لبنان ٢٤:
2025-02-10@14:34:09 GMT

مار مارون في بعبدا

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

لو سألنا غير الموارنة من سائر المذاهب غير المارونية، مسيحيين ومسلمين، ماذا يعرفون عن الموارنة ودورهم في التاريخين القديم والحديث، وبالأخص بعد تأسيس لبنان الكبير بسعي من البطريرك الماروني الياس الحويك، لما استطاعوا أن يجدوا أفضل مما قاله عنهم الأرثوذكسي شارل مالك، الذي قال في مقدمة مقال شهير له: "يقول المسيح: إنّ من أُعطي كثيراً يطلب منه الكثير.

لقد أُعطي الموارنة كثيراً ولذلك يطلب منهم الكثير. أُعطوا أولاً، هذا الجبل العظيم، جبل لبنان اسم من أعطر الأسماء في الكتاب المقدس وفي التاريخ. اقترن اسمه بالمجد والكرامة والشموخ والبهاء والجمال والقداسة والصمود والرائحة الزكية، وبـ "أرز الرب" الخالد. وهو اليوم استراتيجياً من أشد الحصون مناعة في هذا الشرق ليس لذاته وفي حد ذاته فحسب، بل في تدبير الشرق الأوسط الدفاعي العام. لم يعط شعب في المنطقة كلها شيئاً بالطبيعة شبيهاً به، وإذا اعتبرنا أهمية هذه المنطقة اليوم في الإستراتيجية العالمية، وموقع الجبل الفريد، الشامخ من البحر مباشرة، صحّ القول، لربما، إنّ شيئاً شبيهاً بهذا الجبل لم يعط لقوم في العالم. إنه عطية عظيمة. التفريط به، بأي شكل، جريمة لا تغتفر. السؤال هو: هل يستأهل اللبنانيون، هل يستأهل الموارنة، هذه العطية العظيمة؟ هل يقدرونها حق قدرها؟ لبنان معطى للجميع، ولذلك كلنا جميعاً، وبالأخص الموارنة، مؤتمنون على هذا الجبل، مؤتمنون عليه كي يبقى منيعاً بأيديهم وبأيدينا كلنا، وكي يكونوا ويبقوا هم، ونكون ونبقى جميعاً، جديرين بما اقترن اسمه به معنوياً في التاريخ "مجد لبنان أعطي له" شعار يدل على أن مجداً عظيماً أعطي الموارنة، مجداً بقدر ما يبعث على العزة والفخار يستدعي أيضاً منتهى العبرة والتواضع"(...)   ويزاد على هذا الكلام التاريخي والوجداني كلام آخر سمعته من أكثر من مفكر وأديب ينتمون إلى الطائفة الإسلامية عن هذا الدور، وفيه ما معناه، أنه لو لم يكن في لبنان مسيحيون، وبالتحديد موارنة، لوجب علينا أن "نخلقهم من تحت الأرض". وهذا ما لمسه أيضًا أهل الجبل الدروز بعد التهجير المسيحي والماروني منه، الذين قالوا وبالفم الملآن لا قيمة لجبل لبنان، أي الشوف وعاليه، من دون الوجود المسيحي. وسمعت أيضًا أن صيغة العيش المشترك لم تتجلّ ببهائها إلا في القرى المختلطة، فيكون العنصر المسيحي والماروني بالتحديد هو الشريك الفعلي في هذه القرى.   ومن بين ما سمعته أيضًا كلامًا آتيًا من خارج حدود لبنان، وبالتحديد من دول المشرق العربي، حيث أصبح أبناء الطوائف المسيحية المشرقية أقلية، خاصة بعد الحروب التي شهدها العراق وسوريا، وهو كلام له حيثياته ومعناه الوجودي، وملخصه أنه عندما يكون الموارنة في لبنان أقوياء نكون نحن حيث نعيش كذلك، والعكس صحيح أيضًا، وهو أنه عندما يضعف موارنة لبنان نضعف نحن أيضًا.   فيوم لجأ مار مارون إلى عبادة ربّه بكل إيمان وتجرّد وانسحاق لم يرد في ذهنه أن الذين اقتدوا به وتبعوه وتركوا ما في هذا العالم من ملذات دنيوية سيحملون في يوم من الأيام اسمه، وسيدعون "موارنة"، وسيستقرون في جبال لبنان العصّية على كل محتل، والتي ستتحوّل إلى ملجأ لطالبي الحرية بعدم اشتداد حملات الاضطهاد في المنطقة. 
كان همّ مار مارون الوحيد مناجاة الخالق، في الليل والنهار، في الحرّ والبرد. لم يكن يهتمّ كثيرًا بأمور الأرض، ولم تكن مغرياتها تستهويه. عاش التجرّد حتى الاتحاد الكلي بمن آمن به مخلّصًا وحيدًا من الخطيئة والشرّ. وعلى مثاله سار وراءه كثيرون فكانوا بدورهم رسل سلام ومحبة. زرعوا الوعر قمحًا، وتفاحًا، وعنفوانًا، وكرامة. عاشوا متحدّين متكاتفين غير متناحرين. لم يكونوا سوى تلك الخميرة في عجنة العالم. لم تغوهم خيرات الأرض ومفاتنها. لم يهتمّوا بالسياسة وزواريبها ودهاليزها. لم يتنافسوا إلاّ على فعل الخير. لم يكونوا إلى السلطة ساعين، ولا إلى الجاه طامحين، ولا بالخيرات الزائلة والزائفة طامعين. 
هؤلاء هم الموارنة، الذين فتّتوا الصخر، وطوعّوا الجبال الوعرة، وحوّلوها إلى جنائن عامرة بالخير والبركة. لجأوا إليها هربًا من الاضطهادات، فاستطابوا الإقامة. في تلك الجبال سكنوا، صلّوا، قاوموا، وعاشوا متحدّين ومتحدّين عوامل الطبيعة القاسية والغزاة. لم تكن الانانية قد غزت قلوبهم بعد. ولم يكن الطمع قد دخل قلوبهم وسيطر على عقولهم. لم تكن الشهوة إلى السلطة قد أعمت بصيرتهم وبصرهم. لم يكن الحقد قد وصل إلى قلوبهم. كانوا أنقياء كثلوج جبال الأرز. كانوا ثابتين في الأرض، التي أسقوها عرقًا ودمًا، كثبات الأرز.  
ولكن، وبعد 1614 سنة على وفاة مار مارون أين هم اليوم هؤلاء الذين يحملون اسمه؟ ماذا يعرفون عن حياته، عن جهاده، عن تجرّده، عن تعاليمه، عن وصاياه، عمّا كان يحلم به، وعمّا كان يتطلّع إليه، وعن دوره في هذا الشرق، أرض الرسالة والقداسة؟ 
أين هم اليوم من كل هذا؟
هم اليوم منقسمون، مشتّتون، تائهون. لا يعرفون ماذا يريدون. ولماذا يحملون اسم هذا القديس العظيم. فهم وحدهم من بين شعوب الأرض قاطبة يحملون اسم قدّيسهم. 
كلام قد لا يعجب كثيرين من الذين يدّعون بأنهم يحملون إرث مار مارون، ولكنه كلام حقّ هو، مع أنه محزن بما فيه من واقعية. 
ويكفي أن يقول الرئيس نبيه بري وهو مغادر القصر الجمهوري بالأمس "هي بركات وشفاعة مار مارون ستشكل الحكومة". المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: مار مارون لم یکن

إقرأ أيضاً:

عبد المسيح بعيد مار مارون:نتمنى أن يعمّ السلام وطننا لبنان

 كتب النائب أديب عبد المسيح، اليوم الأحد، عبر حسابه على منصة " إكس":

"تشرفتُ بالمشاركة في قداس عيد مار مارون الذي ترأسه راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، في كنيسة مار مارون، بحضور فاعليات سياسية، دينية، وشعبية.

في هذه المناسبة المباركة، نتمنى أن يعمّ السلام والاستقرار وطننا لبنان، مستلهمين من معاني الإيمان والوحدة التي يجسدها هذا العيد. كل عام والجميع بألف خير" .

مقالات مشابهة

  • "من صلب الألم يولد الرجاء".. الأب بيار نجم يُعيد إشعال شعلة مارون في لبنان
  • عبد المسيح بعيد مار مارون:نتمنى أن يعمّ السلام وطننا لبنان
  • بطريرك الموارنة: الثقة بانتخاب رئيس لبنان زادت بتأليف الحكومة
  • كلام لافت عن القوات.. هذا ما قاله قبلان
  • عيد مار مارون: الحقائق المرّة... وإمكانات النهوض؟
  • حبيقة: الموارنة هم المدافعون عن الحياة في لبنان وعن ثقافته المتنوعة
  • الحكومة تنتظر الوزير الشيعي الخامس..اورتاغوس تلتقي بري وميقاتي اليوم
  • أورتاغوس زارت عون وتلتقي بري وميقاتي اليوم: ضد توزير الحزب وممتنون لإسرائيل
  • مقدمات النشرات المسائيّة