يوسف عيسى عبدالكريم

بالأمس ، ظهرت تصريحات للفريق ياسر العطا في لقاء له مع قناة العربية، أشار فيها إلى أنه يجري العمل على إعداد وثيقة دستورية جديدة لحكم المرحلة الانتقالية الجديدة في بورتسودان. وبناءً على ذلك، سيتم إلغاء العمل بالوثيقة الدستورية السابقة، التي يبدو أن قادة الجيش قد تناسوا، سواء عن عمد أو عن قصد، أنها أُلغيت بالفعل منذ انقلابهم على الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2021.


كما أضاف الفريق ياسر العطا أنه سيتم تعيين رئيس وزراء مستقل، لكننا لا نعلم مدى استقلالية هذا المنصب.ومن المتوقع تشكيل حكومة كفاءات وفقاً لرؤيته.
من المعروف أن العقيدة العسكرية في الجيش السوداني تعتمد على نظام انضباط صارم وترتيب هرمي، حيث يُعطى الحق للأعلى في اتخاذ القرارات، بغض النظر عن مستوى وعيه أو فهمه، في جميع القضايا المصيرية.
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: لماذا يواصل الجيش السوداني تكرار أخطاء الماضي، محاصرًا نفسه في زاوية ضيقة، متوقعًا في كل مرة نتائج مختلفة عن تلك التي حققتها تجاربه السابقة التي كانت بنفس الأسلوب و نفس النمط؟ و هنا، أستعير عبارة ألبرت أينشتاين لتوضيح ما أعنيه، حيث قال: "الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الطريقة والخطوات، وانتظار نتائج مختلفة".
فعندما تمردت كتيبة الاستوائية في عام 1955، اختار الجيش السوداني الحل العسكري كوسيلة لحسم التمرد، متجاهلاً جميع الحلول السياسية التي قُدمت له في ذلك الوقت من قبل القوى السياسية . استمر الجيش في القتال لمدة 17 عامًا حتى عام 1972، مع العلم أنه تولى الحكم مرتين خلال هذه الفترة: الأولى تحت قيادة الفريق عبود، والتي فشل فيها في حل الأزمة، والثانية في عهد المشير جعفر نميري، و الذي تمكن من التوصل إلى اتفاق سلام أوقف الحرب لفترة. و لكن، وللأسف، و بسبب تعنت قائد الجيش، لم يستمر الاتفاق طويلاً وسرعان ما انهار، مما أدى إلى تجدد دورة الحرب مرة أخرى.
استمر التمرد الثاني في الجنوب لمدة 21 عامًا، حيث سعى الجيش السوداني فيها إلى اعتماد نفس الاستراتيجية العسكرية لحل النزاع. بل تجاوز الإطار العام للصراع المتعارف عليه في التاريخ السياسي السوداني و قام بتغيير عقيدة الحرب ضد الحركة الشعبية في الجنوب ، من صراع أهلي ناتج عن تمرد مجموعة مسلحة ذات مطالبات سياسية وتنموية واجتماعية إلى صراع ذو طابع ديني، مصورًا الحرب كحرب بين المسلمين والمسيحيين، وأطلق على مقاتليه لقب "المجاهدين" واستدعى أدبيات الجهاد والاستشهاد من التاريخ الإسلامي واسقطها على تلك الفترة.
في عام 2005، تم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة التي يقودها قائد الجيش والحركة الشعبية، و أقر ذلك الإتفاق حق تقرير المصير لشعب الجنوب، وانتهى إلى استفتاء أسفر عنه انفصال الجنوب عن الدولة السودانية .
كان الشعب يأمل أن ينتهي نزيف الدم في البلاد وأن تكون هذه الاتفاقية، رغم انفصال جزء عزيز من الوطن، بمثابة نهاية للحروب في السودان. لكن، و للأسف،مع ظهور حركات متمردة جديدة في دارفور وجبال النوبة، مطالبة بحقوق مرتبطة بالثروة والسلطة. اتبع الجيش نفس النهج العسكري لحسم التمرد، دون الاستفادة من دروس الماضي التي أدت إلى اندلاع الحرب السابقة التي استمرت نحو 38 عامًا.
..... يتبع

yousufeissa79@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجیش السودانی

إقرأ أيضاً:

خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني

خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني
خطاب النصر المطلق ام رحابة السياسة

ياسر عرمان

قديماً قال نصر بن سيار الكناني "ان الحرب مبدؤها كلام" وأيضاً الحرب أخّرها كلام، وقال أهم استراتيجي حربي ومفكر وفيلسوف ومؤلف أقدم نص تاريخي لاستراتجيات الحرب على مدار الزمان الإنساني وخلّدته سراديب التاريخ العسكري الجنرال الصيني سون تسو (زو) " ان اعظم المعارك هي التي تكسب دون قتال" اي بدلاً من فن الحرب فن السياسة.

هل هنالك جديد في خطاب اليوم للقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان؟ لنحاول قراءته باتزان وعقل وحكمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، بعيداً عن مرارات الحرب التي لحقت اعظم خسائرها بالشعب وبالمدنيين وبالدولة وبالسودان حاضراً ومستقبلاً التي شتت المجتمع وجرفت ذاكرة الدولة، وبعيداً عن من يعفو عن من؟ ومن يحاسب من؟ وفوق غضب الاختلاف والاتفاق وبعيداً عن المواقف الصفرية، دعنا نقرأ خطابه على هدى كتاب إيقاف وانهاء الحرب الذي ترفعه القوى المدنية في بحثها المضني عن السلام وبحث المواطن عن حق الحياة والعودة للمنزل والفضاء المدني والتخلص من عسكرة المجتمع.

في تقييم عسكري محض من واقع تجاربنا السابقة ومعرفتنا اليوم لست مع الفئة التي تظن وتردد في وسائل التواصل الاجتماعي ان المعارك الأخيرة والتي سبقتها بين الجيش والدعم السريع هي انسحابات متبادلة بل هي معارك حقيقية ازهقت كثير من الأرواح، مدنيين وعسكريين وشهدت انتصارات وتقدم حقيقي للدعم السريع في بداية الحرب وفي قتال لا هوادة فيه ثم شهدت انتصارات حقيقية وتقدم للجيش منذ معارك أمدرمان وسنار وهي كذلك معارك حقيقية، والجيش الذي تخلى عن واجبه الأول في حماية المدنيين والدولة نجح في التمسك بمواقعه التي توفر القيادة والسيطرة داخل العاصمة الخرطوم، أولها القيادة العامة التي تشكل رمزيته ونجح في اخراج قائده العام والحفاظ على سلسلة القيادة على مدار انتشار قواته، وفي كل منطقة تحالف فيها مع القبائل والقوى المحلية احتفظ بحامياته، كما هو الحال في بابانوسة والدلنج والفاشر والأبيض وغيرها، ولكن كل ذلك لا يحقق النصر المطلق لأي من الطرفين، ومهما كانت نتائج انتصارات الجيش الحالية فإنها (سقالة) نحو الحل السلمي لا النصر المطلق، ومهما كانت قدرات الدعم السريع في استعادة زمام المبادرة فان كسب الحرب عبر نصر عسكري حاسم غير ممكن وبناءً على ذلك ان يجب ان ترتكز استراتيجية الطرفين نحو الحل السلمي، آخذين في الاعتبار التجارب السابقة الأقل اتساعاً من حرب ١٥ أبريل، وقدرات الطرفين الحالية وتحالفاتهم الداخلية والخارجية الماثلة للعيان، ومن هنا تأتي أهمية هذا الخطاب الذي انتقل من خطاب النصر المطلق إلى رحابة حديث السياسة الذي يقود للبحث عن الحلول.

لا أود أن أعقب على ما قاله قائد الجيش بالتقليل أو التعظيم أو السخرية أو تبادل اللكمات الخطابية، والتساؤل هل الخطاب موجه للسودانيين ام لقمة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي؟ فالخطاب و حده غير كافي لوقف الحرب ولكنه يفتح كوه من ضوء الحوار وطرح الاسئلة الفعلية والمعقدة، إذا تركنا جوانبه المتعلقة باستتابة الآخرين وعلى رأسهم القوى الرافضة للحرب ولندع جانباً حديث الوثيقة الدستورية وما أدراك ما الوثيقة الدستورية تعديلاً أو الغاءً فهي قد شبعت موتاً منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر وكذلك لنترك جانباً الحديث عن التعديلات في هيكل السلطة وتعيين رئيس وزراء من تماسيح بورتسودان، كل ذلك لن يغير من واقع الحرب بل يبدد الموارد والزمن.

ان الحديث عن تقدم والحرية والتغيير ورفع يدها عن المليشيا للترحيب بهما كما ذكر القائد العام حديث من فقه دعاية الحرب ولم يقدم جديد، واقع الأمر هنالك ثلاث قوى على المسرح السياسي اليوم، هي قوى الثورة والتغيير وحركات الكفاح المسلح غير الموقعة، والقوات المسلحة وحلفائها، والدعم السريع وحلفائه، والقوى التي تحتاج ان ترفع يدها عن القطاع الأمني هي قوى الفلول والحركة الاسلامية وعلاقتها ملتبسة بالجيش وتحتاج ان تنهي زواج المصلحة حتى تتحول القوات المسلحة لقوات غير مسيسة وتعكس التنوع السوداني ولا تعادي الحكم المدني الديمقراطي ولا تخوض حروب الريف وتكون مهنية، وبعدها تقطع اي يدٍ سياسية تمتد اليها.

وزع أحد الشباب قبل عدة ايام ويدعي قربه لقيادة الجيش، ورقة بعنوان ( الطريق إلى السلام والاستقرار- نحو الوحدة وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي) تحدثت الورقة عن الثوابت الوطنية والمهام الرئيسية وقضايا الانتقال ودور القوات المسلحة، وقد شكلت ملامح حديث القائد مع حلفاء الجيش وهي بداية طبيعية، بدأت بأهل البيت وتتطلب الحكمة والشجاعة للحديث مع خصوم البيت وللتقدم نحو الامام يحتاج القائد العام لحديث مباشر مع الدعم السريع لوقف الحرب، وليس هناك أفضل للجيش من الحديث والجلوس لوقف الحرب وادخار الإمكانيات البشرية والمادية من هذا الوقت، ان اليوم هو اليوم الذي يجب ان يترجم فيه الجيش تقدمه على أرض المعركة إلى تقدم على أرض السياسة فلا يوجد نصر مطلق، ولنذكر صيف العبور وصيف السلام وأخطاء البشير الكارثية، ان مصالح الشعب والبلاد تأتي في المقدمة. والخطوة الأخرى هي الحديث المباشر مع قوى الثورة والتغيير ولطالما أبدت تقدم وقوى الجبهة المدنية استعدادهم لوقف وانهاء الحرب ومن الحكمة ان يلتقي قائد الجيش وزملائه بجميع قوى الثورة والتغيير داخل وخارج السودان للبحث في وقف وانهاء الحرب دون شروط او اشتراطات.

ان شعبنا قد ذاق الأمرين وعانى من الاذلال والقتل والتشريد ودفع ثمناً باهظاً لهذه الحرب وهو لا يستحق ذلك بل يستحق سلام عادل والتنمية والديمقراطية، ان اليوم هو يوم لوقف الحرب وجرائمها ومخاطبة الكارثة الانسانية وتكريس خطاب البناء الوطني بديل لفقه الحرب الاستتابة، والنصر المطلق في السلام وحده لا سواه فلنتجه جميعاً نحو رحابة السياسة وفعلها والاستجابة لمطالب الشعب والحفاظ على وحدة بلادنا وسيادتها.

#نعم_لثورة_ديسمبر
#لا_لحرب_أبريل

٩ فبراير ٢٠٢٥  

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يُعلن استعادة السيطرة على مدينة المسعودية
  • الجيش السوداني يقترب من السيطرة على العاصمة الخرطوم
  • الجيش اللبناني يدعو سكان الجنوب إلى الالتزام بتوجيهات وحداته حفاظا على سلامتهم
  • انقلاب آليتين وإصابات.. ماذا حدث مع الجيش في الجنوب؟
  • خطاب القائد العام للجيش بين فقه الحرب والاستتابة وفقه البناء الوطني
  • هل اقترب الجيش السوداني من حسم الصراع عسكريا؟
  • تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) تدين الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي للجيش على عدد من أحياء مدينة نيالا
  • حقنة كمال عبيد التي سار بذكرها الركبان
  • الجيش السوداني يحقق مكاسب هائلة في سعيه لاستعادة العاصمة التي مزقتها الحرب