رموز الصراع الأيرلندي مع بريطانيا يشرحون تقاطع تجربتهم مع النضال الفلسطيني
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
بلفاست- متحدثا عن تجربته كونه أحد مقاتلي حركة الجيش الجمهوري الأيرلندي، التي أدت إلى سجنه 18 عاما بعد الهجوم على وحدة تابعة للجيش البريطاني، أجرت الجزيرة نت حوارا خاصا مع كل من بات شيهان، السياسي الأيرلندي البارز والمتحدث الحالي لحزب "شين فين" باسم قضايا الصحة والتعليم، وداني موريسون أمين عام مؤسسة "بوبي ساندز".
يقول شيهان "نعتقد أن من مسؤوليتنا أن نشارك هذا التراث في بناء السلام مع آخرين يناضلون من أجل حقوقهم، وهذا لا يعني أننا قادرون على تطبيق عملية السلام الأيرلندية في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط، لكن هناك مبادئ عالمية نعتقد أنها قابلة للتطبيق".
شارك شيهان في عدة عمليات مسلحة ضد الجيش البريطاني في عمرالـ19، وفي عام 1981، انضم إلى 16 سجينا آخرين، بينهم أيقونة النضال الأيرلندي بوبي ساندز، وخاضوا إضرابا عن الطعام احتجاجا على الظروف القاسية في السجون البريطانية، وسعيا للضغط من أجل محاكمتهم بوصفهم سجناء سياسيين، لا بوصفهم إرهابيين.
وأسفر هذا الإضراب عن وفاة 9 سجناء، بينهم ساندز، بينما استطاع شيهان وآخرون البقاء على قيد الحياة، ولاحقا، ساهمت اتفاقية "الجمعة العظيمة" في إحلال السلام ووقف العمليات العسكرية ضد بريطانيا، بالإضافة إلى الإفراج عن السجناء واعتبارهم سجناء سياسيين.
يقول موريسون، وهو المسؤول عن توثيق تفاصيل حياة المناضل ساندز، إنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أجريت انتخابات عامة في أيرلندا غير المقسمة عام 1918، حقق فيها حزب "شين فين" فوزا كاسحا، معلنا الولاء للجمهورية التي أعلنها قادة ثورة عام 1916.
إعلانحينها جاء الرد البريطاني عنيفا، إذ تم اعتقال وإعدام بعض الممثلين المنتخبين، مما أدى إلى اندلاع حرب عصابات بين الجيش الجمهوري الأيرلندي والقوات البريطانية، استمرت من عام 1919 حتى عام 1921.
انتهى الصراع بمعاهدة 1921، التي أسفرت عن تقسيم أيرلندا إلى دولة حرة في الجنوب تحت التاج البريطاني، وأيرلندا الشمالية التي بقيت خاضعة للحكم البريطاني، لكن هذا التقسيم لم ينهِ التوترات، إذ واجه القوميون الكاثوليك في الشمال تمييزا واضطهادا على يد السلطات البريطانية والاتحاديين الموالين لها، مما أدى إلى اندلاع نزاع دموي استمر لـ3 عقود.
ويوضح موريسون أن توقيع المعاهدة تسبب في الوقت ذاته بانقسام الحركة الجمهورية، حيث اندلعت حرب أهلية بين أنصار المعاهدة ومعارضيها، انتهت بانتصار مؤيديها، مما عزز سلطة حكومة معارضة لإعادة توحيد الجزيرة، وعلى الرغم من إعلان جمهورية أيرلندا لاحقا، ظل حزب "شين فين" محظورا لسنوات طويلة، وتعرض أعضاؤه للاعتقال دون محاكمة بموجب قوانين الطوارئ.
ويضيف شيهان عن نهاية الصراع المسلح "كانت لدينا فرصة للاستفادة من دعم بعض الحركات الأخرى، مثل المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، الذين قدموا لنا خبراتهم في عملية بناء السلام، شمل ذلك التفاوض والتخطيط الإستراتيجي، وقد كان لذلك أثر كبير في تصورنا حول ضرورة مشاركة تجربتنا مع شعوب أخرى تمر بالمعاناة نفسها.
أكد موريسون أن النهج الذي اتبعته بريطانيا في قمع الحركة الجمهورية الأيرلندية، لا سيما عبر الاعتقالات الإدارية دون محاكمة، تحول لاحقا إلى نموذج تبنّته إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين.
ويقول "كما كان يتم اعتقال أعضاء شين فين والنشطاء الجمهوريين من دون تهم واضحة، يعاني الفلسطينيون اليوم من الاعتقالات الإدارية، إذ يُحتجزون لمدد غير محددة من دون توجيه لائحة اتهام رسمية".
إعلانويعكس هذا التشابه في الأساليب القمعية -حسب موريسون- استمرارية النهج الاستعماري في مواجهة الحركات التحررية، وهو ما يدفع كثيرا من الأيرلنديين، إلى تبني موقف داعم للقضية الفلسطينية.
ومن جهته أيضا، لم يخف شيهان تأثره العميق بمعاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، وقال "عندما أتحدث عن الفلسطينيين، أشعر بأنهم يعيشون تجربة مشابهة لأيرلندا، خاصة في ما يتعلق بالصراع ضد الاحتلال العسكري، حيث تعرضنا للتهجير القسري والقتل والاعتقال التعسفي، وصمدنا".
وأكد شيهان أنه من خلال التضامن الدولي يمكن تحقيق تقدم ملموس في القضية الفلسطينية، وأوضح: "لقد تعلمنا كثيرا من تجربتنا في أيرلندا، خاصة من مسار المفاوضات التي أعقبت حربا طويلة؛ السلام في أيرلندا لم يأتِ بسهولة".
وفي معرض حديثه، أشار شيهان إلى لقاءاته مع قيادات المقاومة الفلسطينية قائلا: "كان لدينا تاريخ مشابه للتاريخ الفلسطيني في بعض الجوانب، إذ واجهتنا انقسامات داخل حركتنا نفسها، وهو ما دفعنا للتركيز على ضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية في أثناء الانتقال من النضال المسلح إلى السلمي".
وأشار إلى أنه "كما كانت الوحدة الداخلية ضرورية للنضال الأيرلندي، فإنها تعد عنصرا أساسيا في النضال الفلسطيني، وإن شين فين يعتقد أن الوحدة الفلسطينية هي المفتاح لتحقق أهداف الشعب الفلسطيني".
وفي إطار تبادل الخبرات مع حركات التحرر الأخرى، ذكر شيهان أنه كانت هناك لقاءات مهمة مع قيادة حركة حماس، "فلقد تواصلت مع شخصيات بارزة مثل خالد مشعل وإسماعيل هنية خلال فترة عملي ممثلا لحزب شين فين في الشرق الأوسط".
وشدد شيهان على أهمية فتح قنوات تواصل بين مختلف الفصائل الفلسطينية، مؤكدا أن التعددية السياسية أمر طبيعي في أي حركة وطنية، "ولكن يجب أن تتضافر الجهود من أجل مواجهة التحديات المشتركة، بدون هذا التنسيق، سنظل نواجه عقبات في الوصول إلى أهدافنا"، حسب قوله.
ولتوضيح ذلك، أوضح شيهان إنه في تجربتهم لتخطي الخلافات، أجمعت الحركة قبيل اتفاق "الجمعة العظيمة" على عدد محدود من المطالب العامة، التي لا يختلف عليها مؤيدو الحركة أو معارضوها من غير المنخرطين في الكفاح، وهو ما ساهم بشكل واسع في انضمام قطاعات شعبية عريضة لدعم المطالب والدفع للاتفاق.
وأكد شيهان أن الانخراط مع جميع الأطراف المعنية كان أحد الدروس الرئيسة التي يمكن استخلاصها من تجربة أيرلندا، موضحا أن "التواصل مع الجهات من القوى السياسية إلى المجموعات المحلية كافة كان مهما في بناء الثقة بين الأطراف المختلفة، والشيء نفسه يجب أن يحدث في فلسطين؛ حوار شامل يمكن أن يساهم في إيجاد حلول قابلة للتطبيق".
إعلانوعن عملية السلام الأيرلندية، أشار شيهان إلى أنه رغم خصوصية الحالة، فإن "التفاوض وتقديم تنازلات مؤلمة في سبيل السلام كان له تأثير إيجابي في تحقيق تقدم نحو إنهاء الصراع، إذ إن الحلول التي تم التوصل إليها في اتفاقية الجمعة العظيمة كانت تتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وقد تكون هذه التجربة قابلة للتطبيق في حالة الفلسطينيين، حيث ينبغي أن يكون هناك تفاوض حقيقي وجاد لتحقيق سلام شامل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی أیرلندا شین فین
إقرأ أيضاً:
هكذا اشتبكت شاشات سينما بوليوود مع نظيرتها الباكستانية فنيا
لا يقتصر الصراع بين باكستان والهند، من التقسيم البريطاني الذي ولدت من خلالها الدولتان، على جبهات القتال والعمل العسكري، والخلافات الدبلوماسية، بل لعب القطاع الفني، وخاصة السينما، كجبهة أخرى ناعمة، في ضرب رواية البلدين وتوجيه المشاعر والرأي العام.
وتمتلك السينما الهندية، التي يطلق عليها "بوليوود" إمكانيات فنية وميزانيات ضخمة، في المقابل تمتلك باكستان، في السينما الخاصة بها والتي يطلق عليها "لولليوود"، إمكانات ولو بدرجة أقل، لكنها صاحبة تأثير على الشارع الباكستاني، من خلال الكثير من الأفلام والأعمال الفنية المضادة للهند.
وعززت صناعة السينما في البلدين، مسألة الوطنية والعداء للآخر، وركزت على القضايا التي يتصارع حولها الطرفان، مثل كشمير والمسألة الدينية بين المسلمين والهندوس، ويتراشق الطرفان بتصوير الآخر بالصورة السلبية للتأثير عليه، ولو في بعض الأحيان عبر القالب الكوميدي وليس الدرامي.
وعلى الدوام صوّر كل طرف من الأطراف الآخر، بالشكل والسلوك والتعامل السلبي، من أجل تعزيز السردية المقدمة، لكن الكثير من الأفلام الهندية، والتي يرعاها الحزب القومي الهندوسي المتطرف الحاكم، ذهبت إلى حد التحريض على المسلمين الهنود، أحد المكونات الرئيسية للبلاد، واتهامهم بـ"الإرهاب" وتصويرهم كأشرار يفتكون بالهندوس في العديد من الأفلام.
ونستعرض في القرير التالي، عددا من نماذج الأفلام التي ركزت على الصراع المشترك بين البلدين، وأخرى أخذت منحى للتهدئة والقواسم المشتركة الإنسانية بين الشعبين:
فيلم "URI: The Surgical Strike"
يتناول الفيلم الذي أنتج عام 2019، قصة عمليات خاصة، ينفذها الجيش الهندي، في الجانب الذي تسيطر عليه باكستان من كشمير، ضمن سردية الرد على هجوم مسلح على قاعدة للجيش الهندي، ويصوره الهنود كأبطال يقومون بمهمة الدفاع عن النفس وحق الانتقام، مع تصوير باكستان دولة "راعية للإرهاب".
كما يحط الفيلم من قيمة الباكستانيين، عبر تصويرهم خاضعين لحكم المخابرات الباكستانية، وليس هناك دولة بكامل مؤسساتها لحكمهم، لإعطاء انطباع بمؤسسة إرهابية، تجوع الشعب، الذي يقوم بتمويل الإرهاب، فضلا عن تصوير باكستان كدولة غير عقلانية في تصرفاتها وينبغي التعامل معها من منظور عسكري.
ويركز الفيلم على أن الهند دولة مسالمة على امتداد تاريخها، وعليها أن ترزع الخوف في قلوب الباكستانيين، لردعهم عن التفكير قبل شن أي هجوم، عليها، فضلا عن مسار من استعراض ما يقول المنتجون للفيلم إنها تقنيات تملكها الهند من طائرات مسيرة واختراق استخباري وأقمار صناعية لباكستان، التي يحط الفيلم من اعتبارها دولة إلى مجرد معسكر تدريب لـ"إرهابيين" وقادتها خائفون من الرد الهندي.
فيلم "Waar"
يتناول الفيلم المنتج عام 2019، تصوير الهند بشكل مباشر، دولة ترعى مجموعات "إرهابية"، وتتورط في أعمال لزعزعة استقرار باكستان، ويقف في مواجهتها الضابط السابق في الاستخبارات الباكستانية "مجاهد"، الذي يعود للعمل ضمن صفوف الجهاز لمواجهة الهجمات المدعومة من الاستخبارات الهندية التي تختصر بـ"رو".
وتظهر الهند في الفيلم ليس كدولة خصم لباكستان، بل قوة موجهة لجماعات إرهابية، تنفذ أجندات لتخريب الاستقرار وتضرب باكستان من الداخل، ومسألة الصراع التاريخي والاستهداف القديم للبلاد،
ولم يغفل الفيلم استعادة نضال الباكستانيين من أجل الاستقلال، وجهود الجيش لمواجهة التهديدات الخارجية، فضلا عن تسليط الضوء على ملف كشمير والاحتلال الهندي للأراضي الباكستانية، وحجم التضحيات التي بذلها الباكستانيون لحماية وطنهم، من "العدو الأزلي"، وحجم البطولة التي يقوم بها بطل الفيلم مجاهد في العمليات الخاصة والاستخبارية للقضاء على المجموعات التي أرسلتها الهند.
لكن في المقابل، أنتجت أفلام حاولت الابتعاد عن تأجيج المشاعر بين الشعبين، إلى نوع من التهدئة وتسليط الضوء على المسائل الإنسانية في الصراع، وتناولها بطريقة فنية تبحث عن سبل لتفكيك هذا التوتر.
لكن هناك أفلام ركزت ذات الطابع الإنساني، والتي لم تخل من الكوميديا والطرافة، عند التطرق للنقاط الحساسة في الصراع بين باكستان والهند.
فيلم Bajrangi Bhaijaan
من بطولة النجم الهندي سلمان خان، والذي تناول قصة طفلة باكستانية مسلمة، بكماء، قدمت مع أمها إلى الهند عبر القطار، لزيارة أحد المقامات والدعاء عنده من أجل شفاء الفتاة.
وبسبب نوم الأم خلال رحلة العودة وعدم الانتباه للفتاة التي نزلت من القطار، ومغادرته عبر الحدود، تفقد الطفلة في الهند، وتفشل جهود البحث عنها، وهنا تبدأ رحلة من المصاعب بعد وصولها إلى عائلة هندوسية، رفضتها في البداية، ثم قبلتها لاحقا، والصراع الذي خاضه سلمان خان، بطل الفيلم، من أجل إقناع الدبلوماسيين الباكستانيين بأخذها، ورحلة البحث عن أهلها ومعرفة موطنها بسبب عدم قدرتها على الحديث.
ورغم تعرض بطل الفيلم للضرب من قبل حرس الحدود خلال محاولة إدخالها إلى باكستان، لكن في النهاية نجحت الأرادة للجماهير في إجبار الجنود على جانبي الحدود الساخنة، في إعادة الطفلة إلى موطنها الأصلي، وتنتهي مأساتها بمشاهدة مؤثرة حول حجم القهر الذي يعانيه السكان جراء الصراع المتواصل.