ورحل يوسف محمد صديق خادم السُنّة النبوية
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
تلقيت في ساعة متأخرة من ليلة البارحة الجمعة 7 فبراير 2025م نعي أخينا الأستاذ الدكتور يوسف محمد صديق خادم السنة النبوية وعلومها الذي توفي في القاهرة ودفن بها. رحم الله الأخ الشيخ يوسف صاحب الأدب الجم والعطاء الثري في التعليم الجامعي والبحث العلمي والدعوة إلى الله تعالى.
يوسف غير معروف وغير مشهور في بلده السودان، لأنه عاش كل سنوات دراسته العليا وطوال خدمته خارج السودان.
الشيخ الدكتور يوسف صديق مولود في ود رملي شمالي الخرطوم بحري عام 1952م. درس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ثم في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض لينال فيها الماجستير والدكتوراة في الحديث وعلومه.
في أثناء الدراسة بالجامعة الإسلامية بالمدينة درس الكتب الستة على يد الشيخ محمد المختار الشنقيطي وحصل منه على السند المتصل في الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحصل على سند آخر في القراءات متصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
التحق الشيخ يوسف صديق بعضوية هيئة التدريس بجامعة الإمام في فرعها بجنوب المملكة، ثم انتقل إلى جامعة الكويت ودرَّس فيها سنوات، ليعود بعدها إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة ليقضي بها جلَّ سنوات خدمته في كلية التربية.
وكان غالب تدريسه في قسم الطالبات حيث يكون التدريس عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، وعلى الرغم من أن طالباته لم يحصل لهن لقاء مباشر مع أستاذهن، فإن الأستاذ حظي باحترام كبير وتقدير زائد، لاحظ كاتب هذه السطور ذلك يوم جرى تكريم الشيخ يوسف في إثنينية عبد المقصود خوجه بمدينة جدة، وفي تلك الأمسية أيضًا كانت متابعة الطالبات لأستاذهن عبر دائرة تلفزيونية.
وكانت تلك الأمسية دليلا على ما يحظى به الشيخ يوسف من مكانة علمية وأدبية. لا أنسى تلك الإثنينية في أمسية الاثنين السادس من أكتوبر 2009م، التي جاءت بمناسبة تقاعده وعودته النهائية للسودان.
جلس الشيخ يوسف وعن يمينه الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الشيخ عبد السلام العبادي وعن يساره الشيخ عبد المقصود خوجه صاحب الإثنينية المشهورة في جدة.
تألق الشيخ يوسف في تلك الليلة إذ بدأ حديثه إلى الحاضرين بمثل ما اعتاد أن يفتتح أحاديثه بالآية الكريمة: “فتبسم ضاحكا من قولها وقال أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين”.
وتبين خلال خطابه في تلك الأمسية منهجه في الحياة بالبعد عن الأضواء وطلب الشهرة، وإلا فإن أمثاله مثل النجوم الزواهر في سماء العلم والمعرفة.
استهل الشيخ يوسف كلامه بإشارة لطيفة إلى آداب طالب الحديث وأولها ألا يحدِّث في حضرة من هو أهل منه بالحديث، وقال إنني أعتذر إذ أحدِّث في حضرة الشيخ محمد علي الصابوني والشيخ عبد الوهاب أبو سليمان وكانا حضورًا في ذلك المجلس.
وروى الشيخ يوسف قصة أن شيخهم في المسجد النبوي محمد المختار الشنقيطي كان يوقف حلقة العلم، عندما يحضر إلى المسجد النبوي الشيخ المشاط من مكة فيلتحق به، يقول: وكنا نعلم بحضوره عندما نأتي للحلقة ولا نجد الشيخ الشنقيطي.
لقد أضحكني الشيخ يوسف حين طلب مني خطابًا لجامعة إفريقيا العالمية أقدم فضيلته إليهم ليواصل التدريس الجامعي، مع أن الشيخ كان غنيًا عن ذلك إذ أنشأ قبل عودته مع آخرين كلية جامعية. قلت لشيخ يوسف: أأنا أقدمك لهم، والله هذا من أكبر المفارقات. ولما ذهب إلى الجامعة قبلوه على الفور، فاتصل بي بالهاتف من الجامعة مسرورًا، لكن المرض عاجله فانقطع عن التدريس، وإن لم ينقطع عن التأليف فقد أرسل لي آخر مؤلفاته.
ومؤلفاته بلغت الأربعين كتابًا ما بين تأليف وتحقيق في صنوف شتى من مجالات العلم الشرعي والثقافة الإسلامية، منها: تحقيق كتاب مختصر نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي، والأحاديث القدسية لابن الدبيِّع الشيباني (تحقيق)، وكتاب مرتكزات الثقافة الإسلامية، وموعظة الأوزاعي، وموطأ الإمام مالك، وتحديات العولمة الأخلاقية، والرشد في فقه الدعوة وغيرها من الكتب النافعة.
وهناك كتاب طريف من تحقيقه هو كتاب المصريون وتحامل السيوطي وقد سئل عنه في إثنينية خوجه وأنقل جوابه الذي ينصف المصريين: “في القرن العاشر وقع خلاف بين العلماء وبالذات بين السيوطي والسخاوي، فوقعت بينهما مشادة شديدة مما أدت إلى الإساءة وبالذات إلى إخواننا المصريين وإلى السيوطي، حتى كتب كتاباً عن السخاوي. السيوطي متوفى عام 911هـ علماء القرن العاشر، وهو من خيرة من كتب في السنة والرقائق رحمه الله، فكتب كتابه “الكاوي في دماغ السخاوي” فالمشاكل هذه من قديم موجودة، وكتب في “شذور الذهب”: المصريون أذلاء يحملون الضيم، هذا الباب، فنحن أخذناه وعلقنا عليه، وذكرنا الأحاديث المبينة كذلك، وهذه الأمة هي أمة معطاء، والكل في العالم العربي إلى يومنا هذا مدين لإخواننا المصريين بالمعرفة وبالعلم، فهم أساس وجودنا شرقاً وغرباً، فكان الكتاب محاولة بيان مراد السيوطي في عباراته، وهو كتاب مخطوط في الأصل، ولكن جر علينا مسائل كثيرة”.
الشيخ يوسف؛ هذه القامة التي شرفها الله بخدمة الحديث النبوي، لا أذكر أنه نال تكريمًا رسميًا في حياته يليق به، غير تلك الأمسية الفريدة في إثنينية عبد المقصود خوجه، غير أن التكريم الكبير هو ما ناله في أفئدة الطلاب والطالبات، وهذا ما يذكره راعي تلك الأمسية حين وصفه بالتربوي من طراز خاص الحفي بطلابه الباذل لهم وكل من يلوذ به من علمه وجذوة فكره الوقاد. وكذلك التقدير والتكريم الذي وجده عند زملائه من أساتذة الجامعة الذين ظلوا يحتفون به ويكرمونه غاية الإكرام عندما يحل معتمرًا في شهر رمضان خلال سنوات إقامته الأخيرة بالسودان.
وأختم بتعليق لطيف له عن مكثه سنوات طويلة في تعليم البنات، وقد سألته إحدى طالباته عن ذلك، فأجاب الدكتور يوسف صديق: أنا درَّست في كلية البنات للتربية، وكنت كذلك في كلية البنات في جدة، وناقشت قرابة خمسين رسالة خلال هذه العشرين سنة، من دكتوراة إلى ماجستير، وفي جامعات السودان وفي أم القرى كذلك، الطالبات تدريسهن في الحقيقة لطيف، ويحصل الإنسان لطف كثير من معاشرتهن، أخونا الدكتور حسن يوسف موجود معنا الآن كان أستاذاً في مدرسة ثانوية للبنات في السودان، كان دائماً يأتي لابساً بنطالاً، وفي يوم ما لبس جلابية وعمامة، فلما جاء عند الباب البنات رأينه وركضن، كل واحدة اختفت، في واحدة التصقت على عمود، فقالت “هذا ترى مو راجل هذا حسن يوسف”، فقدم استقالته، فقال لا أدرِّس في مدارس البنات.
درَّست في الكويت ـ كما يقولون ـ فيس تو فيس (face to face)، وأحسن طريقة لتعليمهم هي الموجودة في المملكة العربية السعودية عن طريق شبكات التلفزيون المغلقة، فالطالبة تحتاج كثيراً جداً إلى هذا المعنى الذي ذكرتيه يا أم كلثوم، وهي قريبة جداً أكثر من الولد، تستطيع أن تعطيها بعض الأحاديث التي هي في الترهيب، أنا أذكر طالبة دخلت عندي في جامعة الكويت، أخذت الشهادة الإعدادية نجحت، يعني درست وهي كبيرة عمرها أربعون سنة، فالنظام في الكويت يعطيها فرصة تدرس في الجامعة، فدخلت في الجامعة وأول يوم من حظها السيئ حصل أن المسكين هذا كان جالساً في القاعة، فدخلت، والطالبات اللواتي كنّ من سنة أولى، ما يقارب 259، هؤلاء الطالبات هي جلست معهن، فلما دخلت ضحكن، أنا كنت أحسبها إدارية، جاءت تأخذ شيئاً، فجاءت لابسة قصيراً، ومتعطرة، فقلت لها أنت من؟ فقالت لي أنا طالبة، فضحكت الطالبات، طالبة وعمرها أربعون سنة في سنة أولى، فحدثتني أنها مدرِّسة، فقلت لها لا بد من عباءة أو كذا فغضبت غضباً شديداً، فخرجت إلى العميد، هذا العميد تخرج من عندنا من السودان وكان لاعب كرة عندما كان في السودان وكان حارس مرمى، فقال لها، لو جئتني عارية إلى الجامعة ما فيها حسن سلوك، اذهبي واحضري خطاباً من الجامعة، قال لها أحسن لك أنك تنسحبين، الطالبة انسحبت، ثم جاءتني بعد فترة، قالت أنا أمي أصلها ألمانية، وحاولت تعتذر بسبب الملابس، فقلت يمكن الله سبحانه وتعالى ما قال يحبسك في النار لو قال يحبسك في هذا الحمام، يغلق عليك من الصباح إلى الليل، ما يحبسك في النار التي وقودها الناس والحجارة، ترضين يحبسونك في الحمام هذا؟ قالت: لا والله ما أرضى، قلت لها لماذا تلبسين هكذا؟ هذه الطالبة والله سافرت للعمرة، وارتدت الحجاب وتحجبت، وبعد كم شهر جاءت وقالت أنا فلانة، ولكن لن أسجل عندك أبداً حتى لا تقول نجحتني عشان الحجاب، والله ما رأيتها بعد هذا الكلام، وما أدري من تلك الساعة كيف قلت لها يحبسك الله في هذا الحمام من الصبح للمساء، ترضين؟ قالت: لا، طيب كيف لو سجنوك في نار جهنم؟ المرأة قريبة جداً جداً في الوعظ أكثر من الرجل.
رحم الله شيخنا الدكتور يوسف صديق وأحسن إليه وبارك في أهله وولده… نفتقد ظرفه وتحنانه ولطفه، وتوقيعه في ذيل مكاتباته من فرط التواضع والأدب: ” يوسف صديق ترابُ قدح العلماء”.
بقلم: عثمان أبوزيد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدکتور یوسف الشیخ یوسف یوسف صدیق جامعة أم
إقرأ أيضاً:
ختام المهرجان الرياضي الرابع للأسر الطلابية في جامعة كفر الشيخ
شهدت جامعة كفر الشيخ، حفل ختام فعاليات المهرجان الرياضي الرابع للأسر الطلابية للجامعات المصرية والذي استمرت فعالياته من 5 إلى 8 فبراير 2025، تحت شعار «شباب جامعات الجمهورية الجديدة»، والذي يُقام تحت رعاية الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، واللواء دكتور علاء عبد المعطي محافظ كفر الشيخ، والدكتور عبد الرازق دسوقي، رئيس جامعة كفر الشيخ.
جاء ذلك بحضور الدكتور عبد الرازق دسوقي رئيس جامعة كفر الشيخ، الدكتور معوض الخولي رئيس جامعة المنصورة الجديدة، والدكتور منتصر دويدار، رئيس جامعة سمنود التكنولوجية، والدكتور عمرو حداد، رئيس الادارة المركزية للتنمية الرياضية بوزارة الشباب والرياضة، والدكتور احمد حسان مدير عام الادارة العامة للنشاط الرياضي بوزارة الشباب والرياضة، ومحمد عبد السميع، مدير إدارة الجامعات بوزارة الشباب والرياضة، والدكتور محمد عبد العال، نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، والدكتور إسماعيل القن، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والدكتورة أماني شاكر، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور علي أبو شوشة، نائب رئيس الجامعة الأسبق لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور على صبري، أمين عام الجامعة، والدكتور رشدي العدوي، منسق عام الانشطة الطلابية، ولفيف من أعضاء هيئة التدريس والعاملين والطلبة المشاركين من مختلف الجامعات المصرية.
بدأت فعاليات حفل ختام المهرجان بطابور العرض من الجامعات المصرية الحكومية والخاصة المشاركة في المهرجان الرياضي الثاني للأسر الطلابية، ثم عزف السلام الوطني لجمهورية مصر العربية، وسط الأغاني الوطنية التي أضفت على الحفل أجواءً من البهجة والسعادة.
وخلال كلمته، رحب الدكتور عبد الرازق دسوقي، رئيس جامعة كفر الشيخ، بالحضور من مختلف الجامعات المصرية، متمنياً للجميع دوام التوفيق، مؤكداً أنّ المهرجان ثمرة التعاون بين الجامعة ووزارة الشباب والرياضة ممثلة في «الإدارة المركزية للتنمية الرياضية» ويهدف إلى تنمية مهارات الطلاب وخصوصاً في المجال الرياضي والذي يُساهم بشكل إيجابي في تكوين شخصية الطالب، وتأهيله بدنياً ونفسياً، بالإضافة إلى أنّ التنظيم والمشاركة بمثل هذه المهرجانات تُساعد على غرس قيم المنافسة الشريفة، وتحقيق التواصل والاندماج بين طلاب الجامعات، لافتاً إلى حرص إدارة الجامعة على تقديم سُبل الدعم للطلاب لممارسة جميع الأنشطة الطلابية، ما يُساهم في دعم قدرات الطلاب.
وأوضح رئيس الجامعة، أنّ المهرجان الرياضي الرابع للأسر الطلابية للجامعات المصرية مناسبة قومية يلتقي فيها المتميزون من شباب مصر بالجامعات المصرية للتنافس الشريف في النشاط الرياضي، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، قائلاً: «نحن جميعاً نقف صفاً واحداً خلف القيادة السياسية الرشيدة، من أجل رفعة وتقدم وطننا الغالي مصر، وأننا جميعاً يد واحدة ضد أي خطر يهدد أمن واستقرار البلاد ومستعدون دوماً لتقديم كل ما نملك فداء لوطننا الغالي».
وفي كلمته، أفاد الدكتور عمرو الحداد، رئيس الإدارة المركزية للتنمية الرياضية بوزارة الشباب والرياضة، أنّ المهرجان الرياضي الرابع للأسر الطلابية يأتي إحدى ثمار التعاون بين وزارات التعليم العالي والبحث العلمي والشباب والرياضة والتنمية المحلية، لنشر الوعي الرياضي داخل الجامعات المصرية، مشيراً إلى أنّ جامعة كفر الشيخ لم تدخر جهداً في رعاية الرياضة والرياضيين تحقيقاً لدورها الرائد والمتميز، ومواكبةً لاهتمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالرياضة في الجامعات والمعاهد التابعة لها تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بضرورة الاهتمام بالأنشطة الرياضية.
ومن جانبه، رحّب الدكتور محمد عبد العال، نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، بالحضور من مختلف الجامعات المصرية، منوهاً إلى أنّ المهرجان الرياضي الرابع للأسر الطلابية بالجامعات المصرية، يُعد الانطلاقة الأولى لاستعدادات بداية النشاط الرياضي للعام الجامعي الجديد 2024 - 2025، مثمناً أهمية الأنشطة الطلابية بصفة عامة والرياضية منها بصفة خاصة.