ما زالت الأحكام التي أصدرتها محكمة تونسية فيما يعرف بقضية "إنستالينغو" تثير ردود فعل رافضة من قبل المحامين والحقوقيين وهيئة الدفاع عن المتهمين، معتبرين أن الأحكام غير منطقية ولا تستند إلى أساس قانوني، والهدف منها إبعاد الخصوم السياسيين.

وكانت محكمة تونسية أصدرت الأربعاء الماضي أحكاما قضائية مشددة بحق شخصيات سياسية، بما في ذلك رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (السجن 22 سنة) ورئيس الوزراء الأسبق هشام المشيشي (السجن 35 سنة)، بالإضافة إلى شخصيات سياسية أخرى وصحفيين بتهمة "المساس بأمن الدولة".

وتعود تفاصيل القضية إلى سبتمبر/أيلول 2021، عندما داهمت الشرطة مقر شركة "إنستالينغو" (وهي شركة متخصصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي)، بحجة "ارتكاب جرائم غسل الأموال والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مواجهة بعضهم بعضا، وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة".

"قضية مفبركة"

وفور قرار المحكمة، أصدرت هيئة الدفاع عن رئيس البرلمان التونسي السابق راشد الغنوشي بيانا الخميس الماضي، جاء فيه أن "الأحكام الصادرة في ملف إنستالينغو هي أحكام جاهزة"، وجلسات الاستنطاق والمرافعة "كانت صورية، مما دفع بالكثير من السادة المحامين إلى الدعوة لمقاطعتها".

إعلان

ويقول المحامي وأستاذ القانون عبد الهادي معطر "بوصفي مختصا في القانون ومحاميا اطلع على ملفات القضية، فإنه مثل جميع الملفات الأخرى يحتوي على خيط ينظمها، وهي ملفات مفبركة ليس فيها من الناحية القانونية الصرفة أي شيء يمكن أن يؤدي إلى التجريم، أي وجود جريمة بالمفهوم القانوني بأركانها الثلاثة: المادي، والمعنوي، والعقابي".

وأضاف معطر -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن "هذه القضية لا علاقة لها بالقانون، وليست فيها أي حجة أو دليل قابل للتجريم، بل هناك فقط أقوال وادعاءات ووشايات وشهادات كلها مشكوك فيها. وحتى عندما نأخذها بعين الاعتبار ونرجع للقوانين النافذة في تونس نجد أنها لا تشكل في حد ذاتها جرائم يعاقب عليها".

ويشير رئيس جبهة الخلاص الوطني في تونس نجيب الشابي إلى بعد آخر في هذه القضية، فقد "لفّها الغموض منذ البداية، ولم يزدها تعدد أصول المتهمين من سياسيين وإعلاميين وصناع قرار وصناع محتوى سوى عتمة لغياب الرابط بينهم".

وضرب الشابي مثالا بالحكم الصادر ضد وزير العدل الأسبق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري الذي وصل إلى 10 سنوات بسبب "تدوينة لم يتم العثور عليها، ونسب له قوله فيها إن الوقوف في وجه الانقلاب فرض عين".

خصومة سياسية

وجاء أيضا في بيان هيئة الدفاع السابق أن الغنوشي (83 عاما) يواصل مقاطعته "للمحاكمات السياسية الكيدية الجائرة طالما تواصل دوس حقوق الدفاع واقتصار القضاء على تنفيذ إرادة السلطة في الانتقام والتشفي بغطاء قضائي".

ولذلك يقول عضو هيئة الدفاع عن المتهمين مختار الجماعي "نحن في قلب السياسة، وهناك معياران لذلك: طبيعة القضية السياسية، والمتهمون هم من الخصوم السياسيين الأكثر شراسة لمسار 25 يوليو وهذه الدكتاتورية الناشئة؛ بالتالي نحن في قلب السياسة، وهذه القضية جاءت لتصفية خصم سياسي اسمه حركة النهضة".

إعلان

وأضاف الجماعي -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن "هذه الجريمة استغلها بورقيبة لتصفية خصومه، وكذلك فعل بن علي، ويستغلها الآن مسار 25 يوليو لتصفية خصم مهم. فلا توجد محجوزات، ولا يوجد أي شيء يقطع الشك باليقين، وبُنيت الإدانة فقط على تصريحات صحفية على صفحات من وسائل التواصل الاجتماعي؛ "بالتالي نعتقد أن الإدانة محجوزة لهؤلاء مسبقا وجاء هذا الملف ليصبغ مشروعية على هذه الإدانة".

وذهب معطر إلى أن هذه القضية "سياسية بامتياز وتهدف إلى ضرب كل القوى، أي جزء من النخبة التونسية التي تمثل القوى الحية لتونس، وهم 40 شخصا. ولدينا في قضية التآمر ما يقرب من 40 شخصا آخرين".

وأضاف أستاذ القانون "أن هذا الانقلاب يهدف إلى تجريف الحياة السياسية بحرمان المجتمع المدني والسياسي من كل قواه الحية بفبركة قضايا، والفبركة هذه كانت عبثية لأنها لا تستقيم بالمنطق القانوني المجرد؛ وبالتالي الهدف هو ترسيخ الاستبداد وتخويف الناس وترويعهم".

الخطوة التالية

يبدو أن المستقبل الذي ينتظر قضية "إنستالينغو" لا يشجع المحامين والحقوقيين المعنيين بها، فبعضهم سيسلك درجات التقاضي المتبعة، رغم تأكدهم من طبيعة الأحكام المنتظرة على حد قولهم، وهناك آخرون يستشرفون أحكاما أشد قسوة في الجلسات القادمة.

لذلك يقول رئيس جبهة الخلاص الوطني -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن "المدلول السياسي ينذر بقساوة مشابهة إزاء القيادات السياسية التي ستمثل أمام المحكمة في الرابع من مارس/آذار المقبل بتهمة الانتماء إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة، وقد مضى على إيقاف 6 منهم أكثر من عامين ولم يستمع إليهم قاضي التحقيق ولم يواجههم بأدنى حجة أو دليل، وعددهم الإجمالي يتجاوز 40 شخصية من مختلف الاتجاهات".

أما مختار الجماعي عضو هيئة الدفاع عن راشد الغنوشي فيقول "نحن قمنا بإصدار بلاغات إعلامية لكثير من المهتمين بالشأن الحقوقي وطنيا ودوليا وللمهتمين باستقلالية القضاء، ودققنا ناقوس الخطر حول ما تذهب إليه السلطة القضائية من تحولها إلى وظيفة لخدمة المسار السياسي للسلطة التنفيذية".

إعلان

وأضاف الجماعي أنه "كمحامين ليست لنا إلا الطعون في الأحكام، وليست المشكلة هل نطعن في هذا الحكم أو لا؟ بل الأسوأ هو هل نحن قادرون على تحقيق النتيجة التي نرجوها؟ وهل نحن قادرون على إقناع الهيئة الاستئنافية بنقض هذا الحكم الجائر؟".

احتجاجات متواصلة في تونس لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (الجزيرة)

ويعود هو نفسه ليجيب: "نعتقد أنه في ظل قضاء ضعيف جدا ومنعدم الاستقلالية ولا يتمتع فيه المتهم بأي ضمانة قانونية أن الهدف صعب المنال، ونعتقد أن الطور الاستئنافي لن يكون أقل خطورة من الطور الابتدائي، وربما -وهذا أمر غير مستبعد- تتحول هذه الأحكام الطويلة الأمد لأحكام مؤبدة وإعدامات".

والأمر نفسه ذهب إليه عبد الوهاب معطر "أنا من الناس الذين يقولون إنه لا فائدة تذكر من الوقوف أمام هكذا محاكم، فيها قضاة مستغلون وقضاة خائفون، ولا فائدة من أن نلجأ إلى طرق التقاضي من الدرجة الثانية لأننا رأينا أن محكمة التعقيب في قضية من قضايا التآمر في ملف مثل ملف إنستالينغو كله مفبرك وليس فيه أي شيء يقوم مقام الحجة الدامغة على ارتكاب جرائم، ورغم ذلك فإن محكمة التعقيب ساندت قرار دائرة الاتهام".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هیئة الدفاع عن هذه القضیة

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: الدولة المصرية تقوم بدور كبير في دعم القضية الفلسطينية

أكد الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، أستاذ العلوم السياسية، أن الدولة المصرية تقوم بدور كبير في دعم القضية الفلسطينية، موضحًا أنها على مدار العشر سنوات الماضية تؤدى دورها المستمر فى خدمة القضايا العربية والإقليمية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

 

وأشار الشيمى، خلال مداخلة لقناة إكسترا نيوز، إلى أن مصر على مدار الأشهر الماضية خاصًة بعد الحرب على قطاع غزة مستمرة في دورها الإنساني في إطار دعم الأشقاء الفلسطينيين وسكان القطاع، وعلى مستوى الدور السياسى والتفاوضي للوصول لحل لوقف إطلاق النار فى الأسابيع الأخيرة.

 


وأفاد أستاذ العلوم السياسية، أن المنطقة تمر بمنعطف خطير وله إنعكاسات كثيرة على عدم الاستقرار والتصعيد السياسي، لافتًا إلى أن ما قام به وزير الخارجية المصرى الدكتور بدر عبد العاطى من جهود دبلوماسية بتوجيهات رئاسية هو إنعكاس لرؤية مصر لكافة القضايا وإدراك لحجم المخاطر المرتبطة للتصريحات الأخيرة.

 

مقالات مشابهة

  • كاتب صحفي: مصر حجر عثرة أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • أحمد حسنين باشا.. وفاة غامضة على كوبري قصر النيل أم تصفية سياسية؟
  • وزير الأوقاف: نرفض تصفية القضية الفلسطينية والأحداث الجارية تتطلب التلاحم
  • المجلس المركزي الفلسطيني يؤكد وحدة الموقف الوطني ورفض مؤامرات تصفية قضية الشعب الفلسطيني وتهجيره
  • «وجهات تهجير» أهل غزة ترفض مخططات تصفية القضية
  • الحرية المصري: مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • أستاذ علوم سياسية: الدولة المصرية تقوم بدور كبير في دعم القضية الفلسطينية
  • «برلماني»: تهجير الفلسطينيين خط أحمر.. ومصر قادرة على حماية أمنها القومي ومنع تصفية القضية
  • برلماني: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ومصر قادرة على حماية أمنها القومي ومنع تصفية القضية