عدن الغد:
2024-09-19@22:28:09 GMT

مناهل ثابت.. شمعة مضيئة في ظلام اليمن الدامس

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

مناهل ثابت.. شمعة مضيئة في ظلام اليمن الدامس

بقلم: د. عبدالله المدني


هناك حقائق لا بد من التطرق إليها قبل الشروع في سرد سيرة هذه العالمة والعبقرية العربية، أولها أن الذكاء والعبقرية ليسا مقتصرين على جنس أو شعب أو ملّة، فالشباب العربي مثلاً لا ينقصهم الإبداع والذكاء والأفكار العبقرية، بل قد يملكون من الرؤى والأفكار والإرادة والجدية والدأب ما هو أكثر من الموجود لدى أقرانهم في الغرب، ولكن ما ينقصهم هو دعم الجهات الرسمية والأخذ بأيديهم وتبنّي أفكارهم وأطروحاتهم بجدية وتحويلها إلى مشاريع حقيقية مفيدة لهم وللبشرية.

ولعلنا لا نبالغ لو استخدمنا في هذا السياق المقولة الشائعة، إن «العرب يحاربون المبدع حتى يفشل وفي الغرب يدعمون الفاشل حتى ينجح». والحقيقة الثانية، هي أن إلقاء تبعات الفشل في التفوق والابتكار على الغرب بوصفه المهيمن على مقدّرات العالم، وبالتالي القول باستحالة المقارنة بسبب تفوق الأخير في الإمكانيات والقدرات والوسائل ومحاربته للمبدعين العرب والمسلمين صار مبرراً مستهلكاً ووسيلة لإعفاء الذات من اللوم والتقصير. فالإبداع والابتكار الحقيقيان لا يمكن أن يأتيا ويكتملا إلا عن طريق طرح التساؤلات واستخدام منهج المقارنة ونظرياته. أما الحقيقة الثالثة، فهي أن معظم التجارب الإنسانية الإبداعية كان ثمرة لامتلاك أصحابها لثقافتين، استطاعوا بهما مد جسور حضارية بين الشرق والغرب، عن هاتين الثقافتين قال الكاتب هايل المذابي في صحيفة الفراعنة (13/‏4/‏2017): إنهما ثقافة العقل وثقافة القلب.. ثقافة الروح وثقافة المادة.. ثقافة الشرق وثقافة الغرب.

إن العالمة العربية اليمنية، التي تحمل الجنسية السعودية منذ أوائل 2022، الدكتورة العبقرية مناهل عبدالرحمن ثابت، التي سنستعرض هنا سيرتها المفصلة وإنجازاتها ورحلتها العلمية وتجربتها الخاصة في النجاح والإبداع، أحد الأمثلة الحية على صحة ما قلناه في مقدمة المادة. لاسيما أنها من بلاد متواضعة في مواردها وإمكانياتها، ناهيك عن أنها بلاد قلّما عاشت الاستقرار السياسي والوئام الوطني، أو توفرت فيها البيئة الآمنة والمناخ الحر للإبداع والابتكار.

 

مواليد عدن

ولدت مناهل في عدن، صاحبة الماضي العريق في الانفتاح على مختلف الثقافات وحاضنة المتعلمين والمثقفين من أبناء اليمن، وأحد أهم مراكز التجارة والحركة الاقتصادية والمدارس الغربية في جنوب الجزيرة العربية. كان ميلادها في 14 أكتوبر 1981، أي في اليوم الذي يحتفل مسقط رأسها بعيد الاستقلال وجلاء الإنجليز. والدها هو الإعلامي المعروف عبدالرحمن ثابت، المولود في ذبحان الحجرية بمحافظة تعز سنة 1947، وكان من أوائل من عمل بالبرنامجين العربي والإنجليزي من إذاعة وتلفزيون عدن، بُعيد حصوله على شهادة الثقافة العامة من جامعة لندن سنة 1965، ثم انتقل للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية بلندن عام 1984، بعد أن اجتاز كافة الاختبارات بنجاح، وبعد عدة سنوات عاد إلى اليمن فعمل في سفارة اليابان بصنعاء كبيراً للمساعدين لمدة 13 عاماً، وحينما حصل على التقاعد في عام 2006، قرر أن يستقر في القاهرة مع ابنته الأخرى الدكتورة نهاوند ثابت عضو نقابة أطباء الأسنان بمصر، إلى حين وفاته ودفنه رحمه الله هناك في 10 مايو 2017.

معاناة التوحّد

درست مناهل في مدارس عدن الحكومية، على الرغم من معاناتها منذ ولادتها من مرض التوحّد الذي فرض عليها الجلوس في صفها صامتة، إلى درجة أن قريناتها كنّ يشاغبنها ويصفنها بالبكماء، لكنها من جهة أخرى، ظهرت عليها علامات النبوغ منذ سن الخامسة، إذ أظهرت قدرات خارقة في استيعاب دروسها. ولهذا السبب حظيت بعناية خاصة من قبل معلماتها ومدرستها، تجلّت في منحها برنامجاً دراسياً مكثفاً في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، الأمر الذي أفضى إلى حصولها على شهادة الثانوية وهي في سن الرابعة عشرة، لتسافر إلى الولايات المتحدة سنة 1996، وهي في سن الخامسة عشرة من أجل الالتحاق بجامعة «دي بول» الأمريكية الخاصة بولاية شيكاغو لدراسة الاقتصاد. وهناك واصلت دراستها إلى أن نالت في عام 2006 شهادة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف في أحد التخصصات الحديثة والصعبة، وهو تخصص الهندسة المالية (تختص ببناء الأنظمة المالية وهيكلتها وإعادة هيكلتها)، عن أطروحة بعنوان «نظرية السلوك، سعر الفائدة والاختبارات التجريبية لنظرية التسعير المرجحة في الأسواق المالية»، لتصبح بذلك، وهي في سن الخامسة والعشرين، أصغر امرأة في العالم تحمل دكتوراه الهندسة المالية، وأحد العرب القلائل المتخصصين في هذا الحقل العلمي.

شغفها بالمعرفة والتحصيل العلمي، قادها بعد ذلك لمواصلة الدراسة في الولايات المتحدة، إلى أن نالت شهادة دكتوراه ثانية في رياضيات الكمّ في سنة 2009، وهي في سن الثامنة والعشرين. وقد تم عملياً تبنّي النظريات التي وضعتها في العديد من المؤسسات العالمية المتخصصة في الفضاء لقياس المجرات الكونية وسرعة انتقال الضوء بينها.

مهارات أدبية

وقد يُفاجأ القارئ حينما يعلم أنها - على الرغم من تخصصاتها العلمية الدقيقة - تملك مهارات أدبية وقدرات بلاغية في اللغتين العربية والإنجليزية، تضاهي تلك الموجودة لدى الأدباء والكتّاب العرب. ويكفي دليلاً أن يقرأ المرء القطعة الأدبية الرفيعة التي نشرتها في وداع والدها، الذي ربما أورثها ليس فقط الشغف والانشغال بالمعرفة والعلوم، وإنما أورثها أيضاً جينات ومَلَكَات بلاغية ولغوية. صاغت مناهل بعبارات يفيض منها الألم والحزن مقالاً في وداع والدها، فقالت «فقدتك معلماً نبيلاً ومرشداً عليماً وصديقاً أفخر به قبل أن تكون لي والداً. لقد تعلمت منك الكثير.. تعلمت منك يا أبي أن أظل جالسة على الأرض مهما بلغت علماً وشهرة ومقاماً حتى لا أسقط، وتعلمت منك أن المرأة تظل طفلةً مهما كبرت، لكنها تشيخ وتهرم في اللحظة التي يموت فيها والدها. وأول مرة أمسكت فيها بإبهامك في طفولتي أيقنت في قرارة نفسي أنني سأظل ممسكةً بها إلى الأبد.. وهذا ما أستوعبه الآن. لم أجد في نبلك وعظمتك سوى طريق العلم والمعرفة الذي سلكته زاهدة في كل ملذات الدنيا وجماليات الحياة وأمجادها. هكذا تبدو الحياة إذن بدونك، مقالة أدبية ركيكة، أو لنقل فرضية علمية ليس لها إثبات يسندها، وكنت أنت دائماً إثبات الفرضية وتجمِّل الركيك الهش في هذا العالم، وتمنحه ألقاً يفتقر إليه الآن، لكأنما فقد كل شيء معناه وأصبح باهتاً حتى الأبد، إنها حكاية الجسد الذي فقد روحه، وبالتالي فقد اتصاله بالعالم الذي يشترط الكمال بين الروح والجسد. هذا العالم يا سيدي محض غلطة من دونك، فوالله ما حزنت أخت لفقد أخ .. حزني عليك ولا أم على ولد».

لمناهل، التي عاشت لبعض الوقت في دبي تحت رعاية قيادتها الحكيمة والسبّاقة لجهة دعم العقول العربية المبدعة في مختلف التخصصات، وحيث أسست لنفسها مشروعاً خاصاً بها، رحلة طويلة مع التكريمات والجوائز والألقاب والمناصب.

ملكة البورصة

فعدا عن لقب «الأولى والأصغر والوحيدة في العالم العربي المتخصصة في الهندسة المالية»، ولقب «ملكة البورصة»، الذي منحته لها صحيفة «وول ستريت جورنال» بسبب دورها الفعال في عالم البورصة والمداولات المالية العالمية، وعدا عن وصف العالم «مايكل غلب» لها بأنها تفكر مثل ليوناردو دافنشي ولديها قدرة أديسون في الابتكار والإبداع، حازت عام 2000 جائزة التميز الدولية والبيئية والإنسانية العالمية، نظير جهودها البارزة في البعثات البيئية والإنسانية في أفريقيا إبان عملها مع الأمم المتحدة. وفي العام نفسه كرمها «اتحاد المرأة من أجل السلام العالمي»، بمنحها جائزة السلام الدولية، فكانت أصغر امرأة في العالم تحظى بهذا التكريم. وفي سنة 2010 اختيرت من قبل مجلة «لوفيسيال» كشخصية العام للإلهام وحصلت على جائزة المرأة العربية. وفي عام 2011 صنفت ضمن أذكى 30 شخصاً من الأحياء في العالم، وجاء هذا ضمن بحث علمي لـSuper Scholar. وفي عام 2013 حازت على لقب «عبقرية العام» عن قارة آسيا، من قبل مؤسسة «برين تراست» البريطانية، فكانت بذلك أول شخصية عربية تنال اللقب. وقتها قال عنها رئيس المؤسسة توني بوزان مخترع الخريطة الذهنية، «إن هذه الجائزة تمنح بناء على ترشيح من لجنة مشكّلة من جمعية العلوم الملكية البريطانية تحت رعاية وإشراف مؤسستنا، ولو كان الأمر بيدي لقمت بتسليم الجائزة لهذه العالمة المتميزة دون المرور على اللجنة، نظراً لاستحقاقها الجائزة بكل جدارة، فهي مثال حي للمثابرة والاجتهاد رغم كل ما مرت به من تحديات وصعوبات». وفي عام 2014، حصلت مناهل على «جائزة نوبل ابن سينا»، التي منحت في العام السابق لمكتشف الخريطة الذهنية، وهي جائزة تمنح لأولئك الذين يقدمون أفضل الممارسات في مجال العلوم، وربط الشرق مع الغرب من خلال العلم والمعرفة.

«غينيس» من جدة

وفي إنجاز تاريخي لافت آخر لها. دخلت الدكتورة مناهل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بعد أن تمكنت من تعليم 1,307 أشخاص، من طالبات وأعضاء هيئة تدريس جامعة دار الحكمة بجدة، كيفية عمل الخريطة الذهنية في وقت قياسي لم يتعدّ الـ30 دقيقة، ونجاحها في تصحيح كل خريطة ذهنية في أقل من ثانيتين، وهو ما لم ينجح فيه حتى مكتشف الخريطة الذهنية نفسه، الذي أرسل لها تهنئة مصورة بالفيديو من مكان وجوده في سنغافورة. والمعروف أن الخريطة الذهنية هي تقنية ثورية لمعرفة بنية الدماغ البشري عبر استخدام الصور والألوان، والكلمات الرئيسية والفرعية، وهو ما ساعد الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم على تعزيز قدراتهم وتقوية ذاكرتهم وتمتين مواهبهم في الإبداع والابتكار، على نحو ما فعله القائمون على عمل مؤسسات مثل ناسا وأبل ومايكروسوفت.

أما العام 2016، فقد شهد قرار محكمة تشمبرلين بلندن منحها امتياز الحرية كتعبير عن الحب الذي تكنه لمدينة الضباب. وقد جاء في حيثيات القرار، أن الدكتورة مناهل «من القلائل الذين استطاعوا أن يمدوا جسوراً بين الحضارة العربية والحضارة الأوروبية بامتلاكها ثقافتين متضادتين، هما ثقافة الشرق والغرب وهو ما يعجز البناؤون عن تشييده ومدّه». والمعروف أن جائزة امتياز الحرية لمدينة لندن تقليد قديم بدأ في العصور الوسطى حين كانت لندن تمنحه للشخصيات المهمة، ليكون لها صلاحيات الطبقات الأرستقراطية في لندن، واستمر هذا التقليد رغم اختفاء كل مظاهر ذلك العصر كنوع من التعبير عن المحبة والاعتزاز لشخصيات اعتبارية سواء كانت إنجليزية أو أجنبية، والمتتبع لقائمة من تم منحهم هذا الامتياز عبر التاريخ، سيجد أنها كانت جميعاً شخصيات أثرت وأضافت في مسار التاريخ الإنساني. وبعد عامين من هذا التكريم منحتها بريطانيا لقب «فارسة سانت كارين سيناي»، في حفل حضره اللورد هاردنغ الابن الروحي لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية.

أين تضع نفسها في سلم العبقرية ؟

إلى ما سبق، تعتبر الدكتورة مناهل عضواً فاعلاً في عدد من المنظمات المهمة، مثل جمعية العباقرة العالمية الدولية (منسا)، والمؤسسة الدولية للمهندسين الماليين، التي منحتها لقب «ضليع» في الرياضيات، كما أنها عضو فاعل في منظمة «القيادات العربية الشابة»، وعضو ناشط في العديد من المؤسسات والمنظمات ذات الصبغة الاجتماعية والإنسانية والخيرية. كما أنها ترأس منظمة مجتمع الذكاء النادر (World Intelligence Network)، الذي يشترط نسبة 98% كنسبة مئوية لمعدل ذكاء الندرة، علماً بأنها منظمة مسؤولة عن 27 مؤسسة لمتفوقي الذكاء في العالم. والجدير بالذكر أيضاً أنها اختيرت سفيرة للنوايا الحسنة من قبل مؤسسة «إيكو الدولية للفنون» التابعة للأمير ألبرت الثاني أمير موناكو.

سجلت عنها صحيفة الأيام العدنية (28/‏3/‏2021) قولها عن كيفية قياس ذكاء الإنسان، «هناك عدة قياسات لقياس المقدرة الفكرية، فهناك أكثر من 72 مقياساً للذكاء معتمدة دولياً. والحاصل على أكثر من 130 درجة بموجب مقياس (Intelligence quotient) هو إنسان متميز، وهناك فرق بين الإنسان الذكي والمتميز والعبقري والجهبذ». وفي ردها عن سؤال أين تضع مناهل نفسها في سلم العبقرية؟ أجابت بتواضع الكبار «أنا إنسانة طبيعية جداً وهناك مبدأ للعبقرية فأول ما تحس أنك عبقري تفقد عبقريتك، لهذا فأنا مجرد إنسانة مجتهدة».

ونختتم بما عبر عنه محرر صحيفة «عدن الغد» من أسف، لأن أمثال الدكتورة مناهل لا يزالون بحاجة إلى تعريف في أوطانهم، ملقياً اللوم على الإعلام العربي بقوله «لو كانت مناهل مغنية لما وجدنا أحداً لا يعرفها»، وداعياً القادة ورجال الأعمال العرب إلى الاستثمار في العلم وتشجيع العقول وإطلاق مبادرات الدعم للمبدعين، باعتباره استثماراً في مناجم العقول التي لا تقل ربحية وأهمية عن الاستثمار في مناجم الذهب.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: فی العالم من قبل فی عام

إقرأ أيضاً:

تفجيرات “البيجر” واللاسلكي الإرهابية.. من الذي يجب أن يقلق؟

يمانيون – متابعات
لا يختلف اثنان على أن التفجيرات الأخيرة للأجهزة اللاسلكية في لبنان هو عمل إجرامي ناتج أولاً عن وجع صهيوني كبير وعميق ومؤلم بدرجة عالية من الإسناد الكبير من حزب الله لغزة، ومقاومتها على مدى قرابة العام، كما ينم عن عجز صهيوني عن إعادة سكان الشمال المحتل من الصهاينة الذين يقارب عددهم مئتي ألف مطرود.

كما لا يختلف اثنان أيضاً، على أنه عمل متوحش وجبان، وعلى أن كل الأوصاف القذرة والدنيئة تنطبق عليه، وعلى أنه جريمة موصوفة، تنم عن حقد فاعلها وبشاعته، وإجرامه، وعدائيته المفرطة، وخلوه من كل معاني الإنسانية وأدنى صفات بني البشر، وانعدام أي احترام للقواعد والأخلاق سواء الدينية أو الوضعية أو العرفية، وتجاوز لكل القوانين وحتى قوانين الغاب نفسها.

النقطة الثالثة في دلالات هذه الجريمة، ما تثيره من مخاوف من استخدام التكنولوجيا في القتل، صحيح أن القوى الاستكبارية مثل أمريكا والغرب عموماً وكذلك كيان العدو “الاسرائيلي”، تعتمد في ممارستها القتل بنحو كبير على هذه التكنولوجيا والتقنيات المتطورة، لكن المقصود هنا، هو استخدام التكنولوجيا النافعة والخدمية، في القتل، مثل استخدام أجهزة اللاسلكي، وهذا لم يقم به أحد إلى حد هذه اللحظة سوى كيان العدو “الإسرائيلي” بدعم أمريكي مؤكد لا يحتاج إلى أدلة.

من هنا، فإن فتح باب هذا النوع من الحروب خطير جدًا، وخصوصاً إذا رجحنا الفرضية التي تقول بإرسال “الموساد” “الإسرائيلي” برامج خبيثة، قام فيها الكيان، حسب الخبراء: “باستغلال نطاق تردي لتنفيذ هجوم سيبراني معقد ومتزامن؛ تسبّب في انفجار البطاريات الموجودة في داخل البيجرات”، من حيث أن تكرار هذه الحادثة وارتكاب هذه الجريمة مرة أخرى وفي أماكن أخرى، وفي حروب أخرى، قد يكون خياراً، وليس فقط للدول الإجرامية، و”الإرهابية”، ولكن حتى من قبل الهواة المجرمين الذين يعج بهم الغرب نفسه، والذين يرتكبون الجرائم فقط من أجل التسلية، فمن سيمنع هؤلاء من الوصول إلى هذه الأساليب “السيبرانية”، وقد نجح الهواة في أكبر عمليات الهجمات “السيبرانية”، إذ تشير التقارير إلى أن أغلبهم كان يستخدمها من أجل التسلية.

من هنا، فإن مواجهة هذه الجريمة يجب أن تكون مسؤولية عالمية، وألا تقتصر على لبنان أو المقاومة في لبنان، ممثلة بحزب الله، لأن فتح باب كهذا، يشكل تهديداً للبشرية بشكل عام ولا يقل خطورة عن القنابل النووية، أو الأسلحة الكيميائية.

بناء على حجم الجريمة وأسلوبها، والذي يجب أن يقلق العالم، ويدفع لاجتماع طارئ في مجلس الأمن، فإن سحب الاستغراب الكثيفة تخيم على الصمت الذي يبديه المجتمع الدولي، واعتبار أن ما جرى هو مجرد حرب، بين طرفين وهي وسيلة من وسائل تلك الحرب منذ ما يقارب العام.

نعلم أن العالم لا يهتم لشأننا نحن المسلمين، فليقتل منا أي رقم، ملايين، لا يهم، ليس الحديث الآن عن حماية المدنيين في لبنان أو فلسطين، وإن كان مهمًا، وواجبًا إنسانياً، لكن الأمر أخطر بكثير، نحن نتحدث عن إنقاذ الإنسانية، من خطورة هذه الوسيلة التي ينظر إليها، حسب متابعة المواقف، والصمت الرهيب، إلى أنها عادية.

لا . لا . لا .. هذه ليست وسيلة عادية، بل هي تتجاوز مفهوم الحرب والاشتباك الحاصل، وحتى تتجاوز ما يمكن توقعه من حرب إقليمية شاملة، لسبب بسيط، هو أنها تهديد خطير للبشرية، من يضمن ألا تكون كل أجهزة الخليوي، قابلة للتفجير بنفس تلك الطريقة، أو أجهزة “اللابتوب”، وكل جهاز يحمل بطارية. كل التقارير التقنية، تقول إن الأمر قابل للتطبيق على كل تلك الأجهزة، وهذا ما كشفته هذه العملية الإجرامية.

هل هناك من يضمن ألا يحصل شيء مشابه، في الصين، في روسيا، في أي بلد في العالم، أو ألا يتم استخدام هذه الطريقة المتوحشة، في التنافس التجاري بين الشركات؟

في الحقيقة، إن أسلوب الحرب، وآلته الجديدة التي ابتدعها الصهاينة، لن تتوقف بخطورتها عند حد، إلا إذا وقف العالم أجمع في وجه العدو الصهيوني واعتباره عدواً للإنسانية، وهذا ما أكد عليه سماحة السيد القائد في خطاباته الأخيرة، ويركز عليه منذ بدء طوفان الأقصى، وفي آخرها، أكد أن الحل مع هؤلاء هو الجهاد فقط، والعودة إلى مبدأ التضحية في سبيل الله، لإنقاذ الأمة، وإنقاذ البشرية، من عدو وفئة تنظر لهذه البشرية على أنها مجرد حيوانات خلقت في صورة آدمية، لتسهيل خدمة بني “إسرائيل”، حسب النظرة التلمودية الخطيرة.
—————————————————*
– موقع العهد الاخباري/ علي الدرواني

مقالات مشابهة

  • تفجيرات “البيجر” واللاسلكي الإرهابية.. من الذي يجب أن يقلق؟
  • محلل سياسي: هذا هو الحليف القوي لروسيا في اليمن الذي سيطيح بالحوثيين
  • صنعاء تحذر من استخدام خدمات “ستارلينك” وتؤكد أنها تهدد سيادة وأمن اليمن
  • الغارديان: حرب التفخيخ التي تشنها إسرائيل: إنها غير قانونية وغير مقبولة
  • اليمن يكشف عن الصاروخ الذي قصم ظهر “إسرائيل”: الدلالات والرسائل
  • خبير سياسات دولية: موقف مصر في أزمة الحرب على غزة ثابت
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • الخارجية : إن الجمهورية العربية السورية، التي عانت على مدى ال ۱۳ سنة الماضية، من حرب كونية هدفت لتدمير دولتها وكسر إرادة شعبها بذريعة ادعاء الغرب الكاذب بحماية الديمقراطية وتعزيزها من خلال ممارساته الإرهابية المماثلة لتلك التي مارسها الصندوق الوطني للديمق
  • وكالة أمريكية: ما هو التهديد الذي يشكله الحوثيون في اليمن على إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)
  • كيف انتهى المطاف بعملاق التجسس الأمريكي تائهاً في اليمن وما الذي يبحث عنه؟