جمهورية الكدمول: للافتراس نهج (1-2)
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
لم يتفق الكتاب مع الشائع من أن مناطق سيطرة "الدعم السريع" نهب الفوضى. فقيام حوكمتها على الافتراس لا يعني أنها لم تأت ببديل للدولة والجيش في شرط عصيب للحرب. وكأنه يقول مع شكسبير إن الجنون ليس بلا منهج. وعرض الكتاب لاقتصاد "الدعم السريع" في الخرطوم الذي اختلف عن مثيله في أم درمان والخرطوم بحري.
كان يناير الماضي هو الشهر الذي وضع اقتصاد أسرة آل دقلو (محمد حمدان دقلو "حميدتي" وإخوته) وقوات "الدعم السريع" في عين العاصفة. فصدر خلال السابع من يناير 2025 الأمر التنفيذي (4098)، الذي تعاقب به أميركا كل شخص أو كيان يعكر صفو السلام في السودان وأمنه واستقراره، لتخضع للمقاطعة الأميركية سبع شركات خدمت الأسرة وجيشها. وسبق أن صدر من وزارة الخزانة الأميركية نفسها في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 قرار بمقاطعة القوني دقلو القائم بأمر المال والأعمال للأسرة و"الدعم السريع".
من جهة أخرى صدر خلال الشهر الماضي كتيب بعنوان "جمهورية الكدمول" (غطاء رأس أفراد ’الدعم السريع‘) من وضع جشوا كريز ورجاء مكاوي من هيئة مسح الأسلحة الصغيرة في سلسلة تقاريرها حول التقديرات المبدئية للأمن الإنساني. وعززه فريق من المراسلين من داخل السودان المغيبين اسماً ممن قاموا بالبحث الذي من ورائه. فدرس التقرير لدراسة الآليات الاقتصادية التي يدير بها "الدعم السريع" المدن التي احتلها. وسمى اقتصادها، لجهة توحشه من حيث تحول القادة العسكريين أنفسهم إلى مستثمرين، بالاقتصاد السياسي الافتراسي لقيامه على النهب، والفدية عن الرهائن ومنهوب المال، والإثقال في الضريبة.
يدير "الدعم السريع" ماكينة اقتصاد سياسي افتراسي (النهب). فأنشأ إدارات في المناطق التي احتلها يقوم عليها قادة طبقة من قبيل آل دقلو من الماهرية والرزيقات. وهي حكومات في حد ذاتها غير أنه ليس لها مركز يقف على ضبط مواردها ومصرفها. فـ"الدعم السريع" في قول الكتاب مثل ميليشيات أفريقيا الوسطى والكونغو لا ينتج الموارد التي للسوق، بل يحصل عليها نهباً. وتحت هؤلاء القادة شبكة من المهربين والسماسرة والمتعسكرين بمثابة وكلاء لهم في ماكينة هذا الاقتصاد. فظهر قبل أشهر فيديو لقادة في "الدعم السريع" كان في مقدمته أحدهم يعرض برنامجهم لإقالة عثرة السودان بالمدنية والديمقراطية، أما خلفه فترى قائداً آخر يتحدث في الهاتف. ولن يفهم المحادثة التي جرت بينه والطرف الآخر إلا مطلع على نظم "الهمبتة" أو "النهيض" في أصلها داخل البادية ثم الحضر لاحقاً.
و"الهمبتة" عادة ما جرى تمثيلها عندنا بصعاليك العرب، ومن عادة أهلها (الهمباتة) نهب إبل الرجل واسع الرزق ثم مساومته من طريق وكيل معروف لدفع الفدية عنها لهم ليستردها. وخضعت السيارات في المدن أخيراً لهذه "الهمبتة". ومتى أرخيت أذنك للقائد في خلفية الفيديو سمعت مساومة تفصيلية مع وكيل ما لرد سيارات استولى عليها لأصحابها في مواضع بعينها، لقاء مبلغ في عداد المليار بالجنيه السوداني.
لم يتفق الكتاب مع الشائع من أن مناطق سيطرة "الدعم السريع" نهب الفوضى. فقيام حوكمتها على الافتراس لا يعني أنها لم تأت ببديل للدولة والجيش في شرط عصيب للحرب. وكأنه يقول مع شكسبير إن الجنون ليس بلا منهج. وعرض الكتاب لاقتصاد "الدعم السريع" في الخرطوم الذي اختلف عن مثيله في أم درمان والخرطوم بحري. فحال تطبيق أنموذج الخرطوم بحذافيره في أم درمان لأن الجيش نازع "الدعم" فيها من يومه الأول، بينما توسع "الدعم" في الأنموذج داخل الخرطوم بحري وشرق النيل اللتين كانتا بمثابة القلعة الخالصة له. والسوق هو بؤرة هذه الإدارات إلا في بحري وشرق النيل التي فتح فيها "الدعم" إلى جانب السوق نقاط شرطة ومكاتب نيابة. وصار السوق في بؤرة حوكمة "الدعم السريع" لتحكمه بارتكازاته العسكرية في ضبط الموارد وتوجيهها للأسواق التي يفرض عليها الضرائب ورسوم الرخص والحماية، ويتحكم في السلع الاستراتيجية مثل البترول والدقيق. ومن مواقع سيطرته هذا حجب التجارة في أسواق باطن الأحياء.
فبدأت هذه الأسواق بمنهوبات أفراد الطبقة الوسطى الذين غادروا الخرطوم والتي جرى عرضها في ما يعرف بأسواق دقلو الشهيرة (التي لا علاقة بها بدقلو) علاوة على الأسواق الكبرى القديمة مثل السوق المركزية (شرق الخرطوم) وسوق الكلاكلة اللفة (جنوب غربي الخرطوم)، وأسواق مايو (جنوب الخرطوم). ويغلب على حي مايو النازحون من حروب السودان المختلفة وتجند نفر كثير منهم في "الدعم السريع". والسوق مصدر تمويل كبير. فيفرض الضرائب عشوائياً من جهة مبلغها وفي تعدد مواضع دفعها بتعدد الارتكازات. وفي الأسواق يدفع التاجر نحو دولار يومياً رسم حماية وقد يجمعها أكثر من مجند في "الدعم السريع" خلال اليوم. ويتحصل "الدعم السريع" على رسوم الاتصال لمستخدمي جهاز "ستارلينك" الذي يحتكره.
ونواصل
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
البرهاني ينفي إمكانية التفاوض مع الدعم السريع ويؤكد استمرار القتال لإنهاء التمرد
قال رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إن القوات المسلحة مستمرة في إنهاء ما سماه التمرد بشكل نهائي.
ونفي البرهان خلال زيارته مدينة شندي شمال السودان إمكانية التفاوض مع قوات الدعم السريع مجددا، وكشف عن إرسال تعزيزات من القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش إلى مدينة الفاشر بشمال دارفور للقضاء على ما وصفها بقوى التمرد.
وأكد البرهان مجددا أنه لن يتراجع عن القتال حتى تحرير كامل الأراضي السودانية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم في حق الشعب السوداني.
ونشر نشطاء سودانيون عبر فيس بوك، مشاهد تظهر جانبا من زيارة البرهان لمنطقة البسابير بولاية نهر النيل.
وانزلق السودان إلى الحرب منذ ما يقرب من عامين عندما تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وقتلت الحرب في السودان ما لا يقل عن 20 ألف شخص، كما دفعت الحرب أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت وتفشي الأمراض جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.