الإسماعيلية في أفغانستان.. أهل الضيافة على طريق الحرير
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
كابل– تتألف أفغانستان من فسيفساء من القوميات والأصول كانت ولا تزال ملتقى لحضارات مختلفة ومزيج من الفارسية والمغولية والآرية. ويشكّل الإسلام السني المذهب الرئيس للدولة، إضافة لأقليات دينية مختلفة كالشيعة الجعفرية والسيخ والهندوس وأيضا "الأقلية الإسماعيلية".
فيض الله بيك، هو مدير متقاعد لإحدى المدارس الثانوية في مديرية شغنان في ولاية بدخشان ذات الأغلبية الإسماعيلية، حدثنا عن تاريخ هذه الأقلية، فقال "على الرغم من الفقر وقلة ذات اليد بين سكان شغنان من الأقلية الإسماعيلية، فإن معظمهم من المتعلمين، فهم يولون أهمية كبرى للعلم، وفي سنوات الحرب الأهلية نأى سكان هذه المنطقة بأنفسهم عن الحرب ولم يكونوا طرفا فيها، فكانت منطقتهم من أكثر المناطق أمنا".
"وقد تم بناء أكثر من 18 مدرسة ثانوية في هذه المديرية في الوقت الذي لم يكن يوجد فيه أكثر من مدرسة واحدة أو اثنتين في المديريات المجاورة لها، إضافة لذلك فإن أفراد هذه الأقلية يمتازون بإعطاء حرية أكبر للفتيات للتعلم والعمل عن غيرهم من الأفغان".
أما عن انتشار المذهب الإسماعيلي في ولاية بدخشان في العصر الحديث، فيحدثنا فيض الله بيك قائلا "لجأ ناصر خسرو، الرحالة والعالم والشاعر الإسماعيلي الشهير، إلى منطقة يمغان في بدخشان فرارا من الاضطهاد. ولجأ إلى هذه المنطقة الوعرة في أعالي جبال هندكوش بمنطقة تقع حاليا بالقرب من حدود أفغانستان وباكستان وطاجيكستان، وبدأ دعوته فانتشر المذهب في هذه المناطق، ولا يزال قبره في مديرية يمغان في بدخشان علما تاريخيا بارزا".
ويتبع إسماعيليو أفغانستان لأمير الفرقة في العالم آغا خان الرابع. وفي ولاية بغلان القريبة، وبالأخص في وادي كيان، يعيش ثاني أكبر تجمع للإسماعيليين في أفغانستان، ومنها الممثل الشخصي لأمير الإسماعيليين في العالم وهو سيد منصور نادري، وفي كل مدينة يوجَد فيها أعضاء من هذه الأقلية يتم اختيار ممثل شخصي ديني يطلق عليه محليا "الشاه".
إعلان عاداتهمينتشر أفراد الأقلية الإسماعيلية في أفغانستان في ولايات بدخشان وبغلان وباميان وكابل وقندهار وغيرها. وبخلاف الإسماعيليين في ولاية بدخشان من قومية الطاجيك فباقي أعضاء هذه الأقلية هم من "قومية الهزارة"، وبعضهم من السادات، ويشكلون قرابة 3% من سكان أفغانستان بحسب التقديرات.
أما عن عاداتهم وتقاليدهم، فيخبرنا فيض الله أن "أهم ما يميز أقليتنا، كحال باقي الأفغان، هو كرم الضيافة، وفي المناطق التي يعيش فيها الإسماعيليون فإن هناك عرفا يوجب على صاحب أي بيت يقع في طريق المسافرين بمجرد أن يصل أي مسافر إلى أعتاب بيته أن يقدم له المأوى والطعام".
ومعظم المدن التي يعيش فيها أفراد هذه الأقلية في ولاية بدخشان مثل شغنان واشكاشم وممر واخان هي محطات أساسية على طريق الحرير التاريخي. ومن هنا مرّت قوافل التجارة قديما من الصين إلى وسط آسيا ومنها إلى أوروبا، لذلك فإن سكان هذه المنطقة الذين حافظوا على أمن هذه الطرق عبر التاريخ، لا يزالون يفتخرون بأنه لا يوجد أي فندق في قراهم وأن واجبهم هو تقديم المأوى والطعام والشراب للمسافرين العابرين.
ويضيف فيض الله "في كل قرية من قرانا يتوجب على مختار القرية أن يؤمّن المسافرين، وحين يصل مسافر للقرية وبعد أن يتم تقديم واجب الضيافة له، يرسل المختار حصانين مع شخصين من المنطقة لمرافقة المسافر إلى أن يصل حدود القرية التالية، فيستلم هذه المهمة مختار القرية الأخرى وهكذا إلى أن يصل المسافر إلى وجهته".
حين تتجول في إحدى القرى التي يعيش فيها أفراد هذه الأقلية سيلفت نظرك مدى الحرية والاستقلالية التي تتمتع بها النساء، على عكس معظم المناطق الريفية في أفغانستان، فالنساء لا يغطين وجوههن ويعملن جنبا إلى جنب مع الرجال في الزراعة وتربية المواشي وغيرها من الأعمال.
إعلانقابلنا منيجة، وهي شابة تعيش في شغنان، وسألناها عن طبيعة حياة المرأة هنا، فقالت "نحن ننعم بحرية أكبر مما يتوفر لغيرنا من النساء الأفغانيات، ولا يفرض علينا الحجاب أو البقاء في البيت..".
نشأت هذه الشابة، كما قالت، حيث كانت والدتها وجدتها ومعظم نساء القرية يعملن كالرجال خارج البيت، ويُسمح للفتيات بإكمال تعليمهن وبينهن نسبة عالية من الفتيات المتعلمات.
أما عن عاداتهم في أعيادهم ومناسباتهم، فتقول إن أهم مناسبة لدينا هي "عيد النوروز"، ويصادف اليوم الأول من "شهر حمل" بحسب التوقيت الشمسي الهجري، حيث يتساوى الليل والنهار وينتهي فصل الشتاء ويبدأ فصل الربيع.
"ولدينا طقوس خاصة لهذا العيد، حيث نقوم بتنظيف البيت وتبييضه ونصنع حلوى "السمنك" وتصنع من القمح بعد إنباته لمدة 40 يوما، وكذلك نصنع طعاما خاصا يسمى (دلده) وهو عبارة عن قمح ولحم يطبخ لمدة طويلة، فيصبح شبيها بالعصيدة".
أما عن عاداتهم في الزفاف، فتخبرنا قائلة "نمتاز عن غيرنا من الأفغان بأن الفتاة لها الحق في اختيار الزوج، إضافة لذلك فإننا لا نبالغ في قيمة المهر وتتم المراسم بصورة بسيطة، ويقوم رجل الدين المحلي وهو ممثل الآغا خان شخصيا بعقد القران".
ويذهب الزوج رفقة أقاربه وأصدقائه لإحضار العروس من بيت والدها. وحينها يقف أحد أقارب العروس أمام باب البيت ويمنعهم من الدخول إلى أن يرضوه بهدية خاصة، فيسمح لهم بالدخول. وتُغطى العروس بـ7 أوشحة كرمز للعفة والحياء، وتنشد النساء بعض الأشعار الشعبية مع ضرب الدفوف.
أما عن مصدر عيش أفراد هذه الأقلية، فيقول مير مختار، وهو تاجر محلي في المنطقة، إن السكان يعتمدون على عدة موارد للعيش أهمها الزراعة وتربية الماشية. "وتشتهر منطقتنا بالصناعات اليدوية التي تقوم بها النساء كحياكة البسط والملابس والمطرزات".
إعلانوحسب مير مختار، تم في السنوات الأخيرة افتتاح سوق مشتركة مع دولة طاجيكستان، وهي سوق أسبوعية حيث يذهب التجار في اليوم المحدد من كل أسبوع ببضائعهم ويعرضونها في المنطقة الخاصة على الحدود بين البلدين.
ويشارك في هذا البازار تجار من دولة طاجيكستان وأفغانستان، حيث يقول مختار "هذه السوق ساعدتنا كثيرا في تنمية اقتصادنا المحلي، كما أنه في شهور الشتاء الباردة وحين تغلق الثلوج الطرق الموصلة إلى كابل، فإننا نحصل على ما نحتاجه من بضائع من هذه السوق الذي يشارك فيها الرجال والنساء على السواء، حيث تعرض النساء من البلدين صناعاتهن اليدوية من مطرزات وبسط وملابس وغيرها".
مؤسسات الآغا خانعلى مدى سنوات قدمت المؤسسات الخيرية التابعة لأمير الفرقة الإسماعيلية في العالم آغا خان الرابع، خدماتها في مدن وقرى أفغانستان، لا سيما المناطق التي تقطنها هذه الأقلية مثل بدخشان وتخار وبغلان وغيرها، وتشمل هذه الخدمات الرعاية الطبية والتعليمية والتنموية، وهي توفر فرص عمل للكثيرين من أبناء هذه الأقلية إضافة لخدمات مجانية للسكان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی أفغانستان أما عن
إقرأ أيضاً:
كابل تندد وإسلام آباد تبرر.. هواجس ترحيل آلاف اللاجئين الأفغان من باكستان
كابل- تقول الحكومة الأفغانية إن دول الجوار بدأت عمليا بترحيل اللاجئين الأفغان قسرا ومن دون التنسيق معها، واتهمت السلطات الباكستانية بـ"اعتقال الأفغان ونهب ممتلكاتهم"، كما اعتبرت وزارة اللاجئين في أفغانستان أن إسلام آباد اختارت نهجا "عنيفا وقاسيا" في طرد آلاف اللاجئين الأفغان وألغت تصاريح الإقامة، وطالبتها بعدم استخدامهم "أدوات ضغط لتحقيق غايات سياسية".
وكانت الداخلية الباكستانية قد أعلنت، مطلع مارس/آذار الماضي، أنها ستلغي تصاريح إقامة اللاجئين الأفغان في إطار المرحلة الثانية من خطة طردت في مرحلتها الأولى نحو 800 ألف من الأفغانيين غير النظاميين بالبلاد.
تعليقا على ذلك، صرح وزير اللاجئين الأفغاني المولوي عبد الكبير -للجزيرة نت- بأنهم يطالبون كلا من باكستان وإيران بالتحلي بالصبر في تعاملهما مع ملف اللاجئين الأفغان، مع "مراعاة قيم حسن الجوار والمبادئ الإسلامية والإنسانية والالتزام بالاتفاقيات الدولية".
موجات لجوءوأضاف عبد الكبير "نحن بدأنا باستقبال العائدين إلى الوطن، ونعتبر سوء التعامل من إسلام آباد وطهران أمرا غير مقبول ولا يطاق، ويجب السماح لجميع اللاجئين بنقل ممتلكاتهم وأثاث منازلهم، وتؤكد الحكومة الأفغانية ضرورة توفير الظروف المناسبة ومنح الوقت لعودتهم طوعا وبالتنسيق مع الحكومة".
إعلانووفق المتحدث باسم وزارة اللاجئين في أفغانستان عبد المطلب حقاني، تشمل المرحلة الجديدة لترحيل اللاجئين في العام الجاري نحو 1.6 مليون لاجئ سواء من يعيش في باكستان بصورة نظامية أو من يحمل تصاريح إقامة.
وأضاف حقاني للجزيرة نت أنه تم إلغاء تصاريح إقامة 800 ألف منهم في أبريل/نيسان الحالي، وأن هناك 1.3 مليون يحملون تصاريح إقامة صالحة لغاية 30 يونيو/حزيران المقبل، لأنهم مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ويمتد لجوء الأفغان إلى باكستان لأكثر من 4 عقود، وترتبط خلفيته التاريخية ارتباطا وثيقا بالصراعات التي عصفت بأفغانستان منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وشهدت كابل 5 موجات لجوء في تاريخها المعاصر:
الاجتياح السوفياتي 1979-1989. الحروب الأهلية 1989-1996. حكم حركة طالبان الأول 1996-2001. الغزو الأميركي 2001 -2021. عودة طالبان إلى الحكم للمرة الثانية عام 2021.وقد أصبحت أزمة الهجرة الأفغانية واحدة من أكثر القضايا الإقليمية والدولية تعقيدا وتحديا في السنوات الأخيرة، وألقت بظلالها على العلاقات السياسية والدبلوماسية بين كابل ودول الجوار.
انعكاسات سياسيةوفي هذا الصدد، يقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل -للجزيرة نت- إن أزمة اللاجئين انعكست بشكل مباشر على العلاقات الثنائية بين أفغانستان وباكستان، إذ تصاعدت التوترات السياسية بينهما.
وفي حين تؤكد إسلام آباد أن قرار الترحيل يأتي في إطار حماية مصالحها الداخلية، فإن كابل ترى أن العملية ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل أفغانستان، وأن جارتها تستخدم اللاجئين ورقة ضغط لفرض شروطها على حركة طالبان، وفق جليل.
من جانبهم، يقول طالبو اللجوء الأفغان إن الحكومة الباكستانية خفضت فترة تمديد التأشيرة من 6 أشهر إلى شهر واحد، مما يجعل عملية تجديدها صعبة للغاية، وتقوم الشرطة الباكستانية "باعتقال حتى من يحمل نموذج طلب تمديدها".
ينتظر الشاب الأفغاني أحمد فرحان اللجوء إلى ألمانيا ويقول للجزيرة نت "اعتُقلت أكثر من مرة.. تمديد التأشيرة عملية صعبة تحتاج إلى وقت ومال؛ يؤجل مسؤولون في الداخلية الباكستانية العملية عمدا، وعندما نواجه الشرطة نُحتجز ونُبتز بالمال، ومن لا يدفع يتم ترحيله قسرا إلى أفغانستان".
تشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من 83 ألف لاجئ أفغاني عادوا إلى أفغانستان عبر معبري طورخم وسبين بولداك، منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2023، و88% منهم من اللاجئين غير المسجلين، وحثت المفوضية باكستان على تعليق قرار إعادتهم قسرا، "بغض النظر عن وضعهم القانوني".
إعلانيقول قيصر خان المتحدث باسم المفوضية في مدينة بيشاور للجزيرة نت إن أفغانستان تواجه أزمة إنسانية خطيرة، خاصة بالنسبة للنساء والفتيات، ولذلك فإن اللاجئين الأفغان الذين يرحّلون من باكستان قد يواجهون تهديدات عند عودتهم إلى مناطقهم، وينبغي أن تكون العودة طوعية ودون إكراه لضمان سلامة طالبي اللجوء.
لم يكن الأفغان بحاجة إلى وثائق قانونية حتى عام 2006، ووُزعوا منذ الجولة الأولى من اللجوء في 54 مخيما مسجلا للاجئين الأفغان في باكستان، منها 43 مخيما في إقليم خيبر بختونخوا، و10 مخيمات في إقليم بلوشستان، ومخيم في إقليم البنجاب.
خطة باكستانيةوحسب مفوضية اللاجئين يبلغ عدد اللاجئين الأفغان المسجلين في باكستان 1.33 مليون لاجئ، إضافة إلى نحو 600 ألف آخرين لجؤوا إلى إسلام آباد بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في آب/أغسطس 2021، ولم تسمح باكستان للأمم المتحدة بتسجيلهم، وبالتالي فإن إقامتهم فيها تُعد غير قانونية وقد يواجهون الاعتقال والسجن والترحيل.
ينقسم اللاجئون الأفغان المعترف بهم قانونيا في باكستان رسميا إلى 3 فئات:
اللاجئون المؤقتون: هذه الفئة تلجأ إلى المناطق الحدودية مع أفغانستان ولديها أقارب وتعيش معها أو في مخيمات اللجوء. اللاجئون العابرون: هذه الفئة ترغب في مغادرة أفغانستان إلى الولايات المتحدة أو دول أوروبية، ويتعين عليها الذهاب إلى بلدان أخرى كشرط لقبول طلب اللجوء، واختارت باكستان مؤقتا لقربها من أفغانستان. الفئة الثالثة: هي من تحمل تأشيرات إقامة.يقول مصدر في الخارجية الأفغانية -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن الخطة الباكستانية لترحيل اللاجئين تتكون من 3 مراحل:
المرحلة الأولى: ترحيل اللاجئين غير النظامين أو الذين لم تسجلهم الحكومة الباكستانية أو منظمة الأمم المتحدة، والذين تجاوزوا مدة إقامتهم في باكستان. المرحلة الثانية: ترحيل حاملي بطاقة الجنسية الأفغانية. المرحلة الثالثة: إعادة الأفغان الذين يحملون بطاقات اللجوء إلى أفغانستان.في الأثناء، شكلت الحكومة الأفغانية -بإيعاز من زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله آخوند زاده– لجنة وزارية للإشراف على عودة اللاجئين والتواصل مع رجال الأعمال وأصحاب الشركات في باكستان.
إعلانوكشف مصدر حكومي -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت عن أنه بعد رفض إسلام آباد تأجيل قرار الترحيل، طلبت الحكومة الأفغانية ترحيل اللاجئين كافة، وشكلت لجنة خاصة للتواصل مع رجال الأعمال لنقل أعمالها وثرواتها من باكستان، وقدمت ضمانات ووعودا لتسهيل أمورهم في أفغانستان.
وأعلنت حكومة حركة طالبان عن استعدادها لاستقبال اللاجئين الأفغان وأقامت مخيما كبيرا على الحدود مع باكستان.
وزار نائب رئيس الوزراء للشؤون الإدارية الملا عبد السلام حنفي معبر طورخم وقال للجزيرة نت إن الحكومة الأفغانية "مستعدة تماما لاستقبال اللاجئين العائدين من باكستان، وستوفر لهم حياة كريمة، وقد شكلنا لجانا متعددة لتوزيع الأراضي وتوفير المساكن لمن لا يملكها في أفغانستان".