قراءة في الرؤية والمضمون.. المدن الثقافية
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
محمد عبدالسميع
برز مفهوم المدينة الثقافية، كتحد للخطط الثقافية من ناحية وممتحنٍ لها، وكتوسيعٍ لما هو موجود أصلاً من رؤية ثقافية شكلت إرهاصات وأسباب وجود الثقافة بشكلٍ جوهري وعلى أرض الواقع. وطالما أن «المدينة الثقافية» كمفهوم، بات يناقَش ويُقرأ من جوانب عديدة في مواضيع سنوية واستضافات منتظمة، ذات حضور إعلامي ثقافي، فإنّ المسألة أصبحت تتعلق بأن توصف هذه المدينة أو تلك بأنها مدينة ثقافية، بمعنى أن الآخرين ينتظرون ما تفرزه هذه المدينة الثقافية من أفكار أدبية وفنية وتراثية وفكرية أيضاً، بحيث يكون الوصف حاملاً لمسوغ الحضور الثقافي.
كما أن نسبة التوقع بما ينشأ من المدينة الثقافية وعنها سنوياً، كحصاد ثقافي، هي ما يحدد النجاح أو العمل السريع المستعجل لتلبية حاجات ثقافية تنتهي بانتهاء المهرجان أو المؤتمر أو الفعالية الثقافية بوجهٍ عام، ولهذا فإن من خصائص المدينة الثقافية، ذلك التقدير العالي للمنتج الثقافي، وكذلك غلبة الجانب الثقافي على هذه المدينة في عدد الأنشطة وتوفر الرؤية واستشراف المستقبل، باعتبار المدينة معنية بالثقافة، فضلاً عن احتشاد الناس فيها على العمل الثقافي، فهي جاذبة ونواة لاتساع هذا العمل.
ولهذا، فإنّ الخطط كفيلة بتوسيع رقعة المدينة الثقافية في أذهان المهتمين، وعلى أرض الواقع، في تقديم العديد مما يضفي الصبغة المنشودة ثقافياً، وحينما نقول ثقافياً، فالأمر أبعد ما يكون عن الفزعة الموسمية إلى الثبات وتوالد الأفكار المبنيّة على ما هو موجود ومتراكم، لتظل المدينة الثقافية غير مرهونة بعام واحد، بل تستمر على مدى أطول ما بقي العطاء الثقافي مضيئاً ومؤثراً في السلوك، وانتشار العمل الثقافي كمفهوم وإجراء فاعل في نفوس وعقول المجتمع أو الناس، الذين يصبح لديهم هذا الجانب مثل الجوانب الأخرى ذات الأهمية، كالجوانب الاقتصادية والسياسية والجوانب الحيوية الأخرى، في الصحة والتعليم وباقي المجالات.
إنّ الخبرة التي تُفهم من مسمى المدينة الثقافية، هي في تصدير الفعل الثقافي والسعي به ليكون نموذجاً يُحتذى به من خلال نماذج قياس الأثر الثقافي أو النسب التي تدلّ على انتشار وعمق قطاع الثقافة والأدب والفنون والفكر والفلسفة، وما ينبني على ذلك من تأثيرات في كل مجالات الحياة الأخرى، باعتبار الثقافة قوة ناعمة تدخل في كل حقل وتؤثر فيه.
هل يمكن أن نُطلق على المدينة ذات الأنشطة الكثيرة ثقافياً والقليلة مضموناً أو منجزاً أو مؤشراً على المستويات الإقليمية والعالمية، مدينة ثقافية؟!.. في الواقع يمكن ذلك، لكنّ الأهم هو عمق المنتج الثقافي وروحه وجوهره وقوته وتغييره للذهنيات المجتمعية، وحضوره في كل سلوكيات الناس، باعتبار النشاط الثقافي هو قناعة ورؤية وأبواب ومنافذ تتسع لهذا المفهوم، الذي لا يتوقف عند ضخ الأنشطة، بل أن تؤثر هذه الأنشطة على مجريات الحقول الأخرى، فتكون بوصلة حقيقية ومؤثراً في الأجيال ومواكبة لكل جديد في الشأن الثقافي وغيره من أوجه الحياة الأخرى، باعتبار الثقافة تتخلل كل ذلك وتؤثر فيه.
ولذلك فإنّ المُخرَج أو المُنتَج النهائي يكون مشتملاً على نوع من الصِّدقيّة والاعتبار واحترام «الخلاصة»، والتي هي الأفكار المأخوذة من التغذية الراجعة أو العكسية، والمتمثلة برؤية المجتمع والعالم تجاه هذا الانتشار الثقافي الكبير.
مفهوم المدينة الثقافية أخبار ذات صلة
هل يمكن أن تكون المدن الثقافية مساوية في الانتشار والشهرة والحضور في أذهان المجتمع أو العالم بشكل عام لمفهوم المدينة الاقتصادية مثلاً، إذا ما علمنا أنّ مدناً ومقاطعات دولية توصف بأنها مدن اقتصادية مثلاً؟!.. وهل يحفّزنا ذلك على البناء على ما هو موجود وتوهيجه وزيادة منسوبه، لكي نصل إلى ما يلبّي المسمى في أن تكون هذه المدينة أو تلك مدينة ثقافية؟!.. نعتقد مثلاً أن مدينة شنغهاي الصينية ذات الانفتاح العالمي، هي في أذهان الكثيرين مدينة اقتصادية أو تجاريّة، وأنّ مدناً كثيرة في العالم توصف بأنها تجارية أو استثمارية أو ما شابه، ولكننا أمام مشاريع ومسميات ذات طابع عربي، مثل «عاصمة الثقافة العربية»، أو «عاصمة السياحة العربية»، أو «عاصمة الثقافة الإسلاميّة»،.. وهكذا، فما هي مبررات إطلاقه في اجتماع وزراء الثقافة العرب، على المدن العربية؟!.. في الواقع، هناك مبررات لذلك في وجود ما يؤكد المسمّى من حوادث ثقافية وإرث ثقافي وتراث وطني واهتمام بموضوع المسمى في الجانب الثقافي.
وهل يمكن أن تكون «مدينة النشر الحرّة» بمعرض الشارقة الدولي للكتاب أنموذجاً على التفكير في ذلك؟!.. بالفعل هي مدماك قوي ورؤية صائبة في أن يرتادها الناشرون ويستفيدوا من مزاياها بحكم المسمّى كمدينة حرّة للنشر، ومرتبطة بالجانب الثقافي، والقياس على ذلك يصلح لأن نقول إن المدن العربية، بأحيائها وسكانها ومؤتمراتها ومهرجاناتها والجانب التراثي فيها، تنجح في المسمّى، فيقصدها الناس وترتبط بالثقافة، تماماً كما ترتبط مدن معيّنة بالبنوك والمال والاقتصاد والتجارة والترفيه.
لكنّ الأنشطة الثقافية ما لم تتخذ الجانب «العولمي» أو «العالمي»، تظلّ محكومة بالضيق وخدمة فئة أو وعاء مجتمعي قليل مهما كثر، إذ لا بدّ أن يتسع المفهوم للغرب والشرق في أنّ هذه هي مدينة ثقافية، ولهذا فإنّ مدينة دبي على سبيل المثال تعتبر مدينة ثقافية، وكذلك إمارة الشارقة، وأيضًا أبوظبي، والقاهرة، وغير ذلك عربياً وعالمياً، والأمثلة كثيرة ومتنوعة في هذا المجال.
وإذا كانت الأمور الاقتصادية تتغوّل أو تطغى على الجانب الثقافي، فإنّ وجود العنصر الثقافي مهمٌّ جدّاً لكي يقال عن المدينة إنها ثقافية، فيكون زاد أهلها الفكر والثقافة، وتكون رائجة بالنشاطات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، لكي تتظافر كل هذه الحواضن أو المؤسسات، فتزدهر الثقافة، والتي تشكّل بصمتها المدن من الناحية الثقافية.
ويمكن أيضاً أن تكون المنطقة الثقافية في السعديات في أبوظبي، و«الشندغة»، كحي من أحياء دبي، على سبيل المثال، أنموذجاً لأحياء عديدة تزداد مكانةً تراثية وثقافية ومواسم رائجة، لتشكيل المدينة ثقافياً بعمومها المتكوّن من هذه الأحياء.
متطلبات التنوعيجب ألا يُفهم مما سبق أننا ونحن ننادي بمدينة ثقافة أو مدينة ثقافية، مهما يكن المسمى، أننا نقوم بإقصاء ما عدا الثقافة من قطاعات، فالعمل أو الفكر حتماً سيدخل في كلّ هذه القطاعات، في ذهنية الدولة ذاتها والوزارات والمجتمع، لقراءة معنى الثقافة وبقائها عنصراً رئيسياً.
وإنّ وجود «شاعر المليون»، أو «أمير الشعراء»، على سبيل المثال، أو المهرجانات التراثية الكبرى في إمارة أبوظبي، يؤهلها لكي توصف بأنها مدينة ثقافية، ولذلك فإنّ بعض البلدان العربية أوْلتْ مسمى مدينة الثقافة اهتماماً كبيراً، باعتبار عام الثقافة هو عام تتوهج فيه الأنشطة والفكر، فيثرى المجتمع وتزداد مساحه الثقافة والمعرفة، والمحزن في الأمر أنّ عام الثقافة أصبح في البلدان الأخرى يحلّ محلّ مدينة الثقافة، وهو ما يدعو إلى التركيز على الرؤية المستقبلية والاستشراف بما ينفع البشرية والناس. ولأنّ الثقافة ترتبط بمفاهيم الوعي والحرية واتساع الأفق، فإنّ معنى ذلك هو شرط الحرية واتساع مساحة التعبير الثقافي، باعتبار الحرية مطلباً إنسانياً لا يمكن العمل بدونه. ومن هذا المنطلق يمكن الوعي بتشكيل المدينة الثقافية والوعي بالتزامات وشروط هذه المدينة وأرضية التشكيل، إذ يعتمد التشكيل على تغيير الذهنية من ناحية، وضخّ النشاطات بوعي ومؤسسية واستيفاء متطلبات التنوع، ذلك أنّ التنوع يخلق التكامل ويعزّز من الحضور، إذ تعتبر الإمارات رائدةً في حفاظها على تنوع السكان وثقافاتهم، واحترامها للشخصية الوطنية والإنسانية وأطيافها، وما تحمله من تراث، فكانت بذلك مؤهلة وتسير بالاتجاه الصحيح نحو تشكيل المدينة الثقافية الراسخة بهذه الصفات.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: المدینة الثقافیة الجانب الثقافی مدینة ثقافیة هذه المدینة أن تکون
إقرأ أيضاً:
لمدة 10 أيام.. العرض المسرحي الطريق بمركز طنطا الثقافي
يشهد المركز الثقافي لمدينة طنطا، فعاليات العرض المسرحي "الطريق"، الذي تقيمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف، نائب رئيس الهيئة، مجانا، لمدة 10 أيام متتالية، بداية من مساء غد السبت، الموافق 8 فبراير، وذلك ضمن برامج وزارة الثقافة.
وتدور أحداث العرض المسرحي في إطار تاريخي حول مرحلة من حياة العارف بالله السيد أحمد البدوي، والملك الظاهر بيبرس، سلطان مصر والشام ورابع سلاطين الدولة المملوكية، وكيف دارت الحياة السياسية والإجتماعية في مصر، مع محاولات الشيعه لخلخلة الحكم وإثارة المشكلات، وكيفية تعامل السيد البدوي والظاهر بيبرس مع هذا الأمر.
العرض المسرحي "الطريق" تأليف د. طارق عمار، وإخراج أسامة شفيق، أشعار د. مسعود شومان، موسيقى وألحان عبد الله رجال، مخرج منفذ حسن خليل، كريوجرافيا أحمد جمال، سينوجرافيا محمد محسن، ومن بطولة عدد من أعضاء فرقة الغربية القومية المسرحية، ومن بينهم: سمير يوسف، محمد عبد العزيز، أحمد راضي، سمر مسعد، منار السيد، مارينا أمير، محمد جمعة، حسن عطية، أحمد الشريف، محمد السايس، محمد علاء، محمود قناوي، محمد هشام، وماجد صلاح.
يذكر أن العرض المسرحي من إنتاج الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، ويقام بإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، وبالتعاون مع إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي برئاسة أحمد درويش، وفرع ثقافة الغربية برئاسة وائل شاهين.