عربي21:
2025-02-10@13:55:28 GMT

ظاهرة التكويع.. وجهة نظر نفسية

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

أفرزت الحرب السورية من بدايتها نسقا من الظواهر والمصطلحات المعبّرة عنها، ولعلّ آخر هذه الظواهر ما عُرف اصطلاحا باسم "التكويع". فبُعيد سقوط النظام انتقلت فئة من الناس من تأييد النظام السابق إلى تأييد سلطة الأمر الواقع التي أطاحت به، ممثلة بأحمد الشرع، المعروف سابقا باسم الجولاني، ناهيك عن إظهارها أنّها مع الثورة منذ البداية.

فالتكويع هو مصطلح أوجده الشارع السوري لوصف الناس الذين أبدوا تأييدهم للثورة وسلطات الأمر الواقع بعد سقوط النظام وانهياره، متجاوزين حالة التأييد للنظام السابق التي أبدوها في مختلف المناسبات.

تنوع طيف التكويع

ما يثير الانتباه أيضا أنّ مصطلح المكوّع ضم العديد من الأنماط، إذ لم يشمل من يتحولون بسرعة من تمجيد السلطة السابقة إلى تمجيد السلطة الحالية فحسب، بل شمل أيضا من لم يعبّروا عن مواقفهم خوفا من السلطة، ومن يتجنبون السياسة لتحقيق مصالحهم دون مواجهة، أي أنّنا أمام حالة تنميط اجتماعي، فكلّ من لم يظهر سابقا تأييده للحالة الثورية -بصرف النظر عن مبرراته ومخاوفه- هو مكوع، ومرتبط بتنميط اجتماعي محدد.

هذا التنميط الاجتماعي يحمل في طياته أضرارا جمة على النسيج الاجتماعي، فهو يسهم في توحيد الأفراد المختلفين تحت مظلة واحدة، متجاهلا تعقيدات دوافعهم وخلفياتهم، كما أنّ هذا التعميم يضعف الثقة بين أعضاء المجتمع ويعمّق الشقاق والانقسامات
ويبدو أنّ هذا التنميط الاجتماعي يحمل في طياته أضرارا جمة على النسيج الاجتماعي، فهو يسهم في توحيد الأفراد المختلفين تحت مظلة واحدة، متجاهلا تعقيدات دوافعهم وخلفياتهم، كما أنّ هذا التعميم يضعف الثقة بين أعضاء المجتمع ويعمّق الشقاق والانقسامات، ما يزيد من التوتر الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، فإنّ هذا التنميط يقوض حرية التعبير ويجعل الأفراد يترددون في الإفصاح عن آرائهم خوفا من الحكم عليهم سلبا. وعلاوة على ذلك، يعزز هذا التصنيف الشعور بالعزلة والانفصال عن المجتمع، ما يؤثر سلبيا في الصحة النفسية والتماسك الاجتماعي. باختصار، التنميط الاجتماعي بهذا الشكل يعوق الفهم الحقيقي والمتبادل بين الأفراد ويكرّس الانقسام في المجتمع.

هل المكوعون هم مكوعون حقا؟

إذا دققنا في مصطلح التكويع، سنرى أنّ فئة من يتحولون بسرعة من تمجيد السلطة السابقة إلى تمجيد السلطة الحالية لا ينطبق عليها اسم "التكويع"، فالتكويع -كما نرى- هو الانتقال من نسق إلى نسق آخر مختلف عنه، بيد أنّ هذه الفئة لم تتجاوز أي نسق، بل بقيت في حالة تأييد للسلطة، أي انتقلت من تأييد النظام السابق إلى تأييد سلطة الأمر الواقع التي أطاحت به.

فإذا اتفقنا على أنّ المراد بالتكويع هو الانتقال من نسق إلى نسق آخر مضاد، فإنّ هذا المصطلح لا ينطبق على المكوعين "مجازا"، وذلك لأنّهم لم يغيروا نسقهم، بل بقوا في حالة التأييد التي كانوا عليها سابقا، بل كلّ ما في الأمر أنّهم غيّروا من يؤيدونه، من دون أي أسس فكرية أو مراجعة نقدية.

لماذا يكوعون؟

لعلّ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتجه الناس إلى التكويع، أي الانتقال من تأييد سلطة إلى تأييد سلطة أخرى، أو الانتقال من عدم التفاعل مع الثورة إلى تأييدها بعد إطاحتها بالسلطة السابقة؟

قد يتبادر إلى الذهن أنّ هذا التكويع هو بدافع الخوف من أية أعمال انتقامية ضد الموالين للسلطة السابقة، فيُسارع المكوع لإبداء تأييده للسلطة الجديدة والثورة ماحيا مواقفه السابقة اتقاء لأية أعمال انتقامية، بيد أنّ هنالك ما هو أبعد من هذا التفسير السطحي، فهذه الفئة من الناس لا تستطيع العيش من دون أب سلطوي رمزي، وسقوط الأب السلطوي السابق دفعها مباشرة لتعويضه بسلطة الأب السلطوي الجديد الممثل بالمنتصر على الأب السلطوي السابق. فنحن أمام فئة من الناس تختار عبوديتها اختيارا طوعيا من خلال استبدال الأب الرمزي السابق بأب رمزي جديد يهيمن عليها.

ظاهرة "التكويع" تحمل في طياتها تحديات وفرصا على حد سواء. فبينما تُبرز هذه الظاهرة الحاجة إلى فهم أعمق لدوافع الأفراد وسلوكياتهم في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية، فإنها تفتح الباب أمام فرصة للتفكير في طرق إعادة بناء الثقة والتماسك المجتمعي
وما يلفت الانتباه عند هذه الفئة الجديدة التي أطلقنا عليها مصطلح المكوعين مجازا؛ أنّها تقف في وجه أي انتقاد للسلطة الجديدة التي اتخذتها بمثابة أب رمزي لها وترد على هذه الانتقادات بنفس النسق المصطلحي الذي كانت ترد فيه على انتقادات السلطة السابقة، وهذا نابع في أساسه من رغبتها في تأكيد الولاء لأبيها الرمزي.

بل إنّنا في تعاملنا مع المكوع، نجد أنفسنا أمام ما يُدعى بالشخصية التسلطية، وفقا لثيودور أدورنو وإريك فروم، وتتميز هذه الشخصية بالخضوع للسلطة وتمجيد القوة ومعاداة الجماعات المعارضة. وغالبا ما تكون نتيجة تربية قمعية، إذ تجمع الشخصية التسلطية بين الهيمنة والخضوع، وتُعجب بالقوة وتحتقر الضعفاء، ولا تؤمن بالمساواة.

في ضوء ما سبق، يمكن القول: إنّ ظاهرة "التكويع" تحمل في طياتها تحديات وفرصا على حد سواء. فبينما تُبرز هذه الظاهرة الحاجة إلى فهم أعمق لدوافع الأفراد وسلوكياتهم في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية، فإنها تفتح الباب أمام فرصة للتفكير في طرق إعادة بناء الثقة والتماسك المجتمعي. فمن خلال تعزيز الحوار المفتوح والتسامح، يمكننا تحويل هذه الظاهرة من عامل تقسيم إلى فرصة للتواصل والفهم المتبادل، ما يسهم في خلق مجتمع أكثر استقرارا وتعاونا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التكويع الثورة مكوع حرية سوريا الأسد حرية ثورة مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة السابقة الانتقال من إلى تأیید

إقرأ أيضاً:

تأييد حكم حبس راقصة 6 أشهر بتهمة التحريض على الفسق والفجور

قضت محكمة جنح مستأنف العجوزة، اليوم الأحد، بتأييد حكم حبس راقصة 6 أشهر بتهمة التحريض على الفسق والفجور.


تعود أحداث الواقعة بورود تحريات الإدارة العامة لمباحث الاداب، تفيد ظهور المتهمة فى مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، بهاإايحاءات منافية للاداب، تم القبض على المتهمة وأحالتها النيابة العامة للمحاكمة أمام محكمة الجنح التى قضت بحبسها 6 أشهر بتهمة التحريض على الفسق والفجور.
 







مشاركة

مقالات مشابهة

  • خبر سار.. الموافقة على الإجراءات المقترحة لتسهيل مرور الأفراد والمعدات لـ جنوب سيناء
  • الإدارية العليا: الامتناع عن محو السجل الجنائي للمتهم بعد براءته مخالف للقانون
  • تأييد حبس راقصة العجوزة 6 أشهر بتهمة الفسق والفجور
  • تأييد حكم حبس راقصة 6 أشهر بتهمة التحريض على الفسق والفجور
  • رئيس السلطة القضائية: مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالمنكرات والفواحش وعلى العلماء توعية صناع المحتوى
  • أما آن للجيش السوداني أن يتعلم من التجارب السابقة ويعترف بأخطاء الماضي؟ (1- 2)
  • تغيرات في الوزن تسبق تشخيص الخرف بسنوات
  • من البديع في فنون التكويع الأمريكي!
  • الزراعة: صادراتنا الزراعية زادت في 2024 بنسبة 25% مقارنة بالأعوام السابقة