خالد عمر إنّها زكاة تؤديها
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
خالد عمر إنّها زكاة تؤديها
خالد فضل
خالد عمر يوسف، شخصية سياسية عامة يخضع للنقد والمعارضة فيما يطرحه ويفعله، وبالطبع من سفه المعارضة وانحطاط فحوى الاختلاف أن ينحدر إلى مهاترات شخصية تضيع في لججها معالم نقاط التباين في الأطروحة السياسية أو الفكرية أو الموقف في شأن عام مهما كان السبب في الخلاف. ثمّ أنّه ممن تربطني به علاقة اجتماعية غير مباشرة، فهو من عائلة زميلنا وصديقنا ابن دفعتنا في حنتوب الثانوية (1984) الرجل الخلوق د.
سموك اللمين واسم اللمين حقيتو
يا قمر السبعتين يا الكل البلد ضويتو
هكذا كان يردد جدنا المرحوم محمد أحمد ود الزين في مدح الراحل شيخ الأمين محمد الأمين، ذاك القائد العَلم من أفذاذ قادة حركة المزارعين الوطنية الثورية النقابية عبر اتحادهم المشهور.
خالد عمر يوسف هو سليل تلك البيئة، فيها نبت وترعرع وشبّ عن الطوق فتى شاهراً الوعي في وجه الظلام، وسيرته مبذولة كشخص عام كما أسلفت، فمن يملك دليلاً على خفة يده، أو ولوغها في المال العام الحرام فليأتِ ببرهان، ومن ساءه إجراء مشبوه أو بارتشاء، فليقدم صحيفة الإتهام، ومن تساوره الشكوك حول نزاهة يده وعفّة لسانه فليخرج من إرشيفه ما يؤكد ما يدعيه. فهو شاب مثقف، متعلم ومؤهل لما تدرّب عليه مهنياً، ولج الساحة السياسية من أبواب المقاومة السلمية، فلم تلحق بكدحه شائبة سفك دماء أو تعذيب معتقلين أو دقّ مسمار في الرؤوس داخل الزنازين، ولم يشارك في فظائع بيوت الأشباح، أو حادثة اغتصاب، أو قطع طريق أو نهب مسافرين، أو ترويع آمنين أو قتل متظاهرين أو حرق حواكير أو رمي براميل مفخخة فوق قرى المدنيين. كما لم يؤثر عنه حيازة مال حرام، ولم ينشئ حساباً تجميعياً يصب ريعه في جيوب تنظيم المؤتمر السوداني أو إتجار بالعملات الحرة في السوق الموازي عن طريق مدير مكتبه؛ وهو وزير!! يمارس السياسة، يخطئ فيها ويصيب ولكنه لم يستأجر بندقية في خارج الحدود.
إنّ خالداً يعي ضريبة العمل العام، إنّها زكاة يؤديها نيابة عنّا وهو صاعد إلى عليائه، كما في قول المسيح, وهو من جيل شاب، نظيف اليد، متحمس لرؤية بلاده وقد انعتقت مرّة واحدة وإلى الأبد من براثن الجهل وعوامل التخلف، من سلطات القمع والقهر والاستبداد، وتخلصت من عصابات الفساد والإفساد ومن تجّار الدين المزايدين بالوطنية، ينادي بالحرية والسلام والعدالة، ويتوق إلى دولة مدنية ديمقراطية ومؤسسات وطنية ذات شأن تلتزم المهنية والنزاهة ويحكمها القانون، لبناء وطن يسع الجميع بالفعل، هذا هو المبذول في كل مشاركاته في الحياة السياسية، فمن عنده رأي يخالف هذه الأحلام، ويرى في الاستبداد والديكتاتورية خير وفي الفساد (فلاحة) وفي الحرب مكاسب، وفي العنصرية والإرهاب إعادة بريق، فهذا شأنه لا شأن خالد، وقد صدع برأيه وبذل جهده من أجل منع نشوب الحرب، ضمن آخرين كثر من القوى المدنية الديمقراطية وغيرهم من أرباب العقول النيّرة وأهل الإبداع والإعلام والوعي والاستنارة، وظل ضمن هذه المجموعات الكبيرة حاضراً بالكلمة والحرف لم ينحرف عن جادة الطريق رغم توالي السهام المسمومة على صدره الرحيب، فاستحق التقدير على سعة صدره وشجاعته وثباته على درب الوعي الشاق والعسير، وسيأتي زمان دون شك يؤوب فيه الناس إلى رشدهم، سيجدون خالداً ضمن سفر الخالدين الذين صدعوا بالحق والقول المبين. هذا مع التحية والاحترام لجميع الديمقراطيين ممن يتحملون بجسارة نادرة أعباء كونهم مستنيرين وسط معمعة الجهالة والتعصب. وستشرق الشمس دون شك مهما تكاثفت الغيوم.
الوسومالجزيرة الدواعش السودان المزارعين المسيح المقاومة السلمية خالد عمر يوسف خالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجزيرة الدواعش السودان المزارعين المسيح المقاومة السلمية خالد عمر يوسف خالد فضل خالد عمر عمر یوسف
إقرأ أيضاً:
من قلب جباليا.. الجزيرة نت ترصد صور الحياة بين الركام
غزة- على أرض جباليا، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، تدور معركة لا تعرف الهدنة، حيث الحياة والموت يتنازعان على كل شبر، فهنا لا تنطفئ جذوة البقاء بين أهل المخيم، الذين يقفون في مواجهة الفناء، لا كضحايا، بل كجنود يحملون راية الحياة وسط أنقاضها، فلا يهادنون الرماد الذي يحاول أن يغطي الأفق، ولا يسلّمون لإرادة الاحتلال طمس وجودهم.
من بعيد وقبيل الوصول، يمكن ملاحظة كثافة عدد الأعلام الفلسطينية المنتصبة فوق ركام المنازل وعلى رؤوس الخيام، ترفرف بين الشوارع وعلى العمارات المطرزة بالرصاص كما يصفها أحد سكان مخيم جباليا "هذا تذكير للعائدين هنا بأن فلسطين تستحق، وأنها حية في قلوبنا مهما حاولوا محوها" كما يُجمعون هنا.
خلال الزيارة الأولى للجزيرة نت للمخيم شمال قطاع غزة قبل بضعة أيام، كان المظهر العام السائد رماديا، لكن خلال بضعة أيام، تمكّن الآلاف من العودة إلى بيوتهم وأعادوا تدشين مظاهر الحياة التي نجحت إسرائيل في دفنها، لكنها لم تنجح في وأد إرادة العائدين إليها.
وفي مقابلاتهم مع الجزيرة نت خلال الزيارة الثانية، كان الحُب هو الدافع الرئيسي لسكان المخيم والمدينة هنا، يقولون بصوت واحد "لا نستطيع البُعد عن جباليا"، وبهذا يفسر العائدون إليها هرولتهم إليها رغم خرابها.
في قلب الدمار بوسط المخيم، صنع العائدون سوقا لتأمين احتياجاتهم، وبين مستنقع من الوحل الناجم عن تكدس مياه الصرف الصحي الذي أحدثه تدمير البنية التحتية بشكل كامل، يضع الباعة بسطات الخضار والأغذية على طاولات مرتفعة.
إعلانعلى الناحية المقابلة عدد كبير من بسطات الأحذية وملابس البالة "المستخدمة"، صحون وأوانٍ تم انتشالها من ركام المنازل معروضة للبيع، ويلتف حولها الناس للشراء منها بأسعار زهيدة.
ببنطاله المشمّر، يقف خليل عمر أمام بسطة المعلبات وقدماه غارقتان في الماء، ينادي "6 علب تونة بـ 10 شواكل"، تقف قبالته سيدة لتشتري كمية منها، تتمتم "شرينا الواحدة قبل شهر بـ20″، ترد السيدة المرافقة لها "هذا ما اختلف عن أيام الحرب، امتلاء السوق بالأطعمة والإندومي والشوكولاتة، عدا ذلك لم يصنع انتهاء الحرب فرقا بأي شيء".
يعقب البائع خليل أنه يحمل بضاعته من منطقة "جباليا البلد"، ويسير بها إلى المخيم ليعرضها للبيع في هذه المنطقة المنكوبة "الناس هنا بحاجة لكل ما يعينهم على البقاء، السوق يتمدد يوميا والحياة تعود رغم أنها بشكلها البدائي" حسب وصفه.
وعود منسيةيفترش الناس الشوارع وركام البيوت، هذا هو الحال الذي رصدته الجزيرة نت عن أماكن نوم العائدين إلى بيوتهم المهدمة، جزء منهم اصطحب خيمته خلال نزوحه من جنوب القطاع، والسواد الأعظم ممن كانوا ينزحون في مراكز الإيواء في مدينة غزة انتشلوا أغطية مهترئة من ركام منازلهم وصنعوا منها خياما لا تسترهم ولا تقيهم بردا.
وعلى فرشة مهترئة مقابل ركام بيته، بالقرب من سوق جباليا، يستلقي المواطن أبو محمد شلايل، يعتذر لعدم قدرته على الاعتدال، فهو لا يستطيع الانحناء، لإصابة تلقّاها في أمعائه، حيث تضاعفت حالته خلال حصاره في مستشفى العودة مدة شهرين، وتعفنت جروحه وخرج القيح منها، وهو لا يزال يعاني مضاعفات ذلك حتى اليوم.
يقول أبو محمد للجزيرة نت "أعيش في صدمة، لا أستطيع استيعاب ما حدث، أستمر في الالتفات حولي حتى أُدرك ما حل بجباليا وكيف قُلبت حياتنا"، ويتحدث وقد نصب أعمدة من حديد انتشلها من بين بقايا الركام، لكنه ينتظر الحصول على "شادر" أو خيمة.
إعلانيقول "عدت لحظة انسحاب الجيش إلى جباليا ومنذ ذلك الوقت لم يقدم لنا أحد شيئا"، ويتساءل "لماذا لم يتبنانا أحد نحن المشردين حتى اللحظة؟ أين الوعود بإدخال الكرفانات وبدء الإعمار الذي صدّعوا به رؤوسنا؟!".
ومن المفترض أن يتردد أبو محمد على مشفى الشفاء للمراجعة الطبية والغيار على جروحه، لكنه لا يتمكن من الذهاب لانعدام المواصلات وحاجته إلى السير ساعات طويلة.
ويلتفتُ أبو محمد إلى منزله المسوّى بالأرض بعد أن كان يرتفع عنها 5 طوابق، وصار اليوم كومة من ركام، ويقول بصوت يملؤه القهر "أقصى أمانيّ اليوم أن أنام مرتاحا هادئا هانئ البال، دون أن أترنح بخوفي على أطفالي الخمسة الذين يعيشون حياة لا ترضاها البهائم".
وقبل أن يكمل ينادي طفله، يكشف عن قدميه، ويطلب التدقيق فيها "لقد هجم عليه كلب وهو نائم، ضربته بعصا حديدية حتى فكّ أنيابه عن قدمه وفر" ويتابع بكل ألم وحسرة "ثم تسألونني كيف حالك؟!".
قبالة منزل أبي محمد، تقع مساحة كانت مزارع قبل أن تجرفها الآليات الإسرائيلية، وهناك يلهو أطفال صغار، سألتهم الجزيرة نت "ماذا تفعلون؟"، أجابوا "نحفر نفقا" قبل أن تتعالى ضحكاتهم.
وفي معرض ردهم على سؤال وجهته لهم الجزيرة نت جميعا "هل يروق لكم العيش في هذا المكان المدمر؟" كانت الإجابات أكبر من أعمارهم، أحدهم قال "كيفما يكون شكلها بنشوفها جنة"، وردّ آخر "الوطن زي الضنى (الولد) فش أغلى منو"، أما الثالث فقال "حب جباليا بيجري بدمنا، هيك أبوي كان يحكي!".
"ليسوا أطفالا" تعلّق من بعيد سيدة تتربع أمام نار موقد الحطب، اقتربت منها الجزيرة نت، فعبّرت عن أسفها لما حلّ بأطفالها، تقول سناء أحمد وهي أم لـ5 أطفال "لا تعليم لا دراسة لا مستقبل لا أُفق".
وتتابع "يقضي أطفالنا يومهم في الشوارع أو يجمعون الحطب أو يبحثون في رُكام بيوتهم عن شيء يمكننا الانتفاع به أو بيعه، أو للوقوف على طابور المياه الملوثة التي نشربها من بئر مالحة نبتلع معها الرمل!"، تتابع بكل حسرة "مرضنا من الهم ومن كثرة التفكير في واقعنا الذي لم نتخيله يوما، لكننا نحاول التكيف مع ما فُرض علينا من مآسٍ".
يبدو مشهد الخيام المنصوبة فوق ركام البيوت عاديا، وهو الشكل السائد لسكن الناس هنا، كما يعيد الناس فتح مشاريعهم بشكل مصغّر، فصيدلية "جوري" مسحها الاحتلال وصارت أثرا بعد عين، ويعيد صاحبها فتحها بشوادر من نايلون، حيث يتوافد عليها الزبائن القدامى يجلبهم اسمها القديم الذي يعرفونه.
إعلانعلى الناحية الأخرى محل لبيع وتبديل المصاغ الذهبي، وبجوارها بسطات لشحن البطاريات والهواتف باستخدام ألواح الطاقة الشمسية، هي محاولة لصنع حياة طبيعية في مكان غير طبيعي البتة.
ويلجأ كثير من العائدين إلى جباليا لقضاء ليلهم في مدارس الإيواء التي لم يبق منها سوى أعمدة، يسدون الثغرات بالنايلون أو بالقماش وينامون ليلهم.
استطلعت الجزيرة نت أوضاع النازحين في إحدى هذه المدارس التي كانت قوات الاحتلال قد دمرتها لكنها غفلت عن الجزء الشرقي منها، لكنه مطرز بالقذائف منقوش بالرصاص محروق، وأشبه بـ"خرابة" ذات جدران سود آيلة للسقوط، ودرج متهالك، ورغم ذلك أوى إليه المئات، مبررين ذلك "المهم أن نبقى بجباليا حتى لو عشنا في خم دجاج".
تماما كما قالت أم غزل عليان التي قدمت من جنوب القطاع بعد رحلة نزوح فيه استمرت مدة عام كامل، فقبلت البقاء في هذا المكان الموحش، تسير أم غزل وهي تتحسس الجدران وتقول: "الجدار نعمة، أن تجد شيئا تسند إليه ظهرك نهاية النهار، هذه نعمة لم نجدها حين كنا في خيام الجنوب، أن تتنفس هواء حارتك هذه نعمة اختنقنا من غيرها هناك".
وفي معرض ردها على سؤالنا عن كيفية تعايشها في هذا المكان القاتم، قالت إنها تراه أكثر سترة من خيام الشوارع خاصة أن لديها 4 فتيات يحتجن إلى شيء من الخصوصية"، لكن أقسى ما تعانيه أم غزل -وهي زوجة لأسير اختطفه جنود الاحتلال من جباليا قبل أكثر من عام- هو تعبئة المياه، حيث تمشي مع بناتها مسافة طويلة جدا تحمل كل واحدة منهن جالونا لتعبئته من إحدى الآبار البعيدة!.