في خطوة لافتة وإنجاز جديد يُضاف إلى سجل لبنان السياحي، تم إدراج كنيسة "سيدة الغابة" في بلدة بيت شباب في قائمة المعالم السياحية الدينية المميزة. وجاء هذا الإعلان المهم خلال الاحتفال بيوبيل الكنيسة الـ250، الذي شكل مناسبة للتأكيد على الدور التاريخي والديني المهم لهذه الكنيسة التي تعتبر من أبرز الوجهات الروحية والثقافية في لبنان.

 
في حديث للمونسنيور خليل الحايك لـ"لبنان24" حول تاريخ كنيسة "سيدة الغابة"، ذكر الحايك أن الأب جوزيف غودار هو أول من تناول تاريخ هذه الكنيسة في كتابه "La Sainte Vierge au Liban"، حيث أشار الأب غودار إلى أنه "في القرن السابع عشر، كان الرعاة الذين يأتون من أعالي الجبال يلجأون إلى منطقة وسطية في بيت شباب، حيث كانوا يختبئون مع قطعانهم. وكانت العذراء مريم ترافق هؤلاء الرعاة بشكل دائم، مما دفعهم لبناء مزار لها في هذا المكان. ومع مرور الوقت، أصبح هذا الموقع مقامًا خاصًا بالعذراء، حيث كانوا يكرمونها بشكل مستمر".   تابع: "يوجد لدينا وثيقة قديمة تعود لعام 1726 تتحدث عن بناء الكنيسة الأولى لسيدة الغابة، والتي كان سقفها خشبًا، وذلك بجانب المزار الذي أسسه الرعاة. وفي نفس العام، قرر آل الحايك، الذين كانوا يقيمون في بيت شباب، ترميم الكنيسة، فقاموا بتحويل السقف الخشبي إلى عقد حجري. وظلت هذه الكنيسة قائمة حتى اليوم، حيث تقع في الجهة الشمالية للكنيسة الكبيرة التي بُنيت عام 1900. وتجدر الإشارة إلى أن الكنيسة التي تم تشييدها في عام 1900 قامت على أنقاض الكنيسة القديمة. وأوضح الحايك أن "أهمية كنيسة "سيدة الغابة"، تكمن في تاريخها العريق والمعاناة التي مرت بها جراء العدوان الذي تعرضت له عام 1840، في فترة الأمير حيدر أبي اللمع، الذي كان مسؤولًا عن منطقة بيت شباب. ووقع هذا الاعتداء نتيجة للخصومة السياسية بين الأمير إبراهيم باشا والأمير حيدر، حيث كان إبراهيم باشا يسعى للانتقام من الأخير. ورغم وجود 14 كنيسة في منطقة بيت شباب، فإن كنيسة "سيدة الغابة" كانت تعد الأهم بسبب موقعها الاستراتيجي على طريق المكارية، الذي كان يعد الطريق الرئيسية في تلك الحقبة".   وأشار إلى أنّه "في ذلك الوقت، اقتحم إبراهيم باشا الكنيسة وقام بتدميرها بالكامل، حيث كانت تحتوي على لوحة شهيرة رسمها الفنان كنعان ديب عام 1839، أي قبل عام من الاعتداء. وقد تعرضت اللوحة للتدمير بواسطة الرماح والرصاص، وكان أهل البلدة يقولون بأن باللوحة "نزفت"، نتيجة لذلك، أطلق عليها اسم "العدرا المجرحة".   وكشف أنّه "لاحقًا، قام حبيب سرور برسم نسخة كبيرة من اللوحة، ووُضعت خلف مذبح الكنيسة، اما اللوحة المُجرحة كانت محفوظة في صندوق. وعند التأمل فيها، كان يمكن ملاحظة اختلاف كبير بين الألوان الظاهرة فوق اللوحة وتلك التي كانت مخفية تحتها، مما أثار العديد من التساؤلات".   اضاف حايك: "في عام 1994، وتحديدًا في شهر آب، نشرت كتيب حول الكنيسة ذكرت فيه سؤالًا: "هل تخفي هذه اللوحة تحتها لوحة أخرى، على غرار مسار أيقونة سيدة ايليج؟". وفي أيلول من نفس العام، تعرفنا على راهبة كرملية أسست دار أنطاكية للايقونات، وهي التي اشرفت على دراسة لوحة ايليج. عند زيارتها للكنيسة، استخدمت عدسة مكبرة لفحص اللوحة، وأخبرتني قائلة: "لا أستطيع التأكد إن كانت هذه اللوحة تخفي لوحة أخرى تحتها باستخدام العدسة المكبرة، لأن الأمر يبدو وكأن هناك لغزًا تحتها. ولكن ربما يجب علينا إجراء عملية معينة لأن اللوحة قديمة". وبموافقة لجنة الوقف، تم أخذ اللوحة في بداية شهر أيلول لبدء العملية.   وكشف أنّه "في كانون الثاني من العام التالي، أرسلت لي رسالة تقول: "نحن أمام شيء جميل جدًا، ستفرح عندما تراه". وأرسلت اللوحة إلى مستشفى أوتيل ديو لإجراء فحص بالأشعة السينية(radiography) ، حيث أظهرت الأشعة وجود طبقتين مختلفتين تمامًا تحت اللوحة. الأولى كانت تحتوي على عناصر نباتية، بينما كانت الطبقة الثانية تملك وجهًا مختلفًا للعذراء"، موضحاً أنّه "بعد جمع كافة الملفات المتعلقة باللوحة، تم عرض التفاصيل على المطران يوسف بشارة، راعي الأبرشية آنذاك. وبعد الاطلاع على نتائج الفحص، طلب المطران أن يتم التركيز على إبراز اللوحة الأساسية". موضحاً أن "اللوحة كانت  تتطلب جهدًا لاستكشاف وتوضيح ما تخفيه من رسومات أساسية تحت طبقاتها".  وأعلن الحايك أنّه "خلال العملية، تم تحديد تاريخ صنع اللوحة في القرن السابع عشر، ولا يزال غير معروف من هو رسامها، ولكن من المحتمل أن يكون شخصًا من المنطقة أو من قبرص، حيث كان هناك تفاعل كبير بين لبنان وقبرص نظرًا لانتمائهما لنفس الأبرشية. وعندما رأى المطران يوسف سويف، مطران قبرص آنذاك، اللوحة، قال لي: "اللوحة تشبه كثيرًا اللوحات الموجودة في قبرص، خصوصًا وجه العدرا".   أردف: "بعدها بدء العمل على إزالة الطبقة العلوية للوحة، حيث كانت هناك امرأة فرنسية، صديقة للراهبة، تعمل في مجال ترميم اللوحات، وبدأت بإزالة الطبقة العليا ببطء حتى بدأ الألوان الأصلية تظهر تدريجيًا. وعندما وصلنا إلى الوجه، كان هناك الكثير من القلق بشأن النتيجة، لأن الأشعة السينية لم تُظهر الوجه بوضوح. ومع مرور الوقت، كانت الراهبة تتصل بي كل 15 يومًا لتتابع سير العمل وتطلعني على التقدم".   تابع: "وفي النهاية، وبعد اتخاذ قرار بالكشف الكامل عن الوجه، ظهر الوجه الأصلي بشكل رائع وجميل. كان هناك اختلاف ملحوظ بين الطبقة الأولى، التي رسمها كنعان ديب، حيث كانت عيون العذراء تنظر مباشرة إلى الناظر، بينما في الطبقة الأصلية كانت عيونها تنظر إلى الأسفل، وكأنها تتأمل في ذاتها. وبعد ترميم اللوحة بشكل كامل، تم إدخالها إلى كنيسة بيت شباب في آب من عام 1997، وفي عام 2000 تم تخصيص مزار خاص لها داخل الكنيسة. وأصبحت اللوحة الآن مقصدًا مهما لجميع المؤمنين، وأصبحت تشكل جزءًا من التاريخ الديني والثقافي للمنطقة".   ختم الحايك بالقول: " لهذا السبب تتمتع "سيدة الغابة" برمزية وأهمية كبيرة، حيث تعتبر اللوحة التي تمثلها تحفة فنية بكل معنى الكلمة. اليوم، نحتفل بانطلاقة جديدة، ليس فقط لبيت شباب، بل للمنطقة ككل، إذ إن هذا هو أول مقام في منطقة المتن يتم إدراجه ضمن السياحة الدينية، مما يسهم في إنعاش المنطقة ويجعلها وجهة سياحية مهمة".                 المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: بیت شباب حیث کان

إقرأ أيضاً:

ما جدوى أنْ تُحرزَ الانتصارات العسكرية بينما تتحوّل الدولة لجمهورية موز كبرى أمام أعيننا؟!

الواضح أنّ القادة العسكريون الذين يُديرون الدولة الآن قد أصابتهم لوثة قحت. وهي الحالة الكئيبة اللامبالية بمصائر الناس ومعائشهم، الحالة التي ينحسرُ عندها الخيال إزاء جهاز الدولة ككيان رمزي وظيفي؛ لتضيق عندها الدولة ذرعًا بالخُبراء الأقوياء لتبدأ في لفظهم بعيدًا، في مقابل انفتاح شهيتها لاستيعاب أنصاف الكفاءات، والرجرجة، والضعفاء، والمُنكسرين، والمطأطئين، والمكتنزين، والفائضين عن الحاجة؛ من يُؤثِرُون الطاعة والإذعان على العمل المنضبط الكفُوء لمصلحة العامة.

ليس صعبًا أنْ يُحيطَ القائد نفسه برجالٍ ضعفاء على هيئة أقنان طائعين مأموني الجانب يستبدلهم متى ما سئِم منهم؛ بل الصعوبة البالغة والبراعة الحقيقية تكمن في الاستعانة بالمقتدرين الأقوياء أصحاب الرؤى السديدة والعزائم في إنفاذ البرامج واضحة المعالم.. ومن ثَم القدرة على إدارتهم وتوظيفهم في المواقع بحسب الجدارة.

اللحظة تُحتّم أنْ يُغلق الباب في وجه “الهلافيت”؛ ليكون عماد الدولة الأفذاذ.. أولئك الرجال الذين يحترمون ذواتهم، ويقيمون الوزن العالي لذممهم؛ أولئك ممن ليس في وسعهم أنْ يكونوا دمًى.. بل ويبذلون في سبيل ما تقتضيه أعباء المنصب العام الدماء والعرق.
ما جدوى أنْ تُحرزَ الانتصارات العسكرية بينما تتحوّل الدولة لجمهورية موز كبرى أمام أعيننا؟!

محمد أحمد عبد السلام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دراسة عالمية صادمة: شباب هذا العصر يفتقدون السعادة
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • “الجاكرندا”.. وجهة سياحية جاذبة في منطقة عسير
  • شفشاون تُبهر العالم في وثائقي فرنسي جديد وتُصنّف بين أفضل 5 وجهات سياحية عالمية
  • بارتفاع 2500 مترٍ.. جبل أثرب وجهة سياحية وتاريخية في قلب سراة الباحة
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • جزيرة المرجان وجهة سياحية تستهوي أهالي وزوار منطقة جازان
  • ما جدوى أنْ تُحرزَ الانتصارات العسكرية بينما تتحوّل الدولة لجمهورية موز كبرى أمام أعيننا؟!
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)