من التعاون مع تركيا، تلبية الاحتياجات الاقتصادية، وسد النواقص الفنية، وتدريب الكوادر العسكرية والفنية، والمساهمة في إعادة إعمار أفغانستان، والحصول على اعتراف دولي بحكومتها.

ويرى المراقبون أن تركيا توظف خطابا دينيا معتدلا في علاقاتها مع طالبان، وتسعى لتعزيز نفوذها من خلال القواسم المشتركة في الهوية الإسلامية، خاصة أن غالبية السكان في كلا البلدين يتبعون المذهب الحنفي في الفقه وهناك طرق صوفية مشتركة لها أتباع في كل من أفغانستان وتركيا مثل الطريقة النقشبندية.

وفي خطوة قد تعكس الاعتراف الضمني بحكومة طالبان، سلمت تركيا أخيرا القنصلية الأفغانية في إسطنبول والسفارة الأفغانية في أنقرة لممثلي الحركة، مما يعكس تزايد مستوى التعاون الدبلوماسي بين البلدين.

ومن ناحية أخرى، تعد تركيا من الدول التي تستضيف عددا من الشخصيات المعارضة لحركة طالبان، سواء من القيادات أو النشطاء السياسيين الذين لجؤوا بعد سقوط الحكومة الأفغانية السابقة إلى تركيا مثل زعيم حزب الدعوة الإسلامية في أفغانستان عبد رب الرسول سياف، والمشير عبد الرشيد دوستم نائب رئيس الجمهورية السابق، ووزير الخارجية الأسبق صلاح الدين رباني نجل الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني.

وتتعامل أنقرة بحذر مع هذه القضية، حيث لا تريد توتير علاقتها مع حكومة تصريف الأعمال في كابل، ولكنها تبقي حبال التواصل ممدودة مع مختلف الشخصيات السياسية والفصائل الأفغانية.

عبد رب الرسول سياف أحد معارضي طالبان الذين تستضيفهم تركيا (الفرنسية) الحضور التركي في أفغانستان

تواصل الشركات التركية عملها في أفغانستان، لا سيما في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم. كما أن المؤسسات التعليمية التركية، مثل شبكة مدارس "معارف"، لا تزال تعمل في البلاد ولديها 46 مدرسة في مختلف مناطق أفغانستان، مما يعكس استمرار الدور التركي في القطاع التعليمي.

وتقدم تركيا منحا دراسية للطلاب الأفغان، فبحسب تصريحات للسفير الأفغاني السابق في أنقرة أمير محمد رامين للجزيرة نت، فإن هناك أكثر من 7 آلاف طالب وطالبة من أفغانستان يدرسون في مختلف الجامعات التركية.

ويقول بعض المحللين إن تركيا تمارس دبلوماسية عامة نشطة في أفغانستان من أجل زيادة شعبيتها داخليا.

إعلان

وفي هذا السياق، قال هارون ستاين، مدير الأبحاث في معهد السياسة الخارجية لصوت أميركا، "تحب أنقرة أن ترى نفسها كفاعل عالمي، ولذلك فإن مشاركة مؤسساتها ومنظماتها التعليمية في أفغانستان تعد مؤشرا سياسيا داخليا جيدا لإظهار أن لديها سياسة خارجية نشطة".

ومن المشاريع الكبيرة، التي نفذتها الشركات التركية في أفغانستان، إنجاز المرحلة الثانية من مشروع سد كاجاكي الكهرومائي في ولاية هلمند من قبل شركة "77 كونستركشن" التركية التي استثمرت في هذا المشروع ما يقارب 160 مليون دولار.

وحضر حفل افتتاح السد عدد من كبار المسؤولين في حركة طالبان وحكومة تصريف الأعمال، ومن بينهم عبد الغني برادر وعبد السلام حنفي، نائبا رئيس الوزراء، وأيضا السفير التركي في كابل جهاد إرجيناي الذي قال في كلمته أثناء الحفل: "على الرغم من أن سد كاجاكي يعد استثمارا مهما في العلاقات الاقتصادية بين بلادنا وأفغانستان، فإن علاقاتنا أكثر تنوعا وعمقا".

سد كاجاكي الكهرومائي في ولاية هلمند  (الفرنسية) المصالح المتبادلة بين تركيا وأفغانستان

في إطار سعيها لتوسيع نفوذها الإقليمي، تعمل تركيا على تعزيز حضورها في وسط آسيا وجنوبها، مستندة إلى الموقع الإستراتيجي لأفغانستان التي تربط بين المنطقتين. ويتيح التعاون مع حكومة طالبان لأنقرة فرصة لتعزيز دورها في التوازنات الإقليمية، خاصة وسط تنافسها مع إيران وروسيا.

إن الحضور التركي في أفغانستان، التي تضم مجموعات عرقية مثل الأوزبك والتركمان والتي لها امتداد عرقي وثقافي وتاريخي مع سكان دول آسيا الوسطى، من شأنه أن يسهل وجود ونفوذ تركيا في هذه البلدان، التي تشترك معها في الكثير من حيث الدين واللغة والتاريخ.

وفي هذا الصدد لا يمكن التغاضي عن المصالح الاقتصادية، لأن أفغانستان تمتلك ثروات طبيعية هائلة (مثل الليثيوم والمعادن النادرة)، لكنها تفتقر إلى القدرات التقنية لاستغلالها. وبفضل شركاتها في البناء والطاقة، ترى تركيا فرصا كبيرة للاستثمار والتجارة في أفغانستان ولديها اهتمام خاص بقطاع التعدين والبنية التحتية ومشاريع الطاقة والنقل.

إعلان

وتنصح تركيا حركة طالبان بتشكيل حكومة شاملة وضمان تعليم الفتيات تحت حكمها، كما تؤكد أنقرة مرارا على أهمية الاستقرار في أفغانستان لمنع تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا.

وبحسب تقرير لقسم اللغة التركية في إذاعة "بي بي سي" وفق البيانات الصادرة عن إدارة الهجرة التركية، بلغ عدد اللاجئين الأفغان غير القانونيين الذين تم احتجازهم في تركيا 42 ألفا و674 شخصا حتى سبتمبر/أيلول 2024، وتأمل أنقرة في تقليل تدفق اللاجئين الأفغان عبر دعم استقرار أفغانستان، مما قد يتحقق بالتعاون مع طالبان في مشاريع إعادة الإعمار.

 

بالنظر إلى موقعها الجيوسياسي كعضو في الناتو، تسعى تركيا للعب دور الجسر بين الغرب وطالبان، مما يعزز مكانتها الدبلوماسية ويتيح لها توسيع نفوذها على الساحة الدولية.

وفي الوقت ذاته، تعمل أنقرة على ضمان استقرار أفغانستان لتفادي تحولها إلى بؤرة لعدم الاستقرار الإقليمي، إذ تولي أهمية كبيرة لاحتواء خطر الجماعات المتشددة التي قد تستغل الفراغ الأمني لتعزيز نفوذها.

وفي المقابل، تحتاج حكومة تصريف الأعمال بقيادة طالبان إلى استثمارات أجنبية لإنعاش اقتصاد أفغانستان المنهار، وتمثل تركيا شريكا محتملا بفضل خبرتها في البنية التحتية والتجارة.

كما تسعى طالبان للاعتراف بحكومتها وكسب الشرعية الدولية ويمكن لتركيا، كدولة مسلمة ذات وزن دبلوماسي، مساعدة طالبان في تحسين صورتها وتخفيف العزلة الدولية.

ويعتقد الأكاديمي الأفغاني محمد مصعب أن هناك مجموعة من العوامل التي تسهم في تعزيز حضور تركيا وتأثيرها في أفغانستان. من أبرزها: القواسم الدينية والثقافية المشتركة بين البلدين، إلى جانب النظرة الإيجابية التي يحملها الشعب الأفغاني تجاه تركيا. كما يلعب النفوذ الناعم التركي دورا مهما، مدعوما بعلاقات أنقرة الوطيدة مع الفاعلين المحليين والشخصيات المؤثرة.

إعلان

إضافة إلى ذلك، يشير مصعب إلى التعاون الوثيق بين تركيا وكل من قطر وباكستان، وهما من أبرز الأطراف المؤثرة على حركة طالبان، فضلا عن الدعم الأميركي والأوروبي لأنقرة.

وتبرز أيضا عوامل أخرى، مثل اعتراف طالبان بقدرات تركيا في المجالات الفنية والإدارية والاقتصادية، والطابع الإسلامي والسني لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحاجة الحركة الماسة للحصول على اعتراف دولي. وجميع هذه المقومات تهيئ تركيا لتكون لاعبا مهما ومؤثرا في المشهد الأفغاني.

ويضيف مصعب أن طالبان "ترى في تركيا حليفا يمكنه الحد من نفوذ إيران في أفغانستان، خاصة مع وجود توترات مع طهران حول المياه والقضايا الحدودية". ويختم قائلا: "إن تعميق العلاقات بين البلدين تخدم مصالحهما، وينعكس إيجابا على المستويين الإقليمي والدولي".

مقالات مشابهة

  • فيديو نادر يوثق أجواء الضيافة والمجالس قبل 45 عامًا
  • زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي: سأصوت ضد الإغلاق الحكومي
  • البرتغال تجرى انتخابات مبكرة مايو المقبل بعد سقوط حكومة الأقلية
  • مصرع 4 أشخاص في انقلاب سيارة على طريق الإسماعيلية السويس
  • مصرع 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة على طريق الإسماعيلية السويس
  • ترامب مهاجما زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ: كان يهوديا وأصبح فلسطينيا
  • «طوارئ جنوب الحزام»: تزايد مقلق لحالات اختفاء النساء والفتيات
  • سلطنة عُمان وأفغانستان تبحثان تعزيز العلاقات التجارية
  • كيف وصل العرب لأفغانستان وكيف يعيشون بها؟
  • من العثمانيين إلى طالبان.. تاريخ طويل يجمع تركيا وأفغانستان